أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تصعيد متواصل:

هل تنتقل طهران وواشنطن إلى مرحلة ما بعد "الضغوط القصوى"؟

16 أبريل، 2020


لم تكن الرسائل التي تبعث بها البحرية الإيرانية لدى اقترابها من القطع البحرية العسكرية التابعة للأسطول الخامس الأمريكي في بحر العرب، في 15 إبريل الجاري، جديدة في شكلها، لكن من حيث المضمون من المتصور أن هناك مؤشرات جديدة في هذا السياق يمكن أن ترسم ملامح المرحلة القادمة بين طهران وواشنطن، منها التوقيت الراهن لهذه الجولة من التصعيد في البحر الذي يتوازى مع التصعيد في العراق من جانب فصائل عراقية مقربة من إيران ضد القواعد العسكرية الأمريكية، واستمرار تداعيات تفشي وباء "كورونا" داخل إيران، ومنها أيضاً كثافة الحشد العسكري بهذا الكم من الزوارق وفقاً لبيان القيادة الأمريكية، والذي وصل إلى 11 قطعة بحرية إيرانية اقتربت من 6 قطع بحرية تابعة لقيادة الأسطول الخامس. 

مقاربة جديدة: 

هناك مقاربة منطقية واضحة يتحدث عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهى "استعادة الردع" في مواجهة إيران، أمام سلسلة من التطورات الفارقة في هذه المقاربة منذ إسقاط منظومة دفاعية محلية طورها الحرس الثورى الإيراني لطائرة أمريكية من دون طيار قبالة مضيق هرمز في يونيو من العام الماضي، والاستعراضات الخاصة بالدرون التي يقوم بها حلفاء إيران في المنطقة، لاسيما ميليشيا المتمردين الحوثيين في اليمن.

 لكن القراءة النظرية لعملية الردع، في ظل معطيات ميزان قوى محسوب لصالح واشنطن، لا يمكن أن تقدم تفسيراً منطقياً لما يجري. لذا أصبحت هناك اتجاهات تنظير أخرى تعتمد الحسابات غير التقليدية من هذا المنظور، لتجيب على تساؤل رئيسي ألا وهو كيف يمكن لقدرات محدودة مثل القدرات الإيرانية ببحريتها في الخليج أن تشكل تهديداً لقوة بحرية نووية مثل تلك التي تعمل تحت مظلة قيادة الأسطول الخامس الأمريكي في الخليج العربي. 

أحد أقرب هذه التنظيرات، على سبيل المثال، ما أشار إليه Caleb Larson، في The National Interest ، حيث أوضح أن الهدف الاستراتيجي لإيران قد لا يكون فقط التهديد وإنما محاولة السيطرة على مضيق هرمز الاستراتيجي، وقارن في هذا السياق بين ما تمتلكه إيران من "غواصات صغيرة" محدودة القدرات (ديزل وكهربائية) في مقابل نظيراتها "النووية" الأمريكية الأكثر قوة، وأشار بشكل خاص إلى أن القدرات المحدودة لتلك الغواصات قد تكون مثالية لهذا الوضع بل يمكن عمل "كمين" في مناطق ضيقة في المضيق، وهى المقاربة ذاتها التي رصدتها تقديرات أمريكية عديدة على مدار العامين الأخيرين بشأن استخدام إيران لطائرات من دون طيار في المنطقة نفسها كانت تطلق عليها "الطائرات العمياء" وهى محدودة القدرات ولا تتجه نحو هدف عسكري محدد وإنما بالنظر إلى كثافة عددها تشكل تهديداً سواء في الاصطدام بطائرات أمريكية من دون طيار أو بقطع بحرية أمريكية. وإجمالاً، فإن هذا التهديد أصبح متعدد المصادر، سواء بحرية مثل الغواصات والألغام البحرية، أو سطحية على غرار السفن، أو جوية مثل الدرون الإيرانية التي أصبحت أكثر تطوراً في العام الأخير. 

ساحات متعددة:

أشارت اتجاهات عديدة أيضاً إلى فكرة تعدد مصادر التهديد الإيرانية على أكثر من جبهة، أو بتعبير آخر خوض المعارك على أكثر من جبهة، لكن أحد المؤشرات الحالية يتعلق بتوجيه الجهود الإيرانية نحو مواجهة الولايات المتحدة فقط، ومحاولة خفض التصعيد الإيراني في الخليج، انطلاقاً من تقييم الوضع الميداني في بعض الدول مثل العراق، حيث باتت الفصائل العراقية تركز على استهداف القواعد العسكرية العراقية التي تتواجد فيها القوات الأمريكية بشكل واضح. 

نقطة اللاعودة:

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن إيران تحاول إنهاك القوات الأمريكية في الخليج، بوسائلها العسكرية المختلفة. وفي المقابل، أصبحت الولايات المتحدة هى الأخرى تركز على استهداف الشبكات الإيرانية في المنطقة وفق التقديرات الأمريكية. ففي 11 إبريل الجاري، أعلنت واشنطن عن مكافأة قدرها 15 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى تفكيك شبكات الحرس الثوري في اليمن. وقبل ذلك، وتحديداً في 5 ديسمبر 2019، رصدت واشنطن مكافأة قدرها 15 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن عبد الرضا شهلايي، القيادي في الحرس الثوري الذي فشلت واشنطن في استهدافه في ضربة جوية نفذت، على الأرجح، بالتزامن مع العملية العسكرية التي أسفرت عن مقتل قائد "فيلق القدس" قاسم سليمانى في 3 يناير الماضي، وذلك بالتوازي مع إعادة تقييم حالة الانتشار العسكري في العراق ومراجعة اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع بغداد. 

وفي رؤية تقديرات أمريكية، فقد تكون جائحة "كورونا" الحالية وتداعياتها على إيران مثلت اختباراً جديداً لسياسة الضغوط القصوى فيما يتعلق بالتأثير على النظام، إذ أن تأثيرات الجائحة في حد ذاتها أقصى من العقوبات الأمريكية لكنها لم تطح بالأخير. كما أنه لا يجب استبعاد المهددات الأخرى كالتهديد النووي، حيث ضاعفت إيران من أنشطتها النووية والصاروخية، ووفقاً لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن مخزون إيران من اليورانيوم تضاعف ثلاث مرات من نوفمبر الماضي إلى مارس الفائت، وهو مؤشر لافت في هذا الصدد.

 كذلك، فإن أحد المعطيات الأخرى هو أن إيران لم تعد بحاجة إلى تمويل حلفائها الإقليميين اقتصادياً، في ظل ظروفها الاقتصادية المتردية، وتستعيض عن ذلك بتقديم الخبرات الفنية وطواقم الخبراء، وبالتالي تظل المخاوف الحالية التي تعكسها أغلب التقديرات تتمثل في أن إيران تسعى تدريجياً إلى تجاوز "الخطوط الحمراء" التي رسمتها الإدارة الأمريكية، وفي حال الانفلات قد يكون الخيار التالي خارج الحسابات المتوقعة، وهو الانزلاق إلى مواجهة مباشرة أكثر تصعيداً ستنعكس تداعياتها على المنطقة برمتها. 

في الأخير، ترجح تفاعلات معادلة الاشتباك الحالية بين طهران وواشطن أن الطرفين ذهبا إلى نقطة اللاعودة في تبادل سياسة الضغوط القصوى، فالصور التي عكسها الاقتراب البحري الإيراني في مواجهة الأسطول الأمريكي، والذي وصفته واشنطن بـ"الاستفزازي والخطير"، هى إحدى صور التصعيد الشامل، الذي لا يمكن عزله عن باقي التطورات في الملفات الأخرى التي تشهد تصعيداً موازياً، ما يظهر عدم مبالاة إيران بنظرية "الخطوط الحمراء" الأمريكية، ومن ثم لا تزال التفاعلات بين الطرفين حافلة بالمفاجآت المحتملة في إطار التصعيد المستمر بينهما.