أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

مواجهات مستمرة:

حدود التغيير في التصعيد الإسرائيلي-الإيراني في سوريا

19 فبراير، 2020


شنت إسرائيل هجمات ضد مواقع في سوريا مرتين في 6 و13 فبراير الجاري، دون أن تتبنى رسمياً استهداف هذه المواقع، وذلك على الرغم من حرصها على تأكيد أنها ستواصل استهداف الوجود العسكري الإيراني في سوريا. ومع أن الهجمات الإسرائيلية على سوريا ليست جديدة، إلا أنها باتت تتسم بالكثافة، على نحو يوحي بأنها سوف تتواصل خلال المرحلة القادمة.

 واللافت في هذا السياق، أن رؤية كافة الأطراف المعنية لتلك الضربات لا تختلف تقريباً. فقد حرص النظام السوري على توظيف هذه الهجمات باعتبارها اعتداءً على سيادة البلاد، فيما لم تلق إيران الضوء عليها، رغم أنها المعنية الرئيسية بها لاسيما في ظل التقارير المتوالية التي تؤكد سقوط عناصر تابعة لقواتها فيها، وذلك في الوقت الذي قامت إسرائيل بنشر صور لاستهداف مواقع تزعم أنها لبنية عسكرية إيرانية. 

ومن هنا، يمكن القول إن مجمل هذه الرؤى لم تتغير، حتى بما فيها ما يتعلق بقيام الطائرات المدنية الإيرانية بنقل الأسلحة إلى سوريا. لكن على ما يبدو، فإن إسرائيل قد تتبنى توجهاً جديداً، وفقاً لـوزير الدفاع نفتالي بينيت الذي نقلت عنه صحيفة "جيروزاليم بوست"، في 18 فبراير الحالي، أن "إيران تحاول التموضع في سوريا عبر إرسال قوات إلى هناك، لكن تل أبيب تتفوق استخباراتياً وعملياً عليها"، مهدداً بالتحول "من الدفاع إلى الهجوم حيال الوجود الإيراني"، ومؤكداً أنه "يجب إضعاف رأس الأخطبوط وتدميره عبر إضعاف أذرعه"، وأن "إسرائيل صارت تلاحظ مؤشرات على ضعف إيران في سوريا، وتعيد ترتيب حساباتها هناك".

وهنا، فإن التساؤل الأهم يتصل بمستوى التغير في الاستراتيجية الإسرائيلية، إذ أن إشارة بينيت إلى "الانتقال من الدفاع إلى الهجوم" ضد الوجود الإيراني في سوريا لا تتفق مع طبيعة الضربات التي تتم في إطار استراتيجية عسكرية هجومية، وليست دفاعية، سوى بالمنطق السياسي الإسرائيلي الذي يعتبرها "ضربات استباقية" تأتي في سياق دفاعي حتى لا تتحول سوريا إلى "منصة عسكرية" لإيران ضدها.

 ويشير ذلك إلى أن هناك بعداً آخر للمواجهة في حالة الانتقال إلى الهجوم وفقاً للمنظور العسكري الإسرائيلي أيضاً، ربما يتضمن، على سبيل المثال، استهداف الطائرات الإيرانية جواً. 

في المقابل، لم تأت ردود الفعل الإيرانية خارج السياق التقليدي أيضاً بالتلويح بشن هجمات مضادة على إسرائيل، حيث هدد قائد الحرس الثوري حسين سلامي، في 13 فبراير الجاري، باستهداف كل من إسرائيل والولايات المتحدة "إذا ارتكبتا أقل خطأ". لكن هذا التصريح جاء فى أعقاب الهجمات الأولى دون أن يظهر رد فعل إيراني إزاءه، وكان لافتاً أن الرد جاء من روسيا، حيث انتقد السفير الروسي لدى سوريا ألكسندر يفيموف، في حديثه مع وكالة "سبوتنيك"  الروسية في 10 فبراير الحالي، إسرائيل في أعقاب الهجمات التي شنتها قبل أربعة أيام، والتي أشارت تقارير إلى أنها أسفرت عن سقوط أكثر من 20 عسكرياً سورياً وإيرانياً. إذ اعتبر يفيموف هذه الضربات "استفزازية وخطيرة للغاية بالنسبة للوضع في سوريا"، مبرراً إدانته بأن تلك 

"الصواريخ تسقط في العمق السوري وليس في مناطق متاخمة لها"، وهو ما يعني أنه ليس هناك خطر على إسرائيل يستلزم توجيه تلك الضربات، بما يوحي بأن روسيا تعتبر تلك الضربات هجومية وليست دفاعية. 

دلالات غائبة: 

تتناول كافة الأطراف الموقف بالعرض والتحليل الاستراتيجي، لكن البعد الغائب في كافة الروايات هو كفاءة الدفاعات السورية - الروسية في التعامل مع الهجمات الإسرائيلية المتكررة، وهو أمر يطرح احتمالين: الأول، أن هناك عدم كفاءة في تشغيل منظومات الدفاع الروسية في سوريا، حيث يمتلك النظام منظومة "إس -300" لتغطية هذه المواقع، وفي أكثر من مرة فسر الأمر من عسكريين سوريين على أنه يتم إيقاف وحدة تشغيل المنظومة كتأمين من الاستهداف الجوي حيث أن وحدات المنظومة توزع على أكثر من نقطة، وبالتالي تكون هناك استجابة متأخرة، لكن فى واقع الأمر يحدث نوع من الاستهداف لبعض الصواريخ التي تقرأها المنظومة، وهو ما يعتبره مراقبون بمثابة عدم كفاءة إما بالنسبة للمنظومة من الناحية الفنية، أو بالنسبة لمستوى التشغيل. واللافت للانتباه في هذا السياق هو تصريحات السفير الروسي يفيموف عن تعرض طائرة مدنية للخطر واضطرارها للهبوط في حميميم، وهو ما يدعم نظرية القصور في الكفاءة.

 لكن الاحتمال الثاني قد يكون هو الأهم، وينصرف إلى أن روسيا ذاتها تغض الطرف عن عملية الاعتراض بالأساس، وأن تلك الضربات، من الناحية العملية، تأتي لصالحها في الأخير، خاصة أنها لا تريد وجوداً إيرانياً مستقراً في سوريا قد يشكل لها قوة منافسة في المستقبل.

السيناريو القادم: 

ترى إسرائيل أنها في موقع قوة في المواجهة مع إيران داخل سوريا، فمحصلة الضربات تعتبرها تل أبيب نجاحاً لخططها. لكن، وبغض النظر عن الخلافات النظرية والسياسية في تفسير طبيعة الضربات (دفاعية أم هجومية)، فإن التصعيد الإسرائيلي ضد الوجود الإيراني في سوريا يحتمل أن يصبح أكثر كثافة، ربما في إطار محاولة لاستعراض القوة بشكل استباقي في وقت قد تعد إيران لرد فعل ما خاصة بعد مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني في 3 يناير الفائت. وبالتالي، فإن الهجمات الإسرائيلية الجديدة قد تمثل رسالة تحذير إلى إسماعيل قاآني قائد "فيلق القدس" الجديد بأن عليه أن يغير سياسات سلفه. 

ويبدو أن إيران لم تنتهي بعد من وضع استراتيجية ما بعد سليماني. وكان لافتاً في هذا السياق، تصريحات حسين سلامي، التي أدلى بها في 18 فبراير الجاري، وأعقبت التصعيد الإسرائيلي وحديث بينيت عن ضعف إيران في سوريا، حيث قال أن "الوقت لم يعد ملائماً لمحو إسرائيل من الوجود"، إلا أنه ألمح إلى احتمالات اندلاع مواجهة جديدة بين إسرائيل وحزب الله، بالإشارة إلى أن "الحزب أقوى بعشرات المرات من 2006"، بما يعني أنه استبعد أيضاً المواجهة المباشرة بين الطرفين. 

في الأخير، يبدو أن المرحلة القادمة سوف تشهد تصاعداً في حدة المواجهات غير المباشرة بين إيران وإسرائيل، في ظل تقاطع حسابات الطرفين وتشابك الملفات الإقليمية التي تحظى باهتمام خاص من جانبهما.