أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

حسابات متباينة:

هل تنجح محاولات احتواء الخلاف الروسي– التركي في إدلب؟

05 فبراير، 2020


تسعى روسيا وتركيا إلى تقليص حدة التوتر الذي اتسع نطاقه بينهما في الفترة الأخيرة بسبب التصعيد العسكري في إدلب بين الأخيرة وقوات النظام السوري، الذي أسفر عن سقوط عدد من القتلى على الجانبين. فقد أعلن الكرملين أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان اتفقا على اتخاذ إجراءات لتحسين تنسيق خطوات الدولتين في سوريا. وانخرطت الخارجية الأمريكية في هذا الخلاف بتأييدها رد الفعل التركي ضد الجيش السوري، في مؤشر جديد على التحولات الجيوسياسية التي تشهدها سوريا حالياً وتأثيرها على التحالفات القائمة بين الأطراف المعنية بها.

ملف ضاغط:

على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة، شكلت إدلب المساحة الأكبر للتباين بين روسيا وتركيا في سوريا، وسعى الطرفان، في كل مرة يتجدد فيها الخلاف بينهما، إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار العسكري. وكان اتفاق سوتشي (سبتمبر 2018) أحد أهم هذه المحطات التي تعاملت مع إدلب كمنطقة لخفض التصعيد، وبموجبه أعيد انتشار القوات العسكرية للأطراف هناك، وأنشأت تركيا عشرات من النقاط الأمنية في المنطقة، لكنها ظلت عرضة لهجمات من الجيش السوري.

إلا أن موسكو، وبعد عام من الاتفاق، اعتبرت أن أنقرة أخلّت به ولم تنفذ أهم بنوده، وهو الفصل بين مقاتلي المعارضة والمجموعات الإرهابية. وقبل أن يطلق النظام السوري، بدعم روسي، العملية العسكرية الحالية في إدلب، كرر وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف التأكيد على أن "صبر موسكو نفد" حيال عدم الالتزام بالاتفاق. ومع إطلاق العملية العسكرية قبل نحو شهر، أظهرت التحركات العسكرية الميدانية أن الخلاف بين روسيا وتركيا تجاوز المستوى السياسي إلى الميداني، الذي كاد يغير المعادلة في سوريا بين الطرفين إلى درجة الصدام.

خطوات متوازية:

رغم توصل الطرفين لاتفاق لوقف إطلاق النار، وفقاً لما أعلن عنه مركز العمليات العسكرية الروسية في حميميم عقب التصعيد المتبادل بين القوات السورية والتركية، إلا أنه، على الأرجح، لم ينفذ بشكل فعلي على الأرض، وهو ما دفع وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو إلى الحديث عن أن "روسيا باتت تفتقد السيطرة على النظام"، في محاولة منه لتبرير موقف بلاده في الرد على التصعيد من جانب قوات الجيش السوري.

وفي مقابل ذلك، تواصل القوات السورية تقدمها على خط مدينة إدلب بعد السيطرة على معرة النعمان الاستراتيجية، حيث تطوِّق سراقب وأصبحت على تخوم المدينة التي يفصلها عنها حوالي 8 كم تقريباً.

ومن المتصور أن قوات الجيش السوري ستوصل تقدمها نحو المدينة التي شهدت نزوحاً واسعاً من المدنيين، وبدأت تستعد لجولة من الحرب، حيث ظل النظام يتعامل مع إدلب على أنها "المعركة المؤجلة". وثمة مؤشرات عديدة توحي بأنه يسعى إلى استهداف تركيا في إطار تصفية حسابات سياسية تنامت على مدار أعوام الأزمة، ومن ثم سيظل لديه ذلك الاندفاع نحو المواجهة على خطوط التماس في إدلب.

 كذلك، فإن تلميح الخارجية الروسية إلى أن القوات التركية تقوم بعملية انتشار عسكري في إدلب، دون الإشارة إلى المزيد من التفاصيل، يؤكد على أن مرحلة التنسيق لم تبدأ بعد، وبالتالي فلا يزال هناك احتمال لتكرار تلك المواجهات.

وتعمل تركيا، على الجانب الآخر، وفق تقارير دولية، على نقل عناصر من مقاتلي إدلب إلى ليبيا، لكن لا تزال أغلب التقارير ترى أن هناك صعوبات في سحب المقاتلين الموالين لها، وأنها لا تريد استبعاد تلك الورقة في الوقت الحالي قبل الوصول إلى اتفاق تحاول فيه التخلص منهم إما بتركهم في طريق القوات السورية أو ترحيلهم إلى الخارج، لكنها، على الأرجح، ستحاول الحفاظ على قوات المعارضة السورية المسلحة كورقة للمساومة ليس فقط في مسار المعركة الحالية في مواجهة النظام وإنما في معارك عسكرية أخرى لاسيما في شرق الفرات. ويبدو أن النظام يراقب هذه الحسابات التركية، على نحو دفعه إلى توجيه دعوات لبعض تلك المجموعات من أجل تسوية أوضاعها العسكرية وعدم الرهان على تركيا.

انخراط لافت:

كان لافتاً أن وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو حرص على الانخراط في هذا الخلاف، حيث أيد موقف تركيا خاصة فيما يتعلق باستهداف القوات السورية، باعتبارها "الحليف في حلف الناتو"، وهو توصيف بدا محدداً من جانبه، على الرغم من أن مهام الأطراف في سوريا لا علاقة لها بالحلف، لكن يبدو أنها رسالة حاول بومبيو تمريرها إلى موسكو عبر أنقرة.

وفى هذا السياق، تقاربت - ميدانياً - كل من أنقرة وواشنطن في سوريا مؤخراً على خلفية موقف واشنطن من الأكراد، والذي جاء في صالح الأولى. كما أنها تعارض تنامي الحضور العسكري الروسي حول حقول النفط في شمال شرقى البلاد، على نحو بدا جلياً في تكرار قيام القوات الأمريكية باعتراض قوات روسية تحاول الوصول إلى تلك الحقول، وهو ما يبدو أنه يحظى بقبول من جانب أنقرة.

تحديات عديدة:

لا تزال أغلب التحليلات التركية والروسية تشير إلى قدرة الطرفين على احتواء الخلاف، رغم التوقعات الخاصة باستمرار التصعيد التركي – السوري. لكن سيظل هذا الاحتواء عرضة للاصطدام بعدم قدرة الطرفين على تطويع اتفاق سوتشي لمزيد من الوقت، لاسيما مع اندفاع الجيش السوري لمواصلة عملياته العسكرية في إدلب، معتبراً أنه ليس طرفاً فيه، وأن "التواجد التركي غير قانوني ويشكل عملاً عدائياً صارخاً" بحسب القيادة العامة للجيش.

ويبدو أن النظام يحاول السيطرة بشكل كامل على الطريقين الدوليين "M5" و"M4" في إدلب، واللذين تتوزع عليهما نقاط مراقبة تركية أقرها اتفاق سوتشي، بشكل دفع أنقرة إلى إعلان أنهما يدخلان في إطار منطقة عمليات عسكرية، وهو ما يعني أن الطرفين باتا فعلياً وجهاً لوجه في هذه المنطقة. 

أما بالنسبة لموسكو، فقد أبدت رغبتها بدورها في تصفية معقل "هيئة تحرير الشام"، على نحو يوحي بأن مصالح الأطراف تتعارض والخلاف يتصاعد، رغم محاولات الحفاظ على التوافق الذي يخدم حسابات أخرى.

في المحصلة الأخيرة، من المتصور أن معركة إدلب ستشكل أكبر تحدي لتركيا وروسيا في سوريا، مع تصاعد حدة الخلافات بين الطرفين، وموقف كل منهما من النظام الذي يعتبر أن استعادة إدلب يمثل إحدى "الجوائز الكبرى" التي سيحصل عليها، وتدعمه في ذلك تكتيكات روسيا التي تهدف إلى دفع تركيا للتراجع تدريجياً بعيداً عن مدينة إدلب على الأقل في المرحلة الحالية، وإعادة رسم مواقع انتشار بالقرب من الحدود. ومع ذلك، ورغم التحديات القائمة، فإن الطرفين لن يفترقا، على الأرجح، في إدلب، فحجم المصالح سيدفعهما إلى تقديم تنازلات، كالعادة، للإبقاء على التوافق القائم بينهما.