رئيسة الوزراء النيوزيلندية «جاسيندا أرديرن» قدمت نموذجاً حقيقياً للتسامح على المستوى الدولي، وكثير من الناس يعتقدون أن التسامح أمرٌ سهلٌ، أو يكونون أسرى لمعنى التسامح المسيحي (من صفعك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر) وما لا يعرفه الكثيرون هو أن التسامح يعني القوة لا الخوف ويعني الثقة لا الضعف.
الضعفاء لا يقدمون على التسامح ولا يستطيعون. التسامح يحتاج إلى العديد من المعطيات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تهيء له البيئة المناسبة ومن ثم الوعي المتقدم الذي يدفع باتجاهه ضمن استراتيجية واضحةٍ وخططٍ محكمةٍ تضمن أفضل النتائج وتحقق الغاية.
دولة الإمارات العربية المتحدة تقدم منذ سنواتٍ نموذجاً مهماً للتسامح تجلّى في العديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي انتشرت في عرض البلاد وطولها بدعم القيادة ومساهمة الشعب حتى أصبح للتسامح وزارة خاصة ومهمة يقف على رأسها الشيوخ، الشيخة لبنى القاسمي، والشيخ نهيان بن مبارك، كما لها جمعياتٌ وجوائز مرموقةٌ في أكثر من إمارة من إمارات الدولة.
احتفت الإمارات بقرارات رئيسة وزراء نيوزيلندا في إدارة الأزمة وبرسائل الاستقرار السياسي ودعم التكاتف المجتمعي في وجه الإرهاب، وتم رفع صورتها على «برج خليفة» أطول برجٍ في العالم، وحيّتها القيادة الإماراتية في أكثر من تصريح وموقفٍ، وأرسلت الإمارات رجالات دولةٍ إلى نيوزيلندا لإظهار التعاطف الكبير والدعم الثابت لسياسات رئيسة الوزراء المميزة في مواجهة التطرف والإرهاب.
الإمارات تعيش هذا العام «عام التسامح» حركةً دؤوبةً في تعزيز ونشر التسامح لا في الإمارات فحسب بل في المنطقة والعالم، وكان من أهمها الاستضافة للحدث الكبير والتاريخي بين شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيّب وبابا الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس في أبوظبي في زخمٍ يليق بالقيمة التاريخية التي يستحقها الحدث وما تلاه من قراراتٍ معلنةٍ من راعي ذلك اللقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد.
دون أي مقارنة إلا أن المواطن والمقيم بالإمارات يشعر أن موقف نيوزيلندا تجاه الحادث الإرهابي موقفٌ مألوفٌ وهو الموقف المطلوب والصحيح تجاه الإرهاب الذي يستهدف المدنيين ودور العبادة تحديداً، وهذا نتيجة للسياسات المعلنة والمكثفة المذكورة أعلاه بينما يمكن تسمية العديد من الجمهوريات العربية التي تسيطر عليها شعارات الأصولية والطائفية والإرهاب وتملأ فضاءاتها ومجالها السياسي والشعبي وبخاصة تلك التي تعرضت لموجة ربيع الإرهاب و«الإخوان» والطائفية.
رفض المقارنة يعني أن الاقتناع بالتسامح وطريقة نشره وتعزيزه تختلف من بلدٍ لآخر، ومن شعبٍ لغيره، فلا يوجد نموذج واحدٌ يمكن توزيعه على الجميع في العالم ليتمّ تطبيقه، مثلما يحسب بعض من يعتقدون أن ديمقراطية الصناديق هي نهاية إقدام العقول والنموذج الأوحد لحل كل مشكلات العالم، ولذلك فبقدر ما يكون الهدف واضحاً والغاية هي التسامح فالسبل إليها عديدة ومختلفة ويجب أن تكون محكمةً وخلاقةً ومؤثرةً.
للتسامح مفرداتٌ إنسانية يجب تعزيزها ونشرها وترسيخها كالتعايش والسلام والمحبة، ومفردات دينية كالسماحة واليسر والرفق، ومفردات اجتماعية كإكرام الضيف وإغاثة الملهوف وإجارة المستجير وتأمين الخائف، ومفردات فكرية وثقافية وفلسفية، فالتسامح ليس قراراً فحسب، بل هو بناء منظومات متماسكة تدفع باتجاهه وترعاه حتى يونع ويثمر ويؤتي أكله طيبة زاهية.
النموذج الغربي للتسامح مهم جداً، من الدول الاسكندنافية إلى أميركا وكذلك النموذج الشرقي في اليابان وغيرها، والنموذج الإماراتي في الشرق الأوسط، والباب مفتوحٌ لخلق نماذج جديدةٍ وافتراع طرق وسبل لنشره وتعزيزه، وهو ليس سهلاً كالإرهاب والتخريب والدمار كما هي السياسات المعلنة لبعض الدول الإقليمية.
أخيراً، ما أجمل قول الشاعر: أرى ألف بانٍ لا يقوموا لهادمٍ/ فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم
*نقلا عن صحيفة الاتحاد