أعطى قرار السنغال بالمشاركة في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن، طابعاً "أفريقياً" للعمليات العسكرية الحالية، حيث تُعد السنغال رابع دولة أفريقية تشارك في هذا التحالف، وذلك بعد كل من مصر والمغرب والسودان.
كما فتح إعلان المشاركة العسكرية السنغالية المجال للتكهنات حول وجود نية لتدخل بري محتمل في الأزمة اليمنية، خاصةً في ظل رفض بعض الدول الحليفة للسعودية فكرة التدخل البري، تفادياً للخسائر المتوقعة حال حدوثه. لكن، إذا تدهورت الأوضاع في اليمن، وفشلت كل محاولات الحل السياسي، وأدركت دول التحالف أن الضربات الجوية وحدها لا تكفي لتحقيق الأهداف المرجوة لاستعادة الشرعية ووضع حد لانتهاكات الحوثيين والنفوذ الإيراني، فسوف سيكون حينها التدخل البري أمراً غير مستبعد على الإطلاق.
من ناحية أخرى، أثار هذا القرار السنغالي العديد من التساؤلات حول دوافعه وجدواه، خاصةً في ظل ادعاء البعض أن تلك العمليات العسكرية تتم في بقعة جغرافية بعيدة نسبياً عن الأراضي السنغالية، بما لا يهدد أمن واستقرار السنغال وسلامة أراضيه.
لكن واقع الأمر يشير إلى أمرين جوهريين، أولهما أن تحقيق التقارب السياسي والاقتصادي بين الرياض وداكار يعتبر عاملاً حاسماً في تفعيل قرار المشاركة السنغالية.
أما الأمر الثاني، والذي يبقى ذو دلالة أهم في هذا السياق، فيشير إلى حقيقة ترابط الأحداث، خصوصاً ما يتعلق منها بانتشار حركات التمرد والتنظيمات الإرهابية عبر منطقة تمتد من أفغانستان، مروراً بالمنطقة العربي، وصولاً من سواحل أفريقيا الشرقية والساحل والصحراء وغرب أفريقيا، وهو ما خلق علاقات جديدة مع حكومات المغرب العربي ودول غرب أفريقيا، والتي امتدت لتشمل مصر ودول الخليج العربية، إذ لا يبدو أن ثمة انفصال إقليمي بين هذه المناطق المختلفة بالنظر إلى انتشار التنظيمات الإجرامية والإرهابية وعصابات التهريب والاتجار بالبشر العابرة لحدود هذه المناطق، علاوة على سرعة انتقال الأحداث من دولة لأخرى ضمن هذا النطاق الجغرافي الواسع.
المشاركة السنغالية في اليمن.. جدل داخلي
كان الرئيس السنغالي "ماكي سال" قد أعلن يوم 4 مايو الجاري مشاركة نحو 2100 جندي من الجيش السنغالي في عمليات "إعادة الأمل" في اليمن بعد انتهاء "عاصفة الحزم"، محذراً من أن المتمردين الحوثيين في اليمن يمثلون تهديداً خطيراً للاستقرار الإقليمي والأماكن المقدسة الإسلامية.
وقد اختلفت ردود الفعل في الداخل السنغالي بين مؤيد ومعارض لقرار المشاركة في التحالف السعودي باليمن، حيث رحب العديد من المسؤولين الحكوميين والبرلمانيين المحسوبين على النظام بهذا القرار، الذي دافع عنه وزير الخارجية بإقراره أن مساندة المملكة السعودية الصديقة أمر حتمي، ولابد منه لحماية سلامتها الإقليمية ووحدة أراضيها ضد أي تهديد مباشر قد يقود لتكرار ما يحدث في سوريا.
وفي المقابل، شنت المعارضة السنغالية هجوماً حاداً على ذلك القرار، مفندة مبررات وأسباب اتخاذه، حيث أشارت إلى أن التدخل في اليمن بحجة حماية المقدسات الإسلامية في المدينة ومكة يبدو أمراً غير حقيقي أو منطقي على أرض الواقع، مُدعمة وجهة نظرها بعدم تعرض هذه المقدسات للخطر جراء الحرب في اليمن.
أهمية المشاركة العسكرية السنغالية
رحبت المملكة العربية السعودية بالقرار السنغالي بشكل كبير، خاصةً أنه جاء بعد مطالبة السعودية للسنغال بالمشاركة في التحالف، وكان ذلك خلال اللقاءات التي جمعت بين الملك سالمان بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن سالمان وزير الدفاع وولي ولي العهد محمد بن نايف، بالرئيس السنغالي على هامش زيارته الأخيرة للرياض في شهر أبريل الماضي.
وإذا كانت محاولات السعودية للاستعانة بالدول الصديقة لتحقيق مصالحها والحفاظ على وحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية واضحة ومفهومة، فإن أهمية المشاركة السنغالية بالنسبة للمملكة تنبع من عدة أسباب، وهي:ـ
1 ـ إن السعودية عمدت ولفترة كبيرة إلى إقناع العديد من الأصدقاء والحلفاء للمشاركة في "عاصفة الحزم"، وعلى رأس هؤلاء مصر وباكستان المعروفتان بقوة جيوشهما النظامية على المستوى الإقليمي، وذلك لضمان وتأمين تواجد قوات نظامية على الأرض- إلى جانب الطلعات الجوية والضربات الموجهة التي يعتمد عليها التحالف بشكل كبير- إذا ما دعت الحاجة إلى تدخل بري محتمل في اليمن للقيام بعمليات قتالية هناك. كما يعزز من أهمية المشاركة السنغالية رفض البرلمان الباكستاني مشاركة قوات بلاده في العمليات العسكرية باليمن.
2 ـ لا ينفصل ما سبق عن أن الجيش السنغالي ذاته يتمتع بسمعة طيبة في المجال العسكري، وهو معروف بمهنيته وكفاءته القتالية على المستوى القاري، كما أنه يتمتع بعلاقات تعاون عسكرية واسعة وشراكات متنوعة في مجالات التدريب والتسليح مع العديد من الجيوش الغربية والأجنبية، وعلى رأسها الجيش الفرنسي. هذا بالإضافة إلى خبراته العملية الواسعة والطويلة في مجال حفظ السلم والأمن في القارة الأفريقية، وكذلك مشاركاته المتنوعة في أعمال حفظ السلم والأمن العالمي تحت مظلة الأمم المتحدة. وكثيراً ما لعب الجيش السنغالي دوراً بارزاً في مكافحة الإرهاب في أفريقيا، وكانت أبرز مساهماته الأخيرة في مالي حين اندلعت أزمة انفصال الشمال في عام 2011.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنه رغم قوة الجيش السنغالي إقليمياً، فإن مثل هذه المشاركة تعد تحدياً حقيقياً للقوات السنغالية، نظراً للتغير الحادث في طبيعة المهام المحتملة التي قد تُوكل إليها، والتي قد تحتوى على مهام قتالية على الأرض، وهي أمور ومهام مختلفة عن سوابق أعمال القوات السنغالية التي ارتبطت بشكل كبير بالقيام بأعمال حفظ السلم والأمن؛ ومن ثم فإن المشاركة في "إعادة الأمل" تبدو اختباراً لمدى قدرات الجيش السنغالي الحقيقية.
3 ـ تنبع أهمية المشاركة السنغالية كون السنغال هي الدولة الأفريقية غير العربية الأولى التي تشارك في التحالف العربي، وهو ما يعكس محاولات السعودية الحثيثة نحو جذب المزيد من الأعضاء للتحالف، ومنهم بالضرورة بعض الدول الأفريقية.
وتاريخياً، لا تعد هذه هي المشاركة الأولى للسنغال في هذا المجال، بل سبق أن قامت بدعم السعودية بالمشاركة بعدد من الوحدات العسكرية إبان حرب الخليج عام 1991، وحينها فقدت السنغال حوالي 92 عسكرياً في حادث تحطم طائرة.
الأسباب والدوافع المشاركة السنغالية
إذا ما كان سبق يعبر عن أهمية المشاركة السنغالية من المنظور السعودي، فإن أبرز الأسباب والدوافع لدى الجانب السنغالي يمكن إيجازها في الآتي:ـ
1 ـ محاولة السنغال تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية من وراء هذه المشاركة، منها الحصول على مدفوعات وحوالات نقدية مباشرة من المملكة تساهم في تحسين أداء الاقتصاد السنغالي، كما قد تتلقى الحكومة السنغالية الدعم السعودي في مجالات تمويل مشروعات البنية التحتية في داكار. فخلال زيارته الأخيرة للرياض، عبَّر الرئيس "ماكي سال" عن أمله أن يقوم البنك الإسلامي للتنمية في السعودية بالمساعدة في تمويل المشروعات الاستراتيجية السنغالية الكبرى.
2 ـ البعد الديني الذي يعد دافعاً مهماً للقرار السنغالي، خاصةً مع تمتع الدولة السنغالية بكتلة سنية كبيرة ترى في "الحوثيين" تهديداً لعقيدتها الإسلامية السنية، وهو ما يتماشى بشكل كبير مع تصريحات الرئيس السنغالي "سال" ووزير خارجيته "مانكير أنجاي" اللذان أكدا أن الهدف الرئيسي من وراء المشاركة السنغالية في عملية "إعادة الأمل" هو حماية المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة، فضلاً عن تصريحات أخرى لوزير الخارجية ذكر فيها أن مثل هذا القرار مدعوم بثقة الزعامات الروحية في السنغال ومشايخ الطرق الصوفية.
ولا ينفصل هذا الدافع عن محاولات داكار الجادة لمحاربة النفوذ الإيراني في مناطق غرب أفريقيا، خاصةً مع وجود بعض الاتهامات السنغالية لإيران بدعمها الحركات الانفصالية في إقليم كازاماس السنغالي.
وقد تفجرت تلك الأزمة عام 2010 عقب الكشف عن شحنة أسلحة إيرانية موجهة لبعض دول غرب أفريقيا في ميناء لاجوس، وهو الأمر الذي أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين طهران وبعض دول غرب أفريقيا في حينه. ومنذ ذلك الحين، ظل هذا الموضوع حاضراً ومؤثرا ًفي العلاقات السنغالية الإيرانية على الرغم من استمرارها.
ورغم تأكيد السلطات السنغالية على أن بلادها لديها علاقات دبلوماسية مع إيران، وأن قرار مناصرة السعودية في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها ليس مسوغاً للتأثير على تلك العلاقات، فإن ذلك لم يثنِ طهران عن مهاجمة القرار السنغالي بالمشاركة العسكرية ضد "الحوثيين"، حيث أشارت وكالة الأنباء الإيرانية "فارس" إلى أن ذلك القرار قد جاء إرضاءً لمطالب "البترودولار" وليس لشي آخر.
ختاماً، يمكن القول إن الدوافع الاقتصادية كانت المحرك الرئيسي وراء المشاركة السنغالية في عملية "إعادة الأمل" في اليمن، وأن ترافقت معها دوافع سياسية ودينية وعقيدية أخرى. كما أن هذا القرار السنغالي نجح وبشكل حقيقي في تحقيق التقارب بين الجانبين السنغالي والسعودي، وإن بدا هذا التقارب غير مقبول من جانب بعض الدول والأطراف الفاعلة الأخرى في هذه الأزمة.