أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

طائفية متصاعدة:

ما الذي يعنيه فوز "العامري" المحتمل برئاسة الحكومة العراقية للحشد الشعبي؟

28 أغسطس، 2018


عزز التراجع الراهن في فرص رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" في الظفر بمنصبه لولاية ثانية من حظوظ منافسه الرئيسي القيادي في الحشد الشعبي وزعيم ميليشيا بدر "هادي العامري" في الفوز بهذا المنصب. ولا شك، فإن هذا الأمر سيصب -في حال حدوثه- بصورة أساسية في صالح ميليشيات الحشد الشعبي، والتي ستجد في ذلك طريقًا ممهدًا لزيادة نفوذها السياسي والعسكري في العراق.

متغيرات جديدة: 

تأتي الأفضلية التي بات يتمتع بها "العامري" عن "العبادي" في الفوز بمنصب رئاسة الحكومة، في ضوء جملة من المتغيرات الداخلية والإقليمية، والتي يتمثل أهمها فيما يلي: 

1- تنامي حنق طهران على العبادي ورعايتها للعامري: تشهد الفترة الحالية استياء واضحًا من الجانب الإيراني ضد "العبادي" بسبب تصريحاته الأخيرة، والتي أكد خلالها أن العراق سيلتزم بالعقوبات الأمريكية المفروضة، ولعل أبرز مظاهر الغضب الإيراني كان تشكيك المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي" في وفاء العبادي لطهران التي دافعت -بحسب قوله- عن العراق في حربه ضد داعش، فضلًا عن رفض طهران استقبال "العبادي" في زيارته التي كانت مقررة يوم 15 أغسطس الجاري. ويُشار في هذا الإطار إلى أنه من المعلوم أن طهران ساهمت في تشكيل ائتلاف "الفتح" الذي يتزعمه "هادي العامري" والذي ينافس "العبادي" على منصب رئاسة الحكومة. كما يُشار إلى أنه لم يتم اختيار رئيس وزراء للعراق بعد إسقاط نظام الرئيس العراقي "صدام حسين" دون رضا إيراني. وبالتالي، يسحب السخط الإيراني الحالي تجاه "العبادي" كثيرًا من فرصه في الفوز بالمنصب.

2- تهديدات "مقتدى الصدر" بعدم مساندة "العبادي": صعد زعيم ائتلاف "سائرون" "مقتدى الصدر" من هجومه خلال الفترة الأخيرة على "حيدر العبادي"، مهددًا بشكل ضمني بعدم قدرته على دعم التجديد لولاية ثانية له، واتضح ذلك من تصريحاته الأخيرة بشأن المظاهرات الشعبية المتواصله في الجنوب، وانتقاده للخطوات الضعيفة من جانب "العبادي"، والتي لن تُرضي أو تحقق مطالب المتظاهرين.

ولا شك أن تراجع "الصدر" المحتمل عن دعم "العبادي" في التجديد لولاية ثانية، سيدفعه للبحث عن أشخاص وخيارات أخرى، قد يكون من ضمنها "العامري"، ويُشار في هذا السياق إلى أن "الصدر" سبق وأعلن عن تحالف بين ائتلافي "سائرون" و"الفتح"، قبل أن يتراجع بريق هذا التحالف مع بدء المفوضية العليا للانتخابات في عملية العد والفرز الجزئي اليدوي للصناديق المشكوك في صحتها.

3- انقسامات الظهير الداعم للعبادي وتآلف ظهير العامري: ففي مقابل التآلف الحالي داخل ائتلاف الفتح واستقرار هذا الائتلاف على دعم "العامري" كمرشحه الوحيد للمنافسة على منصب رئاسة الحكومة، يشهد ائتلاف "النصر" انقسامات واضحة خلال الفترة الأخيرة بشأن دعم "العبادي" كمرشح للائتلاف. 

4- التصويت الكردي المحتمل ضد "العبادي": برغم الخلافات الراهنة بين الأحزاب الرئيسية الكردية داخل إقليم كردستان (وهي: الحزب الديمقراطي الكردستاني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة التغيير)، وعدم قدرة تلك الأحزاب حتى الآن على تنسيق ائتلاف موحد للتفاوض مع بغداد بشأن حصتها في الحكومة المقبلة وكذلك حصتها في رئاسة الجمهورية، إلا أن الأصوات الكردية على اختلافها من المحتمل عند لجوء الكتلة الأكبر داخل البرلمان الجديد لتأمين أصوات ترجح شخصًا على آخر للحصول على منصب رئاسة الوزراء قد ترفض إعطاء صوتها للعبادي تحديدًا كإجراء عقابي ضده لدوره في إجهاض حلم الدولة الكردية.

مكاسب ميليشاوية:

سيحقق فوز "العامري" المحتمل بمنصب رئيس وزراء العراق مجموعة من المكاسب لميليشيات الحشد الشعبي، وتتمثل أبرز تلك المكاسب فيما يلي:

1- انتهاء الحديث حول فكرة حل الحشد: سيُنهي فوز "العامري" المحتمل بمنصب رئيس الحكومة أي حديث مستقبلي في الداخل العراقي عن فكرة حل الحشد الشعبي بعد انتهاء دورها بانتهاء تنظيم "داعش" في البلاد. وستسعى قوات الحشد إلى فرض نفسها على الساحة السياسية العراقية كمكون أساسي لا يمكن الاستغناء عنه لاحقًا، وذلك من خلال الإيحاء بوجود أدوار متنوعة يقوم بها الحشد في البلاد بخلاف الأمور القتالية. 

ويُشار في هذا الإطار إلى أن "العبادي" سبق وحاول فتح ملف حل الحشد على استحياء إثر ضغوط أمريكية وإقليمية، لكنه قُوبل بهجوم ضارٍ من قياداته، ولعل أبرز مظاهر ذلك كان تحدي نائب رئيس هيئة الحشد "أبو مهدي المهندس" للعبادي في يوليو 2017 في قدرته على حل الحشد، وذلك من خلال تأكيده لممثل الأمم المتحدة في العراق "يان كوبيتش" باستحالة تحقق نوايا حل الحشد الشعبي، وأنه في حالة حدوث ذلك فإن قوات الحشد قادرة على التجمع مرة أخرى خاصة وأن السلاح موجود لديها.

2- انخراط أوسع في العملية السياسية: سوف ترسخ ميليشيات الحشد الشعبي في حال وصل "العامري" لرئاسة الحكومة من أدوارها السياسية التي بدأتها بعد مشاركتها في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وستضفي مزيدًا من المشروعية القانونية على تلك الأدوار.ويُشار في هذا السياق إلى أن "العبادي" سبق ورفض مشاركة الحشد الشعبي في العملية السياسية، واتضح ذلك من تصريحاته التي أكد خلالها أنه لن يُسمح للحشد الشعبي في شكله الحالي بالمشاركة في الفعاليات الانتخابية في العراق، وتأكيده حرص الحكومة على إبعاد القوات الأمنية بكل صنوفها عن العمل السياسي، وعدم جواز اختلاط السياسة بالجانب العسكري، على اعتبار أن ذلك يصب في مصلحة الإرهاب في العراق. 

كما يُشار إلى أن الدستور العراقي لا يسمح لأي منتسب في القوات المسلحة أو الحشد الشعبي بالمشاركة في الانتخابات إلا في حال استقالته من منصبه. لكن الواقع العراقي يبدو مختلفًا، ولا يُعزل الشأن السياسي عن العسكري، فكثير من قادة الحشد الشعبي يديرون ميليشيات عسكرية ويشاركون في العملية السياسية في الوقت نفسه.

3- الحفاظ على المصالح الاقتصادية للحشد: ستستثمر ميليشيات الحشد الفوز المحتمل للعامري في منصب رئاسة الحكومة في توظيف وجود نخبة سياسية داعمة لتحقيق حماية أكبر لشبكات مصالحها الاقتصادية المتصاعدة في البلاد. ويُشار في هذا السياق إلى أن مخصصات هيئة "الحشد الشعبي" بالموازنة العراقية الحالية تبلغ حوالي 4% من النفقات الحكومية. 

كما يُتوقع أن تتزايد معدلات الفساد المالي داخل فصائل الحشد الشعبي، ويُشار في هذا السياق إلى أنه سبق وأعلن "العبادي" في نوفمبر 2016 عن رصد حالات فساد كبيرة داخل فصائل الحشد الشعبي، مشيرًا إلى أن بعض القيادات الكبيرة داخل الحشد تتاجر بعناصر الحشد عبر المطالبة بزيادة رواتبهم في مقابل تسجيل أسماء وهمية ضمن فصائله العسكرية لسرقة هذه الرواتب.

4- حرية حركة إقليمية أكبر: ستتمتع فصائل الحشد الشعبي بحرية حركة إقليمية أكبر في حالة وصول "العامري" لرئاسة الوزراء، وستجد سهولة -على سبيل المثال- في دخول الأراضي السورية للقتال. ويُشار في هذا السياق إلى أن "العبادي" سبق ورفض بشكل متكرر بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة دخول قوات الحشد الأراضي السورية، على اعتبار أن قتال قوات الحشد خارج الحدود العراقية أمر غير دستوري، وهو أمر تسبب في استياء قادة الحشد من تعنت "العبادي" في هذا الخصوص. 

توترات إقليمية:

سيفتح وصول قيادي محتمل في الحشد لحكم العراق، على غرار "العامري"، الباب أمام ميليشيات الحشد لترسيخ وضعها في البلاد على جميع المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وسيزيد وصول "العامري" المحتمل للسلطة في العراق من استمرار الفشل في ملف المصالحة، ومن أزمة عدم الثقة مع المكون السني، وبما يعمق من الشعور المتواجد لدى سنة العراق بالتهميش والظلم، وبما يُغذي الاحتقان والعنف الطائفي وثقافة الثأر بين المكونين السني والشيعي.

وسيرسخ وصول "العامري" المحتمل للسلطة من كون الحشد ميليشيات عابرة للحدود، وهو ما سيساهم في تصاعد الطائفية بصورة أكبر في المنطقة، كما سيغير بشكل كبير من موازين القوى على الأرض السورية لصالح النظام، وسيحقق حلم طهران في تحقيق الربط الإقليمي لأدواتها في المنطقة، وسيؤدى وصول "العامري" المحتمل لسدة الحكم في العراق وما سيتبعه من تصاعد نفوذ الحشد الشعبي في البلاد، إلى تعكير علاقات العراق الإقليمية خاصة مع أنقرة التي تعتبر فصائل الحشد جماعات إرهابية.