أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

أزمة ثقة:

لماذا تخطط تركيا لتأسيس وكالة تصنيف ائتماني محلية؟

19 مارس، 2018


اتجهت تركيا مؤخرًا نحو إنشاء وكالة تصنيف ائتماني محلية، في ظل شكوكها المستمرة حيال وكالات التصنيف الائتماني الدولية التي خفضت التصنيف الائتماني لها أكثر من مرة في العامين الماضيين، على نحو دفع الأولى إلى توجيه انتقادات قوية لها زاعمة أن تقييماتها للاقتصاد غير منصفة ومسيسة ولا تعكس واقعه القوي حسب رؤيتها.

ورغم ذلك، فإن مثل هذه الخطوات قد لا تحقق نتائج بارزة للاقتصاد، خاصة أن الوكالات الدولية تحظى بثقة دولية كبيرة في الوقت التي تتماشى فيه تقييماتها مع نظرة المؤسسات الدولية الأخرى، مثل صندوق النقد الدولي، للاقتصاد التركي، في حين أن بناء سمعة دولية للوكالة المحلية يستغرق وقتًا طويلاً، فضلاً عن أنها ستكون متهمة باستمرار بعدم الحياد في تقييماتها للاقتصاد والشركات التركية.

تراجع الجدارة:

خفضت وكالات التصنيف الائتماني التصنيف الائتماني لتركيا أكثر من مرة في الفترة الماضية، كان آخرها في 7 مارس الجاري، حينما خفضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لتركيا إلىBa2  من Ba1 بنظرة مستقبلية مستقرة في إشارة إلى تراجع الجدارة الائتمانية لتركيا، في ظل تصاعد المخاطر الاقتصادية التي بات يواجهها الاقتصاد التركي.

وبحسب تقييم "موديز"، فإن خفض التصنيف الائتماني لتركيا مؤخرًا يعود إلى سببين رئيسيين: أولهما، ضعف المركز الخارجي لتركيا ومتطلبات الاستدانة وسط اتساع عجز الحساب الجاري الذي زاد بنسبة 44.4% في عام 2017 ليصل إلى 47.1 مليار دولار.

وثانيهما، تركيز السلطات النقدية التركية على إجراءات قصيرة الأجل على حساب سياسة نقدية فعالة وإصلاح اقتصادي جوهري، وهو ما أدى إلى إخفاق الحكومة في علاج تفاقم معدل التضخم وتراجع الليرة.

ولا تختلف تحذيرات "موديز" السابقة عن تقييمات أخرى لبعض وكالات التصنيف الائتماني العالمية، حيث أبقت وكالة "ستاندرد آند بورز" العالمية تصنيفها لتركيا عند BB مع نظرة سلبية وذلك في فبراير الماضي، لتعكس بذلك عددًا من المخاطر التي يواجهها الاقتصاد التركي، ويتمثل أهمها في تقلبات أسعار الصرف المستمرة التي تنعكس سلبًا على ارتفاع معدل التضخم.

لكن يبدو أن تقييم وكالة "فيتش" لتركيا كان أكثر تفاؤلاً في الآونة الأخيرة، حيث أبقت المؤسسة، في يناير الماضي، تصنيف تركيا عند مستوى BB+ مع نظرة مستقبلية مستقرة، وهو ما يعود، بحسب "فيتش"، إلى قوة المؤشرات البنيوية لتركيا التي تبدو أفضل من نظيراتها المماثلة، إلى جانب نجاح الاقتصاد التركي في تحقيق توازن بين ارتفاع معدلات التضخم وحساسيات التمويل الأجنبي.

توتر مستمر:

دفع تراجع التصنيف الائتماني المتتالي من قبل الوكالات الثلاث السابقة، تركيا إلى توجيه انتقادات متكررة للأخيرة، على نحو اعتبرته اتجاهات عديدة امتدادًا للتحذيرات التي سبق أن أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في سبتمبر 2014، بقطع العلاقات مع الوكالات السابقة، متهمًا إياها بأن تقييماتها للاقتصاد التركي غير مبنية على أسس صحيحة وذات دوافع سياسية.

ويتوازى ذلك مع انتقادات دولية وإقليمية لوكالات التصنيف الدولية السابقة، خاصة أن بعض تقييماتها تبدو متقلبة للغاية وتعتمد بدرجة أساسية على المزاج العام للسوق وبما لا يعكس تقييم الموقف الاقتصادي لأى دولة.

وقد صعّد أردوغان من هجومه على التقييم الأخير لمؤسسة "موديز"، حيث قال، في 9 مارس الجاري: "إن الشغل الشاغل لوكالة موديز هو وضع تركيا في مأزق لمنح الفرصة لمن يرغب في الاستفادة من هذا الوضع"، وهو ما أشارت تقارير عديدة إلى أنه لا ينفصل عن التوتر الحالي في العلاقات الأمريكية- التركية. كما وجه وزير المالية ناجي أقبال انتقادات لـ"موديز"، حيث أكد أن الاقتصاد يواصل نموه اعتمادًا على أسسه المتينة، معتبرًا أن تقييم "موديز" لا يستند إلى أسس صحيحة.

ولم تقتصر انتقادات المسئولين الأتراك على مؤسسة "موديز"، إذ وجه أردوغان انتقادات مماثلة لمؤسسة "فيتش"، عندما خفضت التصنيف الائتماني لتركيا إلى  BB+ من BBB- مع نظرة مستقبلية مستقرة في نهاية يناير 2017، على نحو دفع "فيتش" إلى اتخاذ قرار بغلق مكتبها في مدينة اسطنبول، في يناير 2018، في إشارة إلى مخاوف الشركة من سير عملياتها بشكل طبيعي في تركيا، رغم تعهدها باستمرار تصنيف الاقتصاد التركي من مكاتب خارجية.

وتتزامن الانتقادات السابقة مع تصعيد الرئيس التركي خطابه ضد المؤسسات الاقتصادية الدولية، حيث قال، على هامش المؤتمر الإقليمي السادس لحزب العدالة والتنمية الذي عقد في 12 مارس الجاري: "إن كان هناك من يدير تركيا فهو أنا وليس أنتم. خذوا نقودكم فقط ولا تعتبروا أنكم تديرون تركيا"، وذلك كرد فعل على تحذير صندوق النقد، في تقرير له حول تركيا في فبراير الماضي، من مخاطر يواجهها الاقتصاد يتمثل أهمها في ارتفاع معدل التضخم نتيجة عدم رفع سعر الفائدة.

وعلى ضوء اتساع فجوة الثقة بين تركيا والمؤسسات الدولية، اتجهت الأولى نحو إنشاء وكالة مركزية لتقييم المخاطر منوطة بتوفير البنية المعلوماتية عن المؤسسات والشركات التركية، تمهيدًا لتأسيس وكالة تصنيف ائتماني محلية خلال العام الحالي، في إطار هيئة تنظيم ومراقبة القطاع المصرفي، وفق تصريح رئيس الهيئة محمد علي أقبان في 13 مارس الجاري.

تداعيات محتملة:

 يحظى تقييم الوكالات الدولية للتصنيف الائتماني لتركيا بثقة دولية كبيرة لدى مجتمع الأعمال الدولي، انطلاقًا من افتراض حيادية تقييماتها، على الرغم من نشوب خلافات بينها وبين العديد من الدول مؤخرًا. لكن بالنسبة للحالة التركية، تتماشى تقييماتها مع نظرة المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي للاقتصاد التركي، حيث أشار الصندوق، أكثر من مرة، إلى تصاعد المخاطر الاقتصادية التي تواجهها تركيا في العامين الماضيين. وتمثل هذه التقييمات مرجعًا هامًا بالنسبة للمستثمرين الدوليين، في الوقت الذي تبدو فيه الضغوط التي تمارسها تركيا على هذه الوكالات غير مؤثرة على مسار التقييمات نفسها.

ولذا، يمكن أن تتسبب تقييمات الوكالات في ضغوط مستمرة على الأسواق التركية، وهو ما يؤكده، على سبيل المثال، ارتفاع العائد على السندات التركية لأجل عشر سنوات، في جلسة 13 مارس الجاري، إلى 12.75%، وهو الأعلى منذ نوفمبر 2017، من 12.38% في الجلسة السابقة إبان خفض "موديز" تقييمها للاقتصاد التركي مؤخرًا، بما يعني ارتفاع تكلفة اقتراض تركيا من الأسواق الدولية.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن خطوة تركيا نحو بناء مؤسسة محلية للتصنيف الائتماني لن تكون بديلاً فعالاً للوكالات الدولية التي تحظى بسمعة وثقة دولية كبيرة، وهو ما سيجعل تقييماتها مؤثرة باستمرار على الرغم من الانتقادات التركية.