أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

الشروق:

أبعاد «أمننة» الوجود الصينى فى القرن الإفريقى

25 يوليو، 2022


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا بتاريخ 18 يوليو للكاتب حمدى عبدالرحمن، تناول فيه الوجود الصينى فى القرن الإفريقى من منظور جيوستراتيجى.. نعرض من المقال ما يلى.

من الواضح أن القول بنهاية التاريخ وانتصار قيم الليبرالية الغربية كان بمنزلة ادعاء خاطئ، حيث بدأ النظام الدولى يعود مرة أخرى إلى صراع محموم يشبه حالة الحرب الباردة. وتُعبر كل من الحرب الأوكرانية والحرب الأهلية الإثيوبية عن طبيعة الصراع المعاصر بين القوى العظمى التى انتهى بها المطاف إلى حد الصدام العسكرى. لقد تم تحدى النظام أحادى القطبية الذى قادته الولايات المتحدة على مدى ثلاثة عقود من قبل القوى الصاعدة الجديدة ــ الصين على المستوى العالمى وروسيا فى أوروبا الشرقية. وتشكل عودة النظام الدولى ثنائى القطبية أو متعدد الأقطاب الذى ينطوى على توترات شبيهة بفترة الحرب الباردة، مثل حالات الحروب بالوكالة فى مناطق مختلفة من العالم، بما فى ذلك القرن الإفريقى، مصدر انشغالات أمنية عالمية بالغة.

وفى هذا السياق أصبحت منطقة القرن الإفريقى ذات أهمية متزايدة بالنسبة لاستراتيجيات القوى العظمى والصاعدة فى النظام الدولى وعلى رأسها بطبيعة الحال الصين. فبالنسبة لسياسة الصين العالمية كما هى الحال بالنسبة للولايات المتحدة والدول الأوروبية وروسيا يتطلب موقع القرن الإفريقى الحيوى منع وجود مراكز القوى والتحالفات المعادية التى يتم تشكيلها ضد الصين فى المستقبل. أما بالنسبة للمصالح الاقتصادية المتعددة، فقد ظلت عاملا محددا للسياسة الخارجية الصينية وإن بقى الهدف الاستراتيجى الرئيسى، متمثلا فى احتواء نفوذ القوى المهيمنة أو الراغبة فى الهيمنة بما فى ذلك روسيا. وعليه فإن هدف حماية مصالح الدولة الوطنية، كما هى الحال بالنسبة للقوى الغربية، يعد المحدد الرئيسى لسياسة الصين الخارجية فى منطقة القرن الإفريقى.

• • •

يبدو أن دوافع «أمننة» الوجود الصينى فى القرن الإفريقى ذات شقين، اقتصادى وسياسى، وإن كان ثمة تداخل بينهما. بالنسبة للصين، يعد الوصول إلى الموارد الطبيعية الغنية ــ النفط والغاز والمعادن الطبيعية النادرة ــ أولوية استراتيجية تنعكس فى قروض مبادرة الحزام والطريق التى تبلغ قيمتها تريليون دولار لإفريقيا. فى النهاية، تسعى الصين إلى تغيير علاقات القوة العالمية وتقويض الهيمنة الأمريكية العالمية. ولعل ذلك الأمر يجعل القرن الإفريقى إحدى أهم المناطق فى إفريقيا فيما يتعلق بالمناورات العسكرية الصينية تجاه قضايا الجغرافيا السياسية الإقليمية والقطبية العالمية. ويعد أبرز محددات أهمية الوجود الأمنى الصينى فى منطقة القرن الإفريقى على النحو التالى:

1ــ الأهمية الاستراتيجية لخطوط التجارة: يقع القرن الإفريقى على طول طريق تجارى بحرى مهم يربط بين أوروبا وآسيا عن طريق قناة السويس. ولا يخفى أن هذه الجغرافيا الاقتصادية تؤثر بشكل كبير على مصالح الصين؛ إذ يمكن موقع الصومال من الوصول إلى مضيق باب المندب الذى يكتسب أهمية تجارية بالغة نظرا لمرور نحو 12% من حجم التجارة العالمية من خلاله. كما يتدفق عبره أكثر من 4.8 مليون برميل من النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة كل يوم، وغيرها من الإمدادات الحيوية الأخرى.

2ــ الهشاشة الاستراتيجية لدول المنطقة: بعد أن شهدت صراعات كبرى بما فى ذلك انهيار الحكومة المركزية فى الصومال وأزمة القرصنة قبالة سواحل خليج عدن، وكذلك الصراع المسلح فى دارفور والحرب الأهلية فى جنوب السودان، وأزمات سياسية مع بؤر توتر عرقى فى إثيوبيا؛ علاوة على سنوات طويلة من التمرد المسلح فى شمال أوغندا، وقضايا الإرهاب، والعنف السياسى فى المنطقة. وقد شكل ذلك معضلة حقيقية أمام صانع القرار السياسى الصينى نتيجة الصدام بين مبدأ «عدم التدخل» فى السياسة الصينية ومتطلبات حماية مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية فى المنطقة.

3ــ ارتباط القرن الإفريقى بمنطقة الخليج العربى: اتضح ذلك بجلاء فى حالة أزمة الخليج فى يونيو 2017 عندما سحبت قطر ما يقرب من 200 جندى متمركزين فى منطقة دميرة المتنازع عليها بين إريتريا وجيبوتى. فى أعقاب هذا المأزق، عرضت الصين إرسال قوات بديلة إلى المنطقة الحدودية المتنازع عليها.

• • •

تتجه الصين بشكل تدريجى إلى المنظمات الإقليمية الإفريقية للتعاون فى القضايا الأمنية. على سبيل المثال، فى خطة العمل بين الصين وإفريقيا، تأمل بكين فى دعم إفريقيا فى مجالات اللوجستيات لمواصلة مشاركتها النشطة فى عمليات حفظ السلام وعملية إزالة الألغام وتقديم المساعدة المالية والمادية، بالإضافة إلى التدريب ذى الصلة بعمليات مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقى. إن المشاركة الصينية فى عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى إفريقيا، خاصة فى القرن الإفريقى، هى تحرك واضح بعيدا عن الحذر التاريخى وأحيانا العداء الصريح تجاه مؤسسة بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ومن الواضح أن حماس الصين بشأن عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، خاصة فى إفريقيا، يتماشى مع استراتيجيتها الأخيرة فى السياسة الخارجية لدعم الحلول متعددة الأطراف بدلا من الإجراءات أحادية الجانب لمواجهة التهديدات الاستراتيجية.

• • •

من الملفت للانتباه أن الصين قد تخلت عن نهج «سياسة عدم التدخل» الذى كان من ثوابت استراتيجيتها الإفريقية وذلك لصالح تبنى «سياسة السلام والتنمية» وتنفيذ ذلك بشكل مغاير لرؤية كل من الولايات المتحدة وحلفائها الخاصة بمنطقة القرن الإفريقى. ويمكن تحديد أبرز شكلين لنهج التدخل الإقليمى الجديد فى قضايا الأمن والتنمية الخاصة بمنطقة القرن الإفريقى على النحو التالى:

1ــ التحركات الدبلوماسية: فى أعقاب قيام الولايات المتحدة بتعيين مبعوثها الخاص، جيفرى فيلتمان إلى القرن الإفريقى، اتخذت الصين أيضا إجراءً مماثلا، حيث أعلنت فى يناير 2022 تعيين شيويه بينج مبعوثا خاصا لها إلى المنطقة لأول مرة. ويهدف المبعوث الخاص إلى إقامة علاقة عمل مع الأطراف المعنية والحفاظ على الاتصال والتنسيق الوثيقين بشأن دفع تنفيذ آفاق السلام والتنمية فى القرن الإفريقى. يوضح هذا الإجراء الصينى الأول من نوعه فى إفريقيا رغبة بكين فى احتواء النفوذ الأمريكى فى كل مناطق العالم بما فى ذلك القرن الإفريقى. من الواضح أن رؤية الصين الجديدة لقضايا السلام والتنمية فى منطقة القرن الإفريقى تتضمن محددات استراتيجية سياسية واقتصادية وعسكرية واسعة النطاق تشكل فى مجملها تحديا كبيرا لمصالح الولايات المتحدة فى المنطقة.

ويمكن الإشارة إلى ثلاثة تأثيرات محتملة لهذه السياسة الصينية. ربما تسعى الصين إلى توظيف أى نجاحات دبلوماسية ناتجة عن وساطة وجهود مبعوثها من أجل استخدامها لتوسيع وتمدد نفوذها فى المنطقة وما وراءها. من جهة ثانية يمكن أن ترحب المنطقة بشكل خاص بالمشاركة الصينية، لاسيما تلك التى تتخذ شكل الدعم الإنسانى أو الاقتصادى المتزايد. على أنه من جهة ثالثة قد تستخدم قوى المعارضة الوطنية خطابا مناهضا للصين بهدف حشد الدعم الشعبى، لاسيما فى حالة احتدام الجدل العام حول طبيعة ودور الصين فى المنطقة.

2ــ التعاون الجماعى: والذى تجسد مؤخرا فى انعقاد المؤتمر الأول بين الصين والقرن الإفريقى للسلام والحكم الرشيد والتنمية فى أديس أبابا خلال الفترة من 20 إلى 21 يونيو 2022. وفقا لوزارة الشئون الخارجية الإثيوبية، فإن المشاركين فى المؤتمر «اتفقوا على الحل السلمى للمشاكل الإقليمية، والتصدى المشترك للكوارث الطبيعية، ودعم نهج منسق لمكافحة الأمن السيبرانى، والإرهاب، والأسلحة غير المشروعة، والاتجار بالبشر، من بين أمور أخرى». وقد دعت الصين إلى عقد المؤتمر من خلال مكتب المبعوث الخاص للقرن الإفريقى ــ شيويه بينج ــ وحضره مسئولون حكوميون رفيعو المستوى من إثيوبيا، وجيبوتى، وكينيا، والصومال، وجنوب السودان، والسودان، وأوغندا.

أشار المبعوث الصينى فى خطابه إلى «قضايا العرق والدين والحدود المعقدة والمتشابكة» فى المنطقة باعتبارها الأسباب الكامنة وراء الصراعات. وعلى الرغم من توكيده على صعوبة التعامل معها، حيث يعود العديد منها إلى الحقبة الاستعمارية، فإنه استخدم الرواية الصينية، تماما مثل روسيا، بحسبان أن الصين ليس لها تاريخ استعمارى فى إفريقيا على عكس العديد من الدول الأوروبية. بيد أن الدلالة المهمة لعقد هذا المؤتمر الأول الخاص بالقرن الإفريقى فى إثيوبيا تشير إلى أهميتها البالغة بالنسبة للاستراتيجية الصينية فى المنطقة؛ إذ تعد إثيوبيا نقطة ارتكاز مهمة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث يوجد حاليا حوالى 400 مشروع بناء وتصنيع صينى فى إثيوبيا، تقدر قيمتها بأكثر من 4 مليارات دولار.

• • •

باختصار، يتضح وجود تغير وتبدل مهم فى أدوار القوى الدولية فى القرن الإفريقى، فبينما يتراجع النفوذ الأمريكى الذى ينشغل بالمواجهة مع روسيا فى أوكرانيا، تقوم الصين بتمديد نفوذها وممارسة دور أمنى فى المنطقة. طبقا للمبعوث الصينى الخاص إلى القرن الإفريقى، فإن بكين تريد أن تقوم بدور أكبر، «ليس فقط فى التجارة والاستثمارات ولكن أيضا فى مجال السلام والتنمية والأمن».. يعكس ذلك تحولا واضحا فى الاستراتيجية الصينية التى كانت تركز على استغلال الفرص التجارية فى إثيوبيا وجيبوتى وغيرهما من دول المنطقة. ومن المرجح أن تنتقل الصين قريبًا إلى مرحلة جديدة تستخدم فيها جيشها تحت ستار العمليات الأمنية أو الشراكات من أجل التأثير على الحكومات وفقًا لمصالحها على طول سواحل البحر الأحمر والمحيط الهندى من السودان إلى كينيا.

*لينك المقال في الشروق*