أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

عودة إلى مشهد 13 أكتوبر 1990 في لبنان

14 أكتوبر، 2018


لكثيرين من شباب لبنان، لا تعني شيئاً أحداث هذا اليوم من عام 1990...

الذين كانوا أطفالاً يوم 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1990، لا يتذكّرون تلك الأيام عندما أصرّ الجنرال ميشال عون على رفض الاعتراف بالشرعية اللبنانية الناتجة عن «اتفاق الوفاق الوطني» الموقّع في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية عام 1989، والذي بات يسمى مجازاً «اتفاق الطائف».

عون - الذي كان يرأس في حينه «حكومة عسكرية» تتكوّن من ثلاثة وزراء لا مسلمون فيها - كان يعتبر أن كل التفاهمات الوطنية التي عارضها تفاهمات باطلة عُقدت في ظل هيمنة النظام السوري، وبموجب صفقات إقليمية دولية.

كذلك كان عون يعترض على جوهر ما تضمّنه «اتفاق الطائف» من تعديلات دستورية واسعة النطاق تهدف إلى تصفية أسباب الحرب اللبنانية (التي اندلعت عام 1975 واستمرت حتى عام 1990، أي إلى ما بعد توقيع الاتفاق). والمعروف، أنه في روح تلك التعديلات إزالة الشعور بالغُبن عند المسلمين وفي المقابل إزالة الشعور بالخوف عند المسيحيين. وحقاً، أقرّت التعديلات المناصفة بين الطوائف المسيحية والمسلمة في مقاعد البرلمان (بعدما كان للمسيحيين الغالبية بواقع 6 مقابل 5)، وأعادت توزيع الصلاحيات ورسم حدود شاغلي مناصب السلطة، فجرى - مثلاً - تقليص الصلاحيات المطلقة لرئيس الجمهورية المسيحي الماروني لصالح مجلس الوزراء مجتمِعاً، وبذا ما عاد رئيس الوزراء المسلم السنّي مجرد وزير بل غدا شريكاً كبيراً في الحكم. كذلك عزّزت سلطات رئيس مجلس النواب المسلم الشيعي فبات يُنتخب لمدة ولاية المجلس ولا يُجدَّد انتخابه سنوياً.

هذه التعديلات، التي اعتبرها عون ومناصروه «انتقاصاً من حقوق المسيحيين»، قابلتها مزايا مهمة جداً للمسيحيين، أبرزها تحويل توزيع حصص السلطة ومناصبها من العُرف غير المكتوب إلى النصّ المكتوب. ومع أن صلاحيات الرئيس قُلّصت، كما زيدت نسبة مقاعد المسلمين في البرلمان، فإن معظم المناصب الأساسية أُبقيت للمسيحيين على الرغم من أن ثمة مَن يزعم أن النسبة السكانية الفعلية للمسلمين مقابل المسيحيين تحوّلت لصالح المسلمين بنسبة 60% مقابل 40%، إذ أُبقيت للمسيحيين مناصب رئيس الجمهورية، وقائد الجيش، وحاكم المصرف المركزي، ورئيس مجلس القضاء الأعلى.

المعادلة الدقيقة التي أرساها «اتفاق الطائف» وافق عليها - يومذاك - البطريرك الماروني نصر الله صفير، والدكتور سمير جعجع قائد «القوات اللبنانية» - أقوى قوة مسيحية مقاتلة في الحرب اللبنانية - غير أن عون رفضها علناً وقاتل ضدها رافضاً «الاتفاق». في حين قبِل «اتفاق الطائف» علناً ولكن حاربه ضمناً (أو قُل عمل على تعطيل تنفيذ ما لا يناسبه منه) كلٌّ من نظام دمشق، والكيان الذي أسسته طهران واحتضنته ورعته دمشق... ليغدو «حزب الله».

جذور ما حدث يوم 13 أكتوبر 1990 تعود حقاً إلى 22 - 23 سبتمبر (أيلول) 1988، عند انتهاء فترة رئاسة الرئيس الأسبق أمين الجميّل.

في تلك الفترة كان لبنان يعيش أزمة سياسية طاحنة وخلافاً بين رئيسي الجمهورية والحكومة أدى إلى استقالة الثاني الرئيس الدكتور سليم الحصّ. ومن ثم، في ظل خطر الفراغ، اختار الجميّل تسليم السلطة «المجلس العسكري» في الجيش اللبناني، وتحويل المجلس إلى حكومة برئاسة رئيس المجلس... قائد الجيش المسيحي الماروني ميشال عون!

وبالفعل، أُعلن من القصر الجمهوري تشكيل حكومة عسكرية من 6 وزراء هم ضباط «المجلس العسكري» برئاسة عون. غير أن هذه الخطوة قوبلت باستقالة الضباط - الوزراء المسلمين الثلاثة (سنّي وشيعي ودرزي) على الفور. ولكن عون لم يأبه لذلك، ولم يرَ أن غياب التمثيل المسلم عن الحكم أمر يخالف الدستور والميثاقية، بل اعتبر أن المستقيلين الثلاثة إنما استقالوا تحت «الضغط السوري».

هنا تفاقم الفراغ بدلاً من أن يختفي، وانقسمت البلاد بين حكومتين: مستقيلة يرأسها الحص، وعسكرية بلا مسلمين برئاسة عون أقنع رئيسها نفسه بأنها «حكومة شرعية» ومارس صلاحياته كرئيس. وعلى هذا الأساس، رفض الاعتراف بانتخاب الرئيس الأسبق الراحل رينيه معوّض رئيساً للجمهورية يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، كما رفض إخلاء القصر الجمهوري له كي يزاول منه مهام منصبه.

وتلاحقت الأحداث، واُغتيل معوّض بعد 17 يوماً (يوم 22 نوفمبر) في عملية تفجير داخل بيروت يوم الاحتفال بـ«عيد الاستقلال». وانتخب نواب لبنان على الأثر إلياس الهراوي يوم 24 نوفمبر رئيساً جديداً، واتخذ القرار بإنهاء «عصيان» عون على السلطة الشرعية، بينما كان عون يصر على مواجهة الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية بالقوة ويجيّش مناصريه للمقاومة.

صباح يوم 13 أكتوبر 1990، بعد استنفاد النصائح والتحذيرات والضغوط... هاجمت دبابات الجيش السوري المتمركزة داخل لبنان القصر الجمهوري في بعبدا - حيث كان عون يتحصّن - وكذلك وزارة الدفاع المجاورة، ودكّت الطائرات الحربية السورية مجمّع القصر ومحيطه... فاستسلم عون وفرّ إلى منزل السفير الفرنسي القريب، وانتهى العصيان.

عون انتقل بعد ذلك ليعيش في منفاه الفرنسي ويقود حرباً ضروساً ضد محور دمشق و«حزب الله». وبعدها حمل «حربه» على نظام دمشق والحزب - الذي بات ركيزة نفوذ طهران في لبنان - إلى العاصمة الأميركية، حيث كانت له جلسات استماع في الكونغرس عام 2003. ادعى بعدها «أبوّة» ما عُرف بـ«قانون محاسبة سوريا» الأميركي والبيان الرئاسي 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.

على الرغم من كل هذا، جاءت نهاية الوجود العسكري السوري في لبنان في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005. تلك الجريمة أثمرت تضامن الشارع اللبناني ضغطاً داخلياً وخارجياً فرض سحب قوات نظام دمشق... إلا أنها أثمرت أيضاً حدثين آخرين لا يقلان أهمية:

- الأول، ظهور حقيقة دور «حزب الله»، ومن خلفه إيران، في لبنان.

- الآخر، عودة عون من منفاه بموجب «صفقة» مع دمشق وطهران. وبعد فترة قصيرة من عودته، وتحت حجة إنكار حلفائه «حجمه الحقيقي»، عقد «تفاهمات» مع «حزب الله» الغاية منها تسليمه رئاسة الجمهورية...

وأيضاً، اليوم يقف «التيار الوطني الحر» (حزب) عون، حليفاً لمن حاربه يوم 13 أكتوبر 1990...

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط