أخبار المركز

تكيف طهران:

التداعيات المُحتملة لوفاة رئيسي على سياسات إيران

21 مايو، 2024


أعلنت إيران، رسمياً، وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، جراء سقوط الطائرة التي كان يستقلها خلال رحلة العودة في محافظة أذربيجان الشرقية، شمال غرب إيران، بعد القمّة التي عقدها مع الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، صباح يوم الأحد 20 مايو 2024؛ إذ تم تدشين سد "قيز قلعة سي". كما لقي كل من وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، ومحافظ أذربيجان الشرقية، مالك رحمتي، وإمام جمعة تبريز، آية الله محمد علي آل هاشم، إلى جانب آخرين هم طاقم الطائرة والحراس، حتفهم على نفس الطائرة.

وينص الدستور الإيراني في المادة 131، على أنه في حال وفاة الرئيس أو إقالته أو استقالته أو غيابه أو مرضه لمدة تزيد على شهرين، أو في حالة انتهاء مدة الرئاسة وعدم انتخاب الرئيس الجديد بسبب عائق، أو غير ذلك من الأمور؛ يتولى النائب الأول للرئيس بموافقة القيادة صلاحياته ومسؤولياته. ويتولى مجلس يتكون من رئيس مجلس النواب ورئيس السلطة القضائية والنائب الأول للرئيس، الترتيب لانتخاب رئيس جديد خلال مدة أقصاها 50 يوماً؛ ومن ثم فقد تم تكليف محمد مخبر، الذي كان يشغل منصب النائب الأول لإبراهيم رئيسي، بتولي المهام الرئاسية، لحين إجراء الانتخابات.

ملاحظات أساسية:

ثمة عدد من الملاحظات المتعلقة بملابسات وفاة رئيسي ومرافقيه على النحو التالي:

1- محاولة إظهار التماسك المؤسسي: سارع النظام الإيراني إلى إثبات أن الوفاة المفاجئة للرئيس رئيسي ووزير خارجيته، عبداللهيان، ومرافقيهما، لن تتسبب في إحداث أي شغور أو تعطل في الداخل؛ إذ صرّح المرشد الأعلى، علي خامئني، بأنه "لن يكون هناك أي خلل في عمل البلاد بعد الحادث". وقبل انقضاء يوم واحد على الحادث، قام خامنئي بإسناد المهام الرئاسية لنائب الرئيس محمد مخبر، والذي بدوره أكد "عدم التواني عن متابعة خدمة الشعب على خطى الشهيد الرئيس". كما تم تكليف علي باقري كني، الذي كان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية، بالقيام بمهام وزير الخارجية. وتم أيضاً تعيين عباس عراقجي وعلي أبو الحسني وسيد رسول مهاجر، بمنصب مستشارين لوزير الخارجية. كما تم الاتفاق على أن يكون يوم 28 يونيو 2024 هو موعد إجراء الانتخابات الرئاسية.

ويُدلل ذلك على رغبة النظام الإيراني في إيصال رسائل مزدوجة للداخل والخارج، بأنه قادر على إعادة تماسكه عقب غياب الرئيس ووزير الخارجية، وأن النظام قائم على المؤسسات وليس على الأشخاص، ويستدعي هذا الأمر ما جرى في إيران عام 1979، عندما أُطيح حينها بنظام الشاه؛ إذ تم سد الفراغات التي حدثت في أجهزة الدولة بأسرع وقت ممكن، واستقر النظام الجديد.

2- تهالك قطاع الطيران بسبب العقوبات: يؤشر حادث سقوط طائرة الرئيس الإيراني ومرافقيه على تردي قطاع الطيران في البلاد، وينطبق ذلك على القطاعين المدني والعسكري على السواء؛ إذ حرمت العقوبات طهران من تحديث الطائرات أو إصلاحها. 

وأسفر ذلك عن تكرار حوادث الطائرات في إيران، خلال السنوات الأخيرة، ومنها على سبيل المثال، تعرض مروحية كانت تقل وزير الرياضة والشباب الأسبق، حميد سجادي، في فبراير 2023، لحادث مماثل في أثناء هبوط طائرته بمدينة بافت في محافظة كرمان؛ ما أدى إلى مقتل مساعده وإصابة الوزير. وفي 17 مايو 2001، تُوفي وزير المواصلات، رحماني دمان، وجميع الركاب بعد سقوط طائرته من طراز "ياك 40"، أثناء رحلتها إلى مدينة جرجان شمال شرقي إيران. 

وربما يكون من المفارقات أن صحيفة "اعتماد" الإصلاحية الإيرانية، كانت قد نشرت تقريراً لها، بتاريخ 5 مايو 2024؛ أي قبل أسبوعين من الحادث، يحذر من أن أغلب الطائرات الإيرانية بحاجة إلى إعادة تأهيل. 

3- سوء تقدير وضعف إمكانات: تُرجّح أغلب التقديرات أن المتهم الرئيسي في إسقاط الطائرة كان سوء الأحوال الجوية في المنطقة التي مرت بها في محافظة أذربيجان الشرقية، في أقصى شمال غرب إيران؛ إذ الرياح الشديدة والضباب الكثيف وانعدام الرؤية، فضلاً عن كونها منطقة شديدة الوعورة من حيث التضاريس. وأسفرت الظروف الصعبة التي تعرضت لها الطائرة عن هبوطها بين منجم سونقون وغابة ديزمار بمحافظة أذربيجان. 

ومع التسليم بأن رحلة الذهاب كانت خالية من العراقيل، أو أن الظروف الجوية القاسية لم تكن قد تفاقمت، إلا أنه كان يُفترض أن يجرى تقييم لتلك الظروف قبل رحلة العودة، خاصةً أن الموكب كان يضم كبار رجال الدولة في إيران.

ومن ناحية أخرى، فإن فرق الإنقاذ التي بلغت نحو 40 فرقة، قد تأخرت في الوصول إلى موقع الطائرة لأكثر من 15 ساعة. صحيح أن الطبيعة الجبلية والظروف الجوية للمنطقة حالت دون التمكن من الوصول لموقع الطائرة بشكل أسرع، إلا أن تمكن طائرة مُسيّرة تركية من طراز "أقنجي" من تحديد موقع تحطم المروحية، قد يؤشر على ضعف الإمكانات لدى الجانب الإيراني فيما يتعلق بأدوات الإنقاذ والبحث. وربما حفظاً لماء الوجه، أعلن قائد فيلق عاشوراء للحرس الثوري بمحافظة أذربيجان الشرقية، أصغر عباسقلي زاده، أن مُسيّرات إيرانية هي التي حددت موقع المروحية، بالرغم من أن مشاركة المُسيّرة التركية جاءت بناءً على طلب تقدمت به طهران لأنقرة، وفق ما أشارت إليه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا".

4- توجيه اللوم للولايات المتحدة: بالرغم من إعلان واشنطن، بشكل رسمي، أنها لم يكن لها أي دور في سقوط الطائرة الإيرانية التي كانت تقل رئيسي ومرافقيه، حسبما أفاد وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن؛ فإن ذلك لم يثن بعض الأوساط في طهران من توجيه اللوم للولايات المتحدة وتحميلها جزءاً من المسؤولية؛ إذ صرّح وزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، بأن الولايات المتحدة هي "المتسببة في سقوط مروحية الرئيس الإيراني"؛ بسبب فرضها عقوبات على قطاع الطيران في إيران، ومنع إدخال قطع تحديث الطائرات. 

وجدير بالذكر أن الطائرة المنكوبة هي مروحية من طراز "بيل 212" أمريكية الصُنع، يعود إنتاجها لعام 1968، وكانت طهران قد حصلت عليها قبل ثورتها في 1979. كما تجدر الإشارة إلى أن بعض المسؤولين الإيرانيين كانوا قد طالبوا قبل أيام من وقوع الحادث، باستبدال الطائرات الأمريكية التي يستخدمها المسؤولون بأخرى روسية، حتى يتسنى لهم تحديث أجزائها والحصول على قطع الغيار اللازمة. 

5- شكوك حول احتمالية أن يكون الحادث مُدبّراً: ذهبت بعض التقديرات إلى احتمالية أن يكون حادث سقوط طائرة رئيسي ومرافقيه مُدبّراً، وتستند في ذلك إلى فرضية أن هذه الطائرة هي الوحيدة - من بين ثلاث طائرات كانت ضمن الموكب العائد من المنطقة الحدودية بين إيران وأذربيجان- التي تعرضت للسقوط، في حين وصلت المروحيتان الأخريان بسلامة إلى وجهتهما، بالرغم من تعرضهما لنفس الأجواء والتضاريس الصعبة. علاوة على كون الطائرة الرئاسية أكثر كفاءة من الطائرتين الأخريين، والطيار الرئاسي يُفترض أن يكون أكثر كفاءة من الطيارين الآخرين. 

يُضاف إلى ذلك، ما كشفه وزير النقل التركي، عبدالقادر أورال أوغلو، في 20 مايو الجاري، بأن المروحية التي كان يستقلها رئيسي لم تكن مزودة بنظام إشارات أو أنه كان معطلاً على الأرجح؛ وهو ما أدى إلى عدم وصول إشارات للجانب التركي - الذي يدخل المجال الجوي الإيراني ضمن نطاق مراقبته- بأن الطائرة قد سقطت، ومن ثم تحديد مكان سقوطها. بيد أن تلك الطروحات تظل مجرد تكهنات لا يوجد ما يؤكد صحتها. 

6- تعاطف إقليمي ودولي: عكست حادثة سقوط طائرة رئيسي ومرافقيه ووفاتهم، تعاطفاً إقليمياً ودولياً واسعاً، إذ أبدى عدد من الدول استعداده للمشاركة في عمليات البحث عن الطائرة الرئاسية المفقودة، ومنها: دولة الإمارات والسعودية وقطر وتركيا وباكستان وروسيا، وغيرها. كما انهالت البيانات التي تعزي في وفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته من جانب طيف واسع من الدول حول العالم.  

ويُعد ذلك نتيجة للسياسات التي انتهجها رئيسي خلال توليه منصب الرئيس الإيراني، منذ أغسطس 2021، والقائمة على نسج شبكات واسعة من العلاقات الخارجية واقتحام مساحات جديدة لم تكن في اهتمام طهران من قبل؛ إذ انضمت إيران، خلال عهد رئيسي، إلى منظمتي شنغهاي وبريكس، كما فتحت صفحة جديدة من العلاقات مع دول المنطقة، بدأتها بتوقيع اتفاق عودة العلاقات مع السعودية في 10 مارس 2023، وأجرى وزير خارجيتها الراحل عبداللهيان جولات عديدة شملت دولاً إفريقية ولاتينية وآسيوية.

تأثيرات مُحتملة: 

يمكن الإشارة إلى أبرز الانعكاسات التي قد يفضي إليها حادث سقوط الطائرة وغياب رئيسي وعبداللهيان عن المشهد، على النحو التالي:

1- انكفاء إيران على الداخل مؤقتاً: من المُرجح أن تُسفر الفترة الانتقالية الحالية في إيران، عن انكفائها على ترتيب البيت الداخلي، مرحلياً، لحين انتهاء المدة المحددة لإجراء انتخابات رئاسية وهي 50 يوماً، ثم الدخول في ماراثون انتخابات رئاسية واختيار رئيس وتشكيل حكومة بعد ذلك؛ لذا قد تشهد بعض الملفات الخارجية تجمداً خلال الفترة المقبلة، ومنها على سبيل المثال، المباحثات غير المباشرة التي كان قد أُعلن عنها قبيل الحادث، التي جرت بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين في سلطنة عُمان؛ وهو نفسه ما حدث عندما تولى رئيسي؛ إذ تجمدت المباحثات التي كانت تجرى في نهاية عهد الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، لعدة أشهر. كما قد تتجنب طهران أي أعمال من شأنها استفزاز الولايات المتحدة أو إسرائيل خلال هذه الفترة، إلا أن ذلك قد يكون بشكل مؤقت، ومن ثم تعود طهران لإدارة تلك الملفات مرة أخرى.

2- تزايد المطالب بتحديث البنية التحتية: في ضوء ذهاب أغلب الترجيحات إلى أن طائرة رئيسي ومرافقيه سقطت نتيجة تقادمها وعدم تحملها الظروف الجوية الصعبة، فإنه يُحتمل أن تتزايد المطالب في الداخل حول ضرورة تحديث البنية التحتية وتحديث الطائرات الإيرانية التي أضحت متهالكة؛ نتيجة عدم تحديث قطع غيارها وصيانتها. وربما يقود ذلك إلى أحد أمرين: الأول الضغط على روسيا والصين للحصول على طائرات حديثة، وتجدر هنا الإشارة إلى أن الدولتين وبالرغم من تعاونهما مع إيران، فإن هذا التعاون محكوم بسقف العقوبات المفروضة على طهران وخشيتهما من الوقوع تحت طائلة تلك العقوبات، والأمر الثاني قد يتعلق بتخفيف حدّة التوتر مع الغرب والقوى الأوروبية؛ بما قد يسمح بحلحلة للملف النووي المتعثر، وإزالة العقوبات المفروضة على إيران تدريجياً أو جزء منها.  

3- الإبقاء على الخطوط العريضة للسياسة الخارجية: من غير المُحتمل أن تشهد ملفات إيران الإقليمية والدولية تغييرات نتيجة وفاة رئيسي وعبداللهيان؛ وذلك في ظل الصلاحيات الكبيرة للمرشد الإيراني وقيادات الحرس الثوري أصحاب الهيمنة والسيطرة في إدارة الملفات الخارجية. صحيح أن بعض الرؤساء ووزراء الخارجية في إيران قد أدوا دوراً في محاولة تعديل بعض السياسات الخارجية؛ وهو ما حدث في عهد روحاني وجواد ظريف، إلا أن ذلك لم يتحقق بشكل كبير؛ نتيجة معارضة المرشد ومجلس الشورى (البرلمان)، الذي كان يُسيطر عليه التيار الأصولي المتشدد، لسياسات روحاني وظريف. والجدير بالذكر أن الأصوليين المتشددين يسيطرون بشكل شبة كامل على مجلس الشورى الحالي، الذي أجريت انتخاباته في أول مارس 2024. 

كما يمكن التدليل على ذلك بأن غياب قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني، عقب اغتياله في بغداد، مطلع عام 2020، لم يُغير من توجهات السياسة الخارجية الإيرانية سواء تجاه المنطقة أم العالم، بل استمرت كما هي وإن تأثرت تكتيكاتها.

ويمكن إرجاع ذلك إلى ما يُميّز النظام في إيران من تراتبية شديدة التعقيد؛ إذ يمتلك مؤسسات قوية، تُسيّرها عقيدة وأيديولوجية راسخة، وللأفراد والأشخاص فيها تأثير محدود. والدليل على ذلك أن وفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران وقائد ثورتها، آية الله الخميني، لم تُسفر عن أي تغيير في توجهات النظام الإيراني، بل ربما اتجه النظام إلى مزيد من تكريس التشدد في عهد خلفه خامنئي.

4- حسم ملف اختيار المرشد القادم: مثّل إبراهيم رئيسي أحد أبرز المرشحين الأوفر حظاً لتولي منصب المرشد، في حال خلو هذا الأخير، ووصفته بعض الأوساط بأنه كان "مرشح الدولة العميقة"، على أساس أنه جاء من السلك القضائي، الذي ترأسه قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية. ومع غيابه عن المشهد، ربما أصبح الطريق معبداً أمام نجل المرشد الحالي، مجتبى خامنئي، لخلافة والده في المنصب الأهم في إيران، خاصةً بعد إبعاد عدد من المرشحين البارزين من أمثال رئيس مجلس الشورى السابق، علي لاريجاني، ووفاة آخرين من أمثال الرئيس الإيراني الأسبق، هاشمي رفسنجاني، والمرجعين الدينيين البارزين محمود هاشمي شاهرودي ومحمد مصباح يزدي.

وربما قام النظام الإيراني، خلال الفترة الأخيرة، بتهيئة الأجواء السياسية والإعلامية تمهيداً لاحتمالية خلافة مجتبى خامنئي؛ إذ تشكل مجلسا الشورى وخبراء القيادة، بشكل أساسي، من الأصوليين المتشددين، ليكونا "أكثر إطاعة" تمهيداً لاختيار المرشد القادم.

وفي الختام، يمكن القول إن وفاة الرئيس الإيراني، رئيسي، ووزير خارجيته، عبداللهيان ربما لن تكون لها تداعيات كبيرة على الخطوط العامة التي يتبناها النظام الإيراني في إدارته للملفات الداخلية والخارجية؛ إذ إن التراتبية التي يتسم بها هذا النظام أثبتت أنه قادر على التكيف ولديه مناعة ذاتية يستطيع من خلالها إعادة إنتاجه نفسه مرة أخرى؛ لذا من المُرجح أن تستمر السياسات المتشددة للنظام الإيراني في الداخل والخارج؛ نظراً لأنها ترتبط بمصالح أساسية له، وليس من الوارد تخليه عنها إلا إذا حدث تغيير هيكلي في بنية النظام نفسه.