أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

«صفقة القرن».. تحذيرات مبكرة

25 مارس، 2018


بينما ننتظر إعلان الرئيس دونالد ترامب عن ما يسمى بـ «صفقة القرن»، ثمة تلميحات كثيرة حول ما قد تكون عليه أو تتضمنه، وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريراً حول ما يُعتقد أنه تفاصيل «الصفقة». لكن حتى الآن، لا نملك سوى تلميحات وتخمينات ودلالات على خيبة الأمل والرفض. ورغم أنه يكون من السابق لأوانه أن نحكم على الخطة التي يقوم بوضعها صهر الرئيس ترامب ومستشاره الخاص «جاريد كوشنر»، وممثله للمفاوضات الدولية «جيسون جرينبلات»، إلا أنه ليس من المبكر بشكل كبير أن نقدم بعض التحذيرات أو الملاحظات التي تدعو إلى الحذر، من أجل التعرف إلى بنود ما قد يكون مقبولاً وما لا يمكن قبوله، ومن أجل التأهب لردود أفعال طويلة وقصيرة الأمد قد تُشكل ردود أفعال إقليمية.

ولأن الولايات المتحدة ستفتتح رسمياً سفارتها في القدس في الرابع عشر من مايو، فيجب أخذ وضع المدينة المقدسة في الاعتبار، وأيّاً كان ما قصده ترامب بقوله «إنه بإخراج القدس من على طاولة المفاوضات، فإنه قدّم بذلك (سند اعتراف) سيمكنه من الحصول على تنازلات مستقبلية من الإسرائيليين»، إلا أن الأمر ليس على هذا النحو في إسرائيل. وفي حين يواصل الفلسطينيون الإصرار على أن عاصمتهم هي القدس الشرقية، تعكف إسرائيل على جعل ذلك الأمر مستحيلاً. فحكومة نتنياهو، التي شجعها إعلان ترامب، تسعى بعدوانية لتعزيز وضعها فيما يعرف بـ«القدس الكبرى»، واعتمدت بناء مساكن جديدة لليهود فقط في قلب الأحياء العربية بالقدس الشرقية، مع تمرير تشريع في «الكنيسيت» يهدف إلى تقليص أعداد الفلسطينيين الذين يعيشون في المدينة. وعلاوة على ذلك، توجد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وستكون مفاجئة سارّة أن نجد كوشنر وجرينبلات يعرضان حلاً مدروساً وكريماً لهذه المشكلة القائمة منذ سبعة عقود، لكنني لا أتوقع ذلك. فحتى الآن، لم تُذكر قضية اللاجئين. وتقتصر المسألة بالنسبة لإسرائيل على أنها «مشكلة ديموغرافية»، فعلى أية حال لم يتم طرد الفلسطينيين في البداية سوى لمنح الكيان المحتل مزيداً الأراضي وضمان وجود أعداد أقل من الفلسطينيين.

لكن الواقع هو أن قضية اللاجئين أكثر بكثير من ذلك، فهي مسألة حقوق وممتلكات وعدالة وحق في الاعتراف العالمي بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم.

وعلى مدار جيلين، واسى الفلسطينيون أنفسهم ب«حق العودة»، وبالطبع، ستولد «الصفقة» ميتة إذا ما حاولت، بجرة قلم، تجاهل هذا التطلع الفلسطيني. وفي حين تؤكد إسرائيل أنها لن تستوعب لاجئين، لا أحد يستطيع تجاهل تأثير إنكار «حق العودة» على اللاجئين الفلسطينيين في المنفى، والتحديات التي سيحدثها ذلك على استقرار دول مثل الأردن ولبنان في المستقبل، ناهيك عن مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة وغزة الذين يحلمون بالعودة إلى ممتلكاتهم خلف الخط الأخضر. وإذا كانت إسرائيل لا تلقي بالاً بشأن تبعات ذلك على المنطقة، فلابد أن تأخذ الولايات المتحدة ذلك العامل بعين الاعتبار.

وقد التزمت إدارة ترامب الحذر بشأن موقفها من إقامة دولة فلسطينية، ومن جانبه، أعرب الرئيس عن انفتاحه تجاه حل الدولة أو الدولتين، أيّاً كانت النتيجة التي سيقبلها الجانبين. ومع وجود أكثر من 700 ألف مستوطن يهودي يعيشون في أماكن استراتيجية في أنحاء الضفة الغربية، تربطها طرق لليهود فقط، أضحى من الصعب تصور كيف يمكن إجراء عملية فصل تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.

وفي حين يُصّر الفلسطينيون على حقهم في إقامة دولة مستقلّة، دأب الإسرائيليون، بمساعدة الكونجرس الأميركي، على تطبيق سياسات تجعل إقامة تلك الدولة مستحيلة. وتدفع حكومة نتنياهو صوب ضم الأراضي، ويعامل تشريع صادر عن الكونجرس إسرائيل والمساحات التي يُسيطر عليها الإسرائيليون باعتبارها كياناً موحداً.

ولو أن خطة «كوشنر جرينبلات» أخفقت في التعامل مع المشكلات التي يمثلها جدار الفصل العنصري الذي تم بنائه على الأراضي الفلسطينية، والمستوطنات والطرق، ومطالب إسرائيل التي لا تريد التفاوض بشأنها باستعادة السيطرة على وادي الأردن، وحق الوصول إلى المناطق الحدودية، والمسائل الأمنية بشكل عام، فإن النتيجة الوحيدة ستكون حل «الدولة الواحدة»، وهي «دولة فصل عنصري». وبالطبع هذه النتيجة ستعني استمرار غير مقبول للاحتلال، وسترفض رفضاً قاطعاً.

وقد كثرت الأحاديث عن أن «صفقة القرن» ستشمل عدداً من الدول العربية، بينما تأمل إسرائيل في تحقيق «التطبيع» من دون دفع أي ثمن، وهذا على أفضل تقدير هو محض خيال خطير، والسعي ورائه أمر يستحيل تحقيقه. وعلى رغم من حقيقة أن العالم العربي يواجه تحديات جسيمة من تهديد التطرف إلى خطر عدوان إيران، إلا أنه سيكون خطأً قاتلاً زعم أن ذلك سيُترجم إلى نقص في دعم القضية الفلسطينية، إذ لا تزال فلسطين «جرح لم يندمل في قلب العرب، ومع استمرار نزف الفلسطينيين، سيظل الشارع العربي ينزف». ومع وجود كثير من المخاطر والتحديات، لابد من الحذر، ولو لم يدرك كوشنر وجرينبلات ذلك، فمن الممكن أن تتحول «صفقة القرن» إلى «كارثة القرن».

*نقلا عن صحيفة الاتحاد