أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

دراما الانتخابات التونسية:

صعود الأقطاب المدنية ونهاية حكم "النهضة"

28 أكتوبر، 2014


الأكثر دراما في نتائج الانتخابات التشريعية التونسية التي أجريت يوم الأحد الماضي 26 أكتوبر 2014، ليس فشل حركة "النهضة" في الحفاظ على أغلبيتها البرلمانية الكبيرة، وإنما ما حل بشريكيها السابقين "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي يتزعمه شرفياً الرئيس منصف المرزوقي و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" بقيادة رئيس المجلس التأسيسي المنتهية ولايته مصطفى بن جعفر، إذ إن كليهما تعرض لانزلاق سياسي حاد سقطا بمقتضاه من مصاف الفئة الحزبية الأولى لقاع الترتيب السياسي في البلاد.

خسارة فادحة للترويكا

حصل "المؤتمر" على 4 مقاعد فقط بعد أن كان بحوزته 29 مقعداً في المجلس السابق (من إجمالي 217 مقعداً)، بينما نال "التكتل" مقعدين مقابل 20 سابقاً، أي أن الحزبين فقدا معاً ما يوازي 20% من إجمالي أصوات التونسيين.

وإذا أُضيف لذلك أن تيار "المحبة" الذي يتزعمه مالك القناة الفضائية "المستقلة"، الهاشمي الحامدي، قد حصل على مقعدين بعدما كان يملك 27 مقعداً في السابق، يصبح من الجائز القول إن صناديق الانتخابات في تونس كانت وسيلة ديمقراطية للانقلاب على الخريطة الحزبية المشوشة التي أنتجتها ضرورات الاستعجال السياسي بعد سقوط نظام "ابن علي" في عام 2011.

ويزيد من وقع هذه الدراما أمران؛ أولهما: أن ما خسره شريكا "النهضة" ذهب مباشرة إلى خصمهما اللدود "حزب نداء تونس"، ليحل في المرتبة الأولى بـحصوله على 84 مقعداً، وليصبح باستطاعته تشكيل ائتلاف حكومي بالشراكة مع أي خليط حزبي يؤمن  له 25 مقعداً يصل بها للأغلبية البرلمانية (109 مقاعد)، وهو أمر سهل نسبياً  في ظل استعداد أحزاب معروفة بعداوتها التاريخية والأيديولوجية لجماعة الإخوان المسلمين للتعاون،  مثل "الجبهة الشعبية" صاحبة الـ 12 مقعداً وحركة الشعب (مقعدان)، فضلاً عن "الاتحاد الوطني الحر" الذي حل ثالثاً بـ 17 مقعداً،  للتعاون معه.

أما الأمر الثاني فيتمثل في أن ما أصاب كلا الحزبين سيتحول مستقبلاً إلى رادع ضمني في وجه أي شراكة مدنية مع الإسلاميين، اللهم إلا إذا راكمت الخبرة الديمقراطية ثقافة أرق تتعامل ما حدث باعتباره مثلاً لا "أمثولة"، علماً بأن الانتخابات الرئاسية المقررة بعد نحو شهر ستكون فرصة ثانية لاختبار حقيقة تأثير تلك الشراكة على أطرافها، خاصة أن المنصف المرزوقي وابن جعفر من بين المرشحين فيها، بل إن كليهما يستشهد بدوره في تلك الشراكة كدليل على الكفاءة والقدرة على التوافق باعتبارهما أساسين لبناء تونس الجديدة.

معادلات القوى الجديدة

مثل الانزلاق السياسي الذي أطاح حزبي "المؤتمر" و"التكتل الديمقراطي" المدخل الحقيقي لإعادة صياغة المشهد السياسي التونسي، ليس فقط لأنه قزم من وجودهما البرلماني، وإنما للنتائج التي تترتب على ذلك، وأهمها بروز قطب مدني مكافئ لقوة "النهضة"، وإفساح المجال أمام قوى جديدة للقيام بدور "العامل المرجح" خلال المرحلة المقبلة.

توضيحاً لذلك؛ تكشف القراءة الكلية لنتائج الانتخابات أن النسبة الكبيرة التي فقدها حليفا "النهضة" هي السبب الرئيسي وراء تحولها الإجباري للمعارضة، ذلك أن الحزبين خسرا سوياً 43 مقعداً، وهذا الرقم كان كفيلاً – حتى في ظل فقدان النهضة 20 مقعداً – بإبقاء "الترويكا الثلاثية" في الحكم من دون النظر لنتائج الآخرين.

من جهة ثانية، سمح تراجع الحزبين على هذا النحو اللافت لقوى أخرى، أهمها الاتحاد الوطني الحر والجبهة الشعبية وحركة آفاق تونس، بالدخول في صلب معادلة القوة الجديدة، مستفيدة في ذلك من التنافس الحاد المتوقع بين الحزبين الكبيرين من جهة، ثم بقدرتها على تسهيل/تعقيد المسار السياسي، بحكم امتلاكها النسبة المرجحة داخل البرلمان (36 مقعداً).

بهذا المعنى؛ يمكن القول إن هزيمة حليفي "النهضة" شكلت - في جانب منها – فرصة لتفاعل سياسي أكثر مرونة عما ساد خلال السنوات الثلاث الماضية، عندما كان بإمكان شركاء السلطة (والأغلبية أيضاً) أن يؤمموا أي نقاش بمجرد توافقهم على ذلك، غير أن فرصة كهذه قد تتحول – بتأثير الضغوط الشعبية والمصالح الحزبية -  إلى باب لعدم الاستقرار الحكومي، على غرار ما حدث في بعض بلدان شرق أوروبا في فترة تحولها إلى الديمقراطية.

في السياق ذاته، بددت الانتخابات التونسية الاعتقاد السائد بأن الاسلاميين أقدر من غيرهم على استخدام الجوانب الرمزية (الدينية بالأساس) لحشد الناخبين، إذ نجح حزب "نداء تونس" عبر استخدامه الكثيف مؤثرات معنوية تتصل بـ" الهوية الوطنية" و"التاريخ التونسي" في بناء اتجاه عام رافض لسيطرة الإخوان المسلمين على السلطة، وناقم – في الوقت ذاته – على من ظلوا شركاء لها.

الحكومة القادمة .." النداء " تضع شروطها

وفقاً لنتائج الانتخابات، يعد حزب "نداء تونس" الأوفر حظاً لقيادة الحكومة الجديدة، ومطلوب منه الدخول في ائتلاف برلماني يوفر له الأغلبية العددية داخل مجلس النواب.

أما البدائل المتاحة أمامه لبلوغ هذا الهدف فتشمل:

  • التشارك مع حركة "النهضة" في حكومة تعايش، بدعم 152 نائباً على الأقل.
  • ائتلاف مع "الاتحاد الوطني الحر" وأي من حزبي "الجبهة الشعبية" و "آفاق تونس"، وستكون الحكومة مدعومة بأغلبية حرجة (113 أو 110 نواب).
  • ائتلاف مع الأحزاب الثلاثة السابقة، وسيكون عدد النواب الداعمين 121 نائباً.
  • ائتلاف مع "الجبهة الشعبية" و"آفاق تونس" وحزب صغير أو أكثر.
  • ائتلاف مع "الاتحاد الوطني الحر" وعدد من الأحزاب الصغيرة، وسيكون الدعم البرلماني في هذا السيناريو "هشاً" إلى حد كبير.

وفي ظل استبعاد القيادي في الحركة خميس قسيلة التحالف إلا مع القوى التقدمية الحداثية التي تقترب منه فكراً، يصبح السيناريو الثالث هو الأقرب لتفكير الحزب. في المقابل، تملك حركة "النهضة" رغم صعوبة موقفها، أكثر من فرصة للبقاء في الحكومة أو قيادتها، ومن ذلك:

  • حكومة تعايش مع "نداء تونس"، وهذا سيناريو مستبعد عملياً.
  • ائتلاف عريض مع "الاتحاد الوطني الحر" و"الجبهة الشعبية " و"آفاق تونس" و"المؤتمر" و"التكتل"، لكن هذا السيناريو مرهق سياسياً ومعرض للانهيار بسرعة.
  • ائتلاف مع كل الأحزاب باستثناء "نداء تونس" و"الاتحاد الوطني".. وهذا سيناريو مستحيل لوجود قوى رافضة لأي تعاون مع الإسلاميين.

ومع أن المشاورات الرسمية الخاصة بتشكيل الحكومة لم تبدأ بعد، فإن اتجاهاً داخل حزب "نداء تونس" بدأ في الترويج لتشكيل حكومة كفاءات تنكب على القيام بالإصلاحات، على أن تتفرغ الأحزاب إلى وضع القوانين الجديدة خلال العام ونصف القادمين. وعلى ما يبدو، فإن هذا الاقتراح الذي لقي ترحيباً أولياً داخل الحزب سيكون مخرجاً مناسباً للجميع إذا ما تم التوافق حوله خلال الأيام المقبلة.