أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تحولات استراتيجية:

دلالات الجولة الأفريقية لوزير الخارجية الأمريكي

25 نوفمبر، 2021


قام وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينيكن، بجولة في القارة الأفريقية استمرت نحو خمسة أيام بداية من 16 نوفمبر 2021، وتضمنت هذه الجولة زيارة ثلاث دول رئيسية، هي كينيا ونيجيريا والسنغال. وتعد هذه الجولة هي الأولى للوزير الأمريكي منذ تولي منصبه في ظل إدارة الرئيس جو بايدن. 

وتحمل الزيارة العديد من الدلالات المهمة بشأن استراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية تجاه أفريقيا، خاصةً أنها تأتي مباشرةً قبل انعقاد الاجتماع الوزاري الثامن الخاص بمنتدي التعاون الصيني – الأفريقي نهاية الشهر الجاري.

الأهداف المباشرة للجولة

بدأت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، فترة ولايتها عبر محاولة إعادة بلورة استراتيجية أمريكية تقوم على الانخراط الفعال في شؤون القارة الأفريقية، على عكس الرئيس السابق، دونالد ترامب. وبرز هذا التوجه مبكراً من خلال الرسالة التي وجهها بايدن خلال القمة الأفريقية الافتراضية في فبراير 2021، حيث أعلن عن تطلعه نحو تعزيز الشراكة الأمريكية – الأفريقية. 

وكان من المفترض أن تكون جولة وزير الخارجية الأمريكي إلى أفريقيا في أغسطس الماضي، بيد أن الملفات الإقليمية والدولية التي فرضت أولوياتها على الأجندة الأمريكية أخرت موعد الجولة. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى جملة من الأهداف المباشرة والعاجلة التي تستهدفها الجولة، تتمثل فيما يلي:

1- ضبط صراعات القرن الأفريقي: مثلت كينيا المحطة الأولى في جولة بلينكن، خاصةً أن نيروبي تمثل حليفاً تقليدياً لواشنطن، إذ تعتمد عليها كثيراً في تحقيق المصالح الأمريكية في القرن الأفريقي، كما أنها عضو غير دائم في الدورة الحالية لمجلس الأمن الدولي. واستهدفت زيارة الوزير الأمريكي إلى كينيا تحقيق عدة أهداف رئيسة، تتمثل فيما يلي:

‌أ- الوساطة بين واشنطن والحكومة الإثيوبية: سبقت زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى نيروبي، زيارة أخرى قام بها الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، إلى إثيوبيا لمحاولة الوصول إلى تسوية للصراع المتأزم في أديس أبابا، في ظل وجود تقديرات أمريكية رجحت احتمالات انهيار حكومة آبي أحمد مع التقدم المستمر للتحالف الذي تقوده قوات التيجراي. 

وعلى الرغم من العقوبات الأمريكية ضد أديس أبابا، فإن بلينيكن تجنب وصف الأوضاع الراهنة في إثيوبيا باعتبارها "إبادة جماعية" لتجنب تفاقم التوتر معها. ويبدو أن بلينكن يسعى لتوظيف كينيا كقناة للتفاوض مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، خاصة أن ثمة تقديرات رجحت بأنه كينياتا سيقوم بزيارة أخرى إلى إثيوبيا قريباً.

‌ب- حلحلة الأزمة في السودان: زارت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية، ماري كاثرين، السودان بالتوازي مع زيارة بلينكن إلى كينيا. ونجحت واشنطن في لعب دور في التوصل للاتفاق الأخير الذي توصل إليه رئيس المجلس السيادي، عبدالفتاح البرهان، ورئيس الوزراء، عبدالله حمدوك، وعودة الأخير لمنصبه ليستمر في تمثيل المكون المدني في الحكومة. 

‌ج- بحث مستقبل الصومال بعد 2021: يتزايد القلق الأمريكي من احتمالات استغلال حركة الشباب الأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة في الصومال، والعمل على توسيع نطاق سيطرتها في البلاد، خاصةً في ظل اقتراب نهاية مهمة بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال "أميصوم" في 31 ديسمبر 2021، ورفض الصومال تمديد عملها بسبب مطالبة أميصوم بتوسيع اختصاصها.

وتستهدف زيارة بلينكن لكينيا التنسيق معها، بالنظر إلى كونها أحد أبرز الأطراف المشاركة في أميصوم، ومحاولة التوصل لتفاهم معها على تمديد مهام البعثة لمدة قد تصل إلى ستة أشهر لحين إعادة وضع تصور بشأن مستقبلها.

2- تعزيز الدور الأمريكي في أفريقيا: جاءت نيجيريا كمحطة ثانية في جولة وزير الخارجية الأمريكي، بالنظر إلى ما تمتلكه من ثقل استراتيجي، باعتبارها أكبر دول القارة من حيث عدد السكان، فضلاً عن كونها أكبر مصدري النفط في القارة، إضافة إلى أهميتها الجيواستراتيجية في منطقة غرب أفريقيا. 

ولعل هذا ما جعل وزير الخارجية الأمريكي يختار نيجيريا للإعلان عن ملامح الرؤية الأمريكية الجديدة تجاه القارة الأفريقية، والتي تؤكد على تعزيز الشراكة الاقتصادية والأمنية بين واشنطن ودولها. وبدأت أولى ملامح هذه الشراكة في توقيع بلينكن على برنامج مساعدات للتنمية مع نظيره النيجري بقيمة 2.17 مليار دولار، فضلاً عن عدد من الاتفاق بين البلدين بشأن تعزيز الدعم الأمريكي الأمني والاستخباراتي لنيجيريا. وعمد بلينكن قبل توجهه إلى نيجريا إلى شطب الأخيرة من القائمة السوداء للولايات المتحدة الخاصة بالدول التي تنتهك الحريات الدينية.

وتعهدت واشنطن بانخراط أوسع في دعم جهود دول المنطقة في مكافحة الإرهاب، خاصةً في ظل الاضطرابات الأمنية المتفاقمة التي تشهدها المنطقة، وبالتزامن مع تراجع الحضور الفرنسي هناك.

3- ترويج الدعم الأمريكي للديمقراطية: اختتم بلينكن جولته الإفريقية في العاصمة السنغالية داكار، والتي تمثل رمزية مهمة باعتبار أن السنغال تعد أحد الديمقراطيات المستقرة في أفريقيا، ومن ثم تعكس هذه الزيارة دعم الإدارة الأمريكية لنشر القيم الديموقراطية في القارة، فضلاً عن أهمية هذه الزيارة فيما يتعلق ببحث الرؤية الأمريكية المقترحة تجاه القارة الأفريقية مع الرئيس السنغالي، ماكي سال، والذي تستعد بلادة لرئاسة الاتحاد الأفريقي في دورته المقبلة.

أبعاد استراتيجية ممتدة 

على الرغم من أهمية الدوافع المباشرة والعاجلة لجولة وزير الخارجية الأمريكي الأفريقية، فإن الأهداف الضمنية غير المباشرة تمثل الدافع الرئيس للجولة، وهي ترتكز بالأساس لاستعادة النفوذ والدور القيادي الأمريكي، ومواجهة النفوذ الروسي والصيني المتنامي في القارة الإفريقية، وتعتمد واشنطن في إطار تحقيقها لهذه الأهداف غير المباشرة على عدد من الآليات الرئيسة، تتمثل فيما يلي:

1- مواجهة دبلوماسية اللقاحات الصينية: باتت الإدارة الأمريكية الحالية تعتمد على اللقاءات كآلية رئيسة في استعادة دورها القيادي، وفي هذا الإطار تضمنت زيارة وزير الخارجية الأمريكي طرح مبادرة جديدة تحت مسمى (Global Covid Corps) بهدف تقديم الدعم للدول فيما يتعلق بإنتاج اللقاحات، وأصبحت كينيا أول دول القارة الأفريقية تنضم لهذه المبادرة.

وتروج واشنطن لدورها في دعم جهود الدول الأفريقية على إنتاج اللقاحات، على عكس الصين التي تستهدف نشر لقاحها في القارة الأفريقية، ولعل هذا ما ينعكس بوضوح في "معهد باستور" الذي تم إنشاؤه من خلال دعم أمريكي وأوروبي في العاصمة السنغالية داكا لإنتاج لقاح فيروس كورونا.

2- تعزيز الاستثمار في البنية التحتية: أشارت العديد من التقارير إلى تنامي القلق الأمريكي من الانخراط الصيني المتنامي في مجال البنية التحية في القارة الأفريقية. وفي هذا السياق أعلنت واشنطن خلال قمة مجموعة السبع الأخيرة عن مبادرة "إعادة بناء عالم أفضل" (B3W)، والتي تقوم على الشراكة لتوفير بنية تحتية من خلال دعم الاستثمارات عالية الجودة في مشروعات البنية التحتية الكبرى.

3- زيادة مستوى التعاون الأمني: تعاني الكثير من دول القارة الأفريقية مشاكل أمنية حادة، وهو ما فتح المجال أمام تنامي النفوذ الروسي. وبدأت الإدارة الأمريكية إعادة صياغة خطة أمنية لتعزيز نفوذها في القارة، وقد تجلت أبرز ملامح هذه الخطة الأمريكية في مبادرة "منافسة استراتيجية للقيادة الأمريكية في أفريقيا" الواردة في قانون الدفاع الوطني لعام 2022 والذي يستهدف إرسال مساعدات عسكرية إلى أفريقيا، وهي تستهدف بالأساس بلورة إطار قانوني يضمن توسيع النفوذ العسكري الأمريكي طويل الأجل في القارة الأفريقية.

انعكاسات إقليمية محتملة

يمكن الإشارة إلى عدد من التداعيات المحتملة لتنامي الانخراط الأمريكي في القارة الأفريقية، والتي يمكن تناولها في العناصر التالية: 

1- تصاعد وتيرة التنافس الغربي – الصيني: تعكس المعطيات السابقة أن القارة الأفريقية باتت تمثل ساحة جديدة للتنافس الدولي الراهن. وفي هذا الإطار يرجح أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الانخراط المتنامي من قبل الصين وروسيا من ناحية، والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من ناحية أخرى.

وسوف يأخذ هذا التنافس أبعاداً وآليات مختلفة، اقتصادية وعسكرية، ولعل الاجتماع الذي سيستضيفه جو بايدن مطلع العام المقبل لقادة الدول الأفريقية، والذي أعلن وزير الخارجية الأمريكي خلال جولته الأخيرة يعكس بعداً من هذا التنافس الحاد الذي ستقبل عليه القارة الأفريقية. 

2- انعكاسات محتملة على دول القارة: على الرغم من أن تصاعد التنافس الدولي على القارة الأفريقية سوف يتيح لدولها هامش أكبر من الحركة عبر تعزيز علاقاتها بأكثر من قوة كبرى، أو حتى المفاضلة بينهم، فإنه على الجانب الأخر قد يحمل تداعيات سلبية، على غرار مرحلة الحرب الباردة، إذ قد تتفاقم الأزمات الأمنية والاقتصادية في القارة نتيجة هذا التنافس. 

وفي الختام، تكشف جولة بلينكن الأفريقية عن مساعي إدارة بايدن لتلافي الأخطاء التي ارتكبتها الإدارات الأمريكية المتلاحقة بتخليها عن القارة الأفريقية، وهو ما أفسح المجال أمام مزيد من الانخراط الدولي الصيني والروسي على دول القارة. ويبقي من الصعوبة بمكان في الوقت الراهن تقييم مدى جدية واستمرارية التوجه الأمريكي نحو القارة الأفريقية، وعما إذا كانت إدارة الرئيس بايدن ستطرح بالفعل استراتيجية شاملة نحو أفريقيا، أم أن الأمر سيقتصر في النهاية على مبادرة أمريكية جديدة لن تجد طريقها للتطبيق.