أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

مواقف متباينة:

كيف تعاملت القوى العراقية مع مبادرة الصدر؟

18 ديسمبر، 2017


أثارت المبادرة التي طرحها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في 10 ديسمبر الجاري، والخاصة بدعوة الميليشيات العراقية إلى حصر السلاح بيد الدولة، جدلاً واسعًا حول مستقبل ميليشيا "الحشد الشعبي" بعد إعلان الانتصار على تنظيم "داعش"، خاصة بعد أن أعادت طرح تساؤلات تتعلق بأبعاد البنية الأمنية فى العراق بشكل عام وتداعياتها المختلفة خاصة السياسية والاجتماعية، فضلاً عن علاقتها بالعقيدة الحاكمة لهذه الميليشيات، والإطار القانوني لها، وما تطرحه من إشكاليات ترتبط بالتداخل في الولاءات بين الوطني والطائفي.

واللافت في هذا السياق، هو أن هذه المبادرة تلاقت مع دعوات وجهتها قوى دولية وإقليمية عديدة بضرورة حل ميليشيا "الحشد الشعبي" على خلفية ممارساتها الطائفية خلال العمليات الميدانية، إضافة إلى تنامي نفوذ إيران داخلها، بشكل يعزز من مساعي الأخيرة لاستثمار ذلك على الصعيد الإقليمي. ورغم أن مبادرة الصدر تبقى أبرز الدعوات المحلية في هذا السياق، إلا أنها في الوقت نفسه تثير تساؤلات عديدة يتعلق بعضها بمضامينها، فيما يرتبط بعضها الآخر بتداعياتها المحتملة.

اعتبارات عديدة: 

اكتسبت هذه المبادرة اهتمامًا خاصًا على الساحة الداخلية العراقية، لاعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- اتجاه متزايد: كان لافتًا أن الصدر حرص في بداية مبادرته على دعوة "سرايا السلام" التابعة لتياره إلى تسليم سلاحها إلى الدولة ونقل المواقع المحررة ما عدا سمراء إلى القوات الأمنية خلال 45 يومًا، وهو ما يعنى أنه يسعى إلى تأكيد أن المسألة لا تستهدف "الحشد الشعبي" فقط، وأنها تعبر عن اتجاه متصاعد على الساحة العراقية يتبنى هذه الرؤية القائمة على حصر السلاح بيد الدولة، خاصة أن الصدر نفسه سبق أن واجه، وفقًا لتقارير عديدة، اتهامات بالاستخدام المفرط للسلاح خارج نطاق الدولة، ورفض دعوات حكومية سابقة، لا سيما خلال رئاسة نورى المالكي للحكومة، بالتخلي عن السلاح.

2- توافق إقليمي: تتوازى مبادرة الصدر مع المواقف التي تبنتها بعض القوى الإقليمية والدولية المعنية بأزمات المنطقة، والتي تتركز على ضرورة تكريس سيادة الدولة فيما يتعلق باستخدام السلاح وتفكيك الميليشيات المسلحة وتسليم سلاحها إلى السلطات المختصة.

3- انتهاء المهمة: يبدو أن الصدر يستند في تبرير هذا الاتجاه إلى "طبيعة المهمة" التي شكلت الدافع لتأسيس هذه الميليشيات، وهى محاربة تنظيم "داعش" بناءً على فتوى "الجهاد الكفائي" المنسوبة للمرجع الشيعي الأعلى على السيستانى، حيث أن انتهاء هذه المهمة، وفقًا لرؤيته، يقتضى منع تلك الميليشيا من استغلال الدور الذي قامت به في المرحلة الماضية، طائفيًا، خلال الاستحقاقات السياسية القادمة، وفي مقدمتها الانتخابات البرلمانية التي يتوقع إجراءها في مايو 2018.

إشكاليات قائمة:

لكن رغم ذلك، فإن هذه المبادرة تواجه إشكاليات عديدة لا تبدو هينة، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- استثناء فرقة "سامراء": وهى واحدة من المجموعات الثلاثة المركزية لـ"السرايا" (بغداد– النجف– سامراء) وتتضمن قوة مسلحة يطلق عليها "فرقة التدخل السريع". وبغض النظر عن المبررات التي قدمت فى هذا السياق والتي تتعلق برمزية المكان وعلاقة التيار الصدري ودوره فى تأمينه بعد التفجيرات التي وقعت فيه خلال عام 2006، إلا أن هذا الاستثناء يطرح دلالة مهمة وتتمثل في أن "المرجعية الصدرية" هى التي حددت الخطر والتهديد الذي اقتضى الإبقاء على فرقة "سامراء"، وليس الدولة التي يحق لها حصرًا تحديد الخطر، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى اعتبار ذلك بمثابة افتئات على سلطات الدولة عكس ما تهدف له المبادرة. فضلاً عن أن هذا الاستثناء قد يدفع الميليشيات الأخرى إلى تبني سياسة مماثلة، بشكل يفرغ المبادرة من مضمونها.

2- صعوبات تنظيمية وإجرائية: وتتعلق تحديدًا بتوفيق أوضاع كوادر وعناصر تلك الميليشيات، حيث كان لافتًا أن الصدر كان حريصًا على الربط بين مبادرته وبين وتوفير بديل وظيفي لمنتسبي تلك الميليشيات، الذين يتقاضون، طبقًا لبعض الاتجاهات، رواتب مرتفعة بحكم الموارد المالية الخاصة بالقوى التي تديرها، سواء من العوائد المرتبطة بالخُمس أو التبرعات الدينية الأخرى من هبات المزارات الشيعية، وهو ما يفرض صعوبات عديدة، في رؤية تلك الاتجاهات، أمام عملية إدماج هذه العناصر إداريًا داخل مؤسسات الدولة، خاصة في ظل التكلفة العالية للحرب ضد "داعش"، فضلاً عن انتشار الفساد في كثير من تلك المؤسسات.

3- المعضلة الإيرانية: حيث أن تلك المبادرة سوف تواجه بردود فعل رافضة من جانب القوى الموالية لإيران، خاصة أن الأخيرة، التي يعتبر دعم الميليشيات الإرهابية والمسلحة أحد أولويات سياستها في المنطقة، تسعى في الوقت الحالي إلى استثمار دورها ونفوذها داخل العراق وسوريا لمواجهة الضغوط الدولية والإقليمية التي تتعرض لها، وهو ما يعني أنها سوف تحاول عرقلة هذا الاتجاه في الفترة القادمة.

سياسات مختلفة:

تبنت كثير من القوى السياسية العراقية مواقف مناهضة لهذه المبادرة، معتبرة أن ميليشيا "الحشد" تأسست لكى تبقى، وقد استندت في هذا السياق إلى مبررات عديدة هى:

1- استمرار خطر الإرهاب: ترى هذه القوى أنه رغم الانتصار على "داعش" فإن ذلك لا يعني أن الإرهاب انتهى، وهو ما تحاول من خلاله تأكيد أن التهديدات التي تواجه العراق ما زالت قائمة، وأن ذلك يفرض ضرورة الإبقاء على القوى التي شاركت في مكافحة التنظيم، وهو ما لا يتسامح مع المعطيات التي كشفت عنها المواجهات الميدانية مع التنظيم، والتي أكدت أن تلك الميليشيات ارتكبت انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في المناطق التي تواجدت فيها. وفي رؤية تلك القوى، فإن بعض "الخلايا النائمة" التابعة للتنظيم ما زالت موجودة وقد تسعى إلى تنفيذ عمليات إرهابية نوعية في المرحلة القادمة.

2- تأكيد طائفية "الحشد": خاصة في ظل الدور الذي تقوم به في خدمة الجهود التي تبذلها إيران لتعزيز تدخلاتها في الشئون الداخلية لدول المنطقة ودعم التنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة في بعض دول الأزمات.

3- مصالح ذاتية: وهو ما تحاول تلك القوى ترويجه لتقليص أهمية تلك المبادرة، باعتبار أن الصدر يسعى، وفقًا لرؤيتها، إلى تحقيق مصالحه الخاصة بدعم النفوذ السياسي لتياره في المرحلة القادمة، ووضع مزيد من العقبات أمام المساعي التي يبذلها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي من أجل تولي منصب رئيس الحكومة من جديد.

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية إن مبادرة الصدر ألقت الضوء على الاتجاه الداعي إلى تعزيز سيادة الدولة، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة عقبات عديدة قد تحول دون ترجمة هذه المبادرة إلى خطوات إجرائية على الأرض، في ظل التوازنات السياسية القائمة داخل العراق حتى الآن.