أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تحوّلات مُحتملة:

كيف نفهم احتجاجات الجامعات الأمريكية ضد حرب غزة؟

23 مايو، 2024


سادت حالة من القلق والترقب الأوساط الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ نتيجة استمرار الاحتجاجات الطلابية التي تشهدها الجامعات الأمريكية منذ إبريل 2024، وتفيد التقديرات بأنه على مدار شهر إبريل وحتى 13 مايو من نفس العام، تم القبض على أكثر من 2.950 متظاهراً، شمل ذلك بعض أعضاء هيئة التدريس والأساتذة، وذلك في 61 حرماً جامعياً في جميع أنحاء الولايات المتحدة.  

يتضامن المشاركون في تلك الاحتجاجات مع الشعب الفلسطيني على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة، ويطالبون الإدارة الأمريكية بضرورة الضغط على إسرائيل لوقف "حرب الإبادة" التي يتعرض لها الفلسطينيون، منددين بالدعم العسكري الذي تقدّمه الولايات المتحدة لإسرائيل، والوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة. 

أثارت هذه الاحتجاجات العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت ستنهي الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، أم أنها ستفشل في إقناع المسؤولين الأمريكيين وربما يتم تصويرها في نهاية المطاف على أنها أحد أشكال معاداة السامية.

نظرة إلى الوراء:

 تعود بوادر هذه الاحتجاجات إلى الوراء نحو خمسة أشهر سابقة، وتحديداً في 5 ديسمبر 2023، حينما أدلى ثلاثة رؤساء جامعات بشهادتهم أمام لجنة مجلس النواب المعنية بالتعليم والقوى العاملة حول كيفية تعاملهم مع الحوادث المعادية للسامية في جامعاتهم منذ هجمات "طوفان الأقصى" على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.

اللافت للانتباه هو أن الاستجواب، والذي امتد لأكثر من خمس ساعات، كان حافلاً بلغة التهديد من قبل أعضاء الكونغرس؛ وخاصة أن العديد من المشرعين الجمهوريين كان يصرون على أن رؤساء الجامعات لا يفعلون ما يكفي لاستئصال جذور هذه الأحداث وإدانتها. وثمة أربعة ملامح تكونت خلال الاستجواب، تتلخص فيما يلي: 

1. رأى المشرعون أن إدارة الجامعات لا تفعل ما يكفي لحماية الطلاب، ولا تقوم بمعاقبة أو القضاء على المجموعات الطلابية التي تبث لغة الكراهية والعنف ضد اليهود، معتبرين أن الأطقم الإدارية لم تضطلع بمسؤولياتها، وسمحت لخطاب الكراهية بالتفاقم والنمو وسط "أمثلة لا حصر لها من المظاهرات المعادية للسامية في حرم الجامعات".

2. تجاهل المشرعون مناقشة مطالب الطلاب المحتجين، ودوافع الاحتجاجات التي قاموا بها. 

3. أكد رؤساء الجامعات في استجوابهم أنهم يقدرون حرية التعبير، وفي الوقت ذاته يرفضون اللغة المعادية للسامية. 

4. اتفق الجميع على أن الحرم الجامعي أصبح مستقطباً، مع ارتفاع مثير للقلق في حوادث معاداة السامية وكراهية الإسلام.

وهكذا، أدت جلسة الاستجواب وما جرى بها من هجوم شرس على رؤساء الجامعات الثلاث إلى استقالة رئيستي جامعتي بنسلفانيا وهارفارد في 10 ديسمبر 2023 و3 يناير 2024 على التوالي؛ إذ تعرضت الرئيستان لانتقادات لاذعة على إثر محاولتهن الحفاظ على أثر استجوابهم بالكونغرس الأمريكي. 

مطالب مشروعة أم بعيدة المنال؟ 

هناك عدد من الأبعاد المتداخلة للمطالب التي رفعها الطلاب المحتجون، أهمها ما يلي: 

1. يطالب المحتجون بشكل عام الإدارة الأمريكية بالضغط لوقف حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون، ويرون أن بلادهم ضالعة في استمرار تلك الإبادة، وفي هذا الصدد، يطالب المحتجون جامعاتهم، التي يتمتع الكثير منها بأوقاف ضخمة، بسحب استثماراتها المالية من إسرائيل، أو سحب استثمارات الجامعات من شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية التي تدعم إسرائيل عسكرياً.

2. يعتقد رؤساء الجامعات والإدارة الأمريكية بطبيعة الحال، أن سحب الاستثمارات حتى إن تحقق، لن يكون له أي تأثير يُذكر في وقف الحرب في غزة، ولكن المتظاهرين يرون أن خطوة الاحتجاج تكشف أولئك الذين يستفيدون من استمرار أمد الحرب، كما أن تلك الاحتجاجات ستساعد على بناء الوعي بقضيتهم، على غرار الطرق التي اتبعت والخاصة بسحب الاستثمارات من شركات الوقود الأحفوري؛ لحماية المناخ. 

3. المشكلة الأكثر تعقيداً هي اتساع الفجوة بين رأي النخبة السياسية الأمريكية والمتظاهرين؛ وقد انعكس ذلك في تصريحات ثلاثة من المسؤولين الذين لم يعلنوا أية تصريحات تنبئ بالتعاطف أو محاولة إرضاء المحتجين، فقد استنكرالرئيس الأمريكي جو بايدن في 22 إبريل 2024 ما أسماه "الاحتجاجات المعادية للسامية"، وأولئك الذين لا يفهمون ما يحدث مع الفلسطينيين، من جانبه وصف الرئيس السابق دونالد ترامب الاحتجاج في الحُرم الجامعية بأنه "فوضوي"، كما هدد رئيس مجلس النواب مايك جونسون خلال زيارته إلى جامعة كولومبيا، بأنه قد يطلب من الرئيس جو بايدن تعبئة الحرس الوطني في الجامعات التي تعاني من "فيروس معاداة السامية"، قائلاً إن هدف زيارته هو دعم الطلاب اليهود الذين يتعرضون للترهيب من قبل بعض المتظاهرين المناهضين لإسرائيل.

خريطة الاحتجاجات:

من الملاحظ اتساع النطاق الجغرافي لهذه الاحتجاجات، من جامعات "كولومبيا" و"بنسلفانيا" و"ييل" و"كونيتيكت" و"هارفارد" و"براون" في شرق الولايات المتحدة إلى أقصى غربها في جامعات "كاليفورنيا لوس أنجلوس"، و"جنوب كاليفورنيا" و"ستانفورد" و"سان فرانسيسكو" و"أوريغون" وجامعة "واشنطن" بسياتل، ومن أقصى الشمال وشمال الوسط حيث جامعات "نورث ويسترن" و"يالطا" و"فاندربيلت" وصولاً إلى أقصى الجنوب حيث جامعة "تكساس" في أوستن وجامعات ولاية فلوريدا الأمريكية.

وهكذا، تصاعدت الاحتجاجات الطلابية بداية من احتلال حرم جامعة كولومبيا، وبفعل تأثير الدومينو، انتشرت الظاهرة لتنتقل إلى نحو 45 ولاية أمريكية؛ إذ تشترك الاحتجاجات في نفس الشعارات والتكتيكات، إلا أنه من اللافت للانتباه حدوث احتجاجات في جامعات أكبر من غيرها، ويرجع ذلك إلى خصوصية بعض الجامعات؛ لمجموعة من الأسباب: 

1. جامعة كولومبيا وحالة الاستثناء: ليس من المفاجئ أن تصبح جامعة كولومبيا نقطة انطلاق الاحتجاجات؛ ويرجع ذلك إلى ثلاثة أسباب: أولاً، أن مقر الجامعة يقع في مدينة نيوريوك وهي أكبر مدينة أمريكية، وتضم ثاني أكبر عدد من السكان اليهود في العالم بعد تل أبيب، وفي الوقت ذاته يعيش بها حوالي خمس السكان المسلمين في البلاد؛ وبالتالي من المنطقي أن تكون بؤرة للاستقطاب والتظاهر؛ ثانياً، سهولة الوصول إلى الحرم الجامعي الخاص بها وهو مفتوح، ويُعد رمزاً تاريخياً للاحتجاجات السياسية التي سببها الطلاب خلال حرب فيتنام؛ ثالثاً، أثار استجواب رئيسة جامعة كولومبيا في الكونغرس الأمريكي غضب طلاب الجامعة، فعندما سافرت رئيسة الجامعة نعمت شفيق، إلى واشنطن لمخاطبة الجمهوريين الذين دعوها لحضور جلسة استماع حول ما اعتبروه تظاهرات "معاداة السامية" في حرم جامعة كولومبيا، أبدت موافقتها على تأطير الخطاب الرافض لمعاداة السامية، لتتمكن من تفادي أخطاء نظيرتيها في جامعتي هارفارد وبنسلفانيا اللتين حاولتا الحفاظ على أهمية قيم حرية التعبير؛ الأمر الذي اعتبره الطلاب خيانة لقيم الجامعة وانتقاصاً لمطالبهم. 

وما زاد الأمر تعقيداً هو أنه في اليوم التالي لجلسة الاستماع، اتصلت شفيق بقسم شرطة مدينة نيويورك لإخلاء المتظاهرين، وقامت الشرطة آنذاك باعتقال أكثر من 100 شخص، في خطوة أثارت مزيداً من التوترات وأشعلت المسيرات. 

2. جامعة ييل وتأثير الجالية المسلمة: ثمة أربعة أسباب وراء تصاعد الاحتجاج على نحو ملحوظ في جامعة ييل، فمن ناحية، تقع الجامعة في ولاية كونيتيكت الأمريكية، وهي إحدى الولايات التي تضم جالية كبيرة للمهاجرين المسلمين، ومن ناحية أخرى، تأتي ييل في مقدمة أفضل 10 جامعات أمريكية خياراً لدراسة المسلمين، أو ما يُعرف بـ "جامعات صديقة للمسلمين" (Muslim-friendly universities) ولذا، فإن نسبة المسلمين داخل الجامعة تُعد كبيرة نسبياً مقارنة بمختلف الأقليات داخل الجامعة. ومن ناحية ثالثة، تتمتع جامعة ييل بتاريخ عميق في تعزيز الحريات وبالأخص حرية التعبير، باعتبارها مؤسسة أكاديمية مكرسة لحرية الاستفسار والبحث عن الحقيقة، ولديها تاريخ حافل بالمظاهرات والاعتصامات. وأخيراً، يرى المتظاهرون في ييل أن أحداث جامعة كولومبيا حفّزتهم على تصعيد نشاطهم؛ إذ أن جامعة كولومبيا كانت الحدث الذي شجع الناس على تكثيف الاحتجاجات ونصب الخيام.

3. دور أعضاء هيئة التدريس: قام المئات من أعضاء هيئة التدريس في جامعة جنوب كاليفورنيا، بالدفاع عن الطلاب الذين تظاهروا ضد الدعم الأمريكي للحرب الإسرائيلية في غزة، وقد تدخل أساتذة في العديد من الكليات الأمريكية عندما ألقت الشرطة القبض على الطلاب أو حاولت إخلاء المعسكرات؛ مما أدى في بعض الأحيان إلى مواجهات خاصة بينهم وبين سلطات إنفاذ القانون. وفي مطلع مايو 2024، انسحب نحو 200 عضو من أعضاء هيئة التدريس في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، من الفصول الدراسية تضامناً مع الطلاب المحتجين، ولا شك في أن دعم الأساتذة الأكاديمين للطلاب أمر يصب في مصلحة الطلاب المحتجين، وربما يُسهل عليهم فتح قنوات تواصل بين الحركة الاحتجاجية وإدارة الجامعة. 

أبعاد جديدة:

حاولت النخبة السياسية الأمريكية توصيف هذه الحالة الطلابية بأنها تكرار لتجارب تاريخية سابقة، فرأى البعض أنها أشبه بحركة "احتلوا وول ستريت" عام 2011، والحركة المناهضة للفصل العنصري في ثمانينيات القرن الماضي، أو أنها مشابهة لمظاهرات 1968-1972 التي ساعدت على إنهاء الحرب الأمريكية في فيتنام. وعلى الرغم من أنه توجد أوجه تشابه بين هذه الاحتجاجات الطلابية والانتفاضات السابقة، فإن ثمة فارقاً جوهرياً يجعل تلك الاحتجاجات مختلفة؛ إذ تحمل أبعاداً جديدة وهي: 

1. جوهر الأزمة ليس أمريكياً: الاحتجاجات ترتبط بحدث لا تتورط فيه الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر ولا يموت فيه أعداد كبيرة من الأمريكيين كما حدث في حربي فيتنام والعراق؛ إذ ارتبطت الاحتجاجات الطلابية وقتها بالتكلفة البشرية والمادية، أما في حرب غزة، فإن الأمر يتعلق بمبادئ وقيم أخلاقية يؤمن بها هؤلاء الشباب مثل: العدالة والحرية واحترام حقوق الإنسان.

2. دلالات على تغير النخبة الأمريكية القادمة: ترتكز العديد من الاحتجاجات فيما يسمى بـ "جامعات النخبة"، وهي جامعات خاصة باهظة التكاليف، ويدرس فيها أبناء النخبة الحاكمة اقتصادياً وسياسياً في الولايات المتحدة مثل: جامعات "هارفارد" و"ييل" و"كولومبيا" وغيرها. ومن المثير للقلق، أن هؤلاء المحتجين سوف يشكلون النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل المنظور؛ مما يُنذر بأن سياسات واشنطن الداعمة لإسرائيل بشكل مطلق قد تتغير خلال السنوات المقبلة. 

3. احتجاجات جامعة: استطاعت تلك الاحتجاجات أن تجذب لها خليطاً من الأعراق والحركات السياسية المختلفة من بيض وسود وعرب ومسلمين أمريكيين، بالإضافة لطلاب يهود لهم توجهات ليبرالية، وتساندهم حركات للحقوق المدنية وحقوق الإنسان؛ وبالتالي فهي حركة عابرة للعرقيات والأديان وليست حكراً على فئة بعينها.

4. تحالف سريع واسع الانتشار: أدت وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية دوراً كبيراً في تعبئة وتنظيم التظاهرات؛ إذ سمحت للطلاب بالتواصل بسرعة مع بعضهم بعضاً، وتكرار التكتيكات بطرق لم يكن من الممكن تصورها في الحركات الجامعية السابقة، فبمجرد مداهمة الشرطة مخيماً للمحتجين في جامعة كولومبيا، كان الطلاب في جامعات أخرى يراقبون تلك الأحداث بواسطة الهواتف الذكية؛ مما أسهم في تأجيج مشاعرهم، وقيامهم بنفس الاستراتيجيات التي قام بها المحتجون في جامعة كولومبيا. 

5. تراكم الخبرة الجماهيرية: إن أحداث الجامعات الأمريكية هي في الواقع تعبير عن قوة الفعاليات الجماهيرية والحركات الليبرالية التقدمية المنددة باستمرار الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وعن تنامي الثقافة السياسية والوعي لدى الشباب الأمريكي على الرغم من التغطية الإعلامية الأمريكية، والتي لا تعرض الحجم الحقيقي للمأساة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.

واللافت للانتباه هو أن الجماهير الأمريكية المؤيدة لفلسطين باتت على قناعة متزايدة بأن الاكتفاء بالمظاهرات والوقفات النمطية خطوات غير كافية في حد ذاتها، وبالتالي، كان لا بد من التوجه المتزايد إلى إحداث ضغط مُركّز ومتصاعد على المسارات التي تغذي الاحتلال الإسرائيلي، ومنها الجامعات التي ترتبط باستثمارات تتعلق بإسرائيل، وعلى وجه الخصوص ارتباط بعضها بشركات الأسلحة الأمريكية التي تصدر السلاح إلى إسرائيل. 

تحولات ملحوظة:

ثمّة ملاحظات تُنذر بتغير الواقع السياسي داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو بعبارة أخرى، هناك دلالات يمكن استشرافها في ضوء الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين تشير إلى أننا بصدد ما يُعرف بـــ "أمريكا الجديدة":

1. فلسطين قضية أخلاقية ومجتمعية: لم تشهد الولايات المتحدة سابقاً حركة احتجاج تتمحور حول الحقوق الفلسطينية كما هو الحال مؤخراً؛ إذ أثبتت تلك الاحتجاجات أن مسألة فلسطين أصبحت قضية أخلاقية وذات أبعاد سياسية أمريكية محلية تولد التعاطف الشديد؛ فلم تُعد تقتصر على اهتمام صانعي السياسة الخارجية الأمريكية فحسب، ولكنها باتت تؤثر في المواطنين العاديين في الداخل الأمريكي بشكل أكبر من ذي قبل.

2. تأثير محتمل في الانتخابات الرئاسية لعام 2024: إذا تمكنت حركة الاحتجاج من تعبئة مزيد من المواطنين أو بناء تصور يروج للمظلومية التي قد تتعرض لها؛ نتيجة مزيد من الاعتقالات أو استخدام الشرطة للعنف ضد المتظاهرين؛ فإن هذا الأمر قد يعزز شعبية الديمقراطيين التقدميين أو الأقليات ذات الأصول المسلمة أو الإفريقية. 

3. التحول الجيلي: في مقال نشر مؤخراً في صحيفة نيويورك تايمز، تبين أن هناك زيادة في التعاطف مع القضية الفلسطينية في العقد الماضي، من 12% متعاطفين في عام 2013 إلى 27% الآن. إذ يُجادل بأن هذا التحول هو "تحول جيلي" (Generational shift)؛ إذ تشير التقديرات إلى أن أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً هم أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين ثلاث مرات من أولئك الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ومن غير الواضح كيف يترجم هذا الدعم المتزايد في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ولكن الأمر الواضح هو أن الولايات المتحدة تمر بلحظة تحول حقيقية قد تخلف تداعيات دولية كبرى.

وفي التقدير؛ يمكن القول إن الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية تُنذر بتحول المجتمع الأمريكي، وهو ما سيؤول إلى تحول في سياساتها الخارجية يوماً ما، فمن الواضح أن خطاب النخبة السياسية لم يقنع الأجيال الجديدة، خصوصاً (جيل Z)، فكل ما يهمه هو وقف إطلاق النار، وعدم تورط واشنطن في جريمة الإبادة الجماعية، مفضلاً المبادئ الإنسانية التي تعلمها من القيم الأمريكية على ما عداها؛ ومن ثم فمن الواضح أن هذه الاحتجاجات قد تستمر وتتصاعد مع تصاعد الأحداث في قطاع غزة، بالإضافة إلى أنها قد تمثل مؤشراً على تحولات محتملة على المدى البعيد في المواقف الأمريكية تجاه بعض قضايا المنطقة.