أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تعزيز العلاقات:

دلالات زيارة وزير الخارجية المالي روسيا

02 يونيو، 2022


قام وزير الخارجية المالي، عبد الله ديوب، بزيارة عمل إلى روسيا، في 19 مايو 2022، على رأس وفد حكومي رفيع المستوى، استغرقت هذه الزيارة نحو خمسة أيام، حيث تحمل هذه الزيارة أهمية خاصة في ظل تدهور علاقة مالي بفرنسا والدول الأوروبية.

سياقات مرتبكة:

تأتي هذه الزيارة في إطار جملة من المتغيرات التي شهدتها باماكو خلال الأسابيع الأخيرة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- محاولة انقلابية فاشلة في مالي: أعلنت الحكومة المالية أن عناصر من الجيش حاولت القيام بمحاولة انقلابية في 11 مايو الجاري، بيد أن قوات الدفاع والأمن في باماكو نجحت في إحباط هذه المحاولة. واتهمت السلطات المالية دولة أجنبية بدعم هذه المحاولة الانقلابية، من دون تحديد ماهية هذه الدولة، غير أن هناك تلميحات بتورط فرنسا في هذه العملية.

2- انسحاب مالي من مجموعة الساحل: أعلنت باماكو، في 15 مايو الجاري، عن انسحابها من مجموعة دول الساحل الخمس، وقوتها العسكرية المشتركة لمكافحة الإرهاب، وهو ما يعزى إلى رفض المجموعة تولي مالي رئاستها الدورية، فضلاً عن اعتراض باماكو على الضغوطات المفروضة عليها من قبل منظمة الإيكواس، والتزام الأخيرة الصمت حيال الوساطة المقدمة من قبل توجو، بناء على طلب من مالي. وتجدر الإشارة إلى أنه كان قد تم تشكيل مجموعة دول الساحل الخمس في 2014، قبل أن يتم تشكيل قوتها العسكرية المشتركة لمكافحة الإرهاب في 2017.

3- مساعٍ إقليمية للضغط على مالي: تبدي دول الساحل قلقاً من الارتدادات الأمنية المحتملة لقرار مالي بالانسحاب من مجموعة الساحل، خاصةً في ظل النشاط المتنامي للمجموعات الإرهابية المنتشرة في هذه المنطقة. وشهدت الأيام الأخيرة جهوداً إقليمية مكثفة لإقناع مالي بالتراجع عن قرارها، فقد قام وزير الاتصالات والمتحدث باسم الحكومة التشادية، محمد غلام الله، بزيارة إلى باماكو، في 20 مايو، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الموريتاني، محمد سالم ولد مرزوك، إلى مالي، للتفاوض مع السلطات المالية في الأمر.

كذلك، فقد اعتبر رئيس النيجر، محمد بازوم أن الاستمرار في عزلة مالي يؤثر سلباً على المنطقة ككل، كما دعا رئيس المجلس العسكري الحاكم في تشاد، محمد إدريس ديبي، إلى عقد مؤتمر استثنائي لدول مجموعة الساحل لبحث وضع هذا التكتل الإقليمي بعد انسحاب مالي.

دوافع متعددة:

تعد زيارة وزير الخارجية المالي، عبد الله ديوب، إلى روسيا هي الثانية له خلال الأشهر الأخيرة، ويمكن عرض أبرز أهداف الزيارة على النحو التالي: 

1- التنسيق الأمني مع موسكو: تأتي زيارة وزير الخارجية المالي إلى روسيا لمحاولة بحث ملامح الترتيبات الأمنية في منطقة الساحل خلال الفترة المقبلة، وما إذا كانت باماكو ستتراجع عن قرار انسحابها من مجموعة دول الساحل الخمس أم لا، خاصةً إذا ما قدمت تنازلاً لمالي وسمحت لباماكو برئاسة الدورة الجديدة للمجموعة، وكذلك إذا ما أقدمت مجموعة الايكواس على تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على مالي.

وعلى الرغم من الانتصارات التي حققها الجيش المالي في وسط البلاد، بيد أن ثمة شكوكا لا تزال قائمة بشأن تأثير انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية من باماكو على نشاط المجموعات الإرهابية. وتثار شكوك حول قدرة الجيش المالي على الاحتفاظ بالمناطق الواقعة تحت سيطرته، في ظل العودة السريعة للمجموعات الإرهابية إلى المناطق التي يتم طردهم منها، مع اتجاه هذه المجموعات للانتقام من المدنيين الذين يرون أنهم ساعدوا الحكومة.

كما شهدت الأسابيع الأخيرة تصاعداً في حدة الهجمات الإرهابية في منطقة الحدود بين مالي والنيجر، حيث كثف تنظيم داعش من هجماته في هذه المنطقة لمحاولة فرض سيطرته عليها. ويمكن أن ينتج عن خروج قوات برخان وتاكوبا فراغ تسعى الجماعات الإرهابية إلى استغلاله، خاصة أن قوات الأمم المتحدة في مالي لاتزال تعتمد كثيراً على الغطاء الجوي والدعم اللوجستي الفرنسي.

ومن جهة أخرى، لا يمكن الفصل بين زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إلى الجزائر قبل أيام قليلة من زيارة الوزير المالي إلى موسكو، مع إمكانية بحث ملف إحياء اتفاق السلام الذي احتضنته الجزائر في عام 2015، بين الحكومة المالية والجماعات المسلحة غير الجهادية في الشمال، حيث يمكن أن يتم الدفع نحو تحقيق تقدم في هذا الملف، لتخفيف حدة الضغوطات التي تواجه السلطات المالية، مع توجيه اهتمامها صوب المجموعات الإرهابية الأخرى.

2- قلق مالي من انقلابات الغرب: تخشى السلطات المالية من احتمالات تكرار محاولات الانقلاب العسكري في البلاد، والتي ألمحت باماكو إلى تورط فرنسا فيها، وبالتالي تحتاج باماكو لدعم من موسكو لاتخاذ خطوات استباقية ضد أي محاولة مستقبلية لضمان إحباطها بشكل مبكر.

وتعول السلطات الحاكمة في مالي كثيراً على تنامي الدعم الداخلي لها، وفقدان الكثير من الماليين الثقة بالسياسيين المدنيين، وهو ما انعكس في استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة "فريدريش إيبرت" الألمانية مؤخراً، والذي أظهر دعم حوالي 95% من المشاركين فيه لأداء المجلس العسكري الحاكم في مالي. كما أشار 52% منهم على أن خروج عملية برخان الفرنسية من بلادهم سيعزز الأوضاع الأمنية، بينما أكد 66% من المشاركين في الاستطلاع على دعمهم للانتشار الروسي في باماكو معتبرين أن الوجود الروسي يستهدف تدريب القوات المالية بالأساس وليسوا عناصر من شركة فاجنر شبه العسكرية.

وعلى الرغم مما سبق، فإن السلطات المالية تبدو قلقة من احتمالات تغير الموقف الداخلي حال استمرار الضغوطات الاقتصادية المفروضة عليها، فضلاً عن السياسات الصارمة التي تتبناها الحكومة المالية تجاه قوى المعارضة، وهو ما يمكن ملاحظته في الانتقادات الأخيرة التي وجهها الزعيم الديني، الإمام محمود ديكو، للمجلس العسكري الحاكم في باماكو.

3- الخروج من العزلة الإقليمية: باتت العقوبات المفروضة على باماكو تمثل تحدياً للسلطات المالية، ولذا قد تستهدف هذه الزيارة التوصل إلى اتفاقات جديدة بشأن زيادة حجم الإمدادات الروسية من الغذاء والحبوب إلى مالي، بما يخفف من حدة تأثير العزلة الاقتصادية المفروضة على باماكو.

وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أن موسكو ستواصل تسليم القمح والأسمدة العضوية ومنتجات نفطية لباماكو، الأمر الذي يعكس توصل الطرفين إلى اتفاقات جديدة لتعزيز الدعم الروسي للسلطات المالية. وربما هذا ما يفسر طول المدة التي انطوت عليها زيارة وزير الخارجية المالية والوفد المرافق له لموسكو.

ارتدادات داخلية وإقليمية:

سوف يكون لزيارة وزير الخارجية المالي إلى روسيا العديد من الانعكاسات على الداخل المالي ومنطقة الساحل بشكل عام، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- توسيع الحضور الروسي في مالي: أعلنت مالي مطلع مايو 2022 عن إلغاء كافة الاتفاقيات العسكرية التي تحكم الوجود الفرنسي والغربي في باماكو، الأمر الذي سيفتح المجال أمام توسيع نطاق الحضور العسكري الروسي هناك، وسيمنح موسكو حرية أكبر في الحركة.

ولذا، ربما تفرز هذه الزيارة التوصل إلى تفاهمات جديدة تتعلق بزيادة الوجود الروسي في مالي، وتوسيع نطاق النشاطات التي تقوم بها. وربما يدعم هذا الطرح إعلان لافروف أن بلاده مستعدة لدعم باماكو في زيادة القدرات القتالية لقواتها المسلحة، خاصةً فيما يتعلق بتدريب العسكريين وعناصر الشرطة.

2- غموض مستقبل مجموعة الساحل: لايزال مستقبل هذا التكتل الإقليمي غير واضح، خاصةً في ظل الدعوات لإنشاء تكتل إقليمي جديد في منطقة الساحل، وهو ما كان قد ألمح إليه رئيس النيجر، محمد بازوم، خلال زيارته إلى نيجيريا في أبريل الماضي، والتي دعا فيها إلى تشكيل قوة إقليمية جديدة على غرار تلك القوة الإقليمية بمنطقة بحيرة تشاد. 

وهناك مساعٍ للضغط على مالي للتراجع عن الانسحاب، غير أنه حتى إذا نجحت هذه المساعي، فإن ضمان استمرارية المجموعة باتت محل شكوك كبيرة، خاصة أن القوة المشتركة لمجموعة الساحل مثلت مشروعاً هشاً منذ تدشينها في 2017، كما شككت الولايات المتحدة في فاعليتها، لكنها ظلت طيلة الوقت محل دعم كبير من قبل باريس.

3- تهدئة الخلاف بين مالي والإيكواس: يلاحظ أن ثمة انحساراً ملحوظاً في التصريحات العدائية بين مالي ومجموعة دول غرب أفريقيا "إيكواس"، مما يعكس احتمالات التوصل إلى اتفاق بين الجانبين يفضي إلى تخفيف حدة العقوبات المفروضة على باماكو، خاصةً في ظل الوساطة التي يقوم بها الرئيس التوجولي، فور غناسينغبي. 

وتشير أنباء إلى سعي الاتحاد الأوروبي لإنجاح هذه الجهود، حيث باتت هناك قناعة لدى بروكسل بأن مزيد من العقوبات الإضافية على مالي ربما تدفعها بعيداً عن الدول الأوروبية، وبالتالي ربما يلجأ الاتحاد إلى تحفيز باماكو بتخفيف العقوبات في حالة إحراز تقدم في المفاوضات الجارية مع الايكواس.

وتشير تقارير غربية يعكس بعضها وجهة النظر الأمريكية إلى ضرورة وقف باريس للإجراءات الاستفزازية المتبادلة بينها وبين مالي، لتجنب أي نتائج عكسية ربما تقوض مصالحها مستقبلاً في منطقة الساحل ككل، كما تدعو هذه التقارير إلى أهمية أن تشجع باريس مجموعة الايكواس على تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على باماكو، حتى لا تنجرف أكثر باتجاه روسيا.

وفي الختام، تأتي زيارة وزير الخارجية المالي إلى روسيا في ظل رغبة مالي في توسيع التعاون الاقتصادي بين باماكو وموسكو، فضلاً عن تعزيز الحضور العسكري الروسي في مالي، بيد أن الأخيرة ربما تلجأ إلى تخفيف حدة تصعيدها مع الغرب ومنظمة الإيكواس خلال الفترة المقبلة إذا ما اتجه الطرفان لتخفيف حدة الضغوطات الاقتصادية المفروضة عليها.