أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

جدل "التنازلات":

دوافع تباين السياسات الغربية تجاه عمليات تحرير الرهائن

03 أبريل، 2019


عرض: محمد محمود السيد - باحث في متخصص في الشئون العربية

تزايدت عمليات اختطاف الرهائن الغربيين، من صحفيين وعمال إغاثة، مع بداية الحرب الأهلية السورية وصعود تنظيم "داعش" الإرهابي. وقد طلب المختطفون فدية لتحريرهم، لكنّ بعض الدول الغربية -مثل بريطانيا والولايات المتحدة- رفضت دفعها، بحجة أن أي فدية سوف تُستخدم في تأجيج الإرهاب وتغذية الجريمة، ولهذا أعدم التنظيم في أغسطس ٢٠١٤ الصحفِيَّيْن الأمريكيين المختطفين "جيمس فولي" و"ستيفن سوتلوف"، والرهائن البريطانيين. وفي المقابل، دفعت دول أوروبية أخرى (إسبانيا وفرنسا، وألمانيا، والدنمارك) ملايين الدولارات لتحرير رهائنها.

هذه الحوادث كانت الباعث الرئيسي وراء قيام "جويل سايمون"، مدير لجنة حماية الصحفيين CPJ، والذي عمل بها لأكثر من عقدين، بإعداد كتابه "نحن نريد التفاوض: العالم السري للخطف والرهائن والفدية"، الذي يحاول الإجابة على تساؤل يشغل تفكير الكثيرين حول ما إذا كان ينبغي على الحكومات التفاوض مع الخاطفين.

يُعارض "سايمون" كليًّا السياسةَ الأمريكية التي تفترض أن دفع الفدية يخلق الحوافز لمزيدٍ من عمليات الاختطاف. وفي سبيل إثبات فرضياته، يستعرض الكتاب دراسات حالة توضح الطرق المختلفة التي اتّبعتها دول مثل فرنسا وإسبانيا اللتين كانتا على استعداد للقيام بكل ما يلزم لتحرير مواطنيها، ومثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة اللتين ترفضان التفاوض مع الخاطفين، لتجعل مواطنيها أكثر عرضةً للقتل. 

ويتناول الكاتب استراتيجيات التفاوض مع الخاطفين، والمخاطر التي تنطوي عليها مهام الإنقاذ، ودور شركات التأمين والمفاوضين من القطاع الخاص، وكيف يتم دفع الفدية بالفعل.

نشأة نظم التأمين ضد الاختطاف

بدايةً يُشير "سايمون" إلى بداية إنشاء نظام التأمين ضد الاختطاف ودفع الفدية (Kidnapping and Ransom insurance) في ثلاثينيات القرن العشرين، ولكنه لم يبدأ في الانتشار حتى فترة الستينيات، وذلك في أعقاب سلسلة من عمليات الاختطاف في أوروبا على أيدي مجموعات مثل منظمة "إيتا" في إسبانيا، وجماعة "الجيش الأحمر" في ألمانيا، و"الألوية الحمراء" في إيطاليا. وكان الحافز الأساسي للإقبال على نظام التأمين بسيطًا؛ ففي حالة حدوث اختطاف، يوفر التأمين تعويضًا عن دفع الفدية.

ويُضيف، كانت هناك محاذير لمنع الاحتيال، ولضمان ألا تزيد السياسة التأمينية من خطر الاختطاف. يتمثل أولها في أنها يجب أن تبقى سرية، لأنّ إفشاءها على العامة سيُبطل مفعولها، فإذا ما علم الخاطفون بتلك السياسة، فسوف يطلبون المزيد من المال.

ويتعلق ثانيها بأن السياسة التأمينية لن تُسدد الفدية إلا بعد دفعها. فمن الطبيعي عندما تجمع أسرة ما محدودة الموارد أموال فدية يجب عليها تصفية بعض أصولها، كرهن المنزل أو بيع الأسهم أو تجميع الأموال من الأقارب الآخرين. هذه العملية تجعل المفاوضات ذات مصداقية، ليس فقط لأن هذه الطريقة تُقلل دفع تعويضات من قبل شركة التأمين، ولكن لأن القيام بدفع الفدية بطريقة سريعة يُثير توقعات الخاطفين في المستقبل، ويمكن أن يجعل أخذ الرهائن أكثر ربحية وأكثر شيوعًا.

عندما طُرح التأمين ضد الاختطاف ودفع الفدية لأول مرة في السوق، تم ترك حاملي وثائق التأمين بمفردهم للتفاوض مع الخاطفين. لكن في منتصف سبعينيات القرن العشرين، توصل وسيط تأمين اسمه "جوليان رادكليف" إلى فكرة من شأنها إحداث ثورة في هذا المجال، حيث أقنع شركته بإنشاء شركة فرعية تابعة لها، يُطلق عليها "مراقبة المخاطر"، وتقوم بتعيين خبراء أمنيين معظمهم من الجيش والشرطة السابقين، للتعامل مع مسألة المفاوضات مع الخاطفين، مع تضمين هذه الخدمة في بوليصة التأمين. ومع حلول عام 1982، تحولت هذه الشركات الفرعية إلى شركات مستقلة.

على مدى العقود القليلة الماضية، نما نظام التأمين ضد الاختطاف ودفع الفدية، وبات يمثل 75% من ثروات شركات التأمين حول العالم، واليوم تُسيطر شركتا Hiscox في المملكة المتحدة وAIG في الولايات المتحدة على السوق العالمي، وهناك أيضًا العديد من شركات الأمن المتخصصة في الاستجابة لعمليات الخطف.

ويذكر الكتاب أن التفاوض بشأن الرهائن أصبح جزءًا رئيسيًّا من هذا النظام. وأضحى هناك العديد من المؤتمرات والاتفاقيات والاستراتيجيات المشتركة التي تُصاغ في هذا الصدد. وقد تم بنجاح حل أكثر من 97% من عمليات الاختطاف التي تولاها مفاوضون محترفون من خلال دفع الفدية. وهناك نسبة صغيرة من الرهائن يفرون، ويتم إنقاذ عدد قليل منهم من خلال عمليات عالية الخطورة، إضافة إلى أقل من 1% من الرهائن يتم قتلهم.

مناهج مختلفة للتعامل

يُشير "سايمون" إلى أن الدول غالبًا ما تتبنى مناهج مختلفة للتعامل مع اختطاف مواطنيها، فكانت بريطانيا والولايات المتحدة على رأس معسكر "سياسات اللا تنازل"، حيث ترفض رسميًّا التفاوض مع الإرهابيين، أو دفع الفدية أو تقديم أي تنازلات. ومنطق هذه السياسة هو أن دفع الفدية يضع مواطنيها هدفًا للاختطاف، مما يزيد من خطر عمليات الاختطاف في المستقبل. كما أنه يضع الأموال في أيدي المنظمات الإرهابية، التي تستخدمها لتمويل عملياتها المستمرة.

وبعد أن صارت لندن المركز العالمي لنظام التأمين ضد الاختطاف ودفع الفدية في الثمانينيات، تم توجيه الاتهامات بأن هذا النظام يغذي وباء الاختطاف العالمي، ويُسهِّل دفع الفدية ويقوِّض سياسة عدم التنازلات البريطانية. وهو الأمر الذي دفع البرلمان البريطاني عام 1986 إلى فتح نقاش حول تطوراته والتعامل مع عمليات الاختطاف بشكل عام.

وقد جادل المعسكر المؤيد لشركات التأمين بأن سياسات التأمين السرية لا تؤثر في دوافع الخاطفين، وبالتالي فهي لا تؤدي إلى زيادة مبالغ الفدية المطلوبة، إضافة إلى أن هذه الصناعة وفرت المساعدة للشركات الدولية التي يعمل موظفوها في بيئات عمل خطرة.

وقد انتهت حالة الجدل في بريطانيا دون تقديم تشريع جديد، واستمرت الدول في اتّباع السياسة الأنسب لها بشكل منفرد؛ فإيطاليا أقرت قانونًا عام 1991 يحظر دفع الفدية وتداول عمليات التأمين في هذا المجال، وكذلك حظرت كولومبيا دفع الفدية، ثم رفعت هذا الحظر، وأخيرًا فرضت الحظر مرة أخرى. أمّا إسبانيا، فتتبع سياسة مختلفة تماما، حيث يُطلب من أجهزة المخابرات التابعة لها إعادة الرهائن إلى الوطن بأي ثمن، وبسبب استعدادها لدفع الفدية، تتمتع البلاد بسجل هائل من النجاح في استعادة رعاياها المخطوفين.

معضلة التمييز بين الجريمة والإرهاب 

يذكر ""سايمون" أن صناعة التأمين ضد الفدية ازدهرت، حتى جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 لتغير قواعد اللعبة بأكملها، حيث سعت الحكومات إلى التمييز بين الجماعات الإجرامية (التي يمكن دفع الفدية لها) والجماعات الإرهابية (التي لا يمكن دفع الفدية لها). وقد وضعت حكومتا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قوائم بالمنظمات الإرهابية الأجنبية التي لا تستطيع شركات التأمين دفع فدية لها.

وقد أثارت محاولة التمييز بين المنظمات الإجرامية والإرهابية العديد من التعقيدات، إذ غالبًا ما يحاول الخاطفون إخفاء هوياتهم؛ بحيث تتظاهر الجماعات الإرهابية بأنها منظمات إجرامية حتى تتمكن من جمع الفدية. بينما هناك جماعات إجرامية (تجهل قواعد عمل شركات التأمين) تتظاهر أحيانًا بأنها منظمات إرهابية، على أمل أن تؤدي السمعة المخيفة لهذه الجماعات إلى دفع المفاوضات في صالحها.

ويُشير الكاتب إلى أن بعض القرارات المتعلقة بتصنيف الجماعات الإرهابية والإجرامية غالبًا ما تكون مُسيسة أو تعسفية. ففي عام 2011، كان يجوز دفع فدية للقراصنة الصوماليين بموجب القانون البريطاني، مفترضين بذلك أن القراصنة الصوماليين مجرمون وليسوا إرهابيين، وقد استمر هذه الافتراض حتى زُعم أن هناك صلات تجمع القراصنة بمتشددي حركة شباب المجاهدين الصومالية. وفي الوقت ذاته، كان من غير القانوني دفع فدية لخلية اختطاف ذات توجه إجرامي في نيجيريا، على خلفية صلتها المزعومة بجماعات محظورة مثل جماعة "بوكو حرام".

جدوى سياسات "عدم التنازل" 

هناك عدد من الدول غالبًا ما تدفع الفدية لتحرير رعاياها، مثل: النمسا، وفرنسا، وألمانيا، وإسبانيا، وسويسرا، وهو ما دفع البعض إلى تسمية هذه السياسة بـ"السياسة الأوروبية". وبعض الدول الأخرى ترفض دائمًا دفع الفدية للخاطفين، مثل: بريطانيا، واليابان، والولايات المتحدة. 

وتشير الإحصاءات إلى أنه من المرجح أن يتم إطلاق سراح ضحايا الاختطاف من المجموعة الأولى من البلدان، بينما من المرجح أن يتم قتل ضحايا المجموعة الثانية من البلدان. وكلا المعسكرين من الدول يزعم أن هدفه هو إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح، لكن الخلاف يدور حول السياسة التي ستُحقق ذلك الحد الأقصى لإنقاذ الأرواح.

لكن "سايمون" يقول إنه في بعض الأحيان يبدو أن ما نراه منطقيًّا غير صحيح. فالمنطق السليم هو أن السياسة الصارمة المتمثلة في عدم تقديم تنازلات للخاطفين والإرهابيين ستجعل أعمالهم أقل ربحية، بما يُقلل من معدلاتها. بينما دفع الفدية أو الاستسلام لمطالب أخرى سيضيف حوافز لارتكاب جرائم مماثلة في المستقبل.

ولكن لا يبدو الأمر كذلك. فوفقًا للبحث الذي أجرته منظمة "أمريكا الجديدة"، وُجد أن رفض دفع الفدية المطلوبة يرتبط طرديًّا بارتفاع أعداد القتلى بين الضحايا المخطوفين. بينما ليس هناك علاقة بين دفع الفدية وزيادة عدد عمليات الاختطاف. وهذا الاستنتاج يتعارض تمامًا مع مزاعم حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا.

ويرجع السبب في ذلك إلى أن هناك عمليات اختطاف تتم لأهداف أيديولوجية، أو لانتزاع تنازلات سياسية، أو لنشر الرعب والخوف. كما أنها تتم في مناطق الصراعات التي ينعدم فيها القانون. أي إنه عندما تتوافق الحوافز والفرص، تزداد عمليات الاختطاف.

مستقبل عمليات استعادة الرهائن

يلعب مستشارو الأمن والمفاوضون الخاصون دورًا مهمًّا في استعادة الرهائن، ولديهم سجل لا يُنكر من النجاح في القضايا الجنائية، يمكنهم حتى القيام ببعض الأشياء التي لا تستطيع الحكومات القيام بها، مثل الدفع بمحدودية موارد أهل الضحية كاستراتيجية لتخفيض الفدية، وبالطبع لا تستطيع الحكومات القيام بمثل تلك الخطوة وادعاء الفقر.

ومع ذلك، إذا كانت الضحية من دولة لا تقدم تنازلات للخاطفين، لا يمكن لمستشاري الأمن سوى تقديم دعم محدود فقط لضحاياهم. أمّا إذا كانت الضحية من دولة تسمح بالتفاوض مع الخاطفين، مثل فرنسا أو إسبانيا، فيُطلب من مستشار الأمن الخاص عمومًا التنحي بينما تتولى وكالات الاستخبارات الوطنية مهامها. الأمر الذي يُفضي إلى دفع فدية ضخمة، لا تُرضي مستشاري الأمن وشركات التأمين. أي إن مستشاري الأمن لديهم قدرة أكبر على المساومة، وتقليل مبالغ الفدية، وبالتالي محاولة تثبيط الجريمة، وهو أمر تفتقده الجهود الحكومية.

وفي هذا السياق، يذكر "سايمون" أنه في إحدى الحالات، حاول صحفي من صحيفة "نيويورك تايمز" تم خطفه في أفغانستان عام 2008، أن يتجادل مع خاطفيه، الذين طالبوا بمبلغ 25 مليون دولار مقابل الإفراج عنه بجانب 15 سجينًا آخرين. حيث قال لهم إن الحصول على هذا المبلغ بعيد المنال بالنسبة لهم، فردّوا بأن الفرنسيين دفعوا مؤخرًا 38 مليون دولار للإفراج عن عامل إغاثة، وأن إيطاليا دفعت 15 مليون دولار مقابل الإفراج عن عدة سجناء. أي إن الاستسلام بسرعة لمطالب الفدية العالية في بعض الأحيان -كما فعلت بعض الحكومات الأوروبية والآسيوية- يجعل الخطف أكثر جاذبية وعملية مربحة في جميع أنحاء العالم وفقًا للكتاب.

وفي إطار الإجابة على ما الذي يجب على الحكومات فعله، إذا كان الهدف هو إعادة الرهائن إلى الوطن بأمان مع تقليل خطر الاختطاف في المستقبل، وفي الوقت ذاته تقليل تدفق الأموال إلى الجماعات الإرهابية؛ أشار "سايمون" إلى أنه وفقًا لعدد من الدراسات، فإن ضحايا الاختطاف ليسوا مستهدفين حسب الجنسية، وبالتالي، فإن رفض دفع الفدية لا يقلل من حدوث الجريمة، ولكنه يزيد بشكل كبير من احتمال مقتل الضحية. 

ويضيف، غالبًا ما تؤدي سياسة عدم التنازل إلى إعدام الخاطفين لرهائنهم البريطانيين والأمريكيين، بعد أن يصبحوا عديمي القيمة، لتشكيل وسيلة ضغط على الدول الأوروبية التي تدفع فدية بملايين الدولارات. 

وفي هذا السياق، يشير إلى أهمية التنسيق بين الدول الغربية في سياسات التعامل مع الاختطاف ودفع الفدية، وهو أمر يمكن أن تلعب فيه شركات التأمين دورًا رئيسيًّا.

بيانات الكتاب: 

Joel Simon, "We Want to Negotiate: The Secret World of Kidnapping, Hostages and Ransom Paperback", (New York, Columbia Global Reports, 2019).