اختتم الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في 12 فبراير 2023، زيارته الرسمية إلى إيطاليا، والتي جاءت بدعوة من رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، واستمرت خمسة أيام، في أول زيارة له إلى دولة أوروبية منذ وصوله للسلطة في مايو 2022.
دعوة روما
جاءت زيارة الرئيس الصومالي إلى روما في أعقاب زيارة وفد إيطالي إلى مقديشو برئاسة وكيل وزارة الدفاع، ماتيو بيريغوو دي كريمناغو، مطلع فبراير 2023، وعقد الوفد خلال الزيارة لقاءات مكثفة مع شيخ محمود، ارتكزت بالأساس على تعزيز التعاون الأمني والعسكري لمواجهة تهديدات حركة الشباب الصومالية. ويمكن عرض أبعاد زيارة شيخ محمود الأخيرة لروما على النحو التالي:
1- لقاءات مكثفة: أجرى الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، خلال زيارته إلى إيطاليا لقاءات مكثفة مع كبار المسؤولين في روما، ومن ضمنهم رئيس الدولة، سيرجيو ماتاريلا، ورئيسة الحكومة، جورجيا ميلوني، فضلاً عن الاجتماعات المطولة التي عقدها رئيس الصومال مع وزراء الحكومة الإيطالية، حيث تم بحث سبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات بين البلدين.
ورافق شيخ محمود خلال الزيارة وفد رفيع، ضم وزير الدفاع الصومالي، عبدالقادر محمد نور، والخارجية، أبشير عمر جامع، والتجارة، جبريل عبد الرشيد حاجي. وعلى الرغم من عدم الإعلان عن توقيع أي اتفاقيات ثنائية خلال الزيارة، فإن تقارير إعلامية ألمحت إلى أن الجانبين اتفقا على تنفيذ عدد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي المشترك المبرمة سابقاً بين البلدين.
كما ألقى رئيس الصومال خطابات عديدة أمام مراكز بحثية إيطالية، تضمنت الفرص الاستثمارية في الصومال التي يمكن أن تنخرط فيها الشركات الإيطالية، ولعل أبرزها اللقاء الذي نظمته مؤسسة "ميد أور" بالتعاون مع جامعة لويس، وذلك بحضور وزراء الدفاع والداخلية والخارجية في الحكومة الإيطالية، وهم على التوالي، جويدو كروسيتو، وماتيو بينتيدوسي، وأنطونيو تاياني.
2- علاقات تاريخية ممتدة: ترتبط الصومال وإيطاليا بعلاقات تاريخية طويلة، لاعتبارات تتعلق بالاستعمار الإيطالي لأجزاء من الصومال، والذي امتد من ثمانينيات القرن التاسع عشر وحتى عام 1941، حتى إن كثيراً من القوانين الصومالية لا تزال إلى الآن، مكتوبة باللغة الإيطالية.
وبعد حصول الصومال على استقلالها، حافظت روما على علاقات وثيقة مع حكومة الرئيس الأسبق، محمد سياد بري، حيث ركزت حركة التجارة الإيطالية في الصومال على الإنتاج الزراعي وصيد الأسماك، فضلاً عن الاهتمام بقطاع التعدين والهيدروكربونات، ناهيك عن تخصيص جزء كبير من برنامج التعاون الثنائي بين البلدين لتطوير البنية التحتية في مقديشو، إلى جانب العمل على تعزيز التواصل بين الجامعات، وهو ما تمخض عنه تجربة الجامعة الوطنية الصومالية، التي تم إنشاؤها وتمويلها وإدارتها من خلال برنامج التعاون مع إيطاليا.
وفي أعقاب سقوط نظام سياد بري في الصومال، ودخولها في حالة حرب أهلية، فشلت روما في بلورة استراتيجية فعالة للتعامل مع الأوضاع المشتعلة والانهيار المؤسسي في مقديشو، وهو ما قوض كثيراً علاقات البلدين خلال العقود الأخيرة.
مصالح متشابكة
انطوت زيارة الرئيس الصومالي إلى إيطاليا على بحث عدد من الملفات، يمكن عرضها على النحو التالي:
1- التعاون الأمني في مواجهة "الشباب": تشن الصومال حرباً شاملة على حركة الشباب الإرهابية، منذ وصول حسن شيخ محمود للسلطة في الصومال، في مايو 2022. وعلى الرغم من حصولها على الدعم الأمريكي، فإن مقديشو لا تزال تحتاج إلى دعم عسكري إضافي، فضلاً عن إعادة بناء مؤسسة الجيش.
ولذلك تضمنت زيارة شيخ محمود لروما طلبات مباشرة للحكومة الإيطالية بدعم فوري لقدرات الجيش الصومالي، لمواصلة حربه ضد حركة الشباب. وسبق وأن ناقش الوفد الإيطالي الذي زار مقديشو مطلع فبراير 2023 الملفات الأمنية والعسكرية التي يمكن التعاون بشأنها. وتعهدت ميلوني، في المقابل، بتقديم الدعم للحكومة الصومالية في مكافحة الإرهاب.
2- تعاون اقتصادي محتمل: شكل البعد الاقتصادي أحد محاور الزيارة، وتركزت مباحثات هذا الملف على ثلاثة محاور رئيسية. أولها، إعفاء الصومال من الديون الخارجية، حيث طلب شيخ محمود دعم الحكومة الإيطالية في إقناع الفواعل الخارجيين لإنجاز عملية الإعفاء من الديون خلال العام الجاري.
أما بالنسبة للمحور الثاني، فقد ارتكز على محاولة شيخ محمود جذب الشركات الإيطالية للانخراط في السوق الصومالية للاستثمار في المجالات المختلفة، فيما ارتبط المحور الثالث بملف التعليم، في ظل النقص الحاد في عدد المدارس والجامعات. وتسعى مقديشو للحصول على دعم روما، خاصة وأن الأخيرة كان لها الدور الأكبر في تأسيس الجامعة الوطنية الصومالية.
3- تحركات إيطالية تجاه إفريقيا: تأتي دعوة ميلوني للرئيس الصومالي لزيارة روما اتساقاً مع التحركات المكثفة لتعزيز الحضور الإيطالي في القارة الإفريقية، وهو ما انعكس في زيارة جورجيا ميلوني، نهاية يناير 2023 إلى الجزائر وليبيا، ناهيك عن الزيارات المكثفة لمسؤولين إيطاليين إلى الدول الإفريقية العام الماضي، والتي شملت الجزائر والكونغو برازفيل وأنغولا وموزمبيق.
وألمح وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، إلى أن بلاده تستهدف أن تصبح رائدة في القارة الإفريقية، وأنها ستعمل خلال الفترة المقبلة على تعزيز التعاون مع دول القارة. وفي هذا السياق، ألمح تاياني إلى أن روما تستعد لتنظيم منتديين للأعمال بالشراكة مع مقديشو، سيتم عقد أحدهما في إيطاليا والآخر في الصومال.
4- تأمين المصالح الإيطالية: تستهدف إيطاليا من تعزيز نفوذها في الصومال إيجاد موطئ قدم لها في القرن الإفريقي لتأمين مصالح روما هناك، لاسيما في موزمبيق، حيث تمتلك شركة "إيني" الإيطالية استثمارات ضخمة في حقول الغاز الموجودة هناك، فضلاً عن تطلعها للانخراط في مشروعات الغاز الطبيعي المسال في تنزانيا، حيث تتنافس كبريات الشركات الغربية في هذه المشروعات التي تخطط تنزانيا لتنفيذها باستثمارات تبلغ نحو 40 مليار دولار.
وفي هذا السياق، جاءت زيارة الرئيس الصومالي لإيطاليا بعد يومين فقط من زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد إلى روما التي عقد خلالها اجتماعات مطولة مع المسؤولين الإيطاليين، وهو ما عكس تطلعات روما لتعزيز حضورها في شرق إفريقيا.
انعكاسات محتملة
تجدر الإشارة إلى أن شيخ محمود سبق وأن قام بزيارة سابقة إلى إيطاليا في عام 2013 خلال فترة ولايته الأولى (2012 – 2017)، وهو ما يعكس حرص شيخ محمود على تعزيز تقارب بلاده مع روما. وفي هذا السياق، هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي ربما تتمخض عن زيارة شيخ محمود لإيطاليا، ويمكن عرضها على النحو التالي:
1- انضمام روما للجهود الغربية: يرجح أن تدعم التحركات الإيطالية في القرن الإفريقي المساعي الأمريكية والغربية الراهنة لتحجيم النفوذ الصيني والروسي في هذه المنطقة، عبر دعم تحركات واشنطن الساعية إلى بلورة ترتيبات إقليمية جديدة في هذه المنطقة تعزز نفوذها هناك.
وقد يكون هناك تنسيق أمريكي إيطالي لإفساح المجال أمام روما للتمدد في القارة الإفريقية، لاسيما بعد تراجع النفوذ الفرنسي هناك بسبب تصاعد الرفض لدور باريس في كثير من دول القارة. ولذلك ربما تشكل روما بديلاً أكثر قبولاً لملء الفراغ الناجم عن انحسار الدور الفرنسي.
2- رفع حظر التسليح عن مقديشو: يسعى شيخ محمود منذ وصوله للسلطة لرفع حظر التسليح المفروض على مقديشو منذ نحو ثلاثة عقود، إذ أن هذا الحظر يحد من قدرة الحكومة الصومالية على مواصلة حربها ضد حركة الشباب الإرهابية، وذلك في الوقت الذي تقوم فيه الحركة باستيراد الأسلحة بشكل غير قانوني.
ولذلك قد تعمد إيطاليا خلال الفترة المقبلة لدعم تحركات الصومال لرفع حظر التسليح المفروض على الأخيرة، فضلاً عن احتمالية اتجاه روما لزيادة حجم مساعداتها المقدمة في المجال الأمني والعسكري للحكومة الصومالية، مع عدم استبعاد أن تلجأ إيطاليا لمحاولة إقناع الاتحاد الأوروبي بزيادة ميزانية المساعدات المقدمة لمقديشو.
3- دعم إيطالي للتعاون الرباعي: يبدو أن إيطاليا تدعم الترتيبات الأمنية بين كينيا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال، خاصة وأن زيارة شيخ محمود لروما جاءت بعد أيام قليلة من القمة التي استضافتها مقديشو، والتي جمعت قادة الدول الأربع، حيث تم بحث سبل تعزيز التنسيق والتعاون العسكري المشترك لمواجهة حركة الشباب، وذلك بعدما عقد وزراء دفاع هذه الدول اجتماعاً في العاصمة الصومالية لبحث هذا الأمر، وتحظى هذه الترتيبات الأمنية بدعم أمريكي وغربي واسع، لذا يتوقع أن تدعم إيطاليا هذه الترتيبات.
وفي النهاية، يبدو أن ثمة تطلعات إيطالية راهنة لاستعادة نفوذها السابق في الصومال، بعدما شهدت العقود الثلاثة الأخيرة تراجعاً ملحوظاً في هذا النفوذ، منذ سقوط نظام سياد بري عام 1991، وذلك اتساقاً مع تحركات الحكومة الإيطالية لتوسيع نفوذها في القارة الإفريقية، حيث تحظى هذه المنطقة بأهمية جيواستراتيجية خاصة، وباتت تشكل بؤرة تنافس دولي وإقليمي متزايد، ومن ثم تستهدف روما تأمين مؤطئ قدم لها هناك.