أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تحديات قادمة:

سيناريوهات تشكيل الائتلاف الحكومي في العراق

08 أكتوبر، 2018


لم تمضِ ساعات معدودة على انتخاب "برهم صالح" رئيسًا للعراق حتى قام بتكليف "عادل عبدالمهدي" لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة كاشفًا عن توافق مرحلي بين الفرقاء السياسيين على الرغم من الخلافات والتوترات التي تفجرت بين القوى السياسية العراقية عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتسابق لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر والانفراد بتشكيل الحكومة العراقية.

وعلى الرغم من تفضيل التيارات السياسية في العراق اختيار مرشح توافقي لرئاسة الوزراء، وتوافق إيران والولايات المتحدة على قيام "عبدالمهدي" بتشكيل الحكومة، إلا أن الاستقطاب السياسي سوف يزيد من صعوبة عملية تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية بين الكتل البرلمانية المختلفة، وسيؤثر على تماسك الائتلاف الحكومي مستقبلًا.

دوافع الاختيار: 

أنهت القوى السياسية العراقية حالة الجمود النسبي الذي أصاب العملية السياسية بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية لعام 2018، وما صاحب ذلك من تشكيك في نتائجها، وإعادة العد والفرز الجزئي لبعضها، ليستقر الحال إلى مجموعة من القوائم المتقاربة نسبيًّا في عدد المقاعد داخل مجلس النواب، وتحالفات متحركة، نتج عنها تشكيل كتلتين رئيستين هما: تحالف البناء، والإصلاح والإعمار، ادّعت كل منهما أنها الكتلة الأكبر التي ينطبق عليها شرط الفقرة الأولى من المادة 76 من الدستور العراقي، وهو ما يمكنها من تسمية وتشكيل رئيس الحكومة.

وتصاعدت المخاوف في فترة ما قبل الاتفاق، لا سيما وأن كلا الكتلتين لديهما عدد من المؤيدين قد يؤدي صدامهما إلى حالة ممتدة من عدم الاستقرار السياسي قد لا يُمكن السيطرة عليها، وقد تفوق مظاهرات البصرة في قوتها وشدتها، بيد أن القوى السياسية العراقية أدركت حجم المخاطر التي يسببها النزول بالخلافات السياسية إلى الشارع، وقررت التوافق على مرشح لرئاسة الوزراء يمثل حالة التوازن بينها هو "عادل عبدالمهدي" الذي قام بتكليفه الرئيس المنتخب "برهم صالح" بتشكيل الوزارة فور وصوله لسدة الرئاسة، وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أسباب اختيار كل من "برهم صالح" و"عادل عبدالمهدي" لتشكيل الحكومة على النحو التالي:

1- صعود القيادات التوافقية: يحظى "برهم صالح" رئيس الجمهورية بقبول أكبر من باقي المرشحين الذين تنافسوا على هذا المنصب من القوى السياسية الكردية، كما يمتلك خبرة كبيرة في العمل السياسي، حيث شغل منصب رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان العراق، كما كان وزيرًا للتخطيط ونائبًا لرئيس الوزراء العراقي، وهو ما أتاح له امتلاك علاقات جيدة مع كافة أطراف العملية السياسية.

فيما يمتلك "عادل عبدالمهدي" خبرة في التعامل مع كافة أطراف العملية السياسية، حيث إنضم فترة في شبابه إلى القوميين، ثم تحول إلى الإسلام السياسي ليصبح قياديًّا ضمن أحد أهم تشكيلات الحركات الإسلامية الشيعية المعارضة لنظام "صدام حسين" وهو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، لينسحب منه ويتحول إلى سياسي مستقل. بيد أنه يصعب تكليف سياسي مستقل بمنصب رئيس الوزراء في ظل الظروف الحالية، إذ لا بد من وجود كتلة سياسية قوية تقف خلف من يتولى هذا المنصب، وهو ما يتمتع به "عادل عبدالمهدي"، حيث إنه قريب من أهم القوى السياسية مثل: "مقتدى الصدر" زعيم التيار الصدري، و"هادي العامري" زعيم منظمة بدر، و"نوري المالكي" الذي ينحدر من نفس التوجه السياسي الإسلامي، كما ربطته علاقة صداقة بـ"إياد علاوي" خلال فترة الدراسة.

2- قبول أمريكي - إيراني: سعت القوى العراقية لاختيار أشخاص يحظون بقبول من الجانب الأمريكي والإيراني في نفس الوقت، وهو ما ينطبق على "برهم صالح" الذي عمل ممثلًا لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في الولايات المتحدة الأمريكية قبل الغزو الأمريكي للعراق، وقد درس فيها وأقام علاقات جيدة مع بعض السياسيين هناك بهدف التنسيق بين حزبه وبين الإدارات الأمريكية بعد انتهاء حكم "صدام حسين"، كما أن إيران تربطها علاقات تاريخية مهمة مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وتعدّه حليفًا مهمًّا.

ويرتبط "عادل عبدالمهدي" بعلاقات جيدة مع دوائر صنع القرار في الغرب، كما استطاع التواصل مع الإدارة الأمريكية بعد الغزو الأمريكي للعراق، وهو ما جعله أحد الشركاء السياسيين المؤسسين للعملية السياسية في العراق بعد عام 2003، إذ كان يمثّل الجناح الأكثر تواصلًا مع الولايات المتحدة والغرب عمومًا داخل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، ذلك الكيان الذي نشأ في إيران وارتبط بعلاقة متينة مع مؤسسات صنع القرار فيها.

ومن ثم استطاع كلا المرشحين تحقيق معادلة معقّدة من التوازن الداخلي والإقليمي والدولي، والتي لا يستطيع العراق العمل دون مراعاة وجودها، وهو ما تدركه جيدًا قيادات القوى السياسية العراقية.

سيناريوهات الحكومة الجديدة: 

يتخوف العديد من المراقبين من أن الحكومة العراقية الجديدة لن تستمر طويلًا في ظل الأزمات المتصاعدة في الشارع العراقي، فيما يرى آخرون أنها قد تكون أفضل من سابقاتها. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أبرز سيناريوهات الحكومة الجديدة وذلك فيما يلي: 

1- استقالة رئيس الوزراء: يستند هذا السيناريو إلى طبيعة شخصية رئيس الوزراء المكلف الذي يمكن أن يتقدم باستقالته في حالة شعوره بالإخفاق في مواجهة التحديات القائمة في العراق، حيث سبق وتقدم باستقالته مرتين من منصبي نائب رئيس الجمهورية، ووزير النفط في ولايتين حكوميتين مختلفتي المدة، بسبب عدم رضاه عن طريقة إدارة الحكومة للعملية السياسية، وشعوره بأنه ليس هناك جدوى من تولّيه منصبًا لا يمكّنه من التأثير بفاعلية في مجريات الأحداث، الأمر الذي قد يتكرر في الحكومة العراقية المقبلة في حال عدم التزام القوى السياسية داخل البرلمان بتقديم الدعم المطلوب له، وعرقلة المصادقة على اختياراته للوزراء بسبب الخلافات المتصاعدة بين مختلف القوى السياسية داخل البرلمان، وهو الأمر الذي قد يدفعه إلى تقديم استقالته من رئاسة الحكومة إذا شعر بتضييق القوى السياسية المتصارعة عليه، خاصة أنه لا تربطه صلة مباشرة بأي منها.

2- دعم برلماني للحكومة: توجد رغبة لدى كافة الأطراف السياسية في تجاوز المرحلة الحرجة الحالية التي يعيشها العراق، لا سيما بعد أحداث البصرة التي تفجّرت بعد عجز الحكومات المتعاقبة عن مواجهة ملفات الفساد والكهرباء والأمن وفوضى السلاح وغيرها، وكذلك المواجهات العسكرية المحتملة التي قد تحدث بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران والتنظيمات المتحالفة معها من جهة أخرى، وقد يكون العراق من ساحات هذه المواجهات المباشرة، وهو الأمر الذي يدعو إلى وجود حكومة قوية في قراراتها، مستندة إلى برلمان قوي يدعمها في إنهاء المشكلات ومواجهة التحديات القائمة، ويجنب العراق الدخول في مواجهات عسكرية جديدة بعد تكبده الكثير في حروبه ضد تنظيم "داعش".

3- ضعف حكومة "عبدالمهدي": يظل هناك سيناريو أخير وهو اتباع الحكومة الجديدة نفس الآليات التي كانت تتبعها الحكومات السابقة في ظل انقسام البرلمان حولها، وهو سيناريو افتراضي لا يُرجّح حصوله حيث تغيرت الأوضاع السياسية في العراق بشكل كبير، وانتهت المشكلات الكبرى التي كانت تشغل الحكومات السابقة، مثل التقسيم، وتراجعت التوترات الطائفية بشكل كبير مقارنة بما سبق.

ختامًا، يظل هناك عدد من القضايا التي يجب على الحكومة الجديدة البدء في حلها، ويتمثل أبرزها في: نزع سلاح الميليشيات والعشائر وعصابات الجريمة المنظمة وغيرها من القوى المسلحة التي تحمل السلاح بشكل غير قانوني، ومواجهة بقايا تنظيم "داعش" وضمان عدم ظهور تشكيلات مماثلة مستقبلًا، وإدارة التفاعل بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان بما لا يخلق حالة من التوتر وتحديد طبيعة العلاقة بينهما بالاعتماد على مواد الدستور، وتحقيق تقدم ملموس يحقق مطالب المظاهرات الشعبية التي حدثت قبل وبعد الانتخابات الأخيرة والتي تهدد بفقدان السيطرة الحكومية على الشارع العراقي خاصة بعد تهديد "مقتدى الصدر" زعيم التيار الصدري بتظاهرة كبرى إذا مرت سنة دون تحقيق الحكومة نجاحات ملموسة، يضاف إلى هذا منع التدخلات الخارجية في الشئون العراقية، ومواجهة أزمات توفير الكهرباء والبطالة والخصخصة والمياه، وغيرها من الملفات التي ما زالت تنتظر حلًّا ناجعًا.