دعا رئيس النيجر، محمد بازوم، في 31 مارس الماضي، إلى إنشاء قوة عسكرية إقليمية مشتركة، تستهدف مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في الساحل الأفريقي، وجاءت هذه الدعوة أثناء زيارة الأخير نيجيريا، واجتماعه برئيسها، محمد بخاري، والذي أشاد بنموذج "قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات في منطقة بحيرة تشاد"، والتي كانت تحارب تنظيم بوكو حرام الإرهابي، ملوحاً إلى رغبته في تكرار هذا النموذج في منطقة الساحل.
قلق النيجر من الإرهاب:
تأتي دعوة الرئيس النيجري لتشكيل قوة عسكرية إقليمية مشتركة في إطار جملة من التطورات، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- زيارة بازوم لأبوجا: قام رئيس النيجر، محمد بازوم، بزيارة رسمية إلى العاصمة النيجيرية أبوجا، في 31 مارس الماضي، استمرت يومين، التقى خلالها الرئيس، محمد بخاري، لبحث سبل تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين، وهو ما انعكس في الوفد المرافق لبازوم، والذي تضمن كلاً من وزير الدفاع النيجري، القاسم انداتو، ووزير البترول، مهامان ثاني محمدو، بالإضافة لوزير الخارجية، هاسومي مسعود.
2- تعاون النيجر مع برخان: قامت فرنسا بسحب قواتها من مالي، بناء على طلب الأخيرة، ثم قامت بالتوصل لاتفاق مع نيامي لنشر القوات الفرنسية هناك. وفي هذا السياق، قام رئيس هيئة الأركان الفرنسية، الجنرال تييري بوركهارد، بعدة زيارات إلى النيجر خلال الفترة الأخيرة، وذلك قبيل التصويت المرتقب لبرلمان النيجر على وثيقة التعاون التي تم إبرامها بين قوة برخان الفرنسية، وقوات الجيش في نيامي.
3- مخاوف من تصاعد الإرهاب: هناك قلق متنامٍ لدى النيجر من الارتدادات الأمنية لقرار انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية من مالي، حيث تتخوف نيامي من احتمالات أن تستغل الجماعات الإرهابية الانسحاب الفرنسي لتعزيز تمركزهم في تيلابيري الواقعة في منطقة المثلث الحدودي المضطربة بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، حيث يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى على مساحات واسعة بالفعل هناك، بل أن عناصر التنظيم أضحت على بعد 100 كيلومتر فقط من نيامي.
دوافع الدعوة لقوة مشتركة:
تتعدد الدوافع التي ربما تفسر أسباب دعوة الرئيس بازوم لإنشاء قوة إقليمية مشتركة في الساحل، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- تعثر نموذج القوة المشتركة: تم تشكيل قوة عسكرية مشتركة لدول الساحل الخمس في عام 2017، بدعم من فرنسا، في إطار مساعي مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي، بيد أن هذه القوات واجهت تحديات كبيرة منذ نشأتها، سواء فيما يتعلق بالتمويل أو التجهيز، أو حتى بشأن التدريب، الأمر الذي قوّض كثيراً من فاعليتها في مكافحة الإرهاب.
كما شهدت كل من مالي وبوركينا فاسو انقلابات عسكرية، وقامت السلطات الانتقالية الحاكمة الجديدة في الدولتين بتبني مواقف مناهضة للتعاون عسكري مع فرنسا، الأمر الذي فرض الحاجة إلى تشكيل تكتل إقليمي جديد.
2- تغير الاستراتيجية الفرنسية: تتجه فرنسا لإعادة هيكلة استراتيجيتها في الساحل الأفريقي، من خلال التوجه لاستبدال انخراطها العسكري المباشر بشبكة جديدة من التحالفات والتكتلات بين وكلائها الإقليميين، على غرار النيجر.
وفي هذا السياق، تأتي زيارة رئيس أركان الجيش الرواندي الأخيرة إلى فرنسا، وكذا زيارة رئيس النيجر إلى نيجيريا لتعكس ملامح هذه الترتيبات الجديدة التي تسعى باريس لصياغتها في المنطقة، غير أن مستقبل هذه الاستراتيجية الفرنسية الجديدة ربما تطرأ عليه تغييرات جوهرية خلال الفترة المقبلة، بناء على نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية، المقررة أبريل 2022.
3- الاستفادة من خبرات نيجيريا: تعد نيجيريا الفاعل الرئيس في إنشاء "قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات في منطقة بحيرة تشاد"، ويسعى رئيس النيجر للاستفادة من خبرات أبوجا في مكافحة الإرهاب، خاصةً جماعة بوكو حرام، لتعزيز قدرات بلاده التي تعاني تصاعد النشاط الإرهابي.
وتواجه النيجر تهديدات إرهابية على حدودها الغربية المتاخمة لكل من مالي وبوركينا فاسو ضد تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، والجماعات الأخرى الموالية لتنظيمي داعش والقاعدة. وأشارت العديد من التقارير إلى أن هذه الجماعات تمكنت من تجنيد العديد من شباب النيجر.
كما تعاني النيجر من جبهة أخرى على حدودها الجنوبية مع نيجيريا، حيث تخوض النيجر مواجهات مكثفة ضد تنظيم "بوكو حرام"، بيد أن النيجر نجحت في تحقيق بعض التقدم على هذه الجبهة، وهو ما يعزى بالأساس إلى "قوة المهام المشتركة متعدد الجنسيات في منطقة بحيرة تشاد"، والتي تتضمن قوات من النيجر وتشاد الكاميرون ونيجيريا. ويبدو أن الرئيس النيجري بازوم يسعى لتكرار هذا النموذج على الجبهة الغربية.
وشهدت النيجر خلال الفترة الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في عدد العمليات الإرهابية، الأمر الذي بات يشكل تهديداً كبيراً على نظام الرئيس بازوم. ففي 17 مارس الماضي، شنّت عناصر إرهابية هجوماً واسعاً على منطقة "تيلابيري" الواقعة في منطقة المثلث الحدودي، أسفر عن مقتل 21 شخصاً.
4- تعزيز التعاون مع نيجيريا: ألمح رئيس النيجر، محمد بازوم، خلال زيارته إلى أبوجا، إلى أنه إذا ما انخرطت نيجيريا في القوة الإقليمية الجديدة التي يتطلع لإنشائها، فإن ذلك سيقلل من الأعباء المالية، نظراً لحجم الاقتصاد النيجيري الكبير، باعتبار أن أبوجا تمثل أكبر أحد الاقتصادات في القارة الأفريقية.
واتساقاً مع هذا الطرح، فقد شهدت زيارة بازوم لنيجيريا إبرام اتفاقية بين البلدين تتعلق بإنشاء خط سكة حديد يربط بينهما، وهو خط "كانو – كاتسينا"، والذي يبلغ طوله نحو 284 كيلومتراً، بإجمالي تكلفه تصل لحوالي 2 مليار دولار، حيث يسعى بازوم لتعزيز علاقاته الأمنية والاقتصادية مع أبوجا، لمحاولة تعزيز قدراتها الأمنية من ناحية، ومن ناحية أخرى دعم القدرات التنموية للنيجر، كمسار موازٍ يمكن من خلاله الحد من استمرار استقطاب الجماعات الإرهابية لشباب النيجر.
استراتيجية بازوم ثلاثية الأبعاد:
تعكس التحركات الراهنة للرئيس بازوم، ملامح استراتيجية مكونة من ثلاثة أبعاد أساسية لمكافحة الإرهاب، والتي يمكن تناولها على النحو التالي:
1- تعزيز التعاون مع فرنسا: يتمثل المحور الأول من استراتيجية بازوم في ترحيب بلاده باستقبال قوات عملية برخان التي ستنسحب من مالي، في محاولة لتعزيز قدرات النيجر الدفاعية لصد هجمات الجماعات الإرهابية المستشرية هناك.
وفي هذا السياق أشار بازوم إلى أن هناك تحركات راهنة لإقامة عدد من القواعد العسكرية على طول الحدود المتاخمة لمالي، في منطقة تيلابيري. كذا، يرتبط هذا المحور بتحرك النيجر نحو تركيا لشراء طائرات مسيرة ومدرعات وطائرات عسكرية خلال الأشهر القليلة المقبلة.
2- الاستمرار في سياسة اليد الممدودة: يتمثل البعد الثاني لاستراتيجية بازوم في مقاربة "اليد الممدودة" التي تبناها منذ فترة توليه وزارة الداخلية في عهد الرئيس السابق، محمد إيسوفو، حيث تستهدف هذه المقاربة بالأساس الانخراط في حوار شامل مع الجماعات الإرهابية لمحاولة التوصل إلى حالة من السلام.
وأضفى بازوم الطابع الرسمي على هذه المقاربة منذ سبتمبر 2021، عندما عيّن الموريتاني، مصطفى ولد الإمام الشافي، مستشاراً لرئيس الجمهورية، لقيادة عملية الحوار مع القيادات الجهادية، خاصةً في ظل شبكة العلاقات الواسعة التي يحظى بها ولد الأمام الشافي في الجماعات الجهادية المنتشرة في الساحل الأفريقي. وفي نهاية فبراير 2022، أفرجت حكومة النيجر بالفعل عن عدد من القياديين الإرهابيين، في إطار عملية الحوار هذه.
3- استنساخ قوة بحيرة تشاد: تأتي تحركات بازوم نحو نيجيريا لتمثل المحور الثالث من استراتيجيته الثلاثية، إذ إن الرئيس النيجري لا يزال غير واثق من نجاح مساعيه التفاوضية مع الجماعات الإرهابية، فضلاً عن تخوفاته من أي تحولات ربما تطرأ على الاستراتيجية الفرنسية في الساحل الأفريقي، خاصة إذا ما اتجهت باريس لتقليص أكبر لحضورها العسكري في الساحل، الأمر الذي ستتمخض عنه تهديدات أمنية كبيرة بالنسبة للنيجر، التي تعد أفقر دول العالم.
ويبدو أن بازوم يتحوط لمثل هذا التطور عبر اللجوء إلى نيجيريا لمحاولة إفراز نموذج مماثل لـ"قوة المهام المشتركة في بحيرة تشاد"، وهو ما انعكس بوضوح في دعوته الرسمية لتشكيل قوة إقليمية جديدة في منطقة الساحل خلال زيارته الأخيرة لأبوجا.
وفي الختام، تعكس المعطيات الراهنة احتمالية اتجاه فرنسا لإعادة هيكلة التحالفات الإقليمية في الساحل، وتحديداً استبدال تحالف "قوة الساحل المشتركة" بتكتل جديد، يتم خلاله استبعاد مالي، وربما بوركينا فاسو، إلى جانب ضم نيجيريا إلى هذا التحالف الجديد، بيد أن الأمور لا تزال غير واضحة بشأن موقف نيجيريا النهائي من الانضمام لهذا التكتل الناشئ.