أعلن تحالف دعم الشرعية في اليمن، في 20 مارس الجاري، إسقاط 9 طائرات مسيرة مفخخة، وتدمير صاروخ باليستي، أطلقتها ميليشيا الحوثي الإرهابية، باتجاه عدد من الأهداف الاقتصادية والمدنية السعودية في مدينة جيزان وخميس مشيط والطائف وينبع وظهران الجنوب وجدة. واستهدفت هذه الهجمات محطة توزيع منتجات بترولية ومحطة للغاز تابعتين لشركة أرامكو، ومحطة لتحلية المياه المالحة ومحطة لنقل الكهرباء وغيرها. وأسفرت الهجمات العدائية عن خسائر مادية محدودة تسببت في بعض الأضرار المادية بالمنشآت ومركبات مدنية ومنازل سكنية، جراء الاستهداف وتناثر شظايا الاعتراض، وذلك من دون وقوع خسائر في الأرواح.
دوافع التصعيد
تُشير الهجمات إلى رغبة مليشيا الحوثي في التصعيد، وذلك رغبة منها في تحقيق عدد من الدوافع والأهداف والتي يمكن إلقاء الضوء عليها على النحو التالي:
1- رفض المبادرة الخليجية للحل السياسي: أطلقت ميليشيا الحوثي الإرهابية الهجوم على المواقع السعودية بعد ثلاثة أيام من الدعوة التي أطلقها الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، نايف الحجرف، بشأن إجراء مشاورات بين الأطراف اليمنية في الفترة من 29 مارس الجاري حتى 7 أبريل 2022، والتي سيتم عقدها بمقر الأمانة العامة للمجلس في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة ستة محاور تشمل المستويات العسكرية والسياسية والإنسانية للأزمة، في محاولة لإنهاء الصراع الدائر في اليمن منذ سبع سنوات.
ولاقت هذه الدعوة ترحيباً أممياً وإقليمياً واسعاً، بيد أنها واجهت اعتراضاً من قبل الحوثيين، والذين اشترطوا أن تجرى المحادثات في بلد آخر غير السعودية، والتي ترى أنها طرف "غير محايد" في الصراع، وهي إشارة إلى إصرار الميليشيا على المماطلة ورفض مبادرات التسوية كافة، بما يتسق مع نهجها القائم على رفض الجلوس على مائدة المفاوضات على مدار السنوات الماضية في اليمن، وإحباط جهود المبعوث الأممي إلى اليمن كافة، هانس جروندبرج، والذي يجرى مشاورات ثنائية مع أطراف يمينة في العاصمة الأردنية عمان، والذي يهدف إلى رسم مسار نحو تسوية سياسية مستدامة للنزاع.
2- تعزيز موقف طهران في المفاوضات: تهدف ميليشيا الحوثي من خلال هذه الهجمات إلى تعزيز موقف طهران في المفاوضات النووية مع القوى الكبرى في فيينا، وذلك في الوقت الذي يصل فيه مسار المفاوضات إلى مرحلة حرجة تنذر بنجاحها، أو إعلان إخفاقها، خاصة بعد رفض واشنطن مطالب جديدة كانت طهران قد طلبتها مؤخراً، وهي المطالب التي استجابت واشنطن لبعضها، في حين رفضت البعض الآخر، وسعت واشنطن للضغط على طهران عبر التأكيد أن العودة للاتفاق "ليست وشيكة أو مؤكدة".
وكان من المطالب الأخيرة التي تقدمت بها إيران مطالبة واشنطن برفع الحرس الثوري الإيراني من على قائمة التنظيمات الإرهابية، وهو ما استجابت له واشنطن، ولكن بشرط الحصول على تعهدات علنية من إيران لخفض التصعيد في المنطقة، وهو ما رفضته طهران، ولكن للحيلولة دون انهيار الاتفاق، عرضت واشنطن الاتفاق على ذلك الأمر في اتفاق منفصل. وتدرك طهران أن واشنطن حريصة على التوصل لاتفاق، ولذلك تسعى للمغالاة في مطالبها.
3- انتقال إيران إلى مستوى جديد من التصعيد: تُشير التحقيقات الأولية الخاصة بالهجمات إلى وجود بصمات إيرانية بها، حيث أعلن التحالف أنه تم استخدام صواريخ مجنحة إيرانية الصنع في الهجوم، إذ تسعى طهران من وراء ذلك إلى مواصلة التصعيد الإقليمي في المنطقة، والتأكيد على أنه حتى في حال تم التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي في فيينا، فإن سلوكها التصعيدي ضد مصالح واشنطن وحلفائها في المنطقة لن يتوقف.
ويلاحظ أن إيران عمدت، ولأول مرة، إلى شن هجوم ضد مدينة أربيل العراقية في مارس، بل وأعلن الحرس الثوري مسؤوليته صراحة، وهو ما لم يقابل إلا بتنديدات أمريكية ودولية، وهو ما يكشف عن وجود سياسة إيرانية جديدة تقوم على تنفيذ الاعتداءات بشكل مباشر، ومن دون أي محاولة لإنكار دورها، وهو ما يمثل رسالة إيرانية صريحة بأنها مستعدة للتصعيد.
4- دعم فرص تصدير النفط الإيراني: تهدف ميليشيا الحوثي من تكرار استهداف منشآت نفطية سعودية إلى إرباك أسواق الطاقة العالمية، حيث سبقت الهجمات الأخيرة هجوماً آخر، في 10 مارس الجاري، استهدف مصفاة تكرير نفط تابعة لعملاق النفط السعودي (أرامكو)، وذلك في الوقت الذي تعاني فيه أسواق النفط العالمية أزمة عاصفة على خلفية الأزمة الأوكرانية، التي أسفرت عن محاولة واشنطن وعدد من الدول الأوروبية فرض حظر على واردات روسيا من النفط والغاز، الأمر الذي دفع بالأسعار إلى مستويات قياسية.
وتسعى طهران، عبر تحريض الحوثيين على استهداف المنشآت السعودية إلى توظيف الأزمة الأوكرانية في لفت الأنظار إلى إمكانية قيامها بتصدير النفط والغاز لتعويض نقص الإمدادات في الأسواق، وهو ما عبرت عنه تصريحات المسؤولين الإيرانيين، في إبدائهم الاستعداد لتصدير الطاقة لأوروبا، ورفع الطاقة التصديرية إلى 1.4 مليون برميل يومياً، وذلك في ضوء بحث واشنطن والغرب عن بدائل تعوض النفط الروسي.
5- التعتيم على الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة: تزامنت الهجمات الحوثية على السعودية، مع تصاعد حالة الذعر والاستنفار الشعبي غير المسبوقة في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيا في اليمن، لاسيما في كبريات المدن مثل صنعاء وتعز والحديدة، وذلك على خلفية ممارسات الميليشيا المتعلقة بالفساد والتسبب في تردي الظروف المعيشية للمواطنين والقمع، فيما يُعرف بـ "ثورة الجدارن"، والتي ترفع شعار "ارحل يا حوثي"، مطالبة باقتلاع الميليشيا ومهاجمة إيران ودورها في اليمن.
وفي السياق، فقد فرضت الميليشيا إجراءات لمواجهة ما اعتبرته "مؤامرة من الداخل"، تشمل رصد تحركات للمواطنين وفرض حماية أمنية على مداخل الأحياء ونصب حواجز للتفتيش، والقيام بحملة اعتقالات تعسفية، وذلك في ظل التخوف من اتساع نطاق الاحتجاج، حيث تعتقد الميليشيا أن هذه الهجمات قد تخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مناطق سيطرتها، على اعتبار أن التحالف العربي هو المتسبب فيها، بينما تؤشر تلك الاحتجاجات على إدراك شعبي بأن القادة الحوثيين هم من يقفون وراءها.
6- مواجهة الضغوط الدولية: يمثل الهجوم الذي قامت به الميليشيا رداً من جانبها على تزايد الضغوط الدولية ضدها، خاصة بعد إصدار مجلس الأمن الدولي، في الأول من مارس الجاري، قراراً بتصنيف ميليشيا الحوثي جماعة إرهابية، وهو القرار الذي شمل توسيع الحظر على إيصال الأسلحة في اليمن، ليشمل جميع أفراد جماعة الحوثي بعد أن كان مقتصراً على أفراد وشركات محددة، وهو ما تبعه قرار الاتحاد الأوروبي الذي وضع الجماعة في القائمة السوداء للجماعات الخاضعة للعقوبات والتي يحظر تصدير السلاح لها.
ويأتي هذا القرار على خلفية إدراك المجتمع الدولي للخطر الذي تشكله الميليشيا على حرية الملاحة وحركة التجارة في المنطقة، في ضوء تزايد الهجمات التي تستهدف أمن المياه الإقليمية حول المنطقة، والسفن والناقلات العابرة، وقد كان آخر تلك التهديدات، قيام الميليشيا بإطلاق صاروخ صوب البحر الأحمر، في 7 مارس الجاري، وهو ما يعكس استمرار تهديدات الحوثيين في مضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر.
وفي الختام، يرجح أن يستمر تصعيد الحوثيين خلال الفترة القادمة، وهو ما بدا في إعلانهم عما وصفوه بـ "بنك أهداف" يمكن استهدافها في أي وقت، وذلك في ضوء المحاولات اليائسة من قبل الميليشيا لتخفيف الضغط عنها في ظل الخسائر الفادحة التي تتكبدها، بالإضافة إلى العمل على تعزيز الموقف التفاوضي الإيراني في ظل تبني واشنطن مواقف متخاذلة من التهديدات الإقليمية الإيرانية.