أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

الميل للواقعية:

هل تُغير نتائج زيارة بايدن رؤية أوروبا لإيران؟

27 يوليو، 2022


بعد أن كثرت التحليلات في وقت سابق عن توجه أمريكي مُحتمل لفك الارتباط مع قضايا الشرق الأوسط، قام الرئيس جو بايدن، في الفترة من 13 إلى 16 يوليو 2022، بجولة شرق أوسطية، شملت كلاً من إسرائيل والضفة الغربية والمملكة العربية السعودية، وكان من ضمن أنشطته خلالها عقده اجتماعاً ضم دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى كل من مصر والعراق والأردن. ويتناول هذا التحليل أبرز ردود الفعل الأوروبية ورؤيتها لنتائج تلك الزيارة.

اتجاهات أوروبية:

يُمكن تلخيص أبرز الرؤى الأوروبية التي قامت بتحليل نتائج جولة الرئيس بايدن في الشرق الأوسط، من خلال النقاط التالية:


1- توحيد بايدن الجبهة الإقليمية ضد إيران: اعتبر تقرير نُشر في مجلة "دير شبيغل" الألمانية، في 17 يوليو 2022، أن الرئيس بايدن كان يهدف خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط إلى ربط هذه المنطقة بالولايات المتحدة الأمريكية عبر تصوير أن ثمة عدواً موحداً، لذلك تبنى بيانات مشتركة تؤكد ضرورة منع إيران من حيازة أسلحة نووية. كما أنه خلال زيارته لإسرائيل، أكد بايدن أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع وجود أسلحة نووية في إيران، وأن اتفاقاً نووياً جديداً هو أفضل طريقة لمنع ذلك. ولكن في حالة استمرار تعثر المفاوضات، فإن واشنطن لن تنتظر إلى الأبد، ولم يستبعد بايدن استخدام القوة كملاذ أخير لمواجهة أي تهديد نووي إيراني.

2- تحول كبير في الموقف الأمريكي إزاء المنطقة: قرر بايدن، مع بداية ولايته الرئاسية، إعادة إطلاق عملية التفاوض مع طهران بعد الانسحاب الأمريكي أُحادي الجانب من الاتفاق النووي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. كما تمت إزالة ميليشيا الحوثيين من القائمة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية، ناهيك عن أن رد الفعل الأمريكي على هجمات الحوثيين الإرهابية بالصواريخ والطائرات المُسيّرة على مواقع في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في يناير وفبراير 2022، جاء باهتاً.

بيد أن بايدن نفسه عاد وأكد من السعودية، في يوليو الجاري، أن الولايات المتحدة ليس لديها أي نية لفك الارتباط بالمنطقة، وأنه من غير الوارد إفساح المجال أمام روسيا أو الصين أو إيران لملء الفراغ. وتعزو بعض المصادر الأوروبية أسباب هذا التحول الكبير في الموقف الأمريكي، إلى أن الحرب الروسية في أوكرانيا كشفت أنه باستثناء الأمريكيين والأوروبيين وأستراليا، فإن بقية دول العالم لم تقم بإدانة موسكو أو المشاركة في فرض عقوبات عليها، واكتفت بدور المُتفرج. كما أن روسيا قامت بمحاولات حثيثة لإقناع دول المنطقة، مُستغلة الانسحاب الأمريكي منها، بالوقوف على الحياد، وعدم زيادة إنتاجها من النفط لمساعدة الاقتصادات الغربية بسبب المقاطعة المفروضة على روسيا والتي نتج عنها ارتفاع أسعار المحروقات. ويبدو أن بعض وجهات النظر الأوروبية مُقتنعة أن واشنطن تحاول انتهاز فرصة الحرب في أوكرانيا لمحاولة إعادة تمتين شبكة تحالفاتها الإقليمية والدولية وإضعاف النفوذ الروسي. 

3- تصدر حسابات "السياسة الواقعية" Realpolitik: نُشر تقرير على موقع "التلفزيون الألماني الثاني" ZDF، في 16 يوليو الجاري، تحت عنوان "رحلة بايدن: تمنٍ أم سياسة واقعية؟"، وخرج بخلاصة وهي أن دوائر صُنع القرار في الولايات المتحدة توصلت إلى قناعة مفادها أن عدم التعامل مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لن يجدي نفعاً، وأن الإصرار على المواقف التي أطلقها بايدن خلال حملته الانتخابية في عام 2020 حول السعودية هو "قرار غير صائب". وفي هذا السياق نفسه، أكد مقال نُشر في صحيفة "لوموند" الفرنسية، المعادلة التالية: "إذا أردت أن تحصل على شيء في الشرق الأوسط فإنه لا يمكنك تجاهل المملكة العربية السعودية". وبناءً على ذلك، فإن "السياسة الواقعية" في النهاية هي التي سادت في البيت الأبيض.

4- إطلاق عقيدة بايدن للشرق الأوسط: رأت صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية أن الزيارة كانت مناسبة لإطلاق مبدأ بايدن حول الشرق الأوسط القائم على خمس نقاط، هي: تقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وزيادة دعم التنمية الاقتصادية، والتعاون العسكري الإقليمي، ودعم والحريات والديمقراطية، وزيادة إنتاج النفط من قِبل دول المنطقة لمواجهة الرئيس الروسي بوتين الذي يستخدم الطاقة كسلاح وللحد من التضخم. 

ويأتي تركيز الإدارة الأمريكية على موضوع بيع إيران طائرات مُسيّرة لموسكو لاستعمالها في حرب أوكرانيا، من أجل توظيف التخويف من إيران في إنشاء تحالف دفاعي إقليمي ضدها. وفي هذا الصدد، أفاد وزير الخارجية السعودية، فيصل بن فرحان، بأنه ليس على علم بالمناقشات حول الدفاع الجوي المشترك بين دول المنطقة، وأكد أن شرط الاعتراف بإسرائيل يظل كما في السابق عبر ولادة دولة فلسطينية، وأن فتح المجال الجوي السعودي أمام الملاحة الجوية لكل دول العالم "ليس بأي حال من الأحوال مُقدمة للتطبيع". 

5- أولوية مسألة النفط: اعتبر تقرير نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، في 16 يوليو الجاري، أن الحاجة إلى النفط دفعت الرئيس بايدن لتقديم تنازلات في الشرق الأوسط بعد أن سجل خام برنت أعلى مستوى له في 14 عاماً عند 139.13 دولار للبرميل في مارس الماضي؛ مما أدى إلى أزمة التضخم العالمي الذي وصل في الولايات المتحدة إلى حوالي 9.1%. ومن المُرجح أن يؤدي استمرار هذا الوضع إلى خسارة الحزب الديمقراطي مقاعد في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس والمُقررة في نوفمبر المُقبل. لذا فإن بايدن كان يأمل أن تساعد زيارته للمنطقة على إقناع السعودية بزيادة إنتاجها النفطي بمقدار مليون برميل يومياً، لكنه غادر من دون أن يتمكن من إصدار إعلان رسمي بشأن زيادة المعروض النفطي العالمي. 

6- تراكم "خيبات الأمل" لواشنطن: اعتبرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، في افتتاحيتها يوم 18 يوليو الجاري، أن بايدن أضاف إلى خيبات الأمل التي ورثها من جراء السياسات التي انتهجها الرؤساء الأمريكيون السابقون، "خيبة أمل جديدة" عبر الزيارة التي قام بها مؤخراً إلى الشرق الأوسط. فبعد أن مهد الرئيس الأسبق، باراك أوباما، الطريق في عام 2013 لإعادة انخراط روسيا في المنطقة من خلال رفضه أي تدخل في سوريا، وبعد أن أضعف ترامب المصالح الأمريكية بشكل أعمق من خلال انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني ولم تؤد سياسة "الضغط القصوى" التي اتبعها بهدف تركيع النظام الإيراني إلا إلى استئناف جهود هذا النظام لامتلاك أسلحة نووية مع رفض العودة إلى الوضع السابق؛ ها هو بايدن يُزيد من تعقيد الموقف الأمريكي حينما ترك جميع من قام بزيارتهم في حالة شك حيال مصداقية وموثوقية تأكيد التزاماته بعودة واشنطن إلى المنطقة.

الحوار مع إيران:

كان ملف التعامل مع إيران وبرنامجها النووي، على رأس أجندة زيارة بايدن للمنطقة. وفي هذا الإطار، يمكن توضيح أبرز الدوافع التي قد تجعل الأوروبيين أكثر ميلاً للحوار مع طهران، وذلك من خلال الآتي:


1- استفادة النظام الإيراني من مسار العقوبات الدولية: على الرغم من أن للعقوبات الدولية وقعاً مؤلماً على الاقتصاد الإيراني عبر انتشار الركود والعُزلة الدولية، لكن هذه العقوبات أوجدت لقادة الداخل وصانعي السياسات في طهران ذريعة للاختباء وراءها من أجل تدعيم شرعيتهم السياسية عبر اللعب على وتر الحفاظ على السيادة الوطنية والتصدي للتدخلات الأجنبية، إلى حد أصبح الانصياع للعقوبات ضرباً لمصدر قوتهم الرمزي. ولعل هذا ربما يفسر فشل مسار العقوبات على إيران، حيث إن النظام الحاكم نجح في إيجاد الوسيلة المُثلى من أجل الحصول على الدعم الكامل من المحكومين في الداخل فيما يخص السياسات الخارجية. لذلك فإن عدداً كبيراً من الأوروبيين يعتبرون أن مسار تكثيف العقوبات لن يدفع المسؤولين الإيرانيين للتعاون؛ لأنه سيتم اعتباره من جانبهم على أنه بمنزلة تقديم للتنازلات، وسيجعل المسؤولين في طهران "يظهرون بمظهر الجبناء".

2- ضبط سلوك إيران أسهل عبر اتفاق جديد: يرى أوروبيون أنه عندما كانت قيود خطة العمل الشاملة المشتركة "الاتفاق النووي لعام 2015" سارية المفعول، تم تقدير الفترة المطلوبة لإنتاج وقود نووي يحتاجه صُنع قنبلة نووية بـ 12 شهراً في حال لو قررت إيران الخروج من الاتفاق بشكل مفاجئ، فيما تقلص هذا التقدير إلى حوالي شهر واحد خلال الفترة الحالية. وبالتالي فإن عامل الوقت أصبح لصالح إيران، ويفرض هذا الاختراق الخطير حاجة مُلحة، حسب وجهة نظرهم، إلى التوصل لاتفاق جديد، والذي يبقى الوسيلة الأفضل لضبط سلوك طهران. وهذا هو ما عبّر عنه كل من خافيير سولانا، المفوض الأعلى السابق لشؤون السياسة الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي، وكارل بيلت، رئيس الوزراء السويدي الأسبق، في مقال مشترك تم نشره في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في مايو الماضي، وذكرا خلاله "أنه مع استمرار مواقف إيران في تقويض المصالح الأمنية الغربية، فإن إدارة هذه المشاكل ستصبح أكثر صعوبة إذا تعاملنا مع إيران غير مُلزمة بقيود الاتفاق النووي".

3- الضربة العسكرية ضد طهران قد تأتي بنتائج عكسية: على الرغم من وجهة النظر الأمريكية التي ترى أنه حتى لو امتلكت إيران ما يكفي من اليورانيوم المُخصب لصناعة قنبلة، فإن هذا التطور لا يمكن أن يُشكل تهديداً من الناحية العملية طالما أن طهران لم تمتلك بعد مُفجراً نووياً أو صاروخاً باليستياً يُمكنه حمل قنبلتها النووية. وبحسب التقديرات الإيرانية، فإن استكمال المنشأة النووية بالصواريخ الحاملة يحتاج إلى سنة ونصف تقريباً. لذلك فإن هناك متسعاً من الوقت يكفي إسرائيل من أجل الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران بغطاء أو مشاركة أمريكية، بيد أن الأوروبيين يحاولون خلال هذه الفترة الفاصلة كسر الجمود بشأن القضية التي مازالت تعيق التوصل إلى اتفاق جديد؛ وهي مسألة سحب فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأمريكية. 

ولهذه الغاية، يقوم كل من جوزيب بوريل، المفوض الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، وإنريكي مورا، منسق الاتحاد الأوروبي بشأن المحادثات النووية الإيرانية، بزيارات متتالية إلى طهران للمساعدة في إنقاذ الاتفاق النووي. ويأتي كل ذلك في سبيل تجنب حرب "كارثية" جديدة، انطلاقاً من فرضية أن احتدام الحرب الراهنة في أوكرانيا يجب ألا يحجب الأبصار عن نقطة مُلتهبة أخرى هي إيران وبرنامجها النووي، وما يمكن أن تمثله هذه الحرب الجديدة في حال اندلعت من تهديد على الأمن الأوروبي والغربي، والإقليمي بالأساس. 

4- ثبات عقيدة الاتحاد الأوروبي في التفاوض: تقف حدود قوة الاتحاد الأوروبي على مدى قدرته على استغلال المقومات التي يتمتع بها في الساحة الدولية؛ وهي "القوة الناعمة" Soft Power، و"القوة المعيارية" Normative Power، والتي تقوم على عناصر الجذب والحوار والتفاوض، وتبتعد كل البُعد عن اتخاذ إجراءات قسرية أو عنيفة. وقد تنجح المساعي الأوروبية في إقناع الدول الأخرى باتباع معاييرها، مثلما حدث مع دول أوروبا الشرقية حين أرادت الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وقد تفشل حين ترفض الأطراف الأخرى الامتثال لهذه المعايير كما حدث مع دول مثل روسيا والصين. 

وتندرج إيران في الفئة الثانية من تلك الدول، حيث اعتبرت خلال فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد (بين عامي 2005 و2013)، أن مطالب الاتحاد الأوروبي لوقف تخصيب اليورانيوم هو تشكيك في نواياها السلمية. ومع تزامن وصول كل من أوباما وحسن روحاني إلى الرئاسة في الولايات المتحدة وإيران، نجح الاتحاد الأوروبي في لعب دور الوسيط بينهما ودفعهما نحو التوصل لاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، مُستغلاً قدرته على التأثير السياسي والدبلوماسي في عملية التفاوض بعد أن نجح نهج الاتحاد الأوروبي، المُتمثل في الاعتراف بحق إيران في الحصول على الطاقة النووية لأهداف سلمية غير عسكرية، في إقناع أوباما. 

ولكن انتخاب ترامب غيّر سياسة واشنطن كُلياً فيما يخص هذا الاتفاق، حيث لم يكتف فقط بالانسحاب منه، وإنما قام بفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تتعامل مع طهران اقتصادياً، بما فيها العديد من الشركات التجارية المُسجلة في الاتحاد الأوروبي والتي كانت تنظر إلى إيران كسوق ضخم تحاول الاستفادة منه. وكشفت هذه الإجراءات حدود القوة المعيارية للاتحاد الأوروبي ومساعيها التفاوضية، خصوصاً في حال تعارضت مع توجهات القوى الكبرى التي تمارس سياسة أكثر واقعية قائمة على تعظيم القوة. بيد أن هذا لن يمنع الاتحاد الأوروبي من الاستمرار في تقييم الملفات الدولية، وفق منطلقاته القائمة على التفاوض والحوار والإقناع.