أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

قمّة أستانا:

هل تنجح منظمة شنغهاي في تدشين نظام عالمي جديد؟

12 يوليو، 2024


استضافت العاصمة الكازاخية أستانا فعاليات القمّة الرئاسية الرابعة والعشرين لمنظمة شنغهاي للتعاون والأمن خلال الفترة من 3 إلى 4 يوليو 2024، بحضور ومشاركة العديد من رؤساء الدول الأعضاء، وفي مُقدمتهم الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، مع غياب رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي. 

أبعاد القمّة:

تأتي تلك القمة في خضم العديد من التطورات الدولية والإقليمية المتزامنة معها، والتي ألقت بظلالها على أجندة القمة وحيثياتها، كما يتبين على النحو التالي: 

1. مُشاركة واسعة من القادة والرؤساء: بالإضافة للدولة المُضيفة ورئيسها جومارت توكاييف، شارك في القمة العديد من الرؤساء والقادة وكبار المسؤولين، ومنهم الدول الأعضاء بالمنظمة وبعض الدول ذات صفة شريك الحوار، ومن أبرز المشاركين رئيس أذربيجان إلهام علييف، ورئيس الصين شي جين بينغ، ورئيس طاجيكستان إمام علي رحمان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع مشاركة الرئيس الإيراني بالإنابة محمد مخبر، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيائيف، والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، والرئيس القرغيزي صدير جاباروف، والرئيس المنغولي أوخناجين خورلسوخ، وصاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، نيابة عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، ووزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. 

وعلى هامش القمة، التقى الرئيسان شي وبوتين، وأشادا بالتوافق المتنامي بين بلديهما واصفان العلاقات الثنائية بأنها تشهد أفضل فترة تاريخية من شأنها أن تعزز الاستقرار العالمي، مع الإشادة بدورهما في ترسيخ منظمة شنغهاي التي باتت إحدى أهم الركائز الأساسية للتحول نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب عادل.

ومن جهة أخرى، التقى وزير الخارجية الهندي مع نظيره الصيني للمرة الأولى منذ عام، وأكد الجانبان أهمية مضاعفة الجهود لتحقيق الانسحاب الكامل للقوات واستعادة السلام والهدوء على خطوط التماس الحدودية بينهما، من أجل المضي قدماً نحو تطبيع العلاقات. وقد اتفقا على تعزيز الجهود من خلال القنوات الدبلوماسية والعسكرية لحل القضايا الخلافية العالقة.

2. الدعوة لتعزيز الحوار وتوسيع نطاق العضوية: استهدفت القمّة بالأساس تعزيز الحوار المتعدد الأطراف والسعي نحو السلام المستدام والازدهار، مع التركيز على المجالات الرئيسية للتعاون وآفاق التنمية والسلام والأمن وتعزيز الشراكة بين الدول الأعضاء.

ومن جهة أخرى، فإن ثمّة عدداً من الوثائق كان من المقرر مُناقشتها خلال تلك القمّة من بينها وثيقة تتعلق بمُقترح مُقدّم من مجلس وزراء الخارجية بشأن تطوير المنظمة، والذي يتضمن مجموعة من التدابير المتعلقة بتحسين أنشطة الهيئات الدائمة، وإعادة تنسيق التفاعل مع شركاء الحوار والمراقبين، وتعزيز جهود مواجهة التحديات والتهديدات. هذا بالإضافة للبت في ملف انضمام بيلاروسيا للمنظمة بصفة عضو كامل العضوية.

3. هيمنة الخلافات الداخلية: ألقت الخلافات الداخلية بظلالها على ديناميكيات انعقاد القمة، وخاصة الخلافات بين الصين والهند من جهة، والهند وباكستان من جهة أخرى. ففي العام 2023؛ أجريت القمة افتراضياً لا حضورياً في الهند خشية استضافة شي بالأراضي الهندية، وفي القمة الحالية لم يحضر رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي، وحضر وزير الخارجية نيابة عنه.  

واتصالاً، حثّ الرئيس الصيني نظراءه على مُقاومة التدخل الخارجي، داعياً لتعزيز قوة ووحدة صف المنظمة وتعزيز الجهود من أجل مواجهة التحدي الحقيقي المتمثل في التدخل والانقسام، مع العمل على إيجاد أرضية مُشتركة لحل المشكلات والتحديات الصعوبات من خلال التعاون.

ومن جانبه، نقل وزير الخارجية الهندي خلال كلمته مخاوف بلاده بشأن تحركات كلٍ من الصين وباكستان، في معرض حديثه عن أهمية التمسك بمبادئ المنظمة القائمة على احترام السيادة والاستقلال وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم استخدام القوة أو التلويح بها، مع أهمية إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب وعدم التسامح مع الدول التي تؤوي وترعى الإرهاب وتوفر ملاذاً آمناً له.

4. مُناقشة عضوية أفغانستان بالمنظمة: وكانت عضوية أفغانستان في المنظمة من ضمن الملفات التي من المقرر مناقشتها في الدورة الحالية، وهي تحمل حالياً صفة دولة مراقبة ولكن نظراً لعدم الاعتراف الدولي بحكومة طالبان فلم تشارك الحركة في الاجتماعات، إلا أنه عشية القمة في كازاخستان بإزالة حركة طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية، ومن المُقرر أن تقدم روسيا على ذات الخطوة قريباً.

مُخرجات القمّة: 

خلصت تلك القمة الرئاسية إلى عدد من القرارات والتوجهات إلى جانب ما تبنته تلك الدول من مبادئ خلال البيان الختامي، لعل أبرزها:

1. إقرار الوثائق الاستراتيجية: تمت الموافقة على نحو 25 وثيقة استراتيجية ركّزت على العديد من القضايا المحورية مثل: الطاقة والأمن والتجارة والتمويل وأمن المعلومات. كما تم إقرار إعلان أستانا بشأن مُبادرة الوحدة العالمية من أجل السلام العادل والوئام والتنمية، وكذا استراتيجية التنمية حتى عام 2035 والتي بموجبها تمت إعادة تحديد المُساهمات الجماعية للدول الأعضاء، وتم إقرار برامج التعاون لمكافحة الإرهاب والتطرف للفترة من 2025 إلى 2027. وكذا استراتيجية مكافحة المخدرات للسنوات الخمس المقبلة، بالإضافة لخطة عمل استراتيجية التنمية الاقتصادية حتى عام 2030 واستراتيجيات التعاون في مجال الطاقة حتى عام 2030.

كما تعهدت الدول بتوقيع مُذكرة تفاهم لتدشين مركز تنسيق المعلومات الإقليمي لآسيا الوسطى وأمانة منظمة شنغهاي للتعاون لمُكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات. بالإضافة إلى تدشين جمعية المستثمرين وبرامج تطوير آليات تمويل أنشطة مشروعات المنظمة بشأن التعاون في المناطق المحمية والسياحة البيئية. وتم التوقيع على مبادئ حسن الجوار والثقة والشراكة، وتعزيز الإدارة الفعالة للنفايات وضمان سلامة مياه الشرب والصرف الصحي. بالإضافة للاتفاق بشأن استئناف نشاط مجموعة العمل الخاصة بالاستثمارات وكذا التوافق حول المضي قدماً في التسويات بالعملات الوطنية. ودعا البيان الختامي أيضاً لعدم عسكرة الفضاء والامتثال لاتفاقية حظر الانتشار النووي وأسلحة الدمار الشامل والأسلحة البيولوجية والسمية.

2. الحوكمة العالمية والتعددية: إذ توافقت الدول الأعضاء خلال البيان الختامي وإعلان أستانا على أهمية الالتزام ببناء نظام عالمي أكثر تمثيلاً وإنصافاً وتعددية، مع التأكيد أن التعاون داخل المنظمة يمكن أن يشكل الأساس لبنية أمنية مُتساوية ومُتوازنة في أوراسيا والعالم أجمع، مع تأكيد مبادئ التسوية السلمية للنزاعات وعدم استخدام القوة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مع ضرورة احترام حق الدول في اختيار مسارات التنمية بشكل مُستقل.

3. انضمام بيلاروسيا: إذ تم إقرار انضمامها لتصبح العضو العاشر بالمنظمة بعدما استكملت واستوفت كافة الإجراءات اللازمة في هذا الإطار. 

4. انتقال رئاسة المنظمة للصين: تم التوافق بشأن تولي الصين رئاسة المنظمة حتى 2025 وذلك بعد مضي 7 سنوات على رئاستها الأولى لها، وذلك في إطار التناوب الدوري على رئاسة المنظمة بين الدول الأعضاء.

5. حربا غزة وأوكرانيا: أدانت المنظمة آليات فرض عقوبات أحادية على الدول لما يتسبب فيه ذلك من تقويض التجارة العالمية، كما أدانت "القتال الراهن" الذي أدى إلى وقوع ضحايا مدنيين في قطاع غزة، داعية لوقف النار.

6. الدعوة لعقد مؤتمرات مُستقبلية: تم الإفصاح عن التخطيط لعقد مؤتمر مشترك رفيع المستوى مع الأمم المتحدة حول مُكافحة الإرهاب في نوفمبر المقبل بالكويت، فضلاً عن دعوة الخارجية الباكستانية لدعوة كافة الدول الأعضاء –بمن فيهم الهند- لمؤتمر حضوري لرؤساء الحكومات في إسلام آباد في أكتوبر المقبل، بالإضافة لما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة في دعوته لإصلاح مؤسسات الحوكمة العالمية، خاصة مجلس الأمن، ودعا لتبني أجندة عالمية جديدة تعكس الأولويات والمستجدات الراهنة خلال قمة المستقبل في سبتمبر المقبل في نيويورك.

دلالات وتداعيات مُحتملة: 

تكشف ديناميكيات انعقاد القمة وما خلصت إليه من مُخرجات ونتائج عن العديد من الدلالات وما قد تحمله من تداعيات، لعل أبرزها:

1. مكاسب كازاخستان: تُعد تلك القمة ومُخرجاتها بمثابة تتويج لجهود كازاخستان خلال فترة ترؤسها للمنظمة منذ يوليو 2023 على نحو أسهم في تعزيز دور المنظمة ومكانتها واتساع نطاق عضويتها وتوسيع أفق التعاون بين الدول الأعضاء في مُختلف المجالات خاصة في ظل ذلك التوقيت الحرج الذي تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية وتتعقد فيه الصراعات الإقليمية والدولية، بما يجعلها تنظر لجهودها إزاء المنظمة بأنها انعكاس لتوجهات سياستها الخارجية المتوازنة ومساعيها في هذا الشأن لتطوير نهج مُشترك لحل القضايا الأمنية، وتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي، وتعزيز حماية البيئة، وتعزيز روابط الصداقة بين الشعوب، وخفض التوترات وتعزيز أطر الحوار والحلول الدبلوماسية. 

2. التوسع المُحتمل للمنظمة: المُشاركة التركية تعكس رغبة أنقرة –عضو حلف الناتو- في الانضمام كعضو كامل العضوية وليس مجرد شريك حوار لمنظمة شنغهاي في إطار توجهها لتعميق علاقتها بالغرب من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى.

3. استمرار وتعمق الخلافات الداخلية: والتي تظل بمثابة التهديد الرئيس لتلك المنظمة غير المُنسجمة داخلياً، ولعل ذلك ما اتّضح من الخطاب الهندي الذي كان يحمل في طياته هجوماً ضمنياً على كل من الصين وباكستان، في وقت تتخوف فيه الهند من تطور العلاقات الصينية الروسية على نحو قد يهدد مصالحها أيضاً؛ مما دفع مودي للإعلان عن زيارة وشيكة لموسكو بعد تلك القمة.

4. إحراج الغرب وضعف آلية عزل روسيا وحلفائها: وهو ما يتضح من استمرارية تطور العلاقات بين روسيا ودول المنطقة من جهة، وانضمام بيلاروسيا للمنظمة كعضو كامل العضوية من جهة أخرى، في خطوة يُنظر لها باعتبارها تحركاً ذا معنى سياسي لا أمني في المقام الأول في خضم تطور المواجهات بين الغرب وروسيا وبيلاروسيا في إطار الأزمة الأوكرانية. 

5. أوراسيا في بؤرة المواجهات: يعكس تزايد الاهتمام الروسي الصيني بمنطقة أوراسيا عدم الرغبة في جعل أي نفوذ للولايات المتحدة والغرب في تلك المنطقة، بل إن أبرز حلفائها –الهند- قد تراجع نفوذها أيضاً بتلك المنطقة خاصة بعدما عقدت القمة الرئاسية العام الماضي افتراضياً لا حضورياً مع خفض مستوى مشاركتها بالقمة الحالية؛ وهو ما يتسق مع الدعوة الصينية للحد من التدخل والنفوذ الخارجي بالإقليم. 

كما يتسق ذلك أيضاً مع التطلعات نحو أن تكون تلك المنظمة بمثابة مركز قوى مُوازن لنظيراتها في الغرب وخاصة حلف "الناتو"، وإن كان غياب التوافق وتفاقم الخلافات الداخلية بين الدول الأعضاء قد يحد من تلك التطلعات وقد ينعكس بالسلب على فعالية المنظمة وأهميتها الإقليمية، وفي مقدمة تلك الخلافات صراع النفوذ في أوراسيا بين الصين وروسيا في المقام الأول، فالصين تستهدف تعميق مصالحها التجارية من خلال تنفيذ مُبادرة الحزام والطريق ومشروع الممر الأوسط TUTIT)) -وهو الممر الذي يمتد من الصين، مروراً بطاجيكستان، وأوزباكستان وتركمانستان في آسيا الوسطى، ليعبر بحر قزوين عبر إيران قبل أن يتصل بأوروبا عبر السكك الحديدية والموانئ التركية- وهو ما يتضح من الجولة التي استأنفها الرئيس الصيني في منطقة آسيا الوسطى، بعد انتهاء القمة، بينما تسعى روسيا لاستعادة مناطق نفوذها التقليدية.

وفي التقدير، تظل منظمة شنغهاي للتعاون بمثابة فاعل رئيس تتنامى قوته وأهميته الإقليمية والدولية، وإن كانت طبيعة المنظمة ستظل محل ترقب؛ ما إذا كانت ستتحول لمنصة مُناوئة للغرب ومعادية له فعلياً أم لا، وما إن كانت قادرة على أن تضطلع بدورها كتحالف أمني غير غربي مُوازٍ لحلف "الناتو"، فمثل تلك التطلعات تبقى مرهونة بمدى قدرة المنظمة على تحقيق التنسيق المتبادل والحيلولة دون تفاقم الخلافات الداخلية على نحو يُهدد مُستقبل المنظمة وتماسكها.