أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

مضاعفة القوة:

استراتيجية "داعش" عبر شبكات التواصل

15 نوفمبر، 2014


إعداد: مروى صبري

 تعمد التنظيمات الإرهابية بصورة متزايدة خلال الفترة الأخيرة إلى استغلال الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي لإيجاد التأثيرات المرجوة عن طريق سلسلة من النشاطات عبر الفضاء الإلكتروني. وتتضمن هذه النشاطات الرامية لدعم نشاطات التنظيمات الحركية جمع معلومات استخباراتية، واختيار الأهداف والدعاية والتجنيد وجمع الأموال. وتعمل هذه التنظيمات على تيسير الاضطلاع بهذه النشاطات من خلال نشر قصص مزودة بصور وفيديوهات تدعم خطابها؛ الأمر الذي ينطبق بدرجة كبيرة على تنظيم "داعش"، الذي شرع منذ فترة في استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز أهدافه الاستراتيجية. وحالياً يبدو "داعش" أكثر نجاحاً في نشاطاته عبر الإنترنت عن تنظيمات أخرى مشابهة.

وانطلاقاً مما سبق، يأتي هذا التقرير المعنون: "حرب الدولة الإسلامية بسوريا والعراق عبر وسائل التواصل الاجتماعي"، والذي أعده توماس إلكير نيسين Thomas Elkjer Nissen الخبير في مجال الاتصالات الاستراتيجية بكلية الدفاع الملكية الدنماركية، حيث يسلط الكاتب الضوء على كيفية استغلال تنظيم "داعش" لشبكات التواصل الاجتماعي، وأهدافه من ذلك، وجمهوره المستهدف، وصولاً إلى التحديات التي تواجهه في هذا الصدد.

استراتيجية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي

من المنظور الاستراتيجي، يرى Nissen أن تنظيم "داعش" استغل شبكات التواصل الاجتماعي في جذب انتباه رواده، وتجنيد أتباع جدد، وردع خصومه، وجمع الأموال. وتكشف هذه الاستراتيجية عن تفهم لأهمية امتلاك هدف واحد هو (الخلافة)، وتفهم كيفية استغلال خبرة المستخدمين ووسائل الإعلام البصرية لجذب الانتباه والتواصل مع الأتباع والفئات الاستراتيجية الأخرى من الجمهور لبناء الصورة الذاتية للتنظيم على نحو يدعم خطابه.

أيضاً، تعتمد استراتيجية "داعش" على فكرة "مضاعفة القوة"، عبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لجعل التنظيم يبدو أكثر قوة مما هو عليه. ويجري تحقيق جزء من ذلك عبر تقديم محتوى كبير عبر الإنترنت لضمان مشاهدته من قبل الفئات الاستراتيجية من الجمهور، واجتذاب اهتمام رواد شبكات التواصل الاجتماعي، وبالتالي توجيه رسالة التنظيم لأعداد أكبر. ويفيد ذلك أيضاً في إيجاد الانطباع بوجود أعداد ضخمة من الموالين، للإيحاء بتمتع التنظيم بتأييد اجتماعي؛ الأمر الذي قد يؤدي لاكتساب التنظيم مزيداً من المؤيدين بالفعل على أرض الواقع. ومن بين سبل تحقيق ذلك الاعتماد على "ناشرين"، وهم أفراد على الرغم من عدم انتمائهم رسمياً لـ"داعش"، فإنهم يعيدون نشر "التويتات" الصادرة عنها والرسائل الأخرى بين آلاف المتابعين.

وهناك بعد آخر لهذه الاستراتيجية، هو الاعتماد على هؤلاء "الناشرين" في استغلال "هاشتاج" مصمم، لتبدو التحركات نتاج مبادرات من مواطنين عاديين. والملاحظ كذلك أن "داعش" يستغل أساليب ترتبط عادة بالحملات السياسية، مثل التعرف على مستوى التأييد المحتمل عبر التغذية الاسترجاعية الخاصة بأفكار محتملة أو صور جرافيك. ويمكن النظر لهذا الأمر باعتباره تحليلاً للجمهور المستهدف، واختبار مسبق للمحتوى (الرسائل والصور) في ذات الوقت.

الخطاب الاستراتيجي لـ"داعش"

من منظور الخطاب الاستراتيجي، تعد مسألة إقامة "الخلافة" بما تمثله من عودة الصورة الأصلية للإسلام وتطبيق الشريعة وهي الخطاب المركزي لـ"داعش". ويدعي التنظيم أن المسلمين محاصرون في كل مكان، ويتعرضون لانتهاكات لافتقارهم إلى الحزم والتمسك الحرفي بالنصوص، مضيفاً أن استعادة "الخلافة" واجب ديني يحاول التنظيم القيام به. ويطرح التنظيم رؤيته لحل مشكلات المسلمين من خلال إقرارهم للهجوم الذي يشنه "داعش" في سوريا والعراق، وكل الدول المسلمة.

ومع ذلك، يرى Nissen أن خطاب "داعش" يحمل بعض التناقضات الواضحة عند إمعان النظر في بعض رسائله، فمن ناحية نجد صوراً وقصصاً حول قبور جماعية وعمليات قطع للرؤوس تنطوي على رسائل مرعبة مثل "عارضنا وسوف ينتهي الأمر بقطع رأسك أو صلبك". في المقابل، نجد محاولات لكسب "العقول والقلوب" عبر نشر رسائل وصور لنقل مواد غذائية إلى مناطق القتال ونشاطات اجتماعية أخرى، بجانب حب المقاتلين الواضح للقطط الصغيرة التي تظهر في كثير من الصور. ويمكن النظر لهذه الصور باعتبارها محاولات مبتذلة لنفي صفة الوحشية التي باتت مرتبطة بأعضاء التنظيم. وبذلك يستمر تعزيز الخطاب العام للتنظيم القائم على فكرة أن مقاتليه ليسوا سوى بشر عاديين، ومع ذلك فإنهم سيمضون في ملاحقة خصومهم بكل شراسة.

حملات "داعش" الإعلامية والجمهور المستهدف

عند النظر إلى الخطاب والرسائل الصادرة عن تنظيم "داعش"، يتضح أن أهداف حملات شبكات التواصل الاجتماعي للتنظيم، كما ذكرها التقرير هي:

- تحديد أجندة الإعلام الدولي، بهدف جذب الانتباه وضمان اجتذاب المشاهدين لرسائل التنظيم.

- السيطرة على الخطاب السائد.

- التصدي للدعايات الغربية، والمسلمة الشيعية، وغيرها الصادرة عن الأنظمة الحاكمة ضد "داعش".

- مقارنة أعضاء "داعش" بالجماعات الجهادية الأخرى، وتصوير أنفسهم باعتبارهم أقوى عن حقيقتهم.

- إقامة روابط مع المؤيدين عبر شبكات في الفضاء الإلكتروني.

- تجنيد أعضاء وأنصار جدد.

- تخويف وردع الخصوم (الجنود والمدنيين العراقيين والسوريين وكذلك الجماعات الجهادية المنافسة).

- استعراض القدرات، وجمع الأموال.

وعلى صعيد الجماهير المستهدفة، يؤكد التقرير أن ثمة ست فئات من الجماهير مستهدفة من قبل "داعش"، وهم:

- المتعاطفون والمؤيدون (اكتساب التأييد والحفاظ عليه).

- المجندون المحتملون (خاصةً الشباب المحرومين من حقوقهم في الدول الغربية بهدف تعبئة الدعم وتجنيد مقاتلين أجانب ليأتوا للعراق وسوريا).

- المتبرعون.

- وسائل الإعلام الدولية (جذب الانتباه).

- المواطنون بالعراق وسوريا (لجذب جنود ومدنيين عراقيين وأعضاء الجماعات الجهادية المنافسة).

- المجتمع الدولي الأوسع (لجذب "الأمة" بأسرها).

كيفية استغلال شبكات التواصل الاجتماعي

يحدد الكاتب أربعة مستويات من النشاطات عبر الإنترنت يقوم بها تنظيم "داعش"، وتعتمد جميعها على خطاب استراتيجي مركزي كإطار لها (أو كمصدر توجيه) ولاستغلال الصور والرسائل عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت بهدف دعم النشاطات الدعائية.

ويتضمن المستوى الأعلى من النشاطات المحتوى الذي يطرحه التنظيم بنفسه عبر "تويتر" وحساباته بشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، حيث يجري رفع معظم الشرائط المصورة بصورة مركزية. وتبدو هذه المقاطع المصورة على درجة كبيرة من الحرفية، وتشبه في حالات كثيرة إنتاجات "هوليوود". ويستخدم التنظيم العديد من الأساليب المتقدمة، منها تصوير الحركة البطيئة ورسوم الجرافيك. وفي الوقت ذاته، يعرض التنظيم فيديوهات أخرى ذات تقنية بسيطة، وإن كانت على الدرجة نفسها من العنف.

أما المستوى الثاني، فيتألف من نشر حسابات إقليمية أو محلية لتقارير حية لضربات، بجانب رسائل محلية.

ويضم المستوى الثالث "الأفراد المقاتلين" الذين ينشرون تحديثات بخصوص تجاربهم عبر ما يبدو أنها حسابات شخصية. وتحمل هذه المنشورات طابعاً شخصياً وعاطفياً أكبر يروق أكثر للشباب الذين من المحتمل أن ينضموا للتنظيم.

أما المستوى الرابع فيقع خارج نطاق سيطرة التنظيم الإعلامية، ويضم المتعاطفين والأنصار (الناشرين) الذين يقومون بإعادة نشر رسائل ومحتويات التنظيم عبر حساباتهم أو محتويات أخرى من إنتاجهم، لكنها تعتمد على الرسائل الصادرة عن التنظيم، وأحياناً تُترجم هذه المحتويات للغات أخرى بينها لغات غربية.

ومن بين أشهر الوسائل المعتمد عليها في هذا الشأن، موقع "تويتر" بما في ذلك تطبيق (أندرويد وآبل). كما يجري استغلال مواقع "فيسبوك" و"إنستجرام" و"يوتيوب" و"سكايب" و"فايبر". وعبر هذه الوسائل يُجرى نقل الرسائل المرتبطة بالمستوى الأعلى، أما بالنسبة المستويات الأدنى فيُجرى الاعتماد على روابط للارتباط بالمحتوى. كما يعتمد التنظيم على مقالات وصور منتقاة من وسائل إعلامية عريقة لدعم رسالته أو خطابه العام بهدف اكتساب مزيد من المصداقية.

والملحوظ أن إنتاج بعض الرسائل والمحتوى صادر عن الجمهور ويوزعه ويترجمه، ما يوحي باتصال تنظيم "داعش" ببعض المصممين الماهرين في مجال الوسائط المتعددة والبرامج المتطورة.

وهكذا، يخلص التقرير فيما يتعلق بالاستغلال الاستراتيجي لوسائل التواصل الاجتماعي، إلى أن تنظيم "داعش" يبدو في المقدمة حالياً، على الرغم مما يواجهه من تحديات متزايدة على هذا الصعيد.

ما التحديات التي تواجه "داعش"؟

يؤكد التقرير أن "داعش" يواجه تحديات متزايدة في مجال شبكات التواصل الاجتماعي، وتجلى ذلك في فيديو قطع رأس الصحفي الأمريكي "جيمس فولي"، حيث رفضت الكثير من المواقع عبر شبكة الإنترنت خاصةً "تويتر" عرض الفيديو أو نشره. وعلى الرغم من أن الأمر بدأ من جانب أفراد، فإنه امتد لاحقاً لحكومات حذرت من مشاركة هذا الفيديو. وقد أجبر ذلك التنظيم على نقل نشاطاته إلى وسائل اتصال اجتماعي أخرى مثل "دياسبورا Diaspora". ومع ذلك، فإن هذا مجرد عقبة مؤقتة، فالمواد التي نشرها التنظيم عبر شبكات أخرى ستجد طريقها في نهاية الأمر إلى "تويتر" عبر "الناشرين"، بجانب محاولات التنظيم فتح حسابات جديدة على الموقع.

وأضاف التقرير أن الاستخبارات العراقية والسورية، وكذلك استخبارات غربية، تستهدف أيضاً المواقع الدعائية لتنظيم "داعش"، ونجحت في إسقاط بعضها، إلا أنه بمجرد حدوث ذلك، تخرج مواقع أخرى للوجود بسرعة بالغة، لكن عبر جهاز خادم مختلف.

وطبقاً لمؤسسة "سيتيزين لاب" الكندية، فإنه ليس جميع مواقع التنظيم أو المواقع الداعمة له عبر الإنترنت داخل العراق يُجرى استهدافها، حيث تم ترك بعضها عمداً، على الرغم من فرض الحكومة العراقية قيوداً شديدة على إمكانية دخول العراقيين العاديين إلى الإنترنت ووقفها شبكات التواصل الاجتماعي ومشاركة مقاطع الفيديو رداً على عمليات تنظيم "داعش" بالموصل وتكريت في مايو 2014. ويعكس ذلك قيام الاستخبارات العراقية بحساب المكاسب والخسائر في هذا الإطار، انطلاقاً من رغبتها في جمع المعلومات وتعقب المستخدمين، بدلاً من قطع الرسائل.

وبالإضافة إلى ما سبق، يعمل "تويتر" و"جوجل" باستمرار على تقييد عمليات "داعش" من خلال إغلاق حسابات المستخدمين المنتهكين لشروط الاستخدام الخاصة بالمؤسستين.

ومن جهته، يحاول "داعش" التغلب على هذه التحديات من خلال التطوير المستمر لاستراتيجيته لتجنب الرقابة والرصد. ومن بين وسائل تحقيق ذلك دفع الأنصار لنشر المحتويات المرتبطة بالتنظيم عبر حساباتهم، ودفع "الناشرين" لتوزيعها.

خلاصة التقرير، تبدو الحملة الإعلامية التي يشنها تنظيم "داعش" عبر شبكات التواصل الاجتماعي جيدة وقائمة على استراتيجية صلبة، لكن ليس بمقدور التنظيم الاعتماد على هذه الحملة الإعلامية فحسب. ولكن من أجل تحقيق التأثير المرجو، يتعين على التنظيم تحقيق توافق بين الكلمات والأفعال ليس فقط من خلال أعمال إرهابية، وإنما كذلك عبر كسب تأييد تيار كبير داخل الدول المسلمة.

ويبقى تساؤل التقرير ما إذا كان بمقدور تنظيم "داعش" الاستمرار في الاحتفاظ بهذا التفوق الإعلامي في وجه التحديات المتنامية أمامه على صعيد شبكات التواصل الاجتماعي من قبل أنظمة الشرق الأوسط ووكالات الاستخبارات الغربية والجماعات الجهادية المنافسة التي تعارض "خلافته" المعلنة.


* عرض موجز لتقرير تحت عنوان: "حرب الدولة الإسلامية بسوريا والعراق عبر وسائل التواصل الاجتماعي"، المنشور في شهر سبتمبر 2014 في "مجلة الدراسات العسكرية.. الصراعات المعاصرة"، الصادرة عن كلية الدفاع الملكية الدنماركية.

المصدر:

Thomas Elkjer Nissen, Terror.com - IS’s Social Media Warfare in Syria and Iraq, Contemporary Conflicts : Military Studies Magazine, Issue 2, Volume 2  (Denmark: Royal Danish Defence College, September 2014).