أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

المصري اليوم:

د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: فرص مستقبلية لتطوير التعاون الخليجى الكاريبى

02 ديسمبر، 2023


تشهد العلاقات بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول الكاريبي، تطورات مهمة ومتسارعة، خلال الفترة الأخيرة، ضمن إطار الجهود التي تقوم بها دول مجلس التعاون لتنويع شراكاتها الدولية، ولاسيما على الصعيد الاقتصادي، وتعزيز مكانتها الدولية ضمن هيكل النظام العالمي القائم. ويسلط هذا المقال الضوء على تطور تلك العلاقات الخليجية الكاريبية ومؤشرات تنامي قوتها، ودوافع هذا التطور وأهميته وآفاقه المستقبلية.

وتجدر الإشارة إلى أن رابطة الدول الكاريبية (ACS) تتألف من 25 دولة عضو، وتم إنشاؤها عام 1994 بهدف تعزيز التعاون والتكامل الإقليمي بين دول البحر الكاريبي وتطوير عملية التنمية المستدامة في منطقة الكاريبي الكبرى. وتتشكل عضوية الرابطة من الدول الأعضاء في مجموعة الكاريبي "كاريكوم" (CARICOM) التي تأسست عام 1973، وتضم (أنتيغوا وباربودا، والباهاما، وباربادوس، وبليز، ودومينيكا، وغرينادا، وغيانا، وهايتي، وجامايكا، وسانت كيتس ونيفيس، وسانت لوسيا، وسانت فنسنت والغرينادين، وسورينام، وترينيداد وتوباغو)، إضافة إلى دول أخرى هي: فنزويلا، وكوبا، والمكسيك، وبنما، وكوستاريكا، وكولومبيا، ونيكاراغوا، والسلفادور، وهندوراس، وغواتيمالا، وجمهورية الدومينيكان. وبالتالي، فإن الرابطة تضم عدداً أكبر من الأعضاء، كما أن الفرق الرئيسي بين رابطة الدول الكاريبية ومجموعة الكاريبي هو أن الرابطة تعنى بتعزيز التعاون والتشاور حول المصالح المشتركة للمنطقة الكاريبية الكبرى عموماً، في حين تسعى مجموعة الكاريبي إلى التكامل الاقتصادي والسوق المشتركة وتتشكل من الدول الناطقة باللغة الإنجليزية في منطقة الكاريبي.  

علاقات متنامية:

برزت خلال السنوات القليلة الماضية العديد من المؤشرات على تطور العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الكاريبي، ومن أهمها ما يلي:

1- إقرار خطة العمل المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة الدول الكاريبية (2023-2027)، خلال اجتماع مشترك لوزراء الخارجية في الجانبين، عُقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 18 سبتمبر 2023 في نيويورك. وحددت هذه الخطة الأهداف والآليات الرئيسية للحوار السياسي وتسهيل التجارة وترويج الاستثمار والتعاون السياحي بين المنطقتين.

2- انعقاد فعاليات منتدى التعاون الإماراتي الكاريبي الأول الذي نظمته وزارة الخارجية الإماراتية وغرفة تجارة وصناعة دبي، في نوفمبر 2018، بمشاركة أكثر من 400 من كبار المسؤولين الحكوميين وقادة الأعمال وصناع القرار والمستثمرين من دولة الإمارات ودول الكاريبي، بما في ذلك أكثر من 40 وزيراً من الكاريبي. وبحث هذا المنتدى الآفاق والفرص الجديدة لتعزيز التعاون بين الإمارات ودول الكاريبي. وتم خلاله توقيع اتفاقية تعاون إطارية بين الجانبين. بينما شهد عام 2017، في دورة أسبوع أبوظبي للاستدامة، الإعلان عن صندوق "الإمارات الكاريبي" للطاقة المتجددة، الذي تبلغ قيمته 50 مليون دولار، والذي ينفذ مشروعات للطاقة النظيفة في دول الكاريبي، للمساعدة في تقليل الاعتماد على الوقود التقليدي، وتقديم إسهام إيجابي في توفير طاقة مستدامة، وتعزيز المرونة المناخية. وحافظ هذا الصندوق، منذ إنشائه، على دور نشط وفعال في تحسين أمن الطاقة وبناء الخبرات والقدرات المحلية في قطاع الطاقة المتجددة. كما انضمت دولة الإمارات عام 2017 إلى رابطة دول الكاريبي كعضو مراقب.

3- انعقاد أول قمة بين المملكة العربية السعودية ومجموعة الكاريبي "كاريكوم" يوم 16 نوفمبر 2023؛ لتعزيز الشراكة وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الجانبين، خاصة في مجالات الاقتصاد والاستثمار والتجارة والسياحة وغيرها. وخلصت القمة إلى تأكيد ضرورة تعزيز التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف على جميع الأصعدة بين الجانبين.

4- تنامي حجم التبادل التجاري بين دول الخليج ورابطة دول الكاريبي، إذ ارتفع حجم التبادل التجاري في السلع بين الجانبين من 5.8 مليار دولار عام 2020، إلى 6.5 مليار دولار عام 2021. وبلغت قيمة صادرات مجلس التعاون إلى رابطة دول الكاريبي نحو 1.4 مليار دولار عام 2021، مقابل واردات بنحو 5.1 مليار دولار، ليبلغ العجز التجاري لدول الخليج نحو 3.7 مليار دولار. وتتمثل أهم السلع المصدرة من دول الخليج إلى رابطة دول الكاريبي في البلاستيك ومصنوعاته، والألومينيوم ومصنوعاته، والتبغ والسجائر، والسيارات، والآلات والمعدات. أما السلع المستوردة من دول الرابطة فتتركز في الذهب والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة، والسيارات، والآلات والأجهزة الكهربائية، والأجهزة الطبية والبصرية والتصويرية.


دوافع متبادلة:

ثمة العديد من الدوافع التي تقف خلف الرغبة المشتركة للتكتلين الخليجي والكاريبي في تعزيز العلاقات فيما بينهما، لعل أهمها ما يلي:

1- الاستفادة من الإمكانات الكبيرة والمكانة المهمة لكلا التكتلين: فدول الكاريبي بالرغم من صغر حجم اقتصادها وسكانها مقارنة بعدد دولها، فإنها تحظى بأهمية كبيرة بالنسبة لدول الخليج نظراً لأهميتها العددية ككتلة تصويتية مهمة ومؤثرة، يمكن أن تدعم الجهود الخليجية في التصويت على الأحداث التي تهم دول مجلس التعاون. فعلى سبيل المثال، أسفرت القمة الأولى بين السعودية ومجموعة الكاريبي، بالرياض، في نوفمبر الجاري، عن إعلان الأخيرة دعمها لملف المملكة لاستضافة معرض "إكسبو 2030"، وهذا يشكل عامل دعم مهم للرياض في هذا الملف.

كما تقوم دول الكاريبي بدور مهم في تعزيز التعاون الإقليمي، ودفع العمل الجماعي بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل التجارة، والتغير المناخي، والتنمية المستدامة، وغيرها، على نحو ما أشار وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، خلال مشاركته في اجتماع وزاري للمجموعة في غواتيمالا، في مايو الماضي.

2- تعزيز التعاون الاقتصادي المشترك: بلغ الناتج المحلي الإجمالي لرابطة الدول الكاريبية ككل نحو 2,491 مليار دولار عام 2022، أي نحو 2.4% من حجم الاقتصاد العالمي. وهناك تفاوت كبير في حجم اقتصادات هذه الدول، والتي يُعد أكبرها اقتصاد المكسيك ويبلغ 1,425 مليار دولار، ويشكل نحو 57% من حجم اقتصاد الرابطة ككل، حسب تقرير المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون في يوليو 2023. ويظل هذا الحجم الاقتصادي لدول الرابطة مهماً في استراتيجية تنويع الشركاء الاقتصاديين والفرص الاستثمارية الخارجية لدول الخليج.

وفي المقابل، تحظى دول الخليج العربية بأهمية كبيرة لدول الكاريبي، بالنظر إلى ما تتمتع به من إمكانات كبيرة، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس بنحو 18.5% عام 2021 ليبلغ نحو 1.68 تريليون دولار مقابل 1.42 تريليون عام 2020، كما زاد نصيبها في الاقتصاد العالمي إلى 1.75% في هذا العام، محتلاً المرتبة 12 عالمياً. أيضاً تتمتع دول مجلس التعاون بمكانة فريدة من نوعها باعتبارها أكبر مزود للعالم بمصادر الطاقة الأحفورية، ولديها حجم استثمارات خارجية ضخم. ونظراً لأهمية مكانتها الاقتصادية والاستراتيجية العالمية، فقد تمت دعوتها لتنضم إلى المجموعات الاقتصادية العالمية المهمة مثل "بريكس" و"مجموعة العشرين".

وتُعد دول الخليج العربية من الدول المانحة الرئيسية للمساعدات الاقتصادية والتنموية في العالم، وفي هذا الإطار تُعد منطقة الكاريبي من المناطق التي حصلت على مساعدات إنسانية وتنموية مهمة من دول الخليج العربية. فعلى سبيل المثال، قدمت دولة الإمارات مساعدات تنموية وإنسانية كبيرة لدول الكاريبي، ولاسيما تلك التي شهدت أزمات أو كوارث طبيعة. كما قدَّم "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية" مساعدات لهذه الدول بأكثر من 1.3 مليار دولار. وأيضاً يعمل الصندوق السعودي للتنمية على مشروعات في منطقة الكاريبي، تصل قيمتها إلى 242.6 مليون دولار، وتغطي قطاعات عدة. 

آفاق واعدة:

توفر خطة العمل المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول الكاريبي (2023-2027)، إطاراً مهماً لزيادة حجم التجارة والاستثمار والتعاون المستقبلي بين الجانبين، من خلال الحوار بين المسؤولين من الجانبين والمشاركة مع رجال الأعمال والمنظمات الإقليمية والدولية، لتلبية احتياجات الاستثمار وفرص الأعمال، بما في ذلك النقل والخدمات اللوجستية، وفقاً للآليات المنصوص عليها في الخطة.

كما يعكس البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الوزاري المشترك بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة الدول الكاريبية، في سبتمبر الماضي، رغبة قوية من كلا الجانبين في التأسيس لعلاقات أقوى بينهما على مختلف الأصعدة والمستويات، ولاسيما في المجالين الاقتصادي والمناخي. إذ لفت البيان إلى التأثير المتنامي لمنطقتي دول مجلس التعاون ودول الرابطة في الاقتصاد العالمي، وأكد أن شراكة الجانبين ستُسهم في هذا الاتجاه.

كما اتفقت الدول المشاركة في القمة السعودية الكاريبية، بالرياض، في نوفمبر الجاري، على تعزيز العلاقات على المستويين المتعدد الأطراف والثنائي، من خلال استكشاف فرص التنمية المستدامة وتعزيز تدفقات التجارة والاستثمار عبر توفير فرص متبادلة المنفعة للاستثمارات المشتركة، مع التركيز بشكل خاص على البنية التحتية المستدامة، ومصادر الطاقة المتجددة، والتجارة، والسياحة، والخدمات اللوجستية، والاتصال.

وفي مجال العمل المناخي، هنأ الاجتماع الوزاري المشترك بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة الدول الكاريبية، في سبتمبر الماضي، دولة الإمارات لاستضافتها مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب28"، وأعرب الوزراء عن دعمهم لجدول أعمال رئاسة "كوب28" لتسريع تحقيق التحول العادل والمنظم، وإصلاح التمويل المناخي، والتركيز على الحياة وسُبل العيش، والدعم الشامل والمتكامل. ويمثل هذا الموقف دعماً آخر مهماً من دول الكاريبي للفعاليات الدولية التي تنظمها أو تسعى إلى تنظيمها دول الخليج العربية.

وفي الإطار ذاته، تعمل دول الخليج بصفة عامة، وخاصة دولة الإمارات، على دعم جهود دول الكاريبي في مجال العمل المناخي، إذ أعلنت الإمارات في سبتمبر 2018 عن ضح منح وتمويلات بقيمة 34.5 مليون دولار لتنفيذ مجموعة من مشروعات الطاقة المتجددة التي تم تصميمها وفقاً لمعايير الفئة الخامسة من الأعاصير في دول منطقة البحر الكاريبي. 

وبشكل عام، تكشف نتائج الاجتماعات الأخيرة بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول الكاريبي، وخطة العمل المشتركة بينهما (2023-2027)، عن اتجاه العلاقات الخليجية الكاريبية نحو آفاق أرحب في المستقبل القريب.

*كاتبة إماراتية
**لينك المقال في المصري اليوم*