أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

انتقام الكرملين!

هل تورطت موسكو في دعم انقلاب النيجر ضد الرئيس بازوم؟

01 أغسطس، 2023


أعلن الحرس الرئاسي في النيجر، يوم 26 يوليو 2023، الإطاحة بالرئيس المنتخب، محمد بازوم، بدعوى تدهور الأوضاع الأمنية وسوء الإدارة في البلاد، وذلك بعد قيام عناصر من الحرس الرئاسي باحتجاز بازوم داخل القصر الرئاسي بالعاصمة نيامي.

الإطاحة ببازوم:

يشكل انقلاب النيجر أحدث انقلاب عسكري في سلسلة الانقلابات التي شهدتها منطقة الساحل خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- محاصرة الحرس لقصر بازوم: قامت قوات الحرس الرئاسي، بقيادة الجنرال عبدالرحمن تشياني، في 26 يوليو 2023، بمحاصرة مقر إقامة الرئيس وأسرته، للإطاحة بنظام بازوم، ومنعت العاملين داخل القصر من الوصول إلى مكاتبهم.

ووصل ممثلون عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس" إلى النيجر، بعد الإعلان عن محاصرة الحرس لبازوم، في محاولة للوساطة وإيجاد تسوية للأزمة، فيما رفض الجيش النيجري، في البداية، الانقلاب، وذلك قبل أن يغير موقفه، ويدعم الانقلاب، يوم 27 يوليو، محذراً من أي تدخل أجنبي، في إشارة محتملة إلى إمكانية إقدام القوات الأمريكية والفرنسية المتمركزة في البلاد، بالتحرك ضد الانقلابيين. 

2- نجاح الانقلاب ضد بازوم: أعلن "المجلس الوطني لحماية البلاد"، في الساعات الأخيرة من 26 يوليو 2023، الإطاحة بالرئيس بازوم، وذلك خلال البيان الذي أذاعه على التلفزيون الرسمي للبلاد، بعد سيطرته على مقره، كما أعلن حالة الطوارئ وتعطيل الدستور، لافتاً إلى أن قوات الأمن تتولى حالياً إدارة الوضع في البلاد، مطالباً الشركاء الخارجيين بعدم التدخل. 

وأعلن الكولونيل ميجور، أمادو عبدالرحمن، أن الإطاحة ببازوم جاءت نتيجة الأوضاع الأمنية المتدهورة في البلاد، وسوء الإدارة الاقتصادية والاجتماعية من قبل الرئيس، لافتاً إلى أنه تم فرض حظر للتجوال لحين استقرار الأوضاع، كما تم إغلاق الحدود الجوية والبرية. 

3- إدانة دولية وإقليمية: لاقى انقلاب النيجر إدانة واسعة دولية وإقليمية، فقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن إدانته الاستيلاء على السلطة بالقوة في النيجر، كما أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، ووزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إدانتهما لأي مساعٍ للاستيلاء على السلطة بالقوة، بينما أكد بلينكن دعم واشنطن لبازوم باعتباره الرئيس المنتخب، مطالباً بضرورة إطلاق سراحه فوراً.

وإقليمياً، أعلن رئيس المفوضية الإفريقية، موسى فقي، إدانة الاتحاد الإفريقي لزعزعة المؤسسات الديمقراطية في النيجر، كما أعلن رئيس نيجيريا والرئيس الحالي لمنظمة "الإيكواس"، بولا تينوبو، رفض المنظمة الانقلاب، مطالباً بإطلاق سراح بازوم بشكل فوري.

4- انقلابات سابقة في النيجر: شهدت النيجر نحو أربعة انقلابات ناجحة منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960، ناهيك عن المحاولات الانقلابية الفاشلة، والتي كان آخرها في مارس 2021، قبل أيام قليلة من تنصيب الرئيس محمد بازوم. كما حدثت محاولة انقلابية أخرى، في مارس 2023، لم يتم الاعتراف بها رسمياً، وشهدت إلقاء القبض على بازوم، قبل أن يتم إطلاق سراحه فيما بعد.

صراع أجنحة:

انتخب محمد بازوم في إبريل 2021، كأول رئيس عربي للنيجر، في أول انتقال سلمي للسلطة في البلاد، ليخلف بذلك الرئيس السابق، محمدو إيسوفو. وعكس الانقلاب ضد بازوم أحد أبعاد صراع الأجنحة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تفكك التحالفات السابقة: كان الرئيس بازوم حليفاً لسلفه، محمدو إيسوفو، والذي تولى السلطة خلال الفترة 2011 – 2021، فقد أسسا معاً "الحزب النيجري للديمقراطية والاشتراكية"، في تسعينيات القرن الماضي، والذي وصل إلى السلطة عام 2011، حيث تولى إيسوفو رئاسة البلاد، بينما تولى بازوم وزارتي الداخلية والخارجية خلال فترتي رئاسة إيسوفو. وفي أعقاب نهاية الفترتين الدستوريتين للأخير، تم الدفع بمحمد بازوم كمرشح للحزب في انتخابات فبراير 2021، حيث حقق الفوز في مواجهة خصمه ومرشح المعارضة، الرئيس السابق، محمد عثمان. 

وعلى الرغم من وصول بازوم للسلطة في إبريل 2021، فإن نفوذ إيسوفو ظل مستمراً في مؤسسات الدولة، حيث احتفظ بالموالين له داخل هذه المؤسسات. واندلعت خلافات بين إيسوفو وبازوم خلال الآونة الأخيرة على خلفية مساعي الأخير إجراء تغييرات في قادة المؤسسات السيادية بالدولة، بغية الإطاحة بالموالين لإيسوفو، في محاولة من بازوم لترسيخ سلطته الداخلية، بيد أن هذه التحركات لاقت معارضة صارمة من الأول. ولم تنجح المشاورات التي جرت بين الطرفين خلال الأسابيع الأخيرة، حيث تمسك بازوم بمساعيه للإطاحة بأنصار إيسوفو.

2- محاولة بازوم الإطاحة بتشياني: سعى بازوم خلال الأسابيع الأخيرة للإطاحة بقائد الحرس الرئاسي، الجنرال عبدالرحمن تشياني، بعد تصاعد الخلافات بين الطرفين. ويتولى تشياني رئاسة الحرس الرئاسي منذ عام 2011، ويُعد من الموالين لإيسوفو. وعمد الأخير خلال فترتي ولايته إلى تعزيز علاقته بالحرس الرئاسي، ومنحهم امتيازات واسعة لضمان ولائهم له، وتتشكل قوات الحرس الرئاسي من حوالي 700 جندي مدربين تدريب عالٍ ومجهزين جيداً، بالإضافة إلى نحو 20 عربة مصفحة. وكان تشياني من بين العناصر التي طلب إيسوفو من بازوم الإبقاء عليها، وهو ما أثار حفيظة بعض قادة جيش النيجر، في ظل اضطراب العلاقة بين تشياني وقيادة الجيش. 

3- أوضاع اقتصادية وأمنية متدهورة: ارتبطت غالبية المحاولات الانقلابية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا خلال السنوات الأخيرة بإخفاق السلطات القائمة في تحقيق تقدم في ملف مكافحة الإرهاب. ولا يختلف الأمر بالنسبة للنيجر أيضاً، حيث تُعد الأخيرة واحدة من أفقر دول العالم، ويبلغ عدد سكانها حوالي 22.4 مليون نسمة، بمعدل خصوبة مرتفع. وتحتل غالباً المرتبة الأدنى في مؤشر التنمية البشرية، وتكافح نيامي في المقابل ضد حملتين جهاديتين، تأتي الأولى من الجنوب الغربي، قادمة من مالي، فيما تأتي الأخرى من شمال شرق نيجيريا والمجموعات الإرهابية المتمركزة هناك. وأدت هذه التهديدات إلى نزوح مئات الآلاف من المدنيين، الأمر الذي تمخض عنه أزمة إنسانية واقتصادية متفاقمة.

4- روايات متضاربة حول الدور الروسي: تباينت التقديرات الغربية بشأن تورط موسكو في انقلاب النيجر. فقد ربطت بعض التقديرات بين انقلاب نيامي ودور خفي لموسكو في دعمه، ولاسيما وأن غالبية انقلابات الساحل منذ 2020 ترتب عليها وصول نُظم معادية للغرب، ومرحبة بالتقارب مع موسكو، فضلاً عن وجود اتجاه داخلي متزايد في النيجر رافض لاستمرار النفوذ الغربي في البلاد، وهو ما انعكس في التظاهرات التي شهدتها نيامي لدعم الانقلاب على نظام بازوم، وعمد المتظاهرون إلى التلويح بالأعلام الروسية وإشعال النار في مقر الحزب الحاكم، الموالي لفرنسا، بالتزامن مع قرار السلطات الانقلابية بتعطيل أي نشاط حزبي في البلاد.

في المقابل، رأت تقديرات أن انقلابيي النيجر لن يهددوا مصالح فرنسا والولايات المتحدة، بسبب امتلاكهما قواعد عسكرية هناك، تستهدف محاربة الجماعات الإرهابية في الساحل، خاصةً بعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو، ناهيك عن اعتماد باريس على نيامي بشكل رئيسي في الحصول على إمدادات اليورانيوم اللازم لتشغيل مفاعلاتها النووية لتوليد الكهرباء، حيث تُعد النيجر رابع أكبر منتج لليورانيوم الخام.

كذلك، تلقت القوات العسكرية في النيجر خلال السنوات الأخيرة الدعم والتدريب الأمريكي، إذ إن هناك حوالي 800 جندي أمريكي متمركزين حالياً داخل نيامي، ويتولون تشغيل الطائرات المسيرة في قاعدة "أغاديز 201" الجوية بوسط النيجر. وأعلنت ألمانيا، في إبريل 2023، مشاركتها في بعثة أوروبية جديدة لدعم جيش النيجر. وربما يُعزز هذا الطرح تصريحات بلينكن، والذي ألمح إلى أن بلاده ستنظر في البداية إذا كانت التطورات الأخيرة في نيامي تشكل من الناحية الفنية انقلاباً من عدمه، فضلاً عن تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، والتي أشارت إلى أن واشنطن لا ترى أي مؤشرات بشأن تورط موسكو في الانقلاب ضد بازوم.

سيناريوهات محتملة:

لا يزال المشهد في النيجر يتسم بحالة من عدم اليقين، في ظل غموض توجهات السلطات الانقلابية الخارجية، لكن هناك عدة سيناريوهات رئيسة يمكن طرحها في هذا الإطار، ويمكن عرضها على النحو التالي:

1- موالاة الانقلابيين للغرب: يفترض هذا السيناريو أن تقوم العناصر الانقلابية بتقديم ضمانات لحماية مصالح الولايات المتحدة وفرنسا، بما يضمن دعمها للنظام الجديد. ولا يستبعد هذا السيناريو إجراء قادة الانقلاب مشاورات مع واشنطن وباريس قبل الإطاحة ببازوم، لتجنب إجهاض القوات الأمريكية والفرنسية الموجودة في النيجر لمحاولة الانقلاب.

ويعزز هذا الطرح تراجع جيش النيجر عن رفض الانقلاب ضد بازوم، حيث نشر الجيش بياناً حمل توقيع رئيس أركان القوات المسلحة، الجنرال عبده صديقي عيسى، تضمن الإعلان عن دعم الجيش للإطاحة ببازوم، من أجل تجنب أي مواجهات بين القوى المختلفة.

2- تعزيز التقارب مع روسيا: لم تتبن السلطات الانقلابية في النيجر، حتى الآن، أي مواقف تؤشر على ميلها تعزيز التعاون مع روسيا على حساب الغرب، غير أن عدة تقارير غربية تتوقع موالاة الانقلابيين لموسكو. وبناءً على هذا الطرح، قد تطلب السلطات الجديدة من القوات الغربية مغادرة النيجر، وإفساح المجال أمام انخراط موسكو و"فاغنر" في البلاد، خاصةً وأن بازوم كان قد ألمح، في مايو 2023، إلى أن حكومته تواجه حملة تضليل من قبل الشركة الروسية.

ويدعم ما سبق تصريحات قائد "فاغنر"، يفغيني بريغوجين، والذي اعتبر انقلاب النيجر بمثابة ضربة جديدة للمستعمرين وتمهيداً لاستقلال نيامي عن الغرب. ويتسق ذلك أيضاً مع تقرير مجلة "وول ستريت جورنال"، والذي ألمح إلى أن الانقلاب شكل ضربة قوية للخطط الأمنية الأمريكية لغرب إفريقيا، ويمنح فرصة لروسيا لتعزيز نفوذها هناك.

3- انقلابات مضادة محتملة: يفترض هذا السيناريو احتمالية أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التصدعات داخل جيش النيجر، خاصة مع إعلان وزير خارجية النيجر، حسومي مسعودو، رفضه للانقلاب العسكري ضد بازوم، وإعلانه تنصيب نفسه رئيساً للحكومة بالإنابة، وهو ما عكس إمكانية وجود فصائل داخل الجيش رافضة للانقلاب وداعمة للأخير، وبالتالي عدم استبعاد سيناريو حدوث انقلابات مضادة خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن هناك أجنحة داخل الجيش لا تزال موالية لبازوم.

وفي التقدير، يرتبط انقلاب النيجر بصراعات الأجنحة بين النظام الحالي والسابق، غير أنه لا يمكن فصله أيضاً عن موجة الانقلابات التي شهدها الساحل خلال السنوات الأخيرة، ولاسيما في مالي وبوركينا فاسو وغينيا، خاصة وأن هناك تقديرات رجحت منذ عدة أشهر احتمالية أن تشهد مزيد من دول الساحل محاولات انقلابية جديدة، خاصة النيجر وتشاد.