أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

"ولاية الأمير":

أوجه التشابه السياسية بين قطر وإيران

26 يوليو، 2017


على الرغم من أن نظام الجمهورية الإسلامية في إيران يختلف، نظرياً، عن معظم الأنظمة المتعارف عليها في أدبيات النظم السياسية العالمية، باعتبار أنه يفرد مكانة خاصة لموقع المرشد الأعلى للجمهورية أو الولى الفقيه الذي لا يوجد نظير له في تلك الأنظمة، فإن ذلك لا ينفي في الوقت ذاته أن ثمة أوجه تشابه متعددة بين هذا النظام وبعض الأنظمة السياسية الأخرى تفرضها الممارسة الواقعية للسلطات والآليات المستخدمة في تحديد اتجاهات السياسة الخارجية. 

وتبدو قطر أقرب النماذج المشابهة للنظام الإيراني. واللافت هنا، أن هذا التشابه بدا حتى في الاتهامات الموجهة للدولتين من جانب قوى إقليمية ودولية عديدة، وذلك نتيجة لتوافق الآليات التي تسعى الدولتان إلى استخدامها من أجل تحقيق أهدافهما، على غرار دعم الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. 

ومن هنا ربما يمكن تفسير بعض جوانب الدعم الإيراني للموقف القطري في الأزمة المتصاعدة مع الدول الأربع المضادة للإرهاب. إذ إن إيران ترى أنها ربما تتعرض لضغوط مماثلة في مرحلة ما، خاصة أن بعض الخلافات القائمة معها هي نفسها التي تتصاعد بسببها الأزمة الحالية مع قطر.

ويمكن تناول أوجه التشابه الرئيسية بين قطر وإيران على النحو التالي:

1- ازدواجية السلطة: تشير اتجاهات عديدة إلى أن النظام السياسي القطري يشبه نظيره الإيراني من حيث ازدواجية السلطة، بين المرشد الأعلى ورئيس الدولة، حيث يشبه موقع "الأمير الأب" الشيخ حمد بن خليفة منصب المرشد الأعلى في إيران، من حيث امتلاك معظم السلطات التي يدير من خلالها شؤون الدولة ويستطيع عبرها تحديد اتجاهات السياسة الخارجية، في حين يقترب دور "الأمير الابن" الشيخ تميم بن حمد من منصب رئيس الجمهورية في النظام الإيراني، الذي يمتلك صلاحيات محدودة تتركز حول تنفيذ السياسات العامة التي يضعها المرشد الأعلى أو الرجل الأهم في النظام صاحب الكلمة الفصل في عملية صنع القرار، لدرجة تضع هذا المنصب في موقع أقرب إلى "مدير مكتب" للمرشد.  

وهنا، ربما يمكن القول إن عملية صنع القرار في الدوحة تخضع في النهاية لتأثير ما يمكن تسميته بـ"ولاية الأمير" نسبة إلى "ولاية الفقيه" التي تمثل العمود الفقري الذي يعتمد عليه نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. 

وتبدو أهم انعكاسات ما يسمى بـ"ولاية الأمير" في محدودية السلطات التي يمتلكها "الأمير الابن"، الذي يزاحمه في هذا السياق فريق من المسؤولين كان يعمل معظمه مع "الأمير الأب"، تماماً مثلما يحدث في النظام الإيراني، إذ لا يمتلك رئيس الجمهورية السلطات التنفيذية بمفرده، حيث يزاحمه في هذا الإطار فريق من المسؤولين يتبعون المرشد مباشرة، على غرار قادة الحرس الثوري. 

2 - المحيط المأزوم: أنتجت السياسة الخارجية التي تبنتها كل من قطر وإيران خلال العقود الأخيرة أزمات مستمرة لكلتيهما مع دول الجوار، خاصة أن الدولتين حاولتا باستمرار التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول، عبر تأسيس علاقات مع بعض الجماعات المحلية بشكل أثر على حالة الأمن والاستقرار في بعض تلك الدول. 

وقد فرض ذلك ضغوطاً إقليمية لا تبدو هينة على الدولتين، بدرجة دفعتهما إلى رفع مستوى التعاون الثنائي فيما بينهما، على المستويين السياسي والاقتصادي، والحفاظ على علاقات قوية، بمستويات مختلفة، مع دول أخرى في المنطقة على غرار العراق وتركيا.

3- التحالف مع الأضداد: تتبنى كل من طهران والدوحة سياسة مزدوجة في التعامل مع التطورات الخارجية، تبدو جلية على مستويين: يتمثل أولهما، في "التحدث بأكثر من لسان" مع الأطراف الخارجية، في إطار ما يمكن تسميته بعملية تقسيم أدوار، تسعى من خلالها الدولتان إلى توسيع حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمامهما على الساحة الخارجية. 

وينصرف ثانيهما، إلى فتح قنوات تواصل مع "الأضداد" أو "الخصوم" بهدف دعم الجهود التي تبذلها الدولتان لتعزيز حضورهما في المنطقة. فقد كان لافتاً، خلال الأعوام الأخيرة، أنه في الوقت الذي حرصت فيه إيران على تصدير خطاب أيديولوجي مناهض للولايات المتحدة الأمريكية، كانت تجري مفاوضات سرية مع الأخيرة انتهت بالوصول إلى الصفقة النووية في يوليو 2015، بل إنها خلال بداية عهد الثورة في ثمانينيات القرن الماضي تبنت السياسة نفسها وحاولت الوصول إلى تفاهمات مع واشنطن في أكثر من ملف. كما لم تتوان إيران عن تأسيس علاقات قوية مع تركيا على الرغم من خلافهما الظاهري في التعامل مع تطورات الصراع في سوريا.

أما قطر، فسعت إلى تطوير علاقاتها مع إسرائيل، بداية من عام 1996، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت الذي حافظت فيه على علاقات قوية مع إيران وحزب الله اللبناني ونظام بشار الأسد. وقد سمح لها ذلك، على سبيل المثال، بالمشاركة في جهود تسوية الأزمة اللبنانية من خلال اتفاق الدوحة الذي تم التوصل إليه في مايو 2008.

  وحاولت قطر اتباع السياسة نفسها في التعامل مع الأزمات الإقليمية الأخرى، على غرار الصراع بين الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح والحوثيين في عام 2008، والأزمة بين نظام الرئيس السوداني عمر البشير وحركة العدل والمساواة في دارفور عام 2009. 

3- دعم الإرهاب: تبدو علاقة الدولتين مع التنظيمات الإرهابية من تجليات تلك السياسة المزدوجة. فعلى الرغم من حرص طهران والدوحة على الترويج لمزاعم مشاركتهما في الحرب ضد الإرهاب، فإن ذلك لا ينفي أنهما أسستا علاقات وتوصلتا إلى تفاهمات مع تلك التنظيمات، لاسيما تنظيمي "القاعدة" و"داعش". 

وهنا، فإن الدولتين تسعيان من خلال ذلك إلى تحقيق هدفين: يتمثل أولهما، في تجنب التعرض لعمليات إرهابية من جانب تلك التنظيمات، وهو ما حدث بالفعل، حيث كان لافتا أنه لم تقع عمليات إرهابية في الدولتين، ربما باستثناء العملية الأخيرة التي شهدتها العاصمة طهران في 7 يونيو 2017، والتي لم يمنع إعلان تنظيم "داعش" مسؤوليته عنه بعض قوى المعارضة من التشكيك في تلك الرواية، وتأكيد أنها كانت من تدبير بعض مؤسسات النظام.

ويتصل ثانيهما، بتعزيز نفوذهما داخل بعض دول المنطقة، خاصة دول الأزمات. وقد بدا جلياً أن هذه العلاقات سمحت للدولتين بالوصول إلى صفقات لتبادل أسرى وقتلى في سوريا على سبيل المثال. فقد تم تنفيذ اتفاق "البلدات الأربع" في سوريا، في أبريل 2017، برعاية الدولتين، نظراً للنفوذ الذي تمتلكه إيران لدى النظام السوري والميليشيات الطائفية الموالية لها، وفي مقدمتها حزب الله، في مقابل النفوذ الذي تمتلكه قطر لدى التنظيمات الإرهابية على غرار "هيئة تحرير الشام" التي تضم "جبهة تحرير الشام" أو "جبهة النصرة" سابقاً، فرع تنظيم "القاعدة" في سوريا. 

وقد كان لافتاً أن هذه الصفقة كانت عابرة للحدود، حيث أسفرت أيضاً عن الإفراج عن المخطوفين القطريين في العراق، بعد تدخل إيران لدى الميليشيات والقوى العراقية الموالية لها من أجل تسوية هذا الملف.   

4- احتضان قوى الإسلام السياسي: حرصت الدولتان على تأسيس علاقات قوية مع جماعات الإسلام السياسي في بعض دول المنطقة، من أجل استثمارها في ممارسة ضغوط على تلك الدول، في ظل التباين المتصاعد بين الطرفين حول التعامل مع بعض الملفات الإقليمية. وبعد اندلاع الاحتجاجات العربية في بداية عام 2011، سارعت الدولتان إلى استثمار وصول بعض تلك الجماعات إلى السلطة من أجل دعم نفوذها داخل تلك الدول. 

فقد أطلقت إيران على تلك الأحداث مصطلح "بيداري إسلامي" أو "الصحوة الإسلامية"، وسارعت إلى تأكيد أن هذه التطورات سوف تساهم في دعم دورها وتعزيز جهودها في تأسيس "شرق أوسط إسلامي" بقيادتها. وقد عبر مستشار المرشد للعلاقات الدولية على أكبر ولايتي عن تلك المقاربة بتأكيده، في 5 أبريل 2013، أي خلال فترة وصول الإخوان إلى السلطة في مصر، على أن "الإخوان هم الأقرب لطهران من بين المجموعات الإسلامية، والأقرب عقائدياً بين كل التيارات الإسلامية".

وقد سارت قطر على النهج ذاته، حيث أسست علاقات قوية مع الإخوان في الدول التي وصلت فيها إلى السلطة، كما دعمت الجماعة نفسها في سوريا ضد نظام بشار الأسد، وبعد اندلاع ثورة 30 يونيو في مصر، استضافت عدداً كبيراً من القيادات الإرهابية المنتمية لتلك الجماعة. 

وتبدو العلاقة مع حركة "حماس" قاسماً مشتركاً بين طهران والدوحة، اللتين سعتا إلى استغلالها من أجل تعزيز دورهما في تطورات القضية الفلسطينية، على الرغم من أن هذا الدور فرض تداعيات سلبية عديدة على هذه القضية، التي استخدمتها الدولتان كرافعة سياسية ودعائية لإخفاء أجندتهما السياسية وحساباتهما الإقليمية.

ملفات وسياسات متشابهة كلها تعني في النهاية أن "ولاية الأمير" تحولت إلى الرقم الأهم ومفتاح اللغز في تفكيك أسباب العلاقات القوية التي تقترب من درجة التحالف بين "دولة المرشد والرئيس" في طهران و"دولة الحمدين" في الدوحة.