تؤكد الخبرة الإفريقية أن المؤسسة العسكرية مارست دورًا فاعلًا ومؤثرًا في عمليات انتقال السلطة وإدارة القضايا الاجتماعية والأمنية. وعادة ما تشهد دولة ما بعد الاستعمار في إفريقيا وجود العديد من العوامل التي تمثل بيئة خصبة لوقوع الانقلابات العسكرية، مثل: الفقر، والفساد، وتراجع مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وإذا شهدت الدولة تدخلًا للعسكريين مرة في أمورها السياسية، فإن ذلك ينذر بتكرار انقلابهم على السلطة. حدث ذلك عندما أطاح الجنود في مالي بالرئيس "إبراهيم بوبكر كيتا"، يوم 18 أغسطس 2020، وأجبروه على الاستقالة. ويعد هذا الانقلاب الأول من نوعه في ظل جائحة (كوفيد-19)، ولكنه يكاد يكرر نفس خبرة انقلاب 2012 الذي أطاح بنظام الرئيس "أمادو توماني توري". ولعل ذلك يطرح العديد من التساؤلات حول دوافع الانقلاب الأخير وانعكاساته على أزمة مالي المعقدة، وارتباط ذلك كله بأمن واستقرار منطقة الساحل الإفريقي.
العوامل المباشرة:
على الرغم من وجود عوامل هيكلية متشابكة تفسر في مجملها أزمة مالي، فإن السبب المباشر للانقلاب -الذي استدعى إلى الذاكرة نفس خبرة انقلاب 2012- كان يتمثل في سوء إدارة الرئيس "إبراهيم بوبكر كيتا" وافتقاده الرؤية وروح المبادرة.
فعندما تم انتخاب "كيتا" في المنصب لأول مرة في عام 2013، كانت آمال الجماهير في الأمن والاستقرار معلقة عليه، نظرًا لخبرته الطويلة باعتباره رجل دولة متمرسًا. بيد أن الرجل -مع ذلك- لم يتعامل بحكمة مع التهديدات الوجودية التي تواجهها دولة مالي وشعبها، ابتداء من الفساد والمحسوبية، وانتهاء بالعنف السياسي وغياب الأمن. وسرعان ما ثبت أن وعوده في حملته الانتخابية لعام 2013 باجتثاث الفساد واستعادة سيادة وأمن البلاد مجرد شعارات جوفاء. وقد أعطت شبهات الفساد (مثل: استحواذه على طائرة رئاسية جديدة، وعقود دفاع مشبوهة، ودور ابنه السياسي) الانطباع بأن إدارته لم تكن أكثر شفافية واستقامة من تلك التي سبقتها. كما اتهم كبار الضباط العسكريين المقرّبين من النظام بنسف معاهدة الجزائر للسلام التي تم توقيعها في عام 2015 بين حكومة مالي والفصائل المتحاربة في منطقة أزواد شمال البلاد، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أبرز العوامل المباشرة التي تتمثل فيما يلي:
1- انعدام الأمن ولا سيما في المناطق الشمالية من مالي في ظل فترة حكم الرئيس "كيتا"، ويرجع ذلك أساسًا إلى الجماعات الإرهابية العنيفة والعصابات الإجرامية. في السنوات السبع الماضية، ساء الوضع بشكل مطرد بعدما لجأ الجهاديون، الذين حُرموا من قواعدهم الحضرية، إلى التفجيرات وهجمات الكر والفر، واستهداف مواقع الجيش ومعسكرات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي يبلغ قوامها 15 ألف فرد. ونتيجة لهذه الهجمات الإرهابية والإجرامية لقي عدد كبير من الجنود حتفهم. كما كانت قوات الأمن والجيش تفتقر عادة إلى الإمدادات والعتاد اللازم لمواصلة الحرب على الإرهاب. وأدى العنف المتزايد إلى أزمة إنسانية كبيرة. وطبقًا لتقديرات الأمم المتحدة عام 2019، يوجد في مالي 3.9 ملايين شخص بحاجة إلى المساعدة والحماية. لذا لم يكن مستغربًا أن تسود حالة من الإحباط العام بين صفوف المواطنين والعسكريين على السواء.
2- تزايد مدّ الحراك الشعبي المناهض لسياسات الرئيس "كيتا"، حيث تشكل تحالف 5 يونيو بزعامة الإمام "محمود ديكو". ارتبطت الحركة الاحتجاجية في مالي بقرار المحكمة الدستورية في أبريل 2020، أي بعد شهر واحد من الانتخابات البرلمانية، الخاص بإلغاء نتائج حوالي 30 مقعدًا، وذلك لمصلحة أعضاء حزب "كيتا". ومنذ ذلك الحين، طالبت حركة 5 يونيو المعارضة بحل البرلمان، وتشكيل حكومة انتقالية. ودعت المعارضة عقب اعتقال عدد من قياداتها، الجماهير إلى تصعيد حراكهم حتى تحقيق الهدف وهو استقالة الرئيس. ودعوا المواطنين إلى استخدام العصيان المدني، بما في ذلك أعمال مثل: عدم دفع الغرامات، وقطع الطرق، أو إغلاق مداخل المباني الحكومية.
3- فشل وساطة الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، فقد تركزت الوساطة على فكرة تشكيل "حكومة توافقية للوحدة الوطنية" بزعامة الرئيس "كيتا"، بيد أن المعارضة أصرت على استقالته. وعلى الرغم من أن جهود الوساطة من قبل قادة الإيكواس كانت خطوة مهمة للجمع بين الطرفين؛ إلا أنها لم تكن جيدة بما يكفي لمعالجة المخاوف والمطالب الشعبية. كانت المعارضة حازمة دائمًا بشأن مطالبها، وربما كان ينبغي على الوسطاء أن يكونوا أكثر تفهمًا لمطالب المحتجين، حيث إن الحكومة ارتكبت أخطاء فادحة وأصبحت لا تحظى بشعبية على الإطلاق. لقد حدث تزوير كبير وتلاعب بإرادة الناخبين في كل من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي شهدتها مالي.
مصدر الأزمة:
1- تمرد "الطوارق": لا مراء في أن هناك سياقًا عامًّا يساعدنا على فهم وتتبع جذور أزمة مالي. في الفترة من يناير إلى أبريل 2012، شهدت مالي انتفاضة الطوارق الرابعة في تاريخها بعد الاستعمار، وسيطر الإسلاميون على جميع المدن الشمالية، وصاحب ذلك انقلاب عسكري على السلطة الحاكمة. وعلى الرغم من تحمل نظام الرئيس السابق "أمادو توماني توري" المسؤولية الرئيسية عن أزمة 2012، فإن جذور الصراع تسبق ذلك بكثير. عندما حصلت مالي على استقلالها عن فرنسا عام 1960، كان على الحكومة الجديدة مواجهة تحدي الطوارق والمجتمعات العربية لسلطتها بشكل مباشر. لم تنجح الدولة قط في ذلك بسبب الانقسام بين الشمال والجنوب، وقرار النخب الجنوبية تركيز جهودها السياسية والاقتصادية على الجنوب "المجدي من الناحية الاقتصادية" في مقابل التهميش التدريجي لشمال البلاد، وفرض الحكم العسكري عليه.
وأدى انعدام الثقة المتأجج تاريخيًّا إلى أربع انتفاضات للطوارق والعرب بعد الاستقلال: في أعوام 1963 و1991 و2006 و2012. وعلى الرغم من توقيع اتفاقيات السلام وتنفيذ برامج تسريح وإدماج المتمردين، لم ينجح أي منها في تطبيع العلاقة بين الشمال والسلطة المركزية في باماكو. وأدت هذه الإخفاقات المتكررة، بالإضافة إلى استراتيجية "فرق تسد" بهدف ترويض الشمال، إلى مزيد من الانقسام واستغلال التوترات العرقية والطائفية لأغراض سياسية. ومن بين أدوات هذه الاستراتيجية استخدام تقسيم المناطق الانتخابية لصالح بعض قبائل الطوارق على حساب المجموعات الأخرى أو المجتمعات العربية. كما تم توظيف الميليشيات المحلية على أساس عرقي (السونغاي والفولاني) لمواجهة تهديد الطوارق والعرب.
كانت العواقب المباشرة والطويلة الأجل لاستراتيجية مكافحة التمرد هذه تتمثل في إذكاء مشاعر العداء العميق بين سكان الشمال تجاه الدولة المركزية. ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن لدى سكان الشمال من الطوارق والعرب والسونغاي والفولاني أجندات سياسية مختلفة، حيث لا يعترفون جميعهم بـسردية دولة "أزواد" المستقلة تعبيرًا عن هويتهم المشتركة. فعلى سبيل المثال، بينما يناصب العرب والطوارق الدولة المركزية العداء الشديد؛ فإن الفولاني والسونغاي عادةً ما يميلون إلى التعاون مع السلطة الحاكمة في باماكو. تلك الانقسامات بين سكان الشمال تمثل مدخلًا مهمًّا لفهم صعوبة تحقيق السلام والاستقرار المستدام في دولة مالي.
علاوة على ذلك، تفاقمت التوترات داخل مالي بسبب التدخلات الإقليمية والدولية بشكل سلبي بما أسهم في زيادة حدة التوترات في الشمال من خلال استغلال ضعف وهشاشة الدولة الوطنية. وعلى سبيل المثال، حاول العقيد "القذافي" حشد دعم مجتمعات الطوارق من أجل تحقيق مشروعه الوحدوي في تشكيل رابطة قبائل الصحراء الكبرى في إطار فهمه لفكرة الجامعة الإفريقية. لم يكن مستغربًا أن تكون ليبيا فاعلًا إقليميًّا مهمًّا في أزمة مالي. وبالمثل، تنظر الجزائر دومًا إلى شمال مالي باعتباره امتدادًا لأمنها القومي. لم يقتصر الأمر على هذا الحد، إذ ساعد غياب الدولة في تسلل المنظمات غير الحكومية لتقدم الخدمات العامة تحت رداء العمل الخيري، ولكنها عملت في الوقت نفسه على نشر أيديولوجيات إسلامية راديكالية.
2- الجماعات الإرهابية المسلحة: يوجد في مالي العديد من المسلحين، ويبدو الخط الفاصل بين الجماعات الجهادية العنيفة والميليشيات الإجرامية غير واضح. ولعل أقدم تنظيم جهادي هو تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، الذي ساعد متمردي الطوارق في الاستيلاء على شمال مالي. في عام 2017، أعلنت أربع مجموعات (هي: القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأنصار الدين، وحركة تحرير ماسينا، والمرابطون) توحيد صفوفها تحت راية جماعة نصرة الإسلام والمسلمين. ومن جهة أخرى، يبدو تأثيرُ تنظيم داعش آخذًا في الازدياد، حيث أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، المعروف سابقًا باسم حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، مسؤوليته عن هجومين منفصلين أواخر العام الماضي على قواعد عسكرية في مالي وشمال النيجر أسفرا عن مقتل أكثر من 130 جنديًّا. كما ينشط تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا، المنشقّ عن جماعة بوكو حرام الإرهابية النيجيرية، بشكل أساسي في منطقة بحيرة تشاد. وعلى الرغم من الاختلافات الأيديولوجية بينها وبين القاعدة حيث أن لديهما استراتيجيات مختلفة، إلا أن مقاتليهما يدخلون في تحالفات تكتيكية في الغالب الأعم.
ويشكل شمال مالي ومنطقة الساحل والصحراء مساحات شاسعة يسهل اختراقها، مما يجعل من الصعب على الحكومات الوطنية السيطرة عليها. وقد استطاع الجهاديون كسب السيطرة والنفوذ في المنطقة لأن مؤسسات الدولة الوطنية ضعيفة وينظر إليها المدنيون على أنها فاسدة ولا تقوى على تقديم الخدمات الأساسية لسكان المناطق النائية والمهمشة. وهنا تقوم بعض الجماعات الجهادية بسد الفراغ من خلال تقديم خدمات اجتماعية للمجتمعات المعزولة والمحرومة، بينما يستخدم البعض الآخر وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لخطابٍ راديكالي معادٍ للحكومة. وعادة ما تستغل هذه الجماعات الاختلافات العرقية ومشاعر السخط بين الشباب للترويج لروايتهم العنيفة. وقد أدى الازدهار في تعدين الذهب على نطاق صغير في مالي إلى توفير مصادر تمويل جديدة للجماعات المسلحة. تقوم الميليشيات العنيفة بتهريب الذهب وابتزاز عمال المناجم في المناطق التي يكون فيها وجود الدولة ضعيفًا.
3- عسكرة الحرب على الإرهاب: تم تشكيل القوة المشتركة التابعة للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل التي تضم: بوركينافاسو، ومالي، وتشاد، والنيجر، وموريتانيا. ويبلغ قوام هذه القوة الإقليمية 5000 جندي لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في المناطق الحدودية. وتعمل القوة المشتركة جنبًا إلى جنب مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي، وقوة فرنسية متحركة قوامها 4500 جندي تعرف باسم برخان. أضف إلى ذلك وجود قاعدة عسكرية أمريكية في النيجر المجاورة. وثمة قلق متزايد من عسكرة المنطقة. لقد نظر العديد من أبناء شعب مالي إلى القوات الفرنسية باعتبارها من ساعدهم على التخلص من إرهاب الجماعات المسلحة في أزواد، بيد أن تلك النظرة تغيرت بمرور الوقت، حيث أضحت بمثابة قوات احتلال. إن التقارير المستمرة عن عمليات القتل خارج نطاق القانون والتعذيب والاختفاء القسري خلال الحملات الأمنية التي تشنها القوات الحكومية في مالي، تؤدي إلى إذكاء روح الشك وعدم الثقة تجاه الدولة من قبل السكان المحليين الذين يتعرضون بالفعل لضغوط من الجماعات الإرهابية.
مسارات الأزمة:
تُعد مسألة الانتقال إلى حكومة مدنية أمرًا بالغ الأهمية هذه المرة لضمان الاستقرار السياسي في البلاد التي تشكل حائطًا للصد في منطقة الساحل الإفريقي. وباستقراء الخبرة التاريخية وحالة موت السياسة في مالي لصالح رجال الدين لن يكون الانتقال إلى حكومة مدنية سلسًا أو سهل المنال. هناك قدر كبير من عدم الثقة العامة تجاه السياسيين الذين يغيرون تحالفاتهم السياسية وفقًا لمصالحهم الشخصية. بموجب دستور مالي لعام 1992، كان من المفترض أن يصبح رئيس الجمعية الوطنية رئيسًا مؤقتًا ويقوم بتنظيم انتخابات جديدة بعد استقالة الرئيس، لكن هذا الخيار لم يعد متاحًا، حيث إن الرئيس "كيتا" قام بإقالة الحكومة وحل البرلمان قبل استقالته. وعلى أي حال يدعو الدستور أيضًا إلى تنظيم انتخابات جديدة في غضون فترة قصيرة جدًّا (40 يومًا فقط) بعد تشكيل الحكومة المؤقتة. لقد ثبت أن الوفاء بهذا الموعد يبدو مستحيلًا كما حدث في عام 2012 في ظل حالة الانقسام وغياب الأمن الذي تعاني منه مالي، ومن المرجح أن يكون مستحيلًا كذلك في عام 2020. ولدفع هذا المسار إلى الأمام يحتاج الأمر مفاوضات جادة بين المجلس العسكري ومجموعات المجتمع المدني والأحزاب السياسية من جهة، والشركاء الدوليين من جهة أخرى.
وتوجد بعض المؤشرات على أن زعماء المعارضة السياسية كانوا على علم مسبق بالانقلاب، وهم يرحبون بفكرة المشاركة في الحكومة الانتقالية التي وعد بها المجلس العسكري. ولعلّ ما يدعم هذا التحليل هو أن "الإمام ديكو" قد أعلن نيته اعتزال العمل السياسي بعد نجاح الانقلاب، حيث إن مهمته قد انتهت على حد زعمه. ومن المرجّح أن يرحّب العقيد "عاصمي غويتا" (زعيم المجلس العسكري الجديد "اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب"، الذي كان قائدًا لوحدة القوات الخاصة في وسط مالي) بأن يقود المدنيون الفترة الانتقالية. وربما نشهد نمطًا هجينًا للحكم على غرار التجربة السودانية. كما وعد الجنود بالحفاظ على اتفاق سلام عام 2015 مع الجماعات المسلحة الشمالية والتعاون مع القوات الدولية لمكافحة الإرهاب وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المتمركزة في مالي.
التداعيات الإقليمية المحتملة:
تخشى حكومات الساحل وغرب إفريقيا من العدوى الانقلابية، فهي لا ترغب في أن ترى رئيسًا منتخبًا يتم إسقاطه من قبل الجيش حتى لا يتم محاكاة ذلك في دول أخرى. ومن المقرر إجراء عدد من الانتخابات في وقت لاحق من هذا العام بمشاركة الرؤساء الحاليين، بما في ذلك ساحل العاج وبوركينافاسو والنيجر. ومع ذلك، فقد رأينا في عام 2012 أن "الإيكواس" لم تكن لديها الإرادة ولا حتى القدرة على عزل مالي اقتصاديًّا. ربما يكون الوضع قد تغير بعض الشيء، حيث استندت الإيكواس إلى إمكانية استخدام قوتها العسكرية الاحتياطية في عام 2017 بعد أن رفض الرئيس الغامبي آنذاك "يحيى جامع" الاعتراف بالهزيمة في الانتخابات. وقد وافق "جامع" في النهاية على الذهاب إلى المنفى الاختياري، ولم يتم اتخاذ أي إجراء عسكري. وفي أزمة مالي الحالية قالت إيكواس إنها سترسل وفدًا إلى باماكو لمحاولة المساعدة في استعادة النظام الدستوري. وكانت الكتلة الاقتصادية قد علقت بالفعل عضوية مالي، وأغلقت حدودها مع البلاد، ووعدت بفرض عقوبات مالية أخرى على قادة المجلس العسكري. وقد فعل الاتحاد الإفريقي الشيء نفسه بتجميد عضوية مالي لحين عودة الحكم الدستوري.
وتحاول فرنسا والأمم المتحدة وغرب إفريقيا إعادة الاستقرار في مالي حتى لا تتكرر أحداث انقلاب 2012 الذي ترك فراغًا في السلطة سمح للجهاديين بالسيطرة على مناطق الشمال وإعلان استقلالها، مما استدعى تدخل فرنسا عسكريًّا في العام التالي. وبالفعل، يخشى المراقبون من أن الاضطرابات السياسية ستسمح للمتطرفين الإسلاميين في مالي بتوسيع نفوذهم مرة أخرى.
من المؤكد أن المخاطر مختلفة هذه المرة في مالي، حيث إن منطقة الساحل ككل تعد أكثر خطورة بكثير في عام 2020 عما كان عليه الوضع قبل ثماني سنوات. ومن المرجح أن تسعى فرنسا والأمم المتحدة اللتان تنشران آلاف الجنود في البلاد، لقيادة الجهود الإفريقية والدولية لصياغة ملامح مرحلة ما بعد الانقلاب. وربما يكون الدور الأمريكي محدودًا في صياغة المرحلة الانتقالية نظرًا لانشغال إدارة "ترامب" بالمعركة الانتخابية، فضلًا عن إعلانها من قبل تخفيض وجود قواتها العسكرية في الساحل وغرب إفريقيا.
وختامًا، فإن تصرفات زعماء الانقلاب قد تؤدي إلى زعزعة استقرار البلاد ومنطقة الساحل ككل، حيث يواصل تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة بتنظيم داعش توسيع نطاق انتشارها، مما يؤدي إلى نزوح وهجرة السكان بأعداد قياسية. ونتيجة أزمة (كوفيد-19) والاضطرابات السياسية في مالي ارتفعت أسعار السلع، ولا سيما مع تباطؤ التجارة والعقوبات الإقليمية. وربما توقف الجهات المانحة الدولية تمويلها مما يؤدي إلى إضعاف الاقتصاد المترنح أصلًا. صحيح أن المجلس العسكري وعد بإجراء انتخابات سريعة وانتقال مدني للسلطة، لكن نواياه لا تزال غير واضحة ويكتنفها الغموض. بيد أنه من المؤكد أن الجنود الذين استقبلتهم الجماهير بالترحاب والتأييد يمكن أن يتوقعوا معارضة شديدة وانتفاضات شعبية أخرى إذا حاولوا التمسك بالسلطة. على أن الانتخابات الديمقراطية –مع ذلك- لن تكون وحدها كافية لحل الأزمات المتشابكة والمعقدة في مالي إذا تم انتخاب الوجوه القديمة نفسها مرة أخرى.