أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

ما بعد التوظيف:

حملات الكراهية ضد السوريين في تركيا.. لماذا الآن؟

15 يوليو، 2019


تصاعدت موجات الكراهية وأعمال العنف مؤخرًا ضد اللاجئين السوريين في تركيا في ظل توظيف بعض التيارات ورقة اللاجئين للضغط على خصومهم السياسيين، وهو ما دفع الحزب الحاكم لتغيير خطابه السياسي وسياساته تجاه اللاجئين السوريين ليؤكد عددٌ من قياداته أنهم سيتبعون سياسات من شأنها تشجيع السوريين على العودة إلى بلادهم في أقرب وقت. ويُرجِع بعض المحللين هذه الحملات المناوئة للاجئين السوريين إلى صعود التخوفات من تأثيرهم على الهوية التركية، ومنافستهم للأتراك في سوق العمل في ظل تدهور الوضع الاقتصادي لأنقرة، وانتشار الأخبار الكاذبة والشائعات عن وجود دعم حكومي كبير مقدم لهم، وصعود الصور النمطية السلبية عنهم من خلال الدراما التركية، بالإضافة إلى أنه لم يتمّ مراعاة التركيبة الاجتماعية والثقافية للمناطق التي سيتم إنشاء مخيمات اللاجئين بها. في المقابل، تقوم بعض منظمات المجتمع المدني بإطلاق حملات تدعم اندماج اللاجئين السوريين في المجتمع التركي.

واللافت أن الجدل حول حملات الكراهية في تركيا يأتي بعد سنوات من الاتجاهات التوظيفية للنظام التركي لأولئك اللاجئين كورقة ضغط في مواجهة الاتحاد الأوروبي، حيث تلقى النظام التركي مساعدات تقدر بـ6 مليارات دولار لدعم مشاريع يستفيد منها اللاجئون السوريون. 

تصاعد مؤشرات الكراهية: 

على الرغم من الترحيب الشعبي والحكومي الذي وجده اللاجئون السوريون الذين قصدوا تركيا في بدايات الأزمة في سوريا؛ إلا أن هذه الموجة الترحيبية لم تستمر طويلًا، حيث أشارت دراسة نشرتها جامعة "قادر هاس" في إسطنبول في بداية يوليو 2019، إلى أن نسبة الأتراك المستائين من وجود السوريين تُقدر بحوالي 67.7٪، وهو ما انعكس على تزايد الحملات العنصرية ضدهم خلال الفترة الأخيرة، حيث انتشرت الهاشتاجات المناهضة للاجئين السوريين في تركيا على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى المنشورات العنصرية. فعلى سبيل المثال، بعد فوز المعارضة التركية بعددٍ من البلديات المهمة (مثل بلدية إسطنبول) انتشر هاشتاج "ليغرب السوريون من هنا" (#SuriyelilerDefoluyor). 

وتصاعدت موجات العنف اللفظية والمادية ضدهم، مثل تكرار حوادث تحطيم واجهات المحال التجارية المملوكة لسوريين، ووصلت الخلافات بين الجانبين إلى حد استخدام الأسلحة البيضاء. فعلى سبيل المثال، شهدت منطقة "ينيماهال" اشتباكات في يوليو 2019 بين السكان الأتراك واللاجئين السوريين، مما أدى إلى إصابة سوري، كما تضررت مواقع العمل التابعة للاجئين السوريين والتركمان العراقيين. وفي هذا الإطار، صرّح نائب رئيس الوزراء التركي "فيسي كايناك" قائلًا: "أستطيع القول إن هناك تحريضًا اجتماعيًّا واضحًا، هذه التحريضات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي تدعو الناس إلى التوجه إلى الشوارع"، كما تم حرق وتحطيم عددٍ من المحال التجارية للسوريين والتي تقع في حي "كوتشوك سيكميجي" في غرب إسطنبول في 29 يونيو 2019، وهو ما اضطر الشرطة لاستخدام الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه لتفريق المهاجمين.

وتمثل حوادث الاشتباكات بين السوريين والأتراك فرصة للعنصريين للضغط على السلطات الحكومية لترحيل اللاجئين من مناطقهم، وهو ما حدث في "غازي عنتاب" التي شهدت أواخر عام 2018 مشاجرة بين سوريين وأتراك تبعها تهشيم واجهات المحال للسوريين، ورضخت سلطات "غازي عنتاب" لضغوط المحتجين وقامت بعملية ترحيل جماعي لأكثر من 7 آلاف من اللاجئين السوريين من المدينة إلى مخيمات اللجوء القريبة من الحدود السورية.

تغير السياسات الحكومية:

لم يقتصر الأمر على المستوى الشعبي، بل امتد إلى سياسات الحكومة أيضًا في ظل تزايد عدد اللاجئين وتوظيف المعارضة التركية لورقة اللاجئين في الانتخابات. وفي هذا الإطار، قامت الحكومة التركية باتخاذ عدد من الإجراءات التي وصفها بعض المحللين بالمتشددة تجاه اللاجئين السوريين، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

1- التشدد في منح تصاريح العمل: يعاني اللاجئون السوريون من تشدد السلطات التركية مؤخرًا في منح تصاريح العمل، والتضييق على منح تراخيص الأنشطة التجارية؛ حيث تشن السلطات التركية العديد من حملات التفتيش على المصانع والأنشطة التجارية لضبط السوريين المخالفين لقوانين العمل. ويضطر العديد منهم للعمل بأجور زهيدة لتجاوز الظروف الاقتصادية العصيبة نظرًا لارتفاع احتياجات المعيشة، والإيجارات. وفي هذا السياق، قامت سلطات بلدية "إسنيورت" غربي إسطنبول في يوليو 2019 بشن حملة موسعة لإغلاق عددٍ كبير من المحال التجارية المملوكة للسوريين دون منحهم فرصة من الوقت لتقنين أوضاعهم.

2- تغير خطاب الحزب الحاكم: غيَّر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وحزبه من سياستهما المرحِّبة باللاجئين، حيث صرح "أردوغان" في يوليو 2019 بأن حكومته ستتخذ عدة إجراءات من شأنها تشجيع السوريين على العودة إلى بلادهم. وفي هذا الإطار، أكد أنه سيتم إلغاء الخدمات الطبية المجانية المقدمة لهم، وسيتم فرض تعريفة لتغطية تكاليف خدمات المستشفيات، بالإضافة إلى الترحيل الفوري لمرتكبي الجرائم. من جانب آخر، تراجعت الحكومة التركية عن فكرة تجنيس الأطفال السوريين الذين يُولدون على الأراضي التركية. وقد ناشد "أردوغان" قادة قمة العشرين التي انعقدت في يونيو 2019 في اليابان للمساعدة في بناء مدن سكنية في مناطق آمنة شمالي سوريا بهدف إعادة اللاجئين السوريين إليها.

3- إدانات منظمات حقوقية: تشير تقارير منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى تقاعس السلطات التركية عن تطهير الحدود المشتركة التي يستخدمها اللاجئون السوريون للفرار من الحرب، من الألغام الأرضية التي زرعها الجيش التركي على الحدود بين الجانبين منذ عقود. وتشير تقارير حقوقية إلى قيام السلطات التركية بالقبض على الفارين من الحدود السورية صوب تركيا، وإيداعهم معسكرات اللجوء المعدة على جانبي الحدود، وهو ما أجبر السوريين الفارين من الحرب على سلك طرق جبلية وعرة للهروب من الأمن التركي.

4- تقييد حركة اللاجئين: تمنع السلطات التركية اللاجئين السوريين من التنقل بين الولايات، وتفرض غرامات باهظة على المخالفين. ويتطلب زيارة أحد اللاجئين لولاية غير مسجل بها الحصول على إذن سفر أمني. وتعمل سلطات ولاية إسطنبول مؤخرًا على إعادة السوريين غير المسجلين لديها إلى الولايات التي قاموا بتسجيل أنفسهم بها. وتمثل مسألة تقييد حركة اللاجئين مشكلة كبيرة بالنسبة للعائلات السورية المنتشرة بين الولايات، وكذلك بالنسبة للسوريين الذين يستوجب عملهم الحصول على تصاريح للمرور بعددٍ من الولايات.

دوافع متعددة:

تتعدد الدوافع وراء تصاعد حملات العنصرية ضد السوريين في تركيا، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

1- الاستقطاب الانتخابي: شهدت تركيا خلال العامين الماضيين تحولات جذرية في نظامها السياسي؛ حيث تم استدعاء الأتراك لصناديق الاقتراع ثلاث مرات خلال فترة وجيزة، وهو ما انعكس على تصاعد موجة الاستقطاب بين النظام والمعارضة التركية التي عمدت إلى توظيف ورقة اللاجئين السوريين ضد سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم، وذلك بهدف إضعاف موقفه وكسب أصوات الناخبين الأتراك، حيث رأت قوى المعارضة التركية أن ملف اللاجئين السوريين ورقة رابحة لكسب ثقة الرأي العام التركي للضغط على الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وحزبه الذي يحكم تركيا منذ 17 عامًا. وأدى نجاح هذه الحملات إلى قيام بعض مرشحي الحزب الحاكم بتقديم تعهدات للناخبين بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في أقرب وقت.

2- تغيير التركيبة الديموغرافية: تتهم المعارضة حكومة حزب العدالة والتنمية بالعمل على تغيير التركيبة الأيديولوجية والديموغرافية للشعب التركي. واستندوا في ذلك إلى قرار الحكومة بتجنيس الخبرات والكفاءات السورية التي يفتقر لها المجتمع التركي كمهن الطب والهندسة وما شابه ذلك. وترفض المعارضة فكرة منح الجنسية للاجئين السوريين تمامًا. وأثارت مشاركة عددٍ من اللاجئين السوريين في حملات ترويجية لمرشحي حزب العدالة والتنمية للانتخابات البلدية حفيظة القوميين والعلمانيين الأتراك، معتبرين أن "أردوغان" وحزب العدالة والتنمية سيعملان مستقبلًا على توظيفهم لتحقيق مكاسب حزبية خاصة.

3- التأثير على الهوية التركية: يتخوف القوميون الأتراك من تزايد التأثير العربي في بلادهم، خاصة أن عدد المهاجرين العرب في تركيا وصل إلى 5 ملايين وفقًا لآخر تقديرات صادرة عن الجمعية العربية في إسطنبول. وبرزت العديد من الدلالات التي تُبرز تخوفات الأتراك من التأثير العربي المتصاعد على الثقافة التركية؛ حيث أصدر رؤساء بلديات: هاتاي، مرسين، أضنة، إسينيورت، والفاتح، قرارًا يجبر أصحاب المحال والمتاجر العربية على تغيير أسماء محالهم إلى اللغة التركية، ومنع استخدام اللغة العربية على الواجهات، وعزت البلديات هذه الإجراءات إلى المحافظة على الإرث الحضاري التركي، ومنع المحاولات التي تهدف إلى التعريب. وفي السياق ذاته، يتخوف الأكراد من توطين اللاجئين السوريين في مناطق جنوب شرق تركيا ذات النفوذ الكردي.

4- تراجع الاقتصاد التركي: يرى البعض أن حالة التدهور والركود التي لحقت بالاقتصاد التركي، وأدت إلى تراجع قيمة الليرة التركية، ترجع إلى تزايد أعداد اللاجئين السوريين بنسب كبيرة، مما أثر سلبًا على سوق العمل التركية، وهو ما تسبب في الضغط على السلع والخدمات العامة، مثل وسائل النقل والتعليم والمستشفيات. كما يشير بعضهم إلى أن العمالة السورية ذات الأجور المنخفضة قد أدت إلى تزايد أزمة البطالة بين الأتراك، حيث يميل بعض أصحاب القطاع الخاص لتوظيف السوريين الذين لا يمتلكون تصاريح عمل رسمية، وذلك بسبب أجورهم الزهيدة.

5- انتشار الأخبار الكاذبة: تُحيط العديد من الشائعات بمجتمعات السوريين في تركيا، مما يتسبب في زيادة حالة الاحتقان ضدهم، وصعود خطابات العنصرية والكراهية، حيث يتم الترويج لشائعات مفادها أن الحكومة تمنح اللاجئين مساكن ورواتب شهرية، وهو ما نفته الحكومة التركية مسبقًا، مؤكدة أن هذه المساعدات عبارة عن منح من الاتحاد الأوروبي، ويقتصر دورها فقط على الإشراف في توزيعها. من ناحيةٍ أخرى، يرى البعض أن اللاجئين السوريين يعيشون حياة مرفهة في المدن التركية، وينتقدون سفر العديد من العائلات والأسر للداخل السوري خلال إجازات الأعياد والمواسم، ويتساءلون طالما هذه الأسر قادرة على الذهاب والعودة إلى سوريا فلماذا لا تبقى في بلادها، وتقوم بإعادة بنائها، وتخفف العبء عن تركيا. ورغم منطقية هذه التساؤلات، إلا أن السوريين يرون أن ذهاب بعض الأسر لزيارة عائلاتها على الحدود ومناطق النزوح في الداخل السوري ليس دليلًا على صلاحية الداخل للعيش والإقامة، خاصة في ظل انتشار الجماعات المسلحة، وانعدام الخدمات الأساسية كالأمن والصحة والتعليم.

6- الصور النمطية السلبية: عملت الدراما والإنتاج الإعلامي التركي خلال الفترة الماضية على تقديم صورة سلبية للاجئ السوري الذي قُدم للأتراك على أنه ذلك الشخص الريفي الفقير الذي يمارس الشحاذة لقضاء متطلبات يومه، وهو ما يتنافى مع الواقع، حيث إن بعض السوريين تمكنوا من الحصول على وظائف ذات رواتب مرتفعة، بالإضافة إلى أن بعضهم قام بتوظيف أمواله في شركات وأعمال تجارية. وقد أفاد تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي السوري بأن تركيا شهدت منذ 2011 تسجيل أكثر من 6500 شركة ونشاط اقتصادي أنشأها أو ساهم في إنشائها السوريون. 

7- التركيبة الاجتماعية والثقافية: لم تراعِ الحكومة التركية التركيبات الاجتماعية والثقافية عند اختيارها للأماكن التي سيتم إقامة مخيمات اللاجئين فيها، وهو ما تسبب في العديد من المشاكل بالنسبة للاجئين، مثلما حدث في محافظة هاتاي التي ينتمي معظم سكانها إلى الطائفة العلوية الموالية للأسد في سوريا، فيما ينتمي غالبية اللاجئين إلى الطائفة السنية المعارضة للأسد، وهو ما أدى إلى خلق مزيد من المشكلات مع المجتمع المضيف للاجئين.

ختامًا، مع تزايد الحملات العنصرية ضد اللاجئين السوريين، تقوم بعض منظمات المجتمع المدني بالتعاون مع السلطات التركية بمحاولة تخفيف حدة الاحتقان بين الجانبين، وإقامة أنشطة مثل دورات دعم الاندماج، ودورات تثقيفية لتعريف السوريين بالتقاليد والثقافة التركية، كما أطلق بعض الناشطين الأتراك هاشتاج "#لا تلمس أخي" (KardeşimeDokunma#) لمواجهة الحملات العنصرية ضد السوريين.