أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

المنافسة قبل المواجهة:

استراتيجية جديدة لهزيمة الإرهابيين في سوريا

07 يونيو، 2015


إعداد: ناهد شعلان

تشن قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضربات عسكرية ضد تنظيم "داعش" في سوريا والعراق. وثمة جدل واسع حول جدوى هذه الضربات، ومدى تحقيقها للأهداف المنشودة منها في القضاء على الجهاديين وهزيمتهم.

وسعياً نحو تقييم نتائج الضربات الجوية للتحالف الدولي، والاستراتيجية الأمريكية في سوريا، وكذلك عرض الخيارات المتاحة أمام واشنطن لتحقيق أهدافها وفقاً لاستراتيجية تأخذ في الاعتبار خريطة توزيع القوى في سوريا؛ تأتي هذه الدراسة التي أعدها "فيصل عيتاني" Faysal Itani، الزميل المقيم في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، ونشرها المركز تحت عنوان: "هزيمة الجهاديين في سوريا: المنافسة قبل المواجهة"، والمنشورة في شهر أبريل 2015 عن المجلس الأطلسي.

مكاسب محدودة للاستراتيجية الأمريكية

تبدأ الدراسة بشرح أبعاد الاستراتيجية الأمريكية الحالية في سوريا، في محاولة لتقييم نتائجها، كالتالي:

1- جوهر الاستراتيجية الأمريكية: يتركز الهدف الرئيسي للاستراتيجية الأمريكية في سوريا حول القضاء على الخطر القادم من الجماعات الجهادية، حيث تهدف الضربات الجوية إلى إضعاف تنظيم "داعش" على المدى القصير، والقضاء عليه ومنع استبداله بـ"جبهة النصرة" - وهي الفرع الرئيسي لتنظيم "القاعدة" في سوريا - على المدى الطويل.

2- المكاسب المحدودة للضربات الجوية: تمكنت الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي من تحقيق هدفين أساسيين، أولهما إضعاف إيرادات "داعش" عن طريق ضرب البنية التحتية لمصادر البترول؛ حيث انخفض الإنتاج من 70 ألف إلى 20 ألف برميل يومياً، مما ترتب عليه انخفاض العائد اليومي إلى 600 ألف دولار بعد أن كان يترواح ما بين 2 إلى 3 مليون دولار.

وتمثل ثاني الأهداف في الحيلولة دون استيلاء "داعش" على مدينة كوباني الواقعة على الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا، وإيقاع بعض الخسائر في صفوف التنظيم.

3- النتائج السلبية للاستراتيجية الأمريكية: يرى الباحث أن الاستراتجية الأمريكية في سوريا أدت إلى ظهور بعض النتائج السلبية وغير المرغوب فيها، وتتمثل في إضعاف القوى الوطنية التي تحتاجها الولايات المتحدة في مواجهة الجهاديين، ويقابلها ازدياد قوة "جبهة النصرة" وإحكام قبضتها على بعض المناطق، خاصةً في شمال سوريا.

ويرجع ذلك إلى أن رؤية القيادة الأمريكية لمرحلة الانتقال السياسي التي تشتمل على توافق ما بين قوى المعارضة والنظام السياسي، والتي قد تتضمن تنحي "الأسد عن الحكم"، لا تتطابق مع رؤية المواطنين السوريين للدور الذي تلعبة الولايات المتحدة؛ حيث إن التحركات الأمريكية لا تشتمل على أي إجراء فعَّال ضد عنف النظام السوري، وتؤكد دائماً عل أن الضربات لا تشمل قوات نظام "الأسد"، وفي ذلك طمأنة للقيادة الإيرانية.

كما تركز الولايات المتحدة على تجنيد قوى التمرد لمحاربة عدو واشنطن المتمثل في الجهاديين، وليس عدوهم المتمثل في النظام الحاكم، مع عدم تقديم الدعم الكافي لهم. وقد أدى ذلك إلى اتجاه بعض المواطنين السوريين للتعايش مع الجماعات الجهادية مثل "داعش" و"جبهة النصرة"، على اعتبار أنها توفر لهم الحماية اللازمة ضد عنف النظام السوري، بالإضافة إلى اتجاه بعض المحاربين إلى الانضمام إلى "جبهة النصرة" للاستفادة من قوتها العسكرية.

منافسة "جبهة النصرة" وتطويق "داعش"

يبدو مما سبق، أن استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا لمكافحة الجماعات الجهادية لا تؤتي ثمارها، فهي لا تتناسب مع الواقع الداخلي كثيراً. وإذا كان الهدف الرئيسي لواشنطن هو هزيمة الجهاديين، فإن الهدف الرئيسي للشعب السوري هو هزيمة نظام "الأسد".

وتتمثل الاستراتيجية الجديدة - وفقاً لفيصل عيتاني - في أنه بدلاً من أن تقوم الولايات المتحدة بدفع قوى المقاومة الوطنية لمحاربة أعداء واشنطن وإغفال أعداءهم الحقيقيين، أي أن عليها القيام بمساعدتهم على منافسة "جبهة النصرة"، والحصول على الدعم الشعبي الكافي، وتطويق "داعش"، وبناء قدرتهم في مواجهة الجهاديين؛ فمن وجهة نظر الكاتب، إن أفضل طريقة لهزيمة "جبهة النصرة" ليس عن طريق محاربتها بشكل مباشر، ولكن عن طريق تمكين المقاتلين الوطنيين قوميين من منافستهم.

أما بالنسبة لـ"داعش"، وعلى الرغم من أنها تتشارك في نفس الأيديولوجية مع "جبهة النصرة"؛ فإنها تمثل تحدياً مختلفاً، حيث أثبتت التجربة أنه لا يمكن محاربة "داعش" في أماكن تمركزها الجغرافية، ولكن عن طريق قطع الاتصالات عنها وتطويقها، ومنع انتشارها جغرافياً في أماكن مثل (حلب، وحمص، وحماه، ودرعا، ودمشق) حتى تتمكن قوات المعارضة الوطنية من محاربتها بشكل أفضل؛ ففي هذه الحالة تصبح المقاومة الداخلية أكثر واقعية.

خطة ذات محورين

تأخذ الاستراتيجية الجديدة في الاعتبار اختلاف توازن القوى بين مختلف القوى السورية المتحاربة من إقليم إلى آخر داخل الأراضي السورية، بهدف خلق قوى قادرة على منافسة "جبهة النصرة"، وتطويق "داعش"، ومن ثم إرساء قواعد تُمكنهم من مقاومتهم وهزيمتهم على المدى الطويل. وتشتمل هذه الاستراتيجية المقترحة على محورين، هما:ـ

المحور الأول: البناء على ما تم تحقيقه في الجنوب

طبقاً لما ذكره الكاتب، فإن الواقع في الجنوب يمثل ظروفاً أكثر ملائمة لخلق بديل شرعي فعَّال ودائم لكل من" داعش" و"جبهة النصرة"؛ حيث تمكنت قوات المعارضة المسلحة الوطنية من تحقيق بعض المكاسب وإحكام سيطرتها على مجموعة من الأقاليم، وهي (درعا، وقنيطرة، وأجزاء على أطراف دمشق).

وفي الجنوب السوري، يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من مجموعة من المزايا المتمثلة في:

  • الخبرة المكتسبة من العملية الأمريكية ـ الأردنية المشتركة ذات القيادة المركزية التي منعت الاقتتالات الداخلية التي أضعفت قوى المقاومة في الشمال، والتي مكَّنت الولايات المتحدة من فهم أعمق لخريطة النزاعات في سوريا، ومن ثم التأثير عليها.
  • وتتشارك كل من الأردن والولايات المتحدة في هدف واحد، وهو هزيمة الجماعات الجهادية، لذلك بات التحكم في الحدود السورية الجنوبية مع الأردن أكثر سهولة من الحدود الشمالية مع تركيا، ومنع المجاهديين من النفاذ إلى سوريا عن طريق الجنوب.
  • الطبيعة القبلية في إقليم درعا، وقابلية سكانها لحثهم على محاربة الجهاديين من خلال العمل الجماعي المنظم والتحفيز المادي.
  • الرغبة الواضحة للجماعات المسلحة المحلية في التعاون مع لجان التنسيق المحلية.
  • وجود مجموعة كبيرة ومتماسكة من الدروز المستعدين لعقد تحالفات من أجل حماية المصالح الخاصة بجماعتهم، بدلاً من تلك الخاصة بالنظام.
  • الوجود الضعيف لتنظيم "داعش".
  • القرب من العاصمة السورية "دمشق"، وهي نقطة ارتكاز النظام السوري، والتي قد يتيح ممارسة الضغوط عليه للوصول إلى حل سياسي، ومنع تفاقم النزاع.

ولكن، ثمة بعض العقبات التي يجب أن تأخذها الاستراتيجية الأمريكية في الاعتبار، وهي:

  • التعاون ما بين "جبهة النصرة" وبعض الجماعات المسلحة في الجنوب.
  • الضربات غير الموجهة للنظام السوري التي تضعف من قوة الحلفاء المحتملين لمواجهة الجهاديين.
  • زيادة التمويل في "جبهة النصرة" عنه في الجماعات المسلحة القومية، مما يُمكنها من دفع رواتب أعلى لمنتميها مقارنةً بالمبالغ المدفوعة في الجماعات المسلحة الوطنية.
  • المحاولات المستمرة من قِبل تنظيم "داعش" لاختراق الجنوب، واحتمال أن يساعده النظام السوري على ذلك لإضعاف المعارضة القومية.

ومن ثم، ترى الدراسة أن أفضل طريقة لخدمة أهداف الولايات المتحدة في الجنوب السوري، تكون عن طريق الآتي:

ومن ثم، ترى الدراسة أن أفضل طريقة لخدمة أهداف الولايات المتحدة في الجنوب السوري، تكون عن طريق الآتي:

  • زيادة الدعم المادي المباشر المخصص للجماعات الوطنية في الجنوب، حتى تتمكن من عرض رواتب أكثر جذباً للمقاتلين، وكذلك توفير الدعم للسكان المحليين والتعاون الفعَّال مع المؤسسات المدنية المحلية.
  • الدعم التقني وتدريب المعارضين القوميين المسلحين على تحقيق أقصى استفادة من المعدات التي تم الاستيلاء عليها من نظام "الأسد" والجهاديين.
  • تعديل الاستراتيجية الأمريكية من التركيز فقط على مساعدة المجموعات القومية لإحكام قبضتها على أراض معينة، إلى توسيع نطاق سيطرتها.
  • مساعدة الحلفاء من الجماعات المسلحة على ممارسة الضغط العسكري على العاصمة السورية، للوصول إلى تسوية سياسية تُقصي الجهاديين.
  • إنشاء منطقة حظر جوي فوق الأراضي التي يسيطر عليها المعارضون المسلحون، وإمدادهم بأسلحة مضادة للطائرات.

المحور الثاني: الجهود الموازية في الشمال

تختلف الخريطة السياسية والعسكرية في الشمال عنها في الجنوب، إذ يبقى الشمال السوري - بالمقارنة بالجنوب - لا يوفر "العناصر اللازمة" للقضاء على الإرهابيين؛ حيث إنه قد تم إضعاف قوى المقاومة الوطنية خلال الستة أشهر الماضية، وإن كانت لم تُدمر كلياً. ولكن ذلك لا ينفي واقع أن مستقبل الشمال والجنوب السوري متصلين، ويؤثران في تشكيل الوضع في وسط وقلب المدن السورية.

وعلى الرغم من وحدة الهدف بالنسبة لكل من الجهاديين والجماعات المسلحة القومية، وهو محاربة النظام، بيد أن خسارة أي منهم تمثل مكسباً بالنسبة للأخر في تنافسهم للسيطرة على سوريا. ولكن الأخطر هو أن كل من "داعش و"جبهة النصرة" متواجدين على أرض الواقع، ومستمرين في التوسع على حساب الوطنيين، ومن ثم فإن النجاح النسبي للجهاديين في الشمال والذي يقابله خسارة في صفوف المتمردين القوميين، يؤثر على توازن القوى في سوريا عامةً.

ويرى الكاتب أن الولايات المتحدة تتمتع بعدد من الخيارات ضد كل من "داعش" و"جبهة النصرة" في الشمال السوري، وهي:

  • تقديم الدعم المادي الكافي، بالتعاون مع تركيا متى كان ذلك مناسباً، للحيلولة دون انهيار القوميين في حلب وإدلب وحماه، لأنه إذا تم هزيمة هذه القوى، فإنها سوف تتشرذم بين "جبهة النصرة"  و"داعش" ومليشياتها.
  • توسيع نطاق ضربات التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" لمنع تمدده وانتشاره، وقد يستدعي ذلك حظر القوات الجوية للنظام السوري في شمال غرب سوريا.
  • استخدام الدعم المالي للولايات المتحدة لدعم التعاون ما بين الأكراد وقبائل السنة العرب والمتمردين من السنة العرب، لمحاربة الجهاديين.

أخيراً، يرى الباحث أنه على الرغم من أن الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي قد تمكنت من تحقيق بعض المكاسب بضرب البنية التحتية الاقتصادية لتنظيم "داعش"، وقتل العديد من المتطرفين، بيد أنها تجاهلها للنظام السوري والحلفاء المحليين المحتملين، أفاد "داعش" فقط دون أن تشكل تهديد مباشر له، بل على النقيض فإن قوات التحالف بقيادة واشنطن تقوي بذلك من "جبهة النصرة" وتضعف من الجماعات الوطنية.

وتؤكد الدراسة أن قوات التحالف الدولي لن تتمكن من تدمير "داعش" دون قوات سورية شرعية وفعَّالة، لذلك فإن الاستراتيجية المثلى للقضاء على الجهادين تتمثل في التعاون مع الفاعلين المحليين من الحلفاء المحتملين. ففي الجنوب، حققت القوات الوطنية المدعومة من الولايات المتحدة مكاسب يمكن للأخيرة أن تبني عليها على حساب "جبهة النصرة". أما بالنسبة للشمال، لا يجب أن تترك واشنطن الجماعات المسلحة القومية لتنهار، حيث إنها تشكل عنصراً رئيسياً لمحاربة الجهاديين.

* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "هزيمة الجهاديين في سوريا: المنافسة قبل المواجهة" والمنشورة في إبريل 2015 عن مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي.

المصدر:

Faysal Itani, Defeating the Jihadists in Syria: Competition before Confrontation (Washington, Rafik Hariri Center for the Middle East, Atlantic Council, April 2015)