أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تأثيرات متباينة:

هل تتأثر فرص "ترامب" الانتخابية بعد إصابته بكورونا؟

04 أكتوبر، 2020


في ظل حالة الترقب لمفاجآت شهر أكتوبر التي تقلب موازين الاستحقاق الانتخابي الأمريكي قبل شهر من تصويت الناخبين في نوفمبر كل أربع سنوات لاختيار الرئيس الأمريكي القادم، جاء إعلان "دونالد ترامب" عن إصابته والسيدة الأولى "ميلانيا ترامب" بفيروس كورونا؛ ليعيد تشكيل المشهد الانتخابي، والتنافس بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي، ولا سيما مع انتقال "ترامب" إلى مستشفى "وولتر ريد" العسكري في إجراء احترازي؛ مما يزيد من التكهنات بشأن حالته الصحية، في ظل حالة الارتباك داخل البيت الأبيض، وعدم وضوح الحالة الصحية للرئيس الأمريكي، والتوقعات باحتمالات تدهورها لتقدم عمره (74 عامًا) ووزنه الزائد، رغم طمأنة الرئيس المستمرة الناخبين الأمريكيين بأنه بحالة صحية جيدة من داخل المستشفى، حيث يقضي فترة العزل الصحي.

ومن المتوقع أن يكون لإصابة الرئيس الأمريكي بفيروس كورونا، في الوقت الذي كان يقلل فيه من خطورته مع بدايات انتشاره عالميًّا وداخل الولايات المتحدة، تأثيرات على الاستحقاق الانتخابي، ولا سيما مع تزايد عدد إصابات الأمريكيين بالفيروس إلى ٧,٤ ملايين أمريكي، وارتفاع عدد الوفيات جراء الإصابة به إلى ما يزيد على ٢٠٩ آلاف أمريكي وفقًا لبيانات صحيفة "نيويورك تايمز" المحدثة حتى ٤ أكتوبر الجاري، وإصابة عديد من المسؤولين بحملة إعادة "ترامب" وفي مقدمتهم "بيل ستيبين"، مدير حملة الرئيس "ترامب" الانتخابية، و"هوب هيكس"، أحد كبار مستشاري الرئيس الأمريكي، و"رونا مكدانيل"، رئيسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، وبدأ ملايين الأمريكيين بالفعل التصويت المبكر في عدة ولايات رئيسية، وتلقى عشرات الملايين الآخرين بطاقات الاقتراع الغيابية بالبريد، وبداية التصويت المبكر شخصيًّا خلال الأسابيع المقبل

فرص فوز "ترامب":

على الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أنه سيواصل أداء مهامه الرئاسية دون انقطاع أثناء فترة العزل الصحي بالمستشفى العسكري، والظهور المستمر لطمأنة الأمريكيين على صحته، واستمرار حملته الانتخابية؛ فإن إصابته بفيروس كورونا ستكون لها تداعيات عدة على فرص فوزه بفترة رئاسية ثانية في نوفمبر المقبل، وعلى استراتيجيات حملته الانتخابية، والتي يتمثل أبرزها فيما يلي: 

1- تأثيرات على إدارة حملة إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي: مما لا شك فيه أن إصابة "ترامب" بفيروس كورونا، وكذلك مدير حملته الانتخابية "ستيبين"، ستُحدث تحولًا في استراتيجية الحملة الانتخابية التي كانت قائمة بالأساس على المؤتمرات الانتخابية الحاشدة بحضور الرئيس الأمريكي، والتي لم تراعِ توصيات خبراء قطاع الصحة الأمريكي خلال الجائحة. ففي أعقاب الإعلان عن إصابة الرئيس بالفيروس أُلغي مؤتمر انتخابي كان مقررًا أن يحضره في ولاية فلوريدا، ومع احتمالات متزايدة بتأجيل مؤتمراته الانتخابية بعديد من الولايات المتأرجحة التي تلعب دورًا حاسمًا في تحديد الفائز في الانتخابات الرئاسية.

2- انقلاب سلاح "الذعر الصحي" ضد "ترامب": كثيرًا ما كان الرئيس الأمريكي يستخدم الأزمات الصحية لمنافسيه الديمقراطيين في التقليل من قدرتهم على قيادة الولايات المتحدة. فخلال الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٦، استخدم "ترامب" الكشف عن أن منافسته الديمقراطية السابقة "هيلاري كلينتون" لديها التهاب رئوي، وتعثّرها خلال إحدى جولاتها الانتخابية، لإثبات أنها أضعف من أن تكون رئيسة للولايات المتحدة. وخلال السباق الانتخابي لهذا العام، انتقد المنافس الجمهوري نظيره الديمقراطي "جو بايدن" أكثر من مرة لاختبائه في قبو منزله خوفًا من فيروس كورونا، وأنه ضعيف، ويفتقد إلى الحيوة والقدرة على التحمل. ولكنّ الرئيس الآن بعد إصابته بالفيروس يواجه أزمة صحية خطيرة لتقدم سنه ومعاناته من زيادة في الوزن مما سيزيد من مخاطر تعرضه لمضاعفات خطيرة أثناء فترة العزل الصحي بالمستشفى. 

3- احتمالات تأجيل المناظرة الانتخابية الثانية: ستؤثر إصابة "ترامب" بفيروس كورونا ومدة العزل الصحي، على فرص عقد المناظرة الانتخابية الثانية بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي المقرر لها في 15 أكتوبر الجاري، حيث سيكون "ترامب" لا يزال في فترة العزل. فمع الإعلان عن إصابته بالفيروس أعلن البيت الأبيض إلغاء كافة نشاطات الرئيس الأمريكي. وعادة ما تكون المناظرات الانتخابية إحدى أدوات المرشح الجمهوري للنيل من منافسيه الديمقراطيين. وبتأجيل المظاهرة تتزايد مخاوف الناخبين من خطورة الوضع الصحي للرئيس. وفي الوقت الذي بدأت فيه عملية التصويت في عديد من الولايات، وتصويت الناخبين من خلال البريد، ما يقلل من فرص التصويت للمرشح الجمهوري، واحتمالات خسارته في نوفمبر المقبل.

4- تغيير الخطاب الانتخابي للرئيس "ترامب": بعد إصابة الرئيس الأمريكي بفيروس كورونا، وعديد من أعضاء حملته، ومشرعين جمهوريين؛ فإنه سيواجه ضغوطًا هائلة في حال شفائه من الفيروس لتعديل خطابه وتكتيكات حملته بعد أن أمضى معظم العام الجاري في التقليل من خطورة الفيروس، والإعلان مرارًا وتكرارًا أن جائحة "كوفيد–١٩" ستختفي قريبًا، وأنها مؤامرة ديمقراطية لسرقة الانتخابات الرئاسية القادمة لصالح مرشحها الضعيف.

5- مخاوف من خسارة الجمهوريين الأغلبية في مجلس الشيوخ والبيت الأبيض: مع تقدم المنافس الديمقراطي "بايدن" في معظم استطلاعات الرأي الوطنية وفي عديد من الولايات المتأرجحة على منافسه الجمهوري، بدأ الاستراتيجيون الجمهوريون يشعرون بالقلق من أن الحالة الصحية للرئيس، وكذلك إصابة عديد من أعضاء الحزب بفيروس كورونا، ستشكلان عقبة كبيرة أمام قدرة الحزب و"ترامب" على تغيير مسار الاستحقاق الرئاسي لصالحه، وهو الأمر الذي من شأنه زيادة احتمالات أن يخسر الجمهوريون منصب الرئاسة والأغلبية في مجلس الشيوخ في انتخابات نوفمبر المقبل، بعد خسارتهم الأغلبية بمجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر ٢٠١٨، وإتاحة الفرصة لسيطرة الديمقراطيين على البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي بمجلسيه (مجلس النواب والشيوخ).

مكاسب محدودة لـ"ترامب":

على الرغم من التوقعات بأن إصابة الرئيس بفيروس كورونا ستؤثر على فرص فوزه في نوفمبر المقبل، إلا أنها في الوقت ذاته قد تكون في صالحه، وتعمل على زيادة شعبيته بين الناخبين الأمريكيين، الذين سيتعاطفون معه؛ لأنه يمر بأزمة يعيشها الأمريكيون العاديون، وقد تروج حملته الانتخابية لهذا. وتشير الخبرة التاريخية إلى أن الناخب الأمريكي يميل لدعم الرئيس الساعي للفوز بفترة رئاسية ثانية خلال الأزمات.

وتشير متابعة نسب تأييد كبار المسؤولين حول العالم الذين كانت نسب شعبيتهم متراجعة إلى أنها ترتفع بعد تعافيهم من الإصابة بالفيروس. فعلى سبيل المثال، بعد تعافي رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" من الفيروس وتدهور حالته الصحية ودخوله العناية المركزة ارتفعت نسبة تأييد البريطانيين له من 44٪ في منتصف مارس الماضي إلى 66٪ من 13 أبريل من العام الجاري فوز خروجه من الرعاية المركزية. كما ارتفعت نسب التأييد للرئيس البرازيلي "جايير بولسونارو" إلى 37٪ وفقًا لاستطلاع في أغسطس الماضي بينما كانت 33٪ بين أبريل ويونيو من العام الجاري.

وكثيرًا ما قلل الرئيس الأمريكي من خطورة الفيروس، على الرغم من حديثه في الغرف المغلقة عن خطورته، وقد يمكنه إعلان الشفاء العاجل من تقديم الدليل على أنه كان محقًا بشأن تضخيم الأطباء والديمقراطيين من خطورة الفيروس، وأنه كان محقًّا في عدم إثارة ذعر الأمريكيين من فيروس يعد جزءًا من مؤامرة لهزيمته في الانتخابات الرئاسية، التي يشكك في نزاهتها، والرد على الانتقادات المتزايدة الموجهة له لإخفاقاته في التعامل مع الجائحة.

استغلال ديمقراطي:

في الوقت الذي تؤثر فيه إصابة الرئيس "ترامب" بفيروس كورونا وعدد من المسؤولين بحملته الانتخابية ومشرعين جمهوريين، على فرص فوزه بفترة رئاسية ثانية في نوفمبر المقبل، فإنها تعد فرصة للديمقراطيين لتحسين وضعهم الانتخابي، وذلك لجملة من الأسباب، التي يتمثل أبرزها فيما يلي: 

1- استغلال ديمقراطي لجذب أصوات الناخبين المستقلين: تشير بعض التحليلات الأمريكية إلى أن إصابة الرئيس بالفيروس لن تؤثر على تأييد قاعدته الانتخابية له، ولكنها ستؤثر على أصوات الناخبين المستقلين الذين يعدون القوة المؤثرة في الانتخابات الرئاسية القادمة، والذين لم يحسموا أمرهم بعد، ولذلك يتنافس المرشحان للفوز بأصواتهم. 

وفي هذا الشأن، سيستغل الديمقراطيون إصابة "ترامب" بالفيروس لتوضيح مدى عجز الإدارة الأمريكية عن التعامل مع الجائحة، وأن تداعيات هذا الإخفاق لم تقتصر على ارتفاع عدد الوفيات بين الأمريكيين جراء الفيروس الذي قلل الرئيس من خطورته، والتداعيات الاقتصادية، ولكنه أصاب "ترامب" والدائرة المحيطة به، وهو ما سيقلل من فرص تصويت الناخبين المستقلين لإعادة فوز "ترامب" بفترة رئاسية ثانية في ظل ترويج ديمقراطي إلى أن إصابة الرئيس الأمريكي بالفيروس خير مثال على فشله في قيادة الولايات المتحدة للتعامل مع الجائحة. 

2- تركيز الاستحقاق الانتخابي على طريقة تعامل الرئيس مع الجائحة والرعاية الصحية: حاول الرئيس "ترامب" إحداث تحول في النقاش الانتخابي خلال الأيام القليلة الماضية بعيدًا عن فشل قيادته للعديد من القضايا التي تتقدم أجندة الناخبين الأمريكيين، مثل: التعامل مع الجائحة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة لمستويات غير مسبوقة، وهي تؤثر على فرص فوزه بفترة رئاسية ثانية، وتعيين قاضية محافظة "إيمي كوني باريت" بالمحكمة العليا خلفًا للقاضية الليبرالية "روث بادر جينسبورج"، وهو ما يرفضه الديمقراطيون الذين يريدون أن تكون الانتخابات الرئاسية المقرر لها في نوفمبر المقبل استفتاء على طريقة تعامل المرشح الجمهوري مع الأزمات المتعددة التي شهدتها الولايات المتحدة مؤخرًا. 

وسيُعيد إصابة الرئيس الأمريكي بفيروس كورونا تصدر قضية تعامل "ترامب" مع جائحة "كوفيد-١٩" والرعاية الصحية للاستحقاق الانتخابي، وتقدمهما مرة ثانية اهتمامات الناخب الأمريكي، وقائمة القضايا التي على أساسها سيصوت في نوفمبر المقبل. 

3- استمرار الحملة الانتخابية للمرشح الديمقراطي في الولايات المتأرجحة: سيستغل الديمقراطيون فترة إقامة الرئيس الأمريكي بالمستشفى لزيادة نشاط "بايدن" الانتخابي في الولايات المتأرجحة المؤثرة في الاستحقاق الانتخابي، بعد توقف المؤتمرات الانتخابية الحاشدة للمرشح الجمهوري في تلك الولايات، وتواصله المباشر مع ناخبيها، وإدارته لحملته الانتخابية افتراضيًّا من المستشفى، حيث يقضي فترة العزل الصحي، وهو ما يعزز فرص فوز "بايدن" بتلك الانتخابات، ومن ثم بمنصب الرئيس الأمريكي القادم. 

ختاماً، إن إصابة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بفيروس كورونا في وقت يشهد فيه التنافس الانتخابي تنافسًا شديدًا بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، وحالة الجدل حول مستقبل المحكمة العليا الأمريكية، وكشف صحيفة "نيويورك تايمز" عن التقرير الضريبي للرئيس الأمريكي، وكذلك تشكيكه في نزاهة الانتخابات الرئاسية القادمة؛ كل ذلك سيؤثر على الاستحقاق الرئاسي الأمريكي، ولكن هذا التأثير سيتحدد جزئيًا بمقدار تداعيات الإصابة بالفيروس على صحة "ترامب"، وما إذا كان قادرًا على التغلب عليه في فترة قصيرة، ولا سيما بعد قضائه على أكثر من 200 ألف أمريكي. فضلًا عن أن إصابة المرشح الجمهوري بالفيروس ستجعل مهمة إحداثه تحولًا في السباق الانتخابي صعبًا خلال الأسبوعين اللذين سيسبقان تصويت الناخب الأمريكي في ٣ نوفمبر، ولا سيما مع تقدم منافسه الديمقراطي عليه في معظم استطلاعات الرأي الوطنية، وفي الولايات المتأرجحة الرئيسية.