أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الخبرة الميدانية:

كيف يتحول الجنود إلى مبتكرين لأسلحة متقدمة؟

27 يونيو، 2017


عرض: منى أسامة محمد، باحثة دكتوارة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 

على مدار العقود الماضية تصاعدت مشاركة المؤسسات العسكرية، في عدد كبير من دول العالم، في عمليات البحوث والتطوير لمنظومات التسلح؛ إذ لم يعد الابتكار العسكري حكرًا على المؤسسات البحثية وشركات الصناعات العسكرية الكبرى بسبب تعقيدات المواجهات العسكرية الحديثة، والتحولات السريعة في احتياجات الجيوش فيما يتعلق بالتكنولوجيا العسكرية، وهو ما فرض تحول المؤسسات العسكرية من مجرد مُتلقٍّ لتكنولوجيا التسليح، إلى مشارك في كافة عمليات الابتكار العسكري وإنتاج الأسلحة، وهو ما تؤكده دراسة لنينا كوارز (الأستاذ المساعد بكلية فرانكلين مارشال بالولايات المتحدة) بعنوان "العبقرية والبراعة في الابتكار العسكري"، والتي نُشرت في دورية "سرفيفال" (Survival) بتاريخ 20 مارس 2017.

من المسئول عن الابتكار العسكري؟

لا تقتصر عملية التطوير الدفاعي والابتكار العسكري على شراء معدات متطورة وأسلحة حديثة، ولكنها تتضمن أيضًا الابتكار في عمليات التدريب والمناورة، وتحديث العقيدة العسكرية للجيش، على أن تتضمن عملية التطوير الاستماع إلى آراء العسكريين وأخذها بعين الاعتبار، لا سيما وأن لديهم خبرة ميدانية كافية تؤهلهم لمعرفة إمكانية تحقيق هذه الأفكار على أرض الواقع.

وتؤكد الدراسة أن عملية الابتكار العسكري وتحديث تكنولوجيا السلاح وتقنيات التدريب يجب أن تكون مستمرة في وقت السلم والحرب، مع الأخذ في الاعتبار أن إدخال أنظمة تكنولوجية متقدمة في فترات الحرب يكون بغرض تحقيق الاحتياجات الضرورية للجيش والتي تسمح له بمواجهة جيش العدو، في حين يهدف الابتكار العسكري في أوقات السلم لمواجهة المخاطر المستقبلية المحتملة.

كما يختلف القائم على عملية الابتكار في وقت السلم والحرب، حيث إن المسئول في الظروف العادية عادة ما يكون العلماء والمهندسون، ويقتصر دور الجندي في الغالب على التنفيذ في هذه الحالة، وهو ما تفعله وزارة الدفاع الأمريكية في بعض الأحيان، حيث أقامت عدة شراكات مع القطاع الخاص لإنشاء مشروعات للابتكار العسكري، مثل: مجلس الابتكار الدفاعي (Defense Innovation Board)، ووحدة الابتكار الدفاعي التجريبية (Defense Innovation Unit Experimental). وعادة ما تعمل هذه الوحدة في مشروعات مشتركة مع وادي السيليكون، فيما يتولى مسئولية الابتكار في أوقات الحرب الجنود لمواجهة التغيرات المفاجئة في ظروف المعركة.

وتدعو الدراسة إلى توسيع نطاق دور العسكريين في عملية الابتكار العسكري؛ حيث إن هناك فرقًا بين العبقري (العالم) الذي يقوم بطرح أفكار غير تقليدية في مجالات مختلفة، والشخص البارع (العسكري) الذي يطرح أفكارًا قد تكون تقليدية أو غير تقليدية اعتمادًا على الخبرة والتخصص، وهذا لا يعني إطلاقًا -وفقًا للدراسة- أن البارع يقل إبداعًا عن العبقري، فالمعرفة العميقة بالنظام والخبرة عنصر هام في عملية الابتكار، ولهذا يجب إيجاد آليات لدمج العسكريين في عمليات التحديث والتطوير التكنولوجي المستمر منذ بدايتها.

برامج تطوير الأسلحة الأمريكية:

تمتلك وزارة الدفاع الأمريكية عدة برامج عسكرية للتطوير والابتكار الدفاعي، لعل من أهمها: برنامج تقييم الجيش المقاتل، وبرنامج تنين البحر 2025 الخاص بالبحرية الأمريكية. ويختلف البرنامجان في أن الأول يهدف إلى ابتكار أسلحة وأدوات عسكرية في بيئة أقل خطورة، في حين أن الثاني يقوم على تطوير أسلحة وآليات لمواجهة بيئات أكثر خطورة، بالإضافة إلى بعض الاختلافات الأخرى التي يمكن توضيحها من خلال توضيح آليات عمل كلا البرنامجين وذلك فيما يلي:

1- برنامج تقييم الجيش المقاتل: هو برنامج تدريبي على المناورات يتم تنظيمه سنويًّا تحت إدارة قيادة التحديث بوزارة الدفاع الأمريكية، ويشارك فيه عدد من الجيوش الأخرى إلى جانب القوات الأمريكية. وفي نهاية هذا التدريب يتم إصدار ثلاثة منتجات رئيسية، هي: ملاحق تتضمن كافة المفاهيم والأفكار التي تمت مناقشتها خلال فترة التدريب من قبل المشاركين، وتقارير تتضمن الدروس المستفادة أثناء عملية التدريب. وأخيرًا، التقرير التنفيذي النهائي الذي تُعده قيادة لواء التحديث بعد نقاش مفتوح مع المراقبين.

واستمر الإعداد لهذه التدريبات في عام 2016 ما يقدر بحوالي 14 ألف ساعة، وعلى الرغم من هذا فإن وقت التدريب قصير للغاية، وهو ما يجعل هناك صعوبة في التأقلم على الأسلحة التكنولوجية الحديثة، وبمجرد بدء التدريب يتجه الفريق المكلف بكتابة التقارير للمراقبة، وجمع المعلومات عن طريق المجموعات البؤرية (focus group)، والمقابلات، واستطلاعات الرأي. ويواجه البرنامج عدة صعوبات، من أبرزها: قلة الموارد المخصصة له مقارنة بأهميته، بالإضافة إلى أن المقابلات والمجموعات البؤرية واستطلاعات الرأي يشوبها عدة أخطاء منهاجية مما يقلل من دقة التقارير الصادرة في نهاية البرنامج.

2- برنامج تنين البحر: يتبع هذا البرنامج مختبر البحرية القتالي، وقد أنشأ هذا البرنامج "تشارلز كرولاك" القائد العام للقوات البحرية الأمريكية في عام 1995، وذلك بهدف إجراء التجارب الجديدة وتجربة أسلحة تكنولوجية، والتعرف على مصادر قوتها وضعفها، مع إجراء التدريبات المشتركة مع دول أخرى، والاستفادة من كل هذا في تطوير وصياغة العقيدة العسكرية البحرية.

وعلى النقيض من برنامج تقييم الجيش المقاتل، يقضي المشاركون فترات طويلة في عملية التدريب مما يساعد في ملاحظة مزايا وعيوب الأسلحة الحديثة. من جانب آخر، يساعد هذا البرنامج في ابتكار أنظمة ومعدات مفيدة للمدنيين أيضًا، مثل ابتكاره نظامًا لتنقية المياه، ونظامًا لشحن الطاقة، وأنظمة لنقل المعدات الثقيلة بطرق سلسة وغير مكلفة، إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجه هذا البرنامج عدم التأقلم مع التغيرات التكنولوجية بسهولة من قبل العسكريين المشاركين في التدريب، وهو ما يحاول القائمون على البرنامج معالجته من خلال تمديد الجدول الزمني للتدريب.

ومن خلال ما سبق يمكن القول إن الولايات المتحدة تعتمد على هذين البرنامجين لتطوير التكنولوجيا العسكرية خلال فترات السلم، وكلاهما أكد على أهمية دور العسكريين في دمج الأفكار والتكنولوجيا الجديدة مع الممارسات والنظم القائمة.

ختامًا تؤكد الدراسة أن النموذج المثالي للابتكار العسكري يتطلب زيادة الاهتمام بأنظمة التدريب والتعليم العسكري، والاستعانة بكافة الوسائل التكنولوجية غير التقليدية، على ألا تقتصر عملية الابتكار على العلماء في المختبرات والمعامل، بل يجب الاستماع أيضًا إلى آراء العسكريين الذين عادة ما تكون لديهم الخبرة اللازمة والحدس الذي يلزم لتصور كيفية توظيف هذه التكنولوجيا في أرض المعركة.

المصدر:

Nina Kollars, "Genius and Mastery in Military Innovation", Survival, Vol.59, No.2, 2017, PP125-138