أثار إقرار الكونجرس الأمريكي في نهاية سبتمبر الماضي قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف باسم "جاستا"، والذي يسمح لعائلات ضحايا الهجمات الإرهابية بمقاضاة دول أجنبية، تساؤلات حول مدى تأثير هذا القانون على العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، ومن ضمنها العلاقات الاقتصادية، وما إذا كانت المملكة ستسحب أصولها واستثماراتها من الولايات المتحدة، حيث يُتوقع أن تقوم أسر ضحايا أحداث 11 سبتمبر 2001 بمُقاضاة المسؤولين السعوديين للحصول على تعويضات مزعومة عن الأضرار التي لحقت بهم.
وبينما لا توجد أرقام رسمية محددة لحجم وقيمة هذه الأصول السعودية، نظراً للتعتيم الذي تفرضه وزارة الخزانة الأمريكية، تشير بعض التقديرات إلى أنها تتراوح بين 700 مليار وتريليون دولار أمريكي(1). ويستعرض هذا التقرير أبرز ملامح العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وخريطة الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة.
1- الاستثمار السعودي المباشر في الولايات المتحدة:
وفقاً لمؤسسة النقد العربي السعودي، بلغت قيمة مخزون الاستثمارات السعودية المباشرة في الخارج حوالي 167.620 مليار ريال سعودي (44.7 مليار دولار أمريكي) بنهاية عام 2014، وحوالي 237.191 مليار ريال سعودي (63.1 مليار دولار) بنهاية عام 2015.
وبحسب تقرير صادر عن السفارة الأمريكية في الرياض، في 31 مارس 2016، فقد استثمرت الشركات السعودية حوالي 13 مليار دولار في الولايات المتحدة، وفي المقابل استثمرت الشركات الأمريكية فعلياً نحو 11 مليار دولار في السعودية(2).
وكانت الحكومة الأمريكية تتحفظ على الاستثمارات كبيرة الحجم من قِبل الحكومات الأجنبية وصناديق الثروة السيادية، لتجنب استخدام هذه الاستثمارات في أغراض سياسية والإضرار بمصالحها، إلى أن وافقت على استحواذ شركة "سابك" السعودية على قطاع الصناعات البلاستيكية في شركة جنرال إلكتريك، وبلغت قيمة الصفقة 11.6 مليار دولار في عام 2007(3).
ووفقاً لمكتب التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارة الأمريكية، فإن قيمة مخزون الاستثمار المباشر في الولايات المتحدة المملوك لمستفيد نهائي يقع مقرة في المملكة العربية السعودية، والمحسوب على أساس التكلفة التاريخية، قد بلغت نحو 11.541 مليار دولار في عام 2014، وتراجع إلى 11.515 مليار دولار في عام 2015 (من بينها 4.3 مليار دولار في قطاعات الصناعات التحويلية، و915 مليون دولار في قطاعات العقارات وتأجيرها).
ووصلت قيمة أصول الشركات الموجودة في الولايات المتحدة المملوكة لمستفيد نهائي سعودي حوالي 40.1 مليار دولار، وقيمة إنفاقها على البحث والتطوير نحو 201 مليون دولار في عام 2014.
جدول رقم (1)
تطور أصول ومبيعات الشركات الموجودة في الولايات المتحدة المملوكة لمستفيد نهائي سعودي خلال الفترة (2007- 2014)
السنة | إجمالي الأصول | المبيعات |
بالمليار دولار | ||
2007 | 31.685 | 50.867 |
2008 | 27.333 | 68.100 |
2009 | 29.842 | 42.522 |
2010 | 34.321 | 55.305 |
2011 | 36.833 | 71.367 |
2012 | 37.511 | 75.964 |
2013 | 38.242 | 76.397 |
2014 | 40.130 | 78.715 |
المصدر: مكتب التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارة الأمريكية (U.S. Department of Commerce).
ملحوظة: لا تتضمن التقديرات السابقة الشركات التي تمتلك المملكة العربية السعودية حصة تقل عن 10% من أسهمها.
وفيما يتعلق بالشركات الأمريكية التي تمتلك شركات سعودية أكثر من 50% من أسهمها، فقد بلغت قيمة إجمالي الممتلكات والمصانع والمعدات الخاصة بها حوالي 26.2 مليار دولار. وقامت تلك الشركات بتوظيف نحو 10.4 ألف مشتغل حصلوا على أجور وتعويضات عاملين قيمتها 1.6 مليار دولار بمتوسط أجر قيمته 152.8 ألف دولار للمشتغل في عام 2014.
ويبرز الوجود الكبير للشركات السعودية في الاقتصاد الأمريكي، فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة أرامكو، في مارس 2016، عن صفقة لتملك مصفاة "بورت آرثر" بالكامل وشبكة من 26 محطة توزيع وحقوق لبيع الوقود تحت العلامة التجارية "شل" وذلك في أنحاء واسعة من الولايات المتحدة. وتستثمر أرامكو أيضاً في التكنولوجيا، بجانب ملكيتها جزئياً ثماني شركات صغيرة على الأقل داخل الولايات المتحدة(4). كما اتجهت شركات البتروكيماويات مثل الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) للاستثمار والاستفادة من طفرة النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة(5).
أيضاً، تتضمن خطة التحول الاقتصادي السعودية المعروفة باسم بـ"رؤية السعودية 2030"، عشرات المشاريع العملاقة التي يمكن لشركات أمريكية المشاركة فيها.
2- استثمارات الحافظة:
تراجعت قيمة حيازات المملكة العربية السعودية من سندات الخزانة الأمريكية من 123.9 مليار دولار في يناير 2016، لتصل إلى 93 مليار دولار (وهو ما يعادل حوالي 1.5% من إجمالي قيمة سندات الخزانة الأمريكية) في أغسطس 2016، وفقاً لتقديرات وزارة الخزانة الأمريكية.
وتأتي المملكة العربية السعودية في المرتبة الخامسة عشرة من حيث الدول الأكثر حيازة لسندات الخزانة الأمريكية. وتمثل قيمة الحيازات السعودية من هذه السندات حوالي 24.8% من احتياطيات المملكة النقدية المستثمرة في الخارج، ونحو 16.5% من إجمالي أصولها الاحتياطية البالغة 562.2 مليار دولار في أغسطس 2016، وذلك وفقاً لبيانات مؤسسة النقد العربي السعودي.
وبلغ إجمالي قيمة حيازات المملكة العربية السعودية من الأوراق المالية الأمريكية طويلة الأجل حوالي 147.2 مليار دولار في نهاية يوليو 2016، وذلك وفقاً لتقديرات وزارة الخزانة الأمريكية.
3- التجارة السلعية بين السعودية والولايات المتحدة:
بلغت قيمة واردات المملكة العربية السعودية من الولايات المتحدة حوالي 23.9 مليار دولار في عام 2015، وذلك وفقاً للهيئة العامة للإحصاء السعودية. وتمثل قطع غيار الطائرات ومحركاتها وأجزائها نسبة 13% منها، ثم السيارات المصممة لنقل الأشخاص التي تتجاوز سعة محركها 3 لتر (3000 سي سي) بنسبة 10% تقريباً، تلي ذلك التوربينات الغازية والسيارات الأخرى والدراجات البخارية وأجزاء آلات حفر أو سبر الأعماق.
وقُدرت قيمة الصادرات السعودية إلى الولايات المتحدة بنحو 21.5 مليار دولار في عام 2015، وتتضمن أبرز صادرات المملكة للولايات المتحدة أسمدة اليوريا وخلائط الألمنيوم الخام، غير أن زيوت النفط الخام استحوذت على حوالي 92% من إجمالي قيمة هذه الصادرات. وقد تراجعت واردات الولايات المتحدة من النفط الخام السعودي من حوالي 1.423 مليون برميل يومياً في عام 2006 إلى 1.052 مليون برميل في المتوسط يومياً خلال عام 2015، وذلك وفقاً لبيانات الوكالة الأمريكية لمعلومات الطاقة.
4- حجم التجارة في الخدمات:
وصلت قيمة واردات الولايات المتحدة من الخدمات السعودية إلى نحو 1.1 مليار دولار في عام 2015، وذلك وفقاً لبيانات وزارة التجارة الأمريكية. وبلغت قيمة الصادرات الأمريكية من الخدمات إلى المملكة العربية السعودية حوالي 9.9 مليار دولار في عام 2015، وجاءت خدمات السفر والخدمات التعليمية في مقدمة هذه الخدمات.
وفيما يتعلق بخدمات التعليم، فقد ساهم الدارسون السعوديون في الكليات والجامعات الأمريكية بنحو 1.7 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي خلال عام 2014. وقد بلغ عدد الطلاب السعوديين الدارسين في الكليات والجامعات الأمريكية حوالي 59945 طالباً في عام 2014/ 2015، ونحو 56900 طالباً في عام 2015/ 2016، ليمثلوا حوالي 6% من الطلبة الأجانب في الولايات المتحدة، وذلك وفقاً لبيانات وزارة التجارة الأمريكية(6). وبذلك تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الرابعة من حيث الدول الأعلى إيفاداً للدارسين في الولايات المتحدة بعد الصين والهند وكوريا الجنوبية. وتسعى المملكة إلى تأهيل قياداتها المستقبلية وتوفير العمالة المؤهلة المدربة من مواطنيها.
ختاماً، يمكن القول إن الولايات المتحدة تعتمد بشكل رئيسي في تمويل ميزانيتها على السندات التي تشتري الدول الأخرى جزءاً كبيراً منها، ومنها المملكة العربية السعودية. وبالتالي فإنه في حال تنفيذ المملكة تهديداتها بسحب أصولها وأيضاً استثماراتها من الولايات المتحدة في وقت قصير نسبياً على خلفية قانون "جاستا"، فذلك سيكون له تأثير سلبي على واشنطن، ولكنه سينجم عنه أيضاً انخفاض في قيمة بيع هذه الأصول.
المراجع:
(1) قانون 9/11.. حجم الأصول السعودية "المهددة" بأمريكا يعود للواجهة، شبكة سي إن إن الإخبارية، 29 سبتمبر 2016، متاح على الرابط التالي:
http://arabic.cnn.com/business/2016/09/29/saudi-bonds-us-911-law
(2) Arun M. Kumar, Deepening the Saudi-U.S. Business Partnership through Investment, U.S. Embassy & consulates in Saudi Arabia, March 31, 2016, https://sa.usembassy.gov/op-ed-deepening-saudi-u-s-business-partnership-investment/
(3) سابك تشتري قطاع الصناعات البلاستيكية في شركة جنرال إلكتريك بمبلغ 11.6 مليار دولار أمريكي، موقع سابك، 21 مايو 2007، متاح على الرابط التالي:
https://www.sabic.com/corporate/ar/newsandmediarelations/news/2007/20070521--GE-SELECTS-SABIC-TO-ACQUIRE-PLASTICS-UNIT-FOR--11-6-BILLION
(4) Binyamin Appelbaum, "Saudi Threat to Sell U.S. Assets Could Hurt, but Mostly the Saudis," The New York Times, April 19, 2016.
(5) UNCTAD, World Investment Report 2014,
http://unctad.org/en/PublicationsLibrary/wir2014_en.pdf.
(6) International Trade Administration, 2016 Top Market Report Education, U.S. Department of Commerce, May 2016,
http://www.trade.gov/topmarkets/pdf/Education_Top_Markets_Report.pdf.