أفادت وكالة الأنباء المركزية في كوريا الشمالية، في 11 نوفمبر 2024، بأن بيونغ يانغ صدّقت على معاهدة للدفاع المشترك مع روسيا وقّعها زعيما البلدين؛ الكوري الشمالي كيم جونغ أون، والروسي فلاديمير بوتين، في يونيو الماضي، وتدعو كل جانب إلى مساعدة الجانب الآخر في حالة وقوع هجوم مُسلّح.
وكانت مصادر أشارت، خلال أكتوبر 2024، إلى قيام كوريا الشمالية بإرسال عدّة آلاف من قواتها المسلحة إلى روسيا لمساعدتها على حربها في أوكرانيا. ورغم غموض موقف كل من موسكو وبيونغ يانغ بعدم تأكيدهما أو نفيهما لتلك الخطوة بصورة قاطعة؛ فإن موقف الصين الصامت وعدم إبداء بكين أي موقف علني واضح إزاءها لم يكن أقل غموضاً من نظيريه الروسي والكوري الشمالي، ولاسيما وأن تزايد التقارب العسكري بين كوريا الشمالية وروسيا، في الآونة الأخيرة، يُثير مخاوف الصين الحليف الاستراتيجي الرئيسي لكل من الدولتين؛ لأسباب واعتبارات عديدة؛ وذلك بالنظر إلى ما سيترتب عليه من تداعيات على دور ومكانة بكين الإقليمية والعالمية.
سياقات مُتباينة:
جاءت خطوة إرسال قوات عسكرية كورية شمالية إلى روسيا نتيجة تصاعد الأزمة الأوكرانية، في ظل مجموعة من السياقات المُتباينة المرتبطة بالعلاقات الثلاثية بين كل من الصين وكوريا الشمالية وروسيا، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:
1. استياء صيني تجاه بيونغ يانغ: ترتبط الصين بعلاقات تاريخية وثيقة مع كوريا الشمالية تمتد إلى ما يزيد على سبعة عقود؛ إذ يُنظر إلى بكين باعتبارها الحليف الأقرب إلى بيونغ يانغ، ولاسيما في ظل ارتباط البلدين بمعاهدة تعاون ومساعدة متبادلين، وكذلك ارتباطهما بحدود مُشتركة يصل طولها إلى 1146 كيلومتراً، فضلاً عن التعاون العسكري والأمني الوثيق بين البلدين. كما تأتي الصين في صدارة الشركاء التجاريين لكوريا الشمالية.
ومع ذلك، فقد برزت مؤخراً بعض المؤشرات والدلائل على غضب الصين إزاء بعض التحركات الخارجية للنظام الكوري الشمالي، ولاسيما المدى الذي وصل إليه تطور العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية؛ إذ أبدت بكين عدم ارتياحها بشأن قيام بيونغ يانغ بإرسال قوات عسكرية إلى روسيا للمشاركة في الحرب ضد أوكرانيا. وفي رسالة في أوائل أكتوبر 2024، تجاهل الرئيس الصيني شي جين بينغ الإشارة التقليدية إلى كوريا الشمالية باعتبارها "دولة مُجاورة صديقة"، وذلك عندما وجه الشكر لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون على رسالة تهنئة بمناسبة الذكرى الـ75 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
كما تبنت الصين موقفاً حذراً إزاء قيام كيم جونغ أون، في يونيو 2024، بتعزيز العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ وهو ما تجسد في توقيع الدولتين على معاهدة استراتيجية تتضمن بنوداً تتعلق بالدفاع المشترك، كما سبقت الإشارة إليها.
2. تنامي التعاون العسكري بين الصين وروسيا: ترتبط بكين وموسكو بعلاقات شراكة استراتيجية، ولاسيما في المجالين العسكري والاقتصادي. وقد شهد التعاون العسكري بين الدولتين تنامياً لافتاً في الآونة الأخيرة، عبّرت عنه العديد من المؤشرات، ولاسيما إجراء العديد من المناورات العسكرية المشتركة، والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين العسكريين. ففي سبتمبر 2024، نفّذت روسيا والصين مُناورات "المحيط 2024"، في بحر اليابان وبحر أوخوتسك؛ بهدف تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الجيشين الصيني والروسي في الاستجابة للتهديدات الأمنية.
وفي يوليو 2024، أجرت الدولتان مناورات بحرية مشتركة تحت اسم "التفاعل البحري 2024" على طول السواحل الجنوبية للصين، تضمنت محاكاة للتعامل مع هجمات مضادة للطيران والغواصات والقيام بمهام الإنقاذ البحري.
كما قام وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف بزيارة إلى الصين، في أكتوبر 2024، التقى خلالها عدداً من كبار المسؤولين الصينيين، لتأكيد أهمية التعاون العسكري بين الدولتين في الحفاظ على الاستقرار الدولي، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية الروسية الصينية في مجال الدفاع. فيما دعت بكين على لسان نائب رئيس المجلس العسكري الصيني تشانغ يو شيا، إلى تعميق العلاقات بين الجيشين الصيني والروسي على مختلف الأصعدة.
3. تصاعد التعاون العسكري الروسي الكوري الشمالي: شهدت العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية تنامياً ملحوظاً في السنوات القليلة الماضية، وخاصة منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2022، وتحديداً في مجال التعاون الدفاعي والعسكري، والذي تمثلت أبرز ملامحه في توقيع الدولتين، خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بيونغ يانغ في يونيو 2024، اتفاق شراكة استراتيجية شاملة، ينص على الدعم العسكري المُتبادل في حال تعرض أي من البلدين لعدوان خارجي، حسب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة وقوانين روسيا وكوريا الشمالية؛ وذلك بهدف إرساء الأساس لتعميق العلاقات في جميع المجالات، وتعزيز الاستقرار في منطقة أوراسيا.
وقد سبق توقيع الاتفاقية وإرسال القوات العسكرية الكورية الشمالية إلى موسكو موافقة بيونغ يانغ في سبتمبر 2023، على إمداد روسيا بصواريخ وذخائر مقابل مساعدات غذائية ودعم البرنامج الفضائي لكوريا الشمالية، حيث أشارت تقديرات إلى قيام كوريا الشمالية بإرسال أكثر من 13 ألف حاوية من الإمدادات العسكرية إلى روسيا.
دوافع بكين:
هناك العديد من الدوافع التي تقف وراء مخاوف بكين إزاء تنامي التقارب العسكري بين كوريا الشمالية وروسيا في الآونة الأخيرة، ولاسيما إثر قيام بيونغ يانغ بنشر قوات عسكرية في موسكو، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:
1. الأهمية الكبرى لكوريا الشمالية بالنسبة للصين: ثمّة مقولة تاريخية للزعيم الصيني ماو تسي تونغ، مُفادها أن الصين وكوريا الشمالية قريبتان مثل "الشفاه والأسنان"؛ وهو ما يعكس الأهمية الكبرى التي تمثلها كل من الدولتين للأخرى. فكوريا الشمالية تمثل منطقة عازلة بين الصين وحلفاء الولايات المتحدة في شرق آسيا، كما أن زوال نظام كيم جونغ أون؛ من شأنه أن يدفع ملايين اللاجئين عبر الحدود الصينية، الأمر الذي يُسبب إشكالية كبرى للصين على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. وعلى الجانب المقابل، فإن بكين تمثل شريان الحياة الوحيد بالنسبة لبيونغ يانغ؛ إذ تمثل الأعمال التجارية مع الصين أكثر من 90% من إجمالي حجم التجارة في كوريا الشمالية. وعندما أغلقت الدولتان حدودهما في عام 2020 بسبب جائحة كورونا؛ انخفض اقتصاد كوريا الشمالية بنسبة 4.5%.
2. زيادة الاصطفاف الغربي في آسيا والمحيط الهادئ: يتمثل أحد الدوافع الرئيسية وراء مخاوف الصين إزاء انخراط كوريا الشمالية في الحرب الروسية الأوكرانية فيما قد يترتب على هذا الأمر من اتجاه الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والآسيويين لمزيد من الاصطفاف والوجود العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهو التطور الذي لا ترغب الصين في حدوثه. ومن المعلوم أن الصين ترفض ما تعتبره توسعاً في دور حلف شمال الأطلسي "الناتو" بآسيا في الفترة الأخيرة، وخاصة توسيع علاقات الحلف مع أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية؛ إذ ترى بكين أن تلك التحركات لا تؤثر فحسب في مصالحها، وإنما أيضاً في الأمن والاستقرار بالمنطقة. كما أنها تنظر إلى مثل هذه التجمعات الدفاعية باعتبارها أداة غربية لتقييد صعودها كقوة عالمية، وقد تُساعد واشنطن على الحشد السريع لحلفائها في أي صراع محتمل مع الصين بشأن تايوان.
3. التأثير في توازن القوى بشبه الجزيرة الكورية: من شأن قيام كوريا الشمالية بنشر جنودها في روسيا، أن يؤدي من وجهة نظر الصين إلى زعزعة استقرار توازن القوى في شبه الجزيرة الكورية. حيث يمكن أن يدفع الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية إلى تعزيز تحالفها العسكري في شرق آسيا؛ لمواجهة الطموحات المتزايدة لكوريا الشمالية في القيام بدور عسكري يتجاوز نطاق وحدود شرق آسيا. ومن هنا، فإن الصين تواجه إشكالية معقدة، فمن ناحية، لا تريد أن ترى عودة الحرب الباردة إلى شرق آسيا، ومن ناحية أخرى، تعارض التحركات الأمريكية لتقوية التحالف مع كوريا الجنوبية واليابان، خاصة وأن الأخيرة ترى أن تنامي التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية "مثير للقلق العميق"، وسيؤدي إلى تفاقم الوضع في أوكرانيا ويؤثر في أمن المنطقة المحيطة باليابان.
وبجانب ما سبق، فإن مُشاركة القوات الكورية الشمالية بصورة فعلية في القتال في أوكرانيا يمكن أن تكسبها خبرة قتالية واختبار أنظمة أسلحتها المُتقدمة؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تحوّلات جذرية في التوازن الأمني في شبه الجزيرة الكورية. كذلك؛ فإن تدخل كوريا الشمالية في الصراع الروسي الأوكراني قد يعني أن بيونغ يانغ حصلت على التزام مُتبادل من موسكو بالتدخل في أي صراع مُحتمل قد تشهده شبه الجزيرة الكورية؛ وهو احتمال من شأنه أن يثير قلق بكين.
4. احتمال تورط الصين في الحرب ضد أوكرانيا: تتخوف الصين من أن يؤدي انخراط قوات عسكرية من كوريا الشمالية في الحرب الروسية ضد أوكرانيا، إلى تورط بكين في الصراع؛ ذلك أن قيام قوات كوريا الشمالية بالقتال ضد أوكرانيا سوف يجعل بيونغ يانغ، الحليف العسكري الوحيد لبكين، هدفاً مشروعاً لكييف. وبالنظر إلى التزام الصين بموجب المعاهدة الدفاعية بين الدولتين بالدفاع عن كوريا الشمالية، فإن تعرض بيونغ يانغ للهجوم؛ يعني التزام الصين بإرسال قواتها واستخدام كل الوسائل لحماية كوريا الشمالية.
ومع ذلك؛ فإن ثمّة شكوكاً بشأن إمكانية انخراط الصين بصورة مباشرة في الحرب الأوكرانية، خاصة وأن تركيزها الأساسي يتمثل في تايوان، فضلاً عن دعوتها للحل السلمي للأزمة.
5. تزايد سباق التسلح في المنطقة: يتمثل أحد أهداف بيونغ يانغ وراء الانخراط في الصراع العسكري في أوكرانيا، في الحصول على مساعدة روسيا في تطوير قدراتها النووية؛ وهو الأمر الذي قد يترتب عليه تسارع سباق التسلح في منطقة شبه الجزيرة الكورية، والذي يمثل تطوراً غير مقبول ومثيراً للقلق بالنسبة للصين.
فقد شهدت منطقة شبه الجزيرة الكورية إثر إرسال كوريا الشمالية قوات عسكرية إلى روسيا تسابقاً ملحوظاً في إجراء التجارب الصاروخية والمناورات العسكرية من جانب الكوريتين الشمالية والجنوبية. كما أجرت كوريا الجنوبية مؤخراً مناورات جوية مشتركة مع اليابان والولايات المتحدة، وذلك رداً على اختبار كوريا الشمالية صاروخاً بعيد المدى. كذلك، كشفت سيول في أكتوبر 2024، عن أكبر صاروخ بالستي لها، وهو "هيونمو-5"، القادر على تدمير التحصينات المقامة تحت الأرض.
6. مُحاولة موسكو وبيونغ يانغ عزل بكين: قد ينطوي قيام روسيا بالاستعانة بقوات عسكرية من كوريا الشمالية لمساعدتها في حربها ضد أوكرانيا على محاولة من جانب الدولتين لإبعاد أو عزل الصين عن التطورات التي تتصل بتوثيق علاقات الشراكة الاستراتيجية بينهما، ولاسيما في بعدها الدفاعي والعسكري. وهو ما قد يُفسر تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان، تعليقاً على إرسال كوريا الشمالية قوات عسكرية إلى روسيا، بأن الصين ليست على علم بالوضع. ويعضد هذا الاحتمال أيضاً تزايد اعتماد بيونغ يانغ على موسكو للحصول على الدعم الاقتصادي والعسكري. كذلك، ثمة إمكانية بأن تتجه كوريا الشمالية نحو زيادة الاعتماد على روسيا على حساب الصين، فضلاً عن التصريحات المتكررة لكوريا الشمالية بأن روسيا هي صديقتها الأولى.
تداعيات مُحتملة:
يتوقع أن يترتب على تنامي التعاون العسكري بين كوريا الشمالية وروسيا العديد من التداعيات بالنسبة للصين، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:
1. تراجع النفوذ الصيني في كوريا الشمالية: على الرغم من تاريخية العلاقات بين الصين وكوريا الشمالية، واعتماد الأخيرة بدرجة كبيرة على الصين لدعمها اقتصادياً وسياسياً؛ فإن من شأن تنامي التعاون العسكري الكوري الشمالي الروسي أن يمثل خصماً من النفوذ الكبير الذي تحظى به الصين على كوريا الشمالية. حيث ترفض بكين قيام بيونغ يانغ بنشر قواتها في روسيا، بالنظر إلى تفضيلها لخيار الحل السياسي للأزمة الأوكرانية على خيار الحرب أو التصعيد العسكري؛ ومن هنا، فإن قيام بيونغ يانغ بإرسال قواتها إلى روسيا من دون التشاور مع الصين، يشير إلى تراجع دور ونفوذ بكين في كوريا الشمالية لصالح روسيا، ومما يدلل على ذلك أن روسيا يمكنها تقديم الخبرة التقنية التي تحتاجها بيونغ يانغ في مجال الأسلحة. كما تبادل 40 وفداً دبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً من الدولتين الزيارات في عام 2024؛ أي أكثر من أربعة أضعاف عدد تفاعلات بيونغ يانغ مع بكين.
ويُهدد تنامي التعاون العسكري بين كوريا الشمالية وروسيا بتقويض مساعي الصين في ممارسة نفوذ أكبر على كوريا الشمالية؛ ومن ثم فإن توثيق العلاقات العسكرية بين بيونغ يانغ وموسكو قد يعني تقليص نفوذ الصين على بيونغ يانغ، كما أن مشاركة القوات الكورية الشمالية في القتال من شأنها أن تُعزّز شراكة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، على حساب الشراكة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.
2. ضغوط أمريكية على الصين: مارست الولايات المتحدة ضغوطاً على الصين بهدف دفع كوريا الشمالية إلى الامتناع عن المشاركة النشطة في الحرب الروسية ضد أوكرانيا. فقد دعت الولايات المتحدة الصين إلى استخدام نفوذها على روسيا وكوريا الشمالية لمنع التصعيد بعد إرسال بيونغ يانغ آلاف الجنود إلى روسيا لدعم الحرب ضد أوكرانيا. حيث التقى ثلاثة من كبار الدبلوماسيين الأمريكيين مع سفير الصين لدى الولايات المتحدة للإعراب عن المخاوف الأمريكية، وحث الصين على استخدام نفوذها في كوريا الشمالية للحد من التعاون مع روسيا. ورداً على الضغوط الأمريكية، أكدت الصين ثبات موقفها بشأن الأزمة الأوكرانية، والذي يرتكز على استمرار القيام بدور بناء بشأن إجراء محادثات سلام والتسوية السياسية للأزمة.
3. تزايد الانخراط الأمني الغربي في المنطقة: يرى حلف شمال الأطلسي "الناتو" أن تعميق التعاون العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية يُشكّل تهديداً لأمن منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكذلك للأمن الأوروبي. وذلك على خلفية تأكيد الحلف الوجود الفعلي لبعض القوات الكورية الشمالية في منطقة كورسك الروسية التي تسيطر عليها جزئياً القوات الأوكرانية.
وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تعزيز التحالفات العسكرية في المنطقة بين الحلف والقوى الآسيوية الرئيسية الحليفة للغرب في آسيا، ولاسيما كوريا الجنوبية واليابان؛ وهو الأمر الذي يتوقع أن يُقابل بتحركات وخطوات مضادة من جانب الصين، بجانب توتير علاقاتها مع كوريا الجنوبية واليابان وحلف "الناتو".
4. التأثير في مكانة ودور الصين: تُعد كوريا الشمالية وروسيا حليفتين رئيسيتين للصين، وتتبنى الدول الثلاث رؤية للعلاقات الدولية تتناقض مع الرؤية الأمريكية للنظام الدولي الراهن، وترتكز على إقامة عالم مُتعدد الأقطاب؛ ومن شأن قيام كوريا الشمالية وروسيا باتخاذ خطوات وتحركات تتعارض مع مصالح وتوجهات حليفتهما الرئيسية بكين، ولاسيما إزاء كيفية التعامل مع الأزمة الأوكرانية، أن يؤدي إلى تقويض مساعي الصين لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، بعيداً عن سيطرة الولايات المتحدة على النظام الدولي الراهن. كذلك؛ فإن من شأن تزايد التعاون العسكري الكوري الشمالي الروسي أن يؤثر في النفوذ الإقليمي للصين، سواء في منطقة شرق آسيا، أم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ولاسيما من ناحية تزايد المخاطر والقيود التي تؤثر في تحركات السياسة الخارجية الصينية، ما يترتب عليه الحد من فرص وإمكانات نجاحها في تحقيق أهدافها ومصالحها الوطنية.
وفي التقدير، يمكن القول إن قيام كوريا الشمالية بإرسال قوات عسكرية إلى روسيا للمشاركة في الحرب على أوكرانيا، يُمثل إشكالية كبرى بالنسبة للصين حليفتهما الاستراتيجية الرئيسية، ولاسيما في ظل المحددات الاستراتيجية الحاكمة للعلاقات بين الدول الثلاث، والتي تجعل من إقدام أحدهما على خطوة أو تصرف مفاجئ يُمثل إرباكاً حقيقياً لمصفوفة العلاقات الثلاثية، وهو ما ينطبق على الموقف الصيني إزاء التحرك الأخير لكوريا الشمالية تجاه روسيا. وعلى الرغم مما سيترتب على خطوة بيونغ يانغ المربكة للصين؛ فإنه يُرجح أن تتعامل بكين معها انطلاقاً من براغماتية السياسة الخارجية الصينية، عبر محاولة التقليل من تأثيرها في المصالح العليا للصين، والعمل على تحييد تداعياتها على دور ومكانة الصين إقليمياً وعالمياً.