أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

أزمة عاصفة:

تأثير كارثة زلزال تركيا في مستقبل أردوغان السياسي

13 فبراير، 2023


ضرب زلزال بقوة 7.8 ريختر، في 6 فبراير 2023، جنوب تركيا وشمال سوريا، وتبعه زلزال آخر بقوة مُماثلة بعد ساعات في نفس المنطقة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 37 ألفاً حتى يوم 14 من نفس الشهر. 

أبعاد الأزمة

ثمّة عدة أبعاد تحيط بتلك الأزمة، ويمكن تفصيلها على النحو التالي:

1- زلزال تاريخي: وصل عدد الوفيات في الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا إلى أكثر من 31 ألفاً و643 شخصاً، حتى يوم 14 فبراير 2023، وهو ما يجعله الزلزال الأسوأ في تاريخ تركيا منذ نظيره الذي وقع عام 1939، والذي حصد حياة حوالي 33 ألف شخص، أما زلزال عام 1999، الذي ضرب المركز الصناعي لتركيا بالقرب من إسطنبول، على مدى أشهر، فقد أودى بحياة أكثر من 18 ألف شخص. 

وأشارت مصادر إلى أن العدد الحقيقي للوفيات جراء زلزال فبراير قد يكون أعلى بكثير، لاسيما بعد مرور نحو ثمانية أيام على بدء الكارثة. وتوقعت منظمة الصحة العالمية وصول عدد المتضررين من الزلزال لنحو 26 مليوناً، منهم 15 مليوناً في تركيا، و11 مليوناً في سوريا، فيما صنفته وكالة رويترز ضمن قائمة أكبر وأسوأ الكوارث الطبيعية في القرن الحادي والعشرين.

2- توقعات مُسبقة: حذر بعض الخبراء والباحثين من وقوع زلزال مدمر في تلك المنطقة قبل حدوثه، إذ أشار الخبير الهولندي والباحث في شؤون الزلازل، فرانك هوغيربيتس، في 3 فبراير 2023، أي قبل وقوع الزلزال بثلاثة أيام، خلال تغريدة على "تويتر"، من توقعات دقيقة بشأن حدوث زلزال تركيا، فيما توقعت دراسة تركية قادها، أرزو أرسلان كيلام، من جامعة "الشرق الأوسط التقنية" بأنقرة، ونشرت في مارس 2022، أن يؤدي نمط البناء المستخدم في أحياء مدينة "غازي عنتاب" التركية، لكارثة ضخمة إذا وقع زلزال بقوة 6.5 ريختر فقط، الأمر الذي قد يُفسر حجم الدمار الكبير بعد الزلزال.

3- قصور الاستجابة: تعرضت حكومة أردوغان لانتقادات جراء استجابتها التي وصُفت بالضعيفة في التعامل مع الأزمة، خاصة وأن 0.5% فقط من الإنفاق من ميزانية الحكومة المركزية عام 2022 قد ذهب إلى البرامج المُتعلقة بالتحسينات الحضرية وإدارة الكوارث في تركيا المُعرضة للزلازل، الأمر الذي أثار تساؤلات حول استعداد البلاد لحدوث مثل تلك الأزمات، كما انتشرت أعمال نهب وسرقة بالمحافظات المنكوبة في أعقاب الزلزال، الأمر الذي جعل البعض يوجه اتهامات للحكومة بالتقصير في الاستجابة للأزمة. 


ويضاف إلى ذلك، أن الكارثة وقعت في الوقت الذي يستعد فيه أردوغان وحزبه للانتخابات الرئاسية والبرلمانية منتصف العام الجاري، وكان يحرص على توظيف تحسن الأوضاع الاقتصادية لتعزيز وضعه وحزبه في الانتخابات المبكرة التي كان يخطط لإجرائها، غير أن الزلزال والاتهامات الموجهة للحكومة التركية بالتقصير قد تطيح بهذه الجهود، أو تنتقص من فرصه في تحقيق الفوز الذي كان يرغب في تحقيقه. 

توظيف أردوغان للأزمة

على الرغم من ضخامة الكارثة، وما نجم عنها من تداعيات، فإن أردوغان وحكومته حرصا على توظيفها لصالحهما، وذلك على النحو التالي:

1- قيادة أردوغان الأزمة بنفسه: سارع أردوغان منذ بداية الأزمة إلى الإعلان عن توليه مسؤولية إدارتها، في إشارة لمحاولته تفادي الانتقادات التي واجهها رئيس الوزراء السابق، بولنت أجاويد، على نطاق واسع بسبب التردد في التعامل مع زلزال عام 1999. كما حذر أردوغان من خطورة إعطاء المصداقية لمن وصفهم بالمستفزين في إشارة إلى شخصيات معارضة انتقدت رد فعله البطيء على الكارثة. 

وفي مسعى منه لتأكيد أن كارثة الزلزال لم تؤثر في شعبيته، أعلن إصراره على إجراء الانتخابات في مايو، بعد انتهاء فترة الطوارئ التي أعلنها على خلفية الزلزال. وفي المقابل، أرجأت المعارضة الإعلان عن مرشحها لمنافسة أردوغان على الرئاسة، بعد تأجيل حزب السعادة اجتماع تحالف طاولة الستة على خلفية الكارثة.

2- دفع عملية التطبيع مع دمشق: قد تدفع الكارثة وتداعياتها إلى تسريع عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق، لاسيما وسط تضرر البلدين بصورة كبيرة، والحاجة إلى تضافر الجهود من أجل مواجهة تبعات الكارثة. كما قد تُسهم حالة التضامن الإقليمي والدولي الحاصلة مع سوريا، في إكساب الحكومة السورية قبولاً دولياً قد يدفعها للحفاظ على قنوات دبلوماسية مستدامة مع كافة الأطراف، ما يسهم في تسريع مساعي التقارب التركي السوري.

ويضاف إلى ذلك، سماح تركيا بفتح كافة المعابر الحدودية مع سوريا لإيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة في شمال سوريا، بعد أن كان تقديم المساعدات يجري، في السابق، من خلال معبر باب الهوي الحدودي فقط.

3- انفراجة في العلاقات التركية الغربية: يسعى أردوغان إلى استغلال الكارثة في إحداث انفراجة في علاقاته مع الغرب، خاصة بعدما شهدت خلال الفترة الأخيرة توتراً على إثر إغلاق عدد من الدول الأوروبية لقنصلياتها في إسطنبول، بزعم وجود تهديدات إرهابية، إذ سارعت الدول الغربية في تقديم المساعدات المالية والفنية لأنقرة.

وبدأت واشنطن في إرسال مساعداتها لأنقرة بعد يوم واحد من الزلزال، بالإضافة لدول أوروبية أخرى، وحتى اليونان؛ خصم تركيا التاريخي، أرسلت رجال إنقاذ وإمدادات على متن طائرة عسكرية، وتعهد رئيس وزرائها كيرياكوس ميتسوتاكيس، بإتاحة كل قوة متاحة لبلاده من أجل مساعدة جارتها، ما قد يُشير لبداية انفراجة في العلاقات بين أنقرة والغرب.

تداعيات على الداخل

قد يتمخض عن تلك الكارثة العديد من التداعيات السلبية، والتي قد يتكشف مدى حدتها خلال الفترة المقبلة، ويتمثل أبرزها فيما يلي:

1- تأزم مستقبل أردوغان: قد تسفر تلك الأزمة عن إضعاف موقف أردوغان وحزبه في الانتخابات المقبلة، وذلك بالنظر إلى هجوم المعارضة وبعض قطاعات الرأي العام التركي عليه بسبب ما اعتبروه قصوراً في تعامل الحكومة التركية مع الأزمة. 

وحاول أردوغان مواجهة ذلك من خلال الاعتراف بالقصور في الاستجابة لها من ناحية، وإن سعت حكومته للتنصل من المسؤولية عن الكارثة، على الرغم من تحذير الخبراء من أن العديد من المباني في المنطقة التي وقع بها الزلزال غير آمنة بسبب الفساد والسياسات الحكومية، التي تسمح للمقاولين بمخالفة قواعد السلامة، من أجل تشجيع عمليات البناء، حتى في الأماكن الأكثر عرضة للزلازل. 

ويبدو أن الحكومة التركية تنصلت مما سبق، من خلال إصدارها 113 مذكرة اعتقال بحق مهندسين ومقاولين على صلة بمبان انهارت في الزلزال، فيما يؤشر على رغبة حكومة أردوغان في إلقاء التهمة عن عاتقها واتهام تلك الأطراف.

2- تفاقم الأزمة الاقتصادية: رجحت بعض المصادر أن الزلزال سيؤدي إلى كارثة اقتصادية كاملة، وقدرت أن تكلفته ستتراوح بين 35 و50 مليار دولار، أي بما سيعادل بين 32 إلى 45% من إجمالي العجز التجاري المحلي والخارجي لتركيا، وهي تقديرات قد يكون مبالغاً فيها. وقدمت مؤسسة التصنيف الائتماني الدولية "فيتش" تقديراً أكثر تحفظاً، إذ توقعت أن تتراوح تلك التكلفة بين ملياري و4 مليارات دولار أو أكثر قليلاً، رغم تأكيدها على صعوبة تقدير الخسائر الاقتصادية بدقة في الوقت الحالي. 

وقد يؤثر ما سبق سلبياً في معدلات النمو في تركيا، لاسيما وأن قطاعات متعددة قد شهدت تأثيرات سلبية من جراء الزلزال، حيث أشارت تقديرات إلى إمكانية انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي بين 0.6% و2%، دون المستوى المستهدف البالغ 5%، مؤكدين أن التعافي قد يستغرق ما بين 6 و12 شهراً. 

وسجلت العملة التركية انخفاضاً قياسياً أمام الدولار، على خلفية الكارثة، كما تم تعليق عمليات البيع في البورصة التركية لأول مرة منذ 24 عاماً، بعد تهاوي مؤشر الأسهم الرئيسي بنسبة 4.6% ومؤشر البنوك بأكثر من 5%. هذا إلى جانب، تعرض قطاع المباني في تركيا لأضرار فادحة، حيث انهار كلياً أو جزئياً أكثر من 10 آلاف مبنى، بالإضافة للزيادة الهائلة في الإنفاق، في ضوء إعلان أردوغان عن توزيع 10 آلاف ليرة (531 دولاراً) لكل أسرة متضررة.

3- احتمالية توحيد المعارضة: ثمّة حالة من التربص تبدو واضحة بين الحكومة والمعارضة في التعامل مع الزلزال، فقد تمثل الكارثة فرصة قوية أمام المعارضة التركية لتوحيد صفوفها، والإعلان عن مرشح واحد يواجه أردوغان في الانتخابات المقبلة، خاصة في ظل انتقاد بعض قطاعات الرأي العام التركي أردوغان وحزبه، وذلك على غرار ما حدث عقب كارثة زلزال 1999، والتي كانت أحد العوامل التي أسهمت في وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة.

وفي التقدير، يمكن القول إن كارثة الزلزال في تركيا تمثل اختباراً حقيقياً لأردوغان وحكومته، حيث سيتوقف على طريقة إدارتهما للأزمة مستقبل بقائهما في السلطة، ففي حالة نجح أردوغان في إدارة التداعيات السلبية لتلك الأزمة، فإن ذلك سوف يدفع باتجاه تعزيز المكاسب الانتخابية له ولحزبه، أما إذا نجحت المعارضة في استغلال الأزمة لتوحيد صفوفها، واستغلال القطاعات الشعبية الساخطة التي حملّت أردوغان المسؤولية، فإن ذلك قد يؤثر في حظوظ أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الاستمرار في السلطة.