أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

توابع أفغانستان:

هل يمكن أن تنسحب الولايات المتحدة من العراق؟

22 أغسطس، 2021


أثارت سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية "كابول"، وبسط سيادتها على معظم أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية منها الجدل حول مصير القوات الأمريكية في العراق، وهل تتجه واشنطن للانسحاب من هناك كذلك، خاصة في ضوء وجود تهديدات أمريكية سابقة بذلك، أم أن التجربة الأفغانية غير مرشحة للتكرار في العراق. 

مؤشرات جدية:

يلاحظ أن هناك عدداً من المؤشرات المقلقة، حتى قبل انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، على إمكانية اتجاه واشنطن سحب الجيش الأمريكي من العراق، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- انسحاب أوباما السابق: أبرم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما اتفاقاً مع حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي للانسحاب من العراق، وهو ما تم بحلول ديسمبر 2011. وعلى الرغم من أن هذا الانسحاب أنهى الاحتلال الأمريكي للعراق، والذي بدأ في عام 2003، غير أن واشنطن انسحبت في الوقت الذي كان فيه النظام السياسي العراقي يعاني أزمات عميقة، بسبب وجود خلافات بين معظم الكتل والأحزاب السياسية العراقية على أمور جوهرية، مثل طريقة إدارة الدولة، وتوزيع الموارد وغيرها. 

كما أن انسحاب واشنطن جاء في الوقت الذي كانت فيه القوات العراقية غير قادرة على إدارة الملف الأمني والعسكري، وضمان قدرتها على ردع التدخلات الإيرانية. وقد وضح ذلك في عام 2014، عندما انهارت هذه القوات أمام تنظيم داعش الإرهابي، والذي تمكن من السيطرة على ما يقرب من ثلث مساحة الدولة العراقية. 

2- تسريبات المسؤولين الأمريكيين: سرب مسؤولون أمريكيون قبيل جولة الحوار الاستراتيجي الرابعة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 23 يوليو 2021، معلومات تفيد بأن واشنطن مستاءة من عجز القوات العسكرية والأمنية العراقية على تأمين السفارة الأمريكية، وكذلك القوات الأمريكية المنتشرة في عدد من القواعد العراقية، من هجمات ميليشيات الحشد الشعبي العراقية المرتبطة بإيران. 

وهددت واشنطن حينها العراق بأن الجيش الأمريكي قد يتجه للانسحاب بصورة كاملة من العراق، ما لم توفر الأخيرة حماية أفضل، وتكبح جماح ميليشيات طهران. وقد أخفقت الحكومة العراقية، حتى الآن، في كبح جماح ميليشيات طهران، وليس أدل على ذلك من استهداف ثماني هجمات بطائرات مسيرة على الأقل الوجود الأمريكي منذ تولى بايدن منصبه في يناير 2021 وحتى مطلع يوليو، بالإضافة إلى 17 هجوماً صاروخياً، وفقاً لمسؤولي التحالف الدولي في العراق.

3- إنهاء المهام القتالية: اتفق بايدن والكاظمي في واشنطن بعد الجولة الرابعة على جدولة الانسحاب الأمريكي من العراق، فضلاً عن إنهاء العمليات القتالية للجيش الأمريكي بنهاية العام الحالي، وأن يقتصر دور القوات الأمريكية في العراق على التدريب وتقديم المشورة والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخباراتية. 

فقد اتفق الجانبان على العودة إلى تطبيق "قانون الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق" و"قانون اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعمل القوات الأمريكية في العراق" الموقع عام 2008، والذي ينص أحد بنوده على أن مهام القوات الأمريكية التي تبقى في العراق بعد نهاية 2011 تنحصر في تدريب القوات العراقية لا المشاركة في مهام قتالية. 

ويلاحظ أن تراجع الدور العسكري الأمريكي في العراق قد يترتب عليه انسحاب الجيش الأمريكي في النهاية، خاصة إذا ما أخذ في الاعتبار أن الكونجرس الأمريكي يتجه إلى إلغاء تفويضين، يمنحان موافقة مفتوحة على استخدام القوة العسكرية في العراق، وهما التفويض الصادر عام 1991، حينما قادت واشنطن تحالفاً دولياً لإخراج العراق من الكويت، وتفويض 2002 الذي منح الضوء الأخضر لواشنطن لاحتلال العراق عام 2003. 

ويعني ذلك أن قدرة إدارة بايدن على توجيه أي ضربات مستقبلية في العراق سوف تحتاج إلى موافقة الكونجرس. ولا يعد هذا الأمر قيداً كبيراً على قدرة بايدن على توجيه ضربات عسكرية في العراق في حالة اقتضى الأمر ذلك، غير أنه في الوقت نفسه يعكس المزاج العام السائد في واشنطن، لدى الكونجرس والإدارة الأمريكية على حد سواء، والراغبتين في تحاشي أي تورط عسكري في عمليات قتالية. 

4- خروج الشركات الأمريكية: قرر عدد من الشركات الأمريكية بيع حصته في بعض حقول النفط العراقية لشركات أجنبية. فقد أعلنت شركة "إكسون موبيل" الأمريكية الانسحاب من العمل في أحد أكبر حقول النفط العراقية، وهو حقل غرب القرنة -1 النفطي، وهو ما يرجع إلى اضطراب الأوضاع الأمنية في العراق، خاصة تصاعد الهجمات التي يشنها وكلاء إيران ضد المصالح الأمريكية في العراق. 

وقد سعى العراق لمحاولة استيعاب تداعيات هذا القرار، وذلك من خلال رفض عرض صيني للاستحواذ على نصيب الشركة الأمريكية، بالإضافة إلى بدء مباحثات مع شركات أمريكية أخرى لشراء حصة إكسون موبيل، وذلك بسبب رغبة وزارة النفط العراقية في اتباع سياسة تنويع في طبيعة الشركات المستثمرة. ومن غير الوضح، حتى الآن، مدى نجاح هذه الجهود، غير أنها تؤشر في النهاية على إمكانية اتجاه الشركات الأمريكية للانسحاب بشكل كامل من العراق. 

تداعيات استراتيجية: 

إن الانسحاب الأمريكي في حالة تحققه في العراق سوف تكون له تداعيات استراتيجية ممتدة، ليس فقط على العراق، ولكن كذلك على الوجود الأمريكي في المنطقة، وهو ما يتضح في التالي: 

1- تصاعد الاحتقان الداخلي: يعاني العراق انقسامات داخلية عدة، ولعل أحد أبرز هذه الانقسامات هي تلك التي توجد بين القوى الشيعية المناهضة لإيران وتلك الموالية لها. ويتمثل أحد هذه الانقسامات في الخلاف بين الألوية والفصائل العسكرية القريبة من المرجعية الدينية في النجف المنخرطة في الحشد الشعبي، وبين الفصائل الموالية لإيران في الحشد أيضاً. 

ووضح ذلك في اتهام حميد الياسري، قائد "لواء أنصار المرجعية"، الموالين لإيران في العراق بـ "الدجل والخيانة العظمى"، وذلك في رد ضمني على تصريحات فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، والتي أطلقها من إيران ودعا فيها لتطبيق نموذج الحرس الثوري في العراق. 

كما أكد زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، في أواخر يوليو، وجوب وقف العمل العسكري ضد القوات الأمريكية بعد تحقق شروط انسحابها من العراق، وهو الموقف الذي يتباين بشدة مع موقف ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لطهران، والتي ترى ضرورة استهداف الوجود الأمريكي في العراق، حتى تسحب واشنطن قواتها كافة، حتى تلك التي تقوم بتقديم خدمات استشارية للجيش العراقي.

ويبدو أن الصدر يدرك أن الوجود الأمريكي في العراق يمكن أن يحد من التداعيات السلبية للنفوذ الإيراني، خاصة أن هناك أخبار تداولت في عام 2019 بتلقي الصدر تهديدات بالتصفية من قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، بسبب تبنيه سياسات مناوئة لطهران. 

ولا شك أنه في حالة اتجهت واشنطن للانسحاب من العراق، فإن إيران سوف تسعى من خلال ميليشياتها المسلحة للهيمنة على العراق، وإقصاء تلك القوى المناوئة لها، خاصة أن الجيش العراقي لا يمتلك بعد القدرات الكافية لاحتكار القوة، والسيطرة على المشهد الأمني الداخلي. 

وبالمثل، تبدي القوى السنية والكردية مخاوف مماثلة. ففي 24 يونيو، أصدرت مجموعة من القوى والشخصيات السياسية والعشائرية العربية السنية العراقية بياناً خلال مؤتمر صحفي في أربيل أكدت رفضها، وبشكل قاطع، انسحاب القوات الأمريكية من العراق الآن، وذلك لأن هذا الأمر سيدخل العراق في فوضى، بسبب ميليشيات الحشد الشعبي، إذ أكد البيان أنه "لا سلطة للحكومة على الميليشيات التابعة لإيران"، والتي قامت بـ "استعراضات بالأسلحة الثقيلة والطائرات المسيرة"، وهددت الكاظمي "بقطع أذنيه".

وأكد على المعنى دائرة العلاقات الخارجية نفسه في إقليم كردستان العراق، إذ أكدت في بيان صحفي في 26 يوليو إن "العراق لا يزال يعاني غياب الاستقرار، وتدخل الدول الأخرى في شؤونه الداخلية" في إشارة إلى إيران، كما أنه "يفتقر إلى قوة عسكرية ثابتة الأركان بحيث تستطيع منع تكرار التجارب السابقة"، في إشارة إلى قيام داعش باحتلال أجزاء واسعة من الأراضي العراقية. 

2- صعود تنظيم داعش: يشهد العراق من فترة لأخرى تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية التي يقوم بتنفيذها تنظيم داعش، وبات التنظيم قادراً على تنفيذ عمليات إرهابية في محافظات الأنبار وكركوك وديالى ونينوى وصلاح الدين، إلى جانب العاصمة العراقية بغداد. 

وسوف يترتب على الانسحاب الأمريكي من العراق تشجيع التنظيم على التمدد في العراق، ومحاولة تجنيد مزيد من الأنصار له، خاصة في ظل الخوف من بطش ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران، وهو ما قد يعيد سيناريو 2014 من جديد، عندما سيطرت داعش على أجزاء واسعة من شمال وشمال شرق البلاد. 

كما أن تمكن حركة طالبان في السيطرة على أفغانستان قد يغري تنظيم داعش لتكرار النموذج نفسه في العراق من جديد، خاصة أن التنظيم كان يتبع استراتيجيات مماثلة لحركة طالبان. 

3- الإخفاق في منع الهيمنة الإقليمية: تتمثل إحدى مصالح القوى الكبرى في النظام الدولي في منع ظهور قوة إقليمية مناوئة لها تسعى لتحقيق وضع المهيمن الإقليمي. ويصدق هذا الحكم على السياسة الأمريكية تجاه إيران، والتي سعت للسيطرة على عدة دول عربية، خاصة العراق وسوريا ولبنان واليمن، وذلك من خلال نشر ميليشياتها المسلحة في الدول سالفة الذكر. ولا شك أن انسحاب واشنطن من العراق سوف يمكن إيران من تعزيز نفوذها الإقليمي.

كما أن واشنطن سوف تفقد قدرتها على التأثير على تطورات الصراع السوري، إذ إن الانتشار العسكري الأمريكي في سوريا يعتمد على قواعدها الموجودة في إقليم كردستان العراق. وفي حالة حدوث هذا، فإن قدرة الولايات المتحدة في لعب دور أمني في تفاعلات الشرق الأوسط، سوف تتراجع بشدة، كما أنها سوف تخلق فراغاً سوف تسعى القوى الدولية الأخرى لملئه، خاصة روسيا والصين. 

ومن جهة أخرى، فإن هذا الانسحاب في حالة تحققه سوف يدفع حلفاء واشنطن الإقليميين للبحث عن حلفاء آخرين، إلى جانب مواصلتهم لعب دور فاعل في تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة. 

وفي الختام، يمكن القول إن هناك صعوبة في انسحاب واشنطن من العراق، خاصة أن هذا الانسحاب سوف يهدد المكانة والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، ويفتح الباب أمام القوى الدولية، خاصة روسيا والصين للعب دور أمني أكبر، غير إن قدرة العراق على مواجهة النفوذ الإيراني سوف يتوقف ليس فقط على استمرار الوجود الأمريكي في العراق، ولكن كذلك على قدرة رئيس الوزراء العراقي الحالي على الاستمرار في منصبه، إذ إن نجاح القوى السياسية الموالية لإيران على تصدر الانتخابات البرلمانية في أكتوبر القادم، قد يغري إيران والقوى المرتبطة بها على مطالبة واشنطن الانسحاب من العراق، بما يكفل تحقيق التداعيات الاستراتيجية سابقة الذكر.