أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

خلافات جذرية:

لماذا لم تحقق اجتماعات الآستانة نتائج إيجابية؟

03 ديسمبر، 2018


قاربت مهمة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا على الانتهاء دون أن يتمكن من المساهمة في الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية. وانعكس ذلك بشكل واضح في عدم خروج الجولة الحادية عشرة من محادثات الآستانة التي عقدت يومى 28 و29 نوفمبر الفائت وشارك فيها النظام والمعارضة إلى جانب الدول الضامنة وهى روسيا وإيران وتركيا بنتائج بارزة، حيث لم تتوصل الأطراف المشاركة إلى توافق على البنود الرئيسية، وفي مقدمتها اللجنة الدستورية.

وفي الواقع، فإن تراجع نتائج الجهود التي بذلت في الفترة الماضية يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن تسوية الأزمة السورية وإنهاء الصراع العسكري يبدو مهمة صعبة لم تنجح التطورات الميدانية التي شهدتها سوريا في التعامل معها، على غرار مبادرات خفض التصعيد ووقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها بين النظام السوري والتنظيمات الإرهابية والمسلحة في بعض المناطق، وهو ما يبدو أنه سيضع عقبات عديدة، من البداية، أمام المهمة التي سيتولاها المبعوث الجديد غير بيدرسون.

اعتبارات عديدة:

من هنا، يمكن القول إن ما تم تحقيقه من نتائج يدخل في إطار الخطوات التكتيكية التي لم تفرض تداعيات إيجابية على المسارات المحتملة لتسوية الأزمة أو بمعنى أدق على جهود تسويتها. وبعبارة أخرى، فإن تحقيق هذه النتائج يعود في المقام الأول إلى أن القضايا التي حسمتها كانت محل توافق نسبي بين الأطراف المعنية بالأزمة، خاصة أنها لا تمس مصالحها العليا أو أهدافها التي تحاول تحقيقها من انخراطها فيها عبر مواصلة دعم بعض الأطراف المحلية.

وقد كان عقد الاجتماعات المتتالية للدول الضامنة في الآستانة، فضلاً عن التفاهمات التي تم التوصل إليها في سوتشي مثالاً على التوافق التكتيكي على بعض الملفات الخلافية التي تتراجع أهميتها بشكل كبير مقارنة بالقضايا الرئيسية التي تتعلق بمستقبل الدولة السورية وشكل وطبيعة نظام الحكم والعلاقة بين المكونات المجتمعية المختلفة للشعب السوري.

ولذا تبدي بعض القوى الدولية، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، شكوكًا في مدى قدرة تلك الجهود على الوصول إلى تسوية للأزمة، وهو ما عبرت عنه واشنطن مؤخرًا بتأكيدها على أن اجتماعات الآستانة وصلت إلى طريق مسدود، خاصة أنها لا تدفع النظام السوري إلى الانخراط في جهود فعالة لتنفيذ عملية سياسية بإشراف الأمم المتحدة.

حرص واشنطن على تقليص أهمية اجتماعات الآستانة يعود إلى إدراكها عمق الخلافات العالقة بين أطرافها، لا سيما تركيا من جانب وروسيا وإيران من جانب آخر، والتي تضع حدودًا يصعب تجاوزها للتفاهمات التي يمكن أن تتوصل إليها، دون أن تقترب من مرحلة الدفع باتجاه الاتفاق على الخطوط العريضة للتسوية.

ملفات مترابطة:

فضلاً عن ذلك، لا يمكن تجاهل تأثير الملفات الأخرى التي تنخرط فيها القوى المعنية بالأزمة السورية. إذ لا تبدو إيران حريصة في الوقت الحالي على تعزيز فرص الوصول إلى تلك التسوية المحتملة، بل إنها قد تحاول عرقلة أية قد جهود قد تبذل في هذا السياق، لا سيما أنها تصر في الوقت الحالي على الربط بين الأدوار التي تقوم بها داخل دول الأزمات والضغوط الدولية التي تتعرض لها، بسبب تراجع رهانها على الاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منه واتجاهها إلى فرض عقوبات جديدة عليها من المتوقع أن تنتج تداعيات قوية على اقتصادها.

كما لم تتم تسوية الملفات الخلافية العالقة بين واشنطن وأنقرة، خاصة فيما يتعلق بالدعم العسكري الذي تقدمه الأولى للميليشيات الكردية. فرغم توصل الطرفين إلى تفاهمات أمنية وسياسية عديدة في هذا الإطار، إلا أن ذلك لا ينفي أن الإدارة الأمريكية ما زالت ترى أن الدعم الذي تقدمه للأكراد يمثل آلية مهمة لتفعيل سياستها إزاء الأزمة السورية، خاصة فيما يتعلق بمواجهة محاولات تنظيم "داعش" العودة من جديد إلى المناطق التي سبق أن سيطر عليها قبل أن يخرج منها بفعل العمليات العسكرية التي قام بها التحالف الدولي والأطراف المحلية، وعلى رأسها ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).

ومن دون شك، فإن التوتر الملحوظ الذي طرأ على العلاقات بين واشنطن وموسكو سوف يلقي بتأثيراته على المسارات المحتملة للأزمة. إذ وجهت موسكو انتقادات لمحاولات واشنطن تقليص أهمية النتائج التي يمكن أن تخرج عن اجتماعات الآستانة.

هذا التوتر ربما يتسع نطاقه خلال المرحلة القادمة وذلك على خلفية تطورين: أولهما، الأزمة التي أثارها قيام خفر السواحل الروسية، في 25 نوفمبر 2018، باحتجاز ثلاثة سفن أوكرانية بالقرب من شبه جزيرة القرم، والتي دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إلغاء لقاء كان من المقرر عقده مع الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين على هامش اجتماعات قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين.

وثانيهما، تزايد احتمال اتجاه الإدارة الأمريكية إلى تصعيد ضغوطها على إيران، سواء عبر رفع مستوى العقوبات الحالية، أو من خلال محاولة دفع الدول الأوروبية إلى تغيير سياستها تجاه إيران خاصة عقب العمليات الإرهابية التي تورطت فيها الأخيرة واستهدفت بعض عناصر قوى المعارضة الموجودة على الأراضي الأوروبية، أو عبر محاولة نقل ملفها من جديد إلى مجلس الأمن مستغلة الانتهاكات المتواصلة التي ترتكبها إيران في الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن رقم 2231، خاصة فيما يرتبط بمواصلة إجراء تجارب خاصة بالصواريخ الباليستية وتقديم دعم للتنظيمات الإرهابية الموجودة في بعض دول الأزمات، حيث يتوقع أن تواصل روسيا، في هذه الحالة، دعم الموقف الإيراني، مستندة في هذا السياق إلى تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تشير إلى التزام إيران ببنود الاتفاق النووي، رغم محاولاتها المستمرة للالتفاف عليه.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن عدم خروج الجولة الحادية عشرة من اجتماعات الآستانة بنتائج بارزة يشير إلى أن الخلافات العالقة بين الأطراف المعنية بها لا تبدو ثانوية ولا يمكن تقليصها بسهولة، على نحو يضفي مزيدًا من التعقيد على مهمة المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا.