أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

حادثة ميرجاوه:

لماذا حرصت إيران على عدم التصعيد مع باكستان؟

23 أكتوبر، 2018


أبدت إيران ردود فعل سريعة بعد الإعلان عن اختطاف 14 من جنودها التابعين لقوات التعبئة "الباسيج" وحرس الحدود، في منطقة ميرجاوه التي تقع على الحدود مع باكستان، في 16 أكتوبر الجاري، حيث قامت باستدعاء السفير الباكستاني لديها لإبلاغه ضرورة اتخاذ إسلام أباد الإجراءات اللازمة للإفراج عنهم بعد نقلهم إلى داخل أراضيها.

 وتوازى ذلك مع حرصها على عدم التصعيد مع إسلام أباد، على غرار الحوادث السابقة، والتي كان آخرها مقتل عشرة جنود إيرانيين، في 26 إبريل 2017، وهى الحادثة التي دفعتها إلى التهديد بالتدخل العسكري العابر للحدود في حالة ما إذا لم توجه الحكومة الباكستانية ضربات إلى الجماعات المسلحة التي تقوم بتنفيذ مثل تلك العمليات، بل وإطلاق قذائف مورتر داخل الحدود في 27 مايو 2017. ومن دون شك، فإن ذلك لا ينفصل عن المساعي التي تبذلها إيران للتعامل مع تداعيات العقوبات الأمريكية الجديدة، فضلاً عن رؤيتها لدلالات وصول عمران خان إلى رئاسة الحكومة في إسلام أباد.

اعتبارات عديدة

لم تخرج مواقف المسئولين الإيرانيين بعد عملية ميرجاوه، حتى الآن، عن نطاق مطالبة السلطات الباكستانية بتفعيل التزاماتها في الاتفاقات الأمنية الموقعة بين الطرفين لإطلاق سراح الجنود المختطفين وضبط الخلايا التي تقوم بتنفيذ عمليات الاختطاف، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- مواجهة العقوبات الأمريكية: تبذل إيران جهودًا حثيثة من أجل تقليص تداعيات العقوبات الأمريكية التي فرضت حزمتها الأولى في 7 أغسطس الماضي وستطبق حزمتها الثانية في 4 نوفمبر القادم، حيث ترى أن بعض دول الجوار، على غرار تركيا وباكستان وأفغانستان، يمكن أن تعزز مساعيها في هذا السياق.

ففضلاً عن أنها تستغل الحدود مع بعض تلك الدول، خاصة أفغانستان، لممارسة أنشطة تهريب للنفط والدولار، من أجل عرقلة محاولات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "تصفير" صادراتها النفطية وتجفيف مواردها المالية التي تتهمها باستخدامها في دعم التنظيمات الإرهابية وتطوير البرنامجين النووي والصاروخي، فإنها تراهن على مواقف بعض الدول الأخرى، لا سيما تركيا وباكستان، التي تبدي رفضًا، أو على الأقل تحفظًا، إزاء الالتزام بالعقوبات الأمريكية الجديدة. 

2- الرهان على عمر خان: ترى طهران أن وصول عمر خان إلى رئاسة الحكومة في إسلام أباد يمكن أن يساعد في تعزيز العلاقات الثنائية بين الطرفين، وهو ما دفعها إلى إيفاد وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى الأخيرة، في 30 أغسطس 2018، للقاء المسئولين الباكستانيين واستشراف سبل تطوير العلاقات بين الطرفين خلال المرحلة القادمة.

وبالطبع، فإن ذلك يعود، في قسم منه، إلى بعض التوجهات التي كشف عنها عمر خان بعد فترة وجيزة من وصوله إلى السلطة، حيث أعلن استعداده لاتخاذ خطوات جديدة لرفع مستوى التعاون الثنائي مع طهران من خلال إقامة مشروعات اقتصادية ثنائية، وأشارت تقارير عديدة إلى أنه لم يستجب لضغوط مارستها الولايات المتحدة الأمريكية للالتزام بالعقوبات التي فرضتها على إيران، داعيًا إلى حل الخلافات بين الطرفين عبر إجرء حوار مباشر. 

وفي رؤية اتجاهات إيرانية عديدة، فإن حرص عمر خان على تبني سياسة أكثر استقلالية تجاه العلاقات مع الدول التي تمارس نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا قويًا داخل باكستان، يمكن أن يصب في صالح إيران، في ظل التصعيد المستمر في علاقات الأخيرة مع تلك الدول، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. 

3- الدور الصيني: قد يكون للعلاقات القوية التي تمكنت إيران من تأسيسها مع الصين دور في تحديد أنماط التفاعلات التي تجري بين إيران وباكستان، وذلك لاعتبارين: أولهما، الأهمية الخاصة التي توليها بكين لعلاقاتها مع باكستان، حليفتها الإقليمية، والتي تدفعها دومًا إلى التدخل من أجل تقليص حدة الضغوط التي تتعرض لها، خاصة في ظل حرصها على عدم الإخلال بالتوازن الاستراتيجي القائم مع الهند في المرحلة الحالية. 

وثانيهما، التأثير البارز الذي تفرضه السياسة الصينية الرافضة للعقوبات الأمريكية على إيران، حيث تصر بكين على مواصلة استيراد النفط من إيران حتى بعد تفعيل الحزمة الثانية الخاصة بالصادرات النفطية في 4 نوفمبر القادم. وهنا، يمكن القول إن موقف الصين من التصعيد المستمر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية سوف يكون متغيرًا مهمًا في تحديد مدى قدرة إيران على التعامل مع العقوبات الأمريكية وتقليص تداعياتها الاقتصادية.

ويبدو أن إيران تسعى في هذا السياق إلى استغلال التوتر المستمر في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وكل من الصين وباكستان، بسبب الحرب التجارية المتصاعدة مع بكين وقطع بعض المساعدات عن إسلام أباد، حيث ترى أن ذلك يمكن أن يساعدها في تطوير التعاون الثنائي واحتواء تداعيات العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. 

ويبدو أن إيران تدرك أهمية عدم التحول إلى طرف في النزاع التقليدي بين الهند وباكستان، وذلك من أجل تجنب نشوب توتر في علاقاتها مع أى من الطرفين، وهو ما دفعها إلى اتخاذ خطوات عديدة لتطوير تعاونها الثنائي مع إسلام أباد، على المستويين الاقتصادي والأمني، بالتوازي مع توقيعها على اتفاق تطوير ميناء تشابهار مع الهند وأفغانستان، والذي سيتيح لنيودلهى الوصول إلى دول آسيا الوسطى دون المرور بالأراضي الباكستانية. 

4- التماهي الإقليمي: تعتبر دوائر عديدة في إيران أن السياسة التي تنتهجها باكستان في أفغانستان تتماهى مع مصالح إيران التي تقتضي في الوقت الحالي دعم حركة "طالبان" الأفغانية، وهو الدعم الذي تحاول طهران استغلاله لتحقيق هدفين: أولهما، تحويله إلى آلية لممارسة ضغوط مقابلة على الولايات المتحدة الأمريكية في ظل التصعيد المستمر بين الطرفين بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات أمريكية جديدة على طهران.

وثانيهما، عدم دفع الحركة إلى استهداف مصالحها من جديد داخل أفغانستان، خاصة في ظل محاولاتها المستمرة ليس فقط لتعزيز نفوذها داخل الأخيرة، وإنما أيضًا لاستقطاب أكبر عدد من الأفغان "المتعاطفين" مع سياساتها الإقليمية، حيث تمكنت قبل ذلك من تكوين ميليشيا "لواء فاطميين" الأفغانية للمشاركة في الصراع السوري إلى جانب قوات نظام الأسد وحزب الله والميليشيات الأخرى التي ساهمت في تغيير توازن القوى داخل سوريا لصالح النظام.

5- تجنب تشتيت الجهود: يمكن أن يؤدي أى تصعيد محتمل مع باكستان إلى تشتيت جهود السلطات في إيران، التي تتعرض في المرحلة الحالية لعمليات تفجير واختطاف تستهدف المؤسستين العسكرية والأمنية، دون أن تنجح في احتواء تداعيات تلك العمليات رغم الضربات الصاروخية التي وجهتها إلى منطقة البوكمال السورية، في بداية أكتوبر الجاري، وإعلانها عن تصفية ما أسمته بـ"العقل المدبر" لعمليات الأحواز في اليوم نفسه الذي وقعت فيه عملية الاختطاف الأخيرة. 

لكن رغم ذلك، فإن الخلافات العالقة بين طهران وإسلام أباد قد لا تكون ثانوية، خاصة في ظل تشابك مصالحهما في أكثر من ملف إقليمي، على نحو يضع بشكل مستمر حدودًا للتعاون الثنائي بين الطرفين، بحيث تتراوح التفاعلات المتبادلة بين التعاون والتوتر حسب المتغيرات التي تفرضها التطورات الطارئة على الساحتين الإقليمية والدولية.