أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

عوامل متداخلة:

كيف يؤثر التقارب السعودي – الروسي على أسواق النفط العالمية؟

12 يونيو، 2017


توصلت منظمة البلدان المصدِّرة للنفط (أوبك) ومنتجون للنفط من خارج المنظمة بقيادة روسيا، في شهر مايو الماضي، إلى اتفاق لمدّ خفض إنتاج النفط بينها حتى نهاية مارس 2018، وذلك حفاظًا على استقرار الأسواق. ويُعتبر هذا الاتفاق متميزًا نظرًا إلى أنه سيغطي فترة تزيد أكثر من تسعة أشهر عن الموعد الذي كان مقررًا أصلا، حيث كانت هذه الدول قد توصلت في نوفمبر من العام الماضي إلى اتفاق على خفض الإنتاج بمقدار 1.8 مليون برميل يوميًّا حتى النصف الأول من عام 2017. 

ويُعدّ هذا الإنجاز الأخير انعكاسًا واضحًا لنهج جديد للتعاون بين المملكة العربية السعودية وجمهورية روسيا الاتحادية، خاصة في مجال الطاقة، والذي دلّ عليه بوضوح ما أعلن عنه سمو الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي عهد المملكة العربية السعودية، بعد اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بموسكو يوم 30 مايو الماضي، من أن المملكة وروسيا قد حققتا الكثير معًا، ولا يزال هناك المزيد لتحقيقه، وأن الدولتين لا توجد بينهما أي تناقضات فيما يتعلق بسوق النفط. 

كذلك توجّه الرئيس الروسي بدوره بالشكر للسعودية على جهودها في تحقيق التعاون بين منظمة أوبك والدول المنتجة للنفط خارجها؛ حيث أشار إلى أن هذا التعاون كان ملحوظًا، وأنه ساعد في تحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة الهيدروكربونية العالمية، وأن التعاون بين الدولتين قد انعكس إيجابيًّا على نمو التجارة بينهما بصورة غير مسبوقة، حيث ارتفعت بنسبة 130% في العام الحالي مقارنة بالعام الماضي.

دوافع التعاون

يأتي التعاون الحالي بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية ليُزيل آثار فشل المحاولة الأولى للتعاون بين الدولتين اللتين لم تستطيعا التوصل إلى اتفاق على إجراءات مشتركة على خلفية اجتماع أوبك في ديسمبر 2014، أي بعد 6 أشهر من هبوط أسعار النفط عن 100 دولار للبرميل، والذي كان قد أظهر عمق الخلاف بين الجانبين وقتها. فقد صرَّح حينها الطرف الروسي بأنه سيحافظ على حجم الإنتاج دون تغيير حتى لو انخفضت أسعار النفط إلى 20 دولارًا للبرميل، بينما أكد وزير النفط السعودي حينذاك "علي النعيمي" أن إنتاج النفط الروسي سينهار نتيجة لانخفاض الأسعار.

لكنّ ثمة عددًا من العوامل الاقتصادية التي دفعت الرياض وموسكو للتوجه إلى التعاون المتزايد وإلى تقريب وجهات النظر للمصالح المشتركة بينهما. فمن ناحية، أدت المستويات المتدنية لأسعار النفط، في الوقت الذي احتاجت فيه الدولتان لمزيد من الإنفاق الحكومي؛ إلى تزايد عجز الموازنات الحكومية فيهما. ومن ناحية أخرى، ونظرًا للدور الرائد لقطاع الطاقة الهيدروكربونية في تحقيق النمو الاقتصادي في السعودية وروسيا، فقد أدى تراجع الأسعار إلى انعكاسات سلبية تمثلت في استمرار التباطؤ الاقتصادي، بما له من انعكاسات سلبية خاصة على التوظف.

وبالتالي، ومع توجه روسيا الاتحادية إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في أوائل عام 2018، وقيام سمو ولي ولي العهد السعودي بالإعلان العام الماضي عن رؤية "المملكة 2030" كاستراتيجية طموحة لإصلاح وتنويع وتحديث الاقتصاد السعودي، كان على الدولتين التعاون لتفادي أي صدمة سلبية أخرى في أسعار النفط مستقبلا من أجل ضمان تحسن الأوضاع الاقتصادية واستقرارها وتحسين محركات النمو الاقتصادي.

تأثيرات النفط الصخري

تمثِّل روسيا الاتحادية والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة أكبر 3 منتجين للنفط عالميًّا، حيث تظهر آخر الإحصاءات أن روسيا كانت أكبر منتج عالمي للنفط في ديسمبر 2016 بحجم 10.49 ملايين برميل يوميًّا بانخفاض بلغ 29 ألف برميل يوميًّا عن الشهر السابق، في حين بلغ إنتاج السعودية في ديسمبر الماضي نحو 10.46 ملايين برميل يوميًّا مقارنة بنحو 10.72 ملايين برميل يوميًّا في نوفمبر من نفس العام، وكانت الولايات المتحدة ثالث أكبر منتج بنحو 8.8 ملايين برميل يوميًّا في ديسمبر 2016 مقارنة بحوالي 8.9 ملايين برميل يوميًّا في شهر نوفمبر الماضي. وفي ضوء ذلك، تلعب أهداف وسياسات الدول الثلاث دورًا أساسيًّا في تحركات أسعار النفط العالمية.

ويُلاحظ في هذا الشأن أنه يوجد توافق ملحوظ في الرؤى والأهداف بين السعودية وروسيا في مجال النفط، فالدولتان تعتمدان بصورة رئيسية على النفط كمصدر أساسي لدخل الحكومة، في حين تعتبر الولايات المتحدة مستوردًا للنفط، وبالتالي ترغب في انخفاض أسعاره ولا تخشى من تراجع عوائده. وخلال العقد الماضي، لعب النفط الصخري الأمريكي دورًا متناميًا في زيادة المعروض من الخام الأمريكي بنحو مليون برميل كل عام تقريبًا لفترة محدودة، بحيث أصبح يمثل تهديدًا كمنافس للنفط التقليدي، وعاملا أساسيًّا في تراجع أسعار النفط، إلى جانب نمو المعروض من إمدادات الطاقة غير الهيدروكربونية، وجهود ترشيد الطاقة عالميًّا.

ويمكن تفسير قرار الدول الرئيسية المنتجة للنفط، بخلاف الولايات المتحدة، بعدم تقليص إنتاجها على الرغم من تراجع أسعاره خلال الأعوام الأربعة الماضية، إلى الرغبة في الضغط على منتجي النفط الصخري الأمريكي لإخراجهم من السوق وتقليص إنتاجهم بجعله غير مجدٍ اقتصاديًّا بسبب تكلفة إنتاجه العالية. وبالفعل، نجحت هذه الضغوط النسبية في تقليص الإنتاج الأمريكي بصورة مؤقتة، لكن الإنتاج من النفط الصخري عاود الارتفاع مؤخرًا بسبب عدد من العوامل الفنية والمالية التي جعلت المنتجين يقلصون تكلفة الإنتاج، ويحسّنون من كفاءته، وهو ما يُكسبه بالتالي مرونة عالية في رفع الإنتاج وخفضه وفقًا لعوامل السوق، ويجعل الشركات تعمل بكفاءة عند مستويات أدنى للأسعار مقارنة بالوضع منذ أعوام قليلة ماضية.

وهذه المرونة في إنتاج النفط الصخري، مقارنة بالنفط التقليدي، تجعل منه عنصرًا فاعلا في الحد من زيادات أسعار النفط العالمية، حيث إنه كلما تقلَّص إنتاج الدول منتجة النفط التقليدي، وعلى رأسها كل من المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية؛ فإن ذلك سيؤدي إلى تمكين منتجي النفط الصخري الأمريكي من زيادة إنتاجهم بصورة سريعة تحبط أي ارتفاع للأسعار. 

انعكاس أزمات الإقليم

تلعب الأزمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط حاليًّا دورًا يشوبه الغموض والتعقيد في أسواق النفط والغاز الطبيعي العالمية، وذلك بسبب تشابك العلاقات الروسية مع بعض أطراف هذه الأزمات في مجال الطاقة على وجه التحديد. فمن جانب، لا يفوت على روسيا الاتحادية، المُصدّرة الرئيسية للغاز الطبيعي لأوروبا والتي تغطي نحو 30% من احتياجاته، أنه أثناء الأزمة الأوكرانية والتوجه نحو فرض عقوبات اقتصادية عليها، كان يُطرح بشدة الغاز المُسال القطري كبديل للغاز الطبيعي الروسي في توفير الإمدادات لأوروبا. ولكن مع الأزمة القطرية الراهنة، فإن الارتفاع المحتمل في تكاليف الشحن والنقل والتأمين للغاز المُسال القطري، واحتمال اقتطاع الإمدادات، يجعله بديلا أقل إغراء للغاز الروسي، ويساعد بالتالي في دعم المركز القوي للغاز الروسي في السوق الأوروبية، والاستمرار في تنفيذ مشاريع أنابيب الغاز بصرف النظر عن أي خلافات سياسية بين الجانبين الروسي والأوروبي.

ومن ناحية أخرى، يُلاحظ أن دولة قطر كانت قد عملت مؤخرًا على التوسع في الاستثمار في قطاع النفط الروسي، حيث اشترى جهاز قطر للاستثمار، بالاشتراك مع شركة جلينكور (التي تمتلك فيها أيضًا قطر حصة أغلبية)، حصة 19.5% في "روسنفت"، أكبر شركة نفط في روسيا الاتحادية، بقيمة 11.5 مليار دولار في ديسمبر 2016. وهذا الأمر يجعل هناك مصالح مشتركة بين قطر وروسيا في مجال الطاقة، ويجعل بالتالي تأثير الأزمة الراهنة غير قابل للتقدير في الأجل الطويل.

نتائج منتظرة

يُنتظر أن يؤدي التعاون الأكثر تطورًا بين السعودية وروسيا في مجال الطاقة، إلى عدة نتائج، أبرزها ما يلي:

1- تخفيف تأثيرات النفط الصخري: أي تخفيف أثر أي زيادات محتملة في إنتاج النفط الصخري الأمريكي على الأسواق العالمية، وسيسمح بتحقيق قوة أكبر لمنتجي النفط التقليدي بتجميع جهود دول منظمة أوبك بقيادة السعودية مع الدول المنتجة الرئيسية خارج المنظمة وعلى رأسها روسيا، بحيث يجعل الأسواق العالمية للنفط أكثر استقرارًا بتخفيف حدّة تقلبات الأسعار. 

2- سعر عادل في أسواق النفط: يُنتظر أن تعمل الرياض وموسكو معًا على تحقيق سعر عادل في أسواق النفط يكون في حدود 55 دولارًا للبرميل في المتوسط. حيث سيسهم ذلك، من جانب، في تحقيق وضع مالي حكومي جيد بالدولتين، في الوقت الذي يكون فيه، من جانب آخر، ملائمًا للحفاظ على وتيرة النمو المقبول للاقتصاد العالمي، مع توقع أن تؤدي التقلبات الأقل حدة في الأسعار إلى تخفيض المخاطر بالنسبة لكل من المنتجين والمستهلكين، وبالتالي رفع معدلات الاستثمار والنمو والتوظف عالميًّا.

3- زيادات حجم الاستثمارات: يُنتظر أن يكون هذا المتوسط السعري المتوقع للنفط جيدًا لتحقيق عائد مناسب من طرح جزء من شركة "أرامكو" السعودية للخصخصة عندما تقرر المملكة القيام بذلك، مع عدم استبعاد قيام كلٍّ من روسيا والسعودية بزيادة ملموسة في الاستثمار المتبادل بينهما في قطاع النفط لتوطيد العلاقات والمصالح المشتركة، والتي يُتوقع ألا تغطي فقط الجوانب الاقتصادية، بل تمتد أيضًا لتحقيق المزيد من التفاهم والتقارب في وجهات النظر السياسية.

خلاصة القول، في ضوء التطورات الأخيرة في أسواق النفط والغاز، وارتباطها جزئيًّا بعوامل غير اقتصادية مثل الأزمات الإقليمية الراهنة، وأيضًا مع قيام إنتاج النفط الصخري الأمريكي بلعب دور هام ومرن في تعديل العرض العالمي بالزيادة أو النقصان مع تحرك الأسعار؛ فإن من المنتظر أن يتزايد التعاون بصورة ملموسة بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية في تنسيق سياسات إنتاج النفط، وذلك في ضوء تغلّب المصالح المشتركة لهما على أي نقاط خلاف محتملة خارج إطار سياسات الطاقة. وبالنظر إلى دور السعودية المؤثر في منظمة (أوبك)، وكونها ثاني أكبر منتج للنفط عالميًّا حاليًّا، فإن التعاون المتزايد مع روسيا، المنتج الأول للنفط عالميًّا في الوقت الراهن، يُتوقع أن ينعكس إيجابيًّا على استقرار أسعار النفط العالمية بصورة تناسب كلا من المنتجين والبلدان المستوردة الرئيسية، وبصورة تحافظ على إمكانات نمو الاقتصاد العالمي.