أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

احتواء الضغوط:

رسائل إجراء الجيش الإيراني مناورات فوق مياه الخليج العربي

03 يناير، 2023


أعلن الجيش الإيراني، في 30 ديسمبر 2022، انطلاق مناورات برية وبحرية وجوية مشتركة تحمل اسم "ذو الفقار 1401"، من المناطق الجنوبية الشرقية من إيران، وشرق مضيق هرمز إلى شمال المحيط الهندي، مشيراً إلى أن المناورات تمت بمشاركة مختلف الأسلحة، وتشمل التدريب على عمليات جمع المعلومات عن القوات المهاجمة، وكذلك عمليات استطلاع.

رسائل عديدة:

على الرغم من أن هذه المناورات تأتي ضمن برنامج التدريب السنوي للجيش الإيراني، فإن تزامنها جاء مع عدد من التطورات الداخلية والخارجية الخاصة بإيران، وهو ما أكسبها أهمية خاصة، وتتمثل أبرز الرسائل التي سعت طهران إلى إيصالها في الآتي: 

1- مواجهة الضغوط الغربية: هدفت إيران من إجراء تلك المناورات إلى مواجهة الضغوط القوية التي تتعرض لها على خلفية الاحتجاجات التي اندلعت على إثر وفاة مهسا أميني، في 16 سبتمبر 2022، وهو ما أفضى إلى توقيع حزمات متتالية من العقوبات على إيران، من جانب الولايات المتحدة وقوى غربية وأوروبية أخرى، والتي استهدفت شخصيات وكيانات إيرانية متهمة بقمع المتظاهرين.

ولذلك سعت طهران، من جراء تلك المناورات، إلى التخفيف من حدة تلك الضغوط، من خلال إيصال رسائل للخارج والداخل، بأن النظام، ورغم ما يتعرض له خلال الفترة الأخيرة من ضغوط داخلية، لايزال قوياً ومتماسكاً.

2- استعراض القدرات القتالية: هدفت طهران من خلال إجراء تلك المناورات إلى استعراض قدراتها العسكرية، إذ شاركت بها وحدات المُشاة والمدرعات ومنظومات الدفاع الجوية والبحرية والسفن والبوارج والغواصات. 

كما تم اختبار منظومات صواريخ دفاع جوي من طرازات مختلفة، بالإضافة لمشاركة الطائرات المُسيّرة الهجومية والتجسسية والاعتراضية من طرازات آرش وباور وأبابيل 5، وتحليقها بشكل ناجح من على متن "مدمرة سهند"، فضلاً عن انطلاق الطائرات المُسيّرة التجسسية – الهجومية من طراز "كمان 12"، من قاعدة للطائرات المُسيّرة للجيش الإيراني بجنوب البلاد. 

ويضاف إلى ما سبق، استخدام "قنبلة قائم"، وهي من فئة قنابل سديد الموجهة والمتطورة، ومزودة بأجهزة استشعار بصري أو حراري يتم حملها بواسطة مسيرات مهاجر 6 وأبابيل 4 و5 وكمان 12.

وجدير بالذكر أن طهران كانت قد كشفت في مايو 2022، عن قاعدة جوية مخصصة للمسيرات في جيال زاجروس غرب إيران، فضلاً عن كشف الجيش الإيراني، في يوليو 2022، عن أول وحدة لسفن وغواصات قادرة على حمل طائرات مُسيّرة مسلحة، بالتزامن مع جولة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى المنطقة، وهو ما أعقبه في أغسطس إجراء الجيش مناورات واسعة النطاق باستخدام المسيرات بمشاركة نحو 150 طائرة. وتسعى إيران من جراء إظهار تلك القدرات، إلى إيصال رسائل ردعية ودفاعية بأنها حال تعرضها لأي هجوم مُستقبلي، سوف تكون قادرة على صد تلك الهجمات المُحتملة، وتوجيه ضربات مضادة موجعة.

3- التمسك بالنفوذ الإقليمي: يوحي إجراء إيران تلك المناورات في الخليج بالقرب من مضيق هرمز، إلى محاولة إثبات أنها قادرة على تهديد حركة الملاحة والتجارة في المنطقة، وأنه ليس من الوارد التخلي عن تدخلاتها الإقليمية السلبية، على الرغم من الضغوط التي تتعرض لها في الفترة الأخيرة. 

كما يأتي في سياق ذلك، توجيه المسؤولين الإيرانيين تهديدات لبعض دول المنطقة، بزعم دعمها للاحتجاجات الراهنة، ومن ثم تأتي تلك المناورات لإيصال رسالة مفادها بأنه في حال استمرت تلك الأطراف في دعم الاحتجاجات، فإن إيران سوف تصعد إقليمياً ضدها. وتتحجج إيران بوجود القوات الأمريكية في المنطقة للتدخل في شؤونها، حيث صرّح الأدميرال حبيب الله سياري، على هامش المناورات، بأنه يتعين على القوات الأجنبية مغادرة المنطقة، حتى تتمكن من إرساء الاستقرار والسلام في محيطها".

4- الرد على التهديدات الأمريكية: تمثل تلك المناورات رداً من جانب إيران، على المناورات البحرية المشتركة، التي أجراها الأسطول الخامس، في ديسمبر 2022، بمشاركة البحرية العراقية والكويتية، في الخليج العربي، بهدف تعزيز الأمن البحري، وهي المناورة الثانية بعد أربعة أشهر، من المناورة التي أجرتها مشاة البحرية الأمريكية مع القوات المسلحة السعودية، في أغسطس الماضي. وتحمل تلك المناورات من جانب واشنطن رسائل مفادها أنها مصرة على ضمان أمن المنطقة ومساعدة حلفائها على مواجهة تهديدات إيران.

ومن جهة أخرى، أعلن الجيش الإيراني أن طائرة استخبارات أجنبية مأهولة من طراز "بي – 8" حاولت الاقتراب من منطقة المناورات العسكرية، قبل أن تغادر، على أثر إطلاق سلاح الدفاع الجوي الإيراني طائرة مسيرة من طراز كرار. وبالنظر إلى وقائع مماثلة، فإنه يُحتمل أن تكون تلك الطائرة أمريكية ضمن القوة الموجودة في مياه الخليج.

سياقات متزامنة:

ترافقت مناورات ذو الفقار 1401، التي أجراها الجيش الإيراني، مع عدد من السياقات المهمة، والتي يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1- التفاوض من موقع القوة: تأتي تلك المناورات في الوقت الذي حاولت فيه إيران حلحلة جمود المفاوضات النووية المتوقفة منذ سبتمبر 2022، إذ أبدت استعدادها العودة للاتفاق النووي، مقابل عودة واشنطن إليه. كما أبدت طهران موافقتها العودة لطاولة التفاوض مع واشنطن والغرب، على أساس المسودة التي تم التفاوض بشأنها، هذا إلى جانب إجراء مسؤولين إيرانيين زيارات إلى الدوحة وموسكو ومسقط، لبحث العودة للمفاوضات النووية. 

وترغب إيران من جراء تلك المناورات، إلى التأكيد على أن سعيها لإحياء المباحثات النووية ليس من منطلق ضعف، وإنما من جانب قوة، فضلاً عن رغبتها في تعزيز موقفها في المفاوضات إذا ما تم استئنافها، وتحسين شروطها التفاوضية، بالإضافة إلى الهدف الخاص بفصل المسار الإقليمي عن المسار النووي، وهو الهدف الذي تمسكت به إيران منذ بداية المفاوضات مع واشنطن والغرب في أبريل 2021.

2- الرد على التهديدات الإسرائيلية: جاءت مناورات ذو الفقار 1401، متزامنة مع تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتانياهو، وأعلنت الحكومة الجديدة أن إيران هو التهديد الأول لها، متعهدة ببذل الجهود كافة لوقف تهديداتها، كما طلب الجيش الإسرائيلي رفع ميزانيته بمعدل 17% لاحتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران. 

ويؤشر ما سبق إلى أن مستقبل العلاقة بين الحكومة الجديدة وطهران سيكون أكثر توتراً، ومما يُدلل على ذلك قيام إسرائيل، في 2 يناير 2023، أي بعد أيام من تشكيل الحكومة الجديدة، باستهداف مواقع إيرانية ومستودعات أسلحة في غارة على مطار دمشق بسوريا. لذا رغبت طهران من وراء تلك المناورة إلى إيصال رسالة إلى تل أبيب أنها تمتلك الإمكانيات العسكرية التي تمكنها من الرد في حال أي تهديد إسرائيلي مُحتمل، ومما يُدلل على ذلك، تصريح القائد العام للجيش الإيراني اللواء عبد الرحيم موسوي، في ختام تلك المناورات، بأن القوات المسلحة سترد بحزم إذا واجه أي جزء من إيران أي تهديد من جانب إسرائيل.

3- محاولة واشنطن إضعاف قدرات إيران: تتزامن المناورات المشار إليها، مع ما كشفت عنه تقارير بشأن عزم إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في الحد من قدرة إيران على إنتاج وتسليم الطائرات المُسيّرة إلى روسيا، من خلال حرمانها من الوصول إلى القطع التي تجمّع منها تلك المسيرات، وذلك بعد كشف تحقيقات عن اعتماد إيران في إنتاج تلك المسيرات على قطع أمريكية وصينية وألمانية.

ومن هذا المنطلق، ترغب إيران من القيام بتلك المناورات، والتي تشارك فيها طرازات مختلفة من طائراتها المسيرة، إلى إيصال رسالة بأنها لاتزال قادرة على تطوير طائراتها المسيرة.

وفي التقدير، يمكن القول إن قيام طهران بتنفيذ مناورات عسكرية موسعة، سواء بمشاركة من القوات المسلحة الإيرانية أو من الحرس الثوري، تهدف منه لاستعراض القوة والكشف عن القدرات العسكرية والدفاعية التي تمتلكها؛ على اعتبار ذلك أحد أدواتها لمواجهة الضغوط التي تتعرض لها على خلفية قمع الاحتجاجات وتعثر المفاوضات النووية، رغبة منها في تحييد تلك الضغوط، أو التخفيف من وقعها. ويلاحظ أن تلك المحاولات مرهونة بما ستؤول إليه الاحتجاجات الراهنة في إيران، فكلما ازدادت الاحتجاجات، كلما اتجهت إيران إلى مزيد من التصعيد في الملفات المختلفة.