أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

معضلة تركيا:

الانفتاح الأمريكي والروسي على أكراد سوريا

29 فبراير، 2016


مع التقدم الذي يحرزه أكراد سوريا في مختلف الميادين، لاسيما العسكرية منها، باتت تركيا تخشى من انتقال تداعيات هذا التقدم إلى الداخل التركي في وقت يشن فيه الجيش التركي حرباً ضد أكرادها في الداخل بعد أن رفعوا شعار الحكم الذاتي مطلباً لتحقيق تطلعاتهم القومية عقب تنصل الرئيس "رجب طيب أردوغان" من العملية السلمية التي أطلقها زعيم حزب العمال الكردستاني "عبدالله أوجلان" في عام 2013.

فتركيا الحليفة التاريخية للولايات المتحدة في المنطقة، أصبحت تجد في الانفتاح الأمريكي - الروسي على أكراد سوريا، في إطار محاربة "داعش" وباقي التنظيمات الإرهابية، انهياراً لدورها في منظومة العلاقات الدولية، وتآكلاً لدورها الإقليمي، وخسارة لأدواتها من المجموعات المسلحة، ولعل ما يزيد من معاناتها هو إحساسها بالخسارة الاستراتيجية بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، وتداعيات هذا التدخل على الاستراتيجية التركية، حيث بات من المستحيل إقامة منطقة أمنية عازلة في شمال سوريا على الرغم من كل الجهود التي بذلتها أنقرة في هذا الشأن.

واشنطن والأكراد.. مصالح مشتركة

كانت الحرب ضد "داعش" في سوريا والعراق، مدخلاً لانفتاح واشنطن على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يعد الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، حيث يتمتع مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية بخبرة كبيرة عكستها معارك "سنجار" ضد "داعش" بعد سيطرته على الموصل، وكذلك معركة كوباني "عين العرب" في شمال سوريا.

وعليه يمكن فهم أو تفسير سبب الانفتاح الأمريكي التدريجي على حزب الاتحاد الديمقراطي، حيث دشنت الزيارة التي قام بها "بريت ماكفورك" مبعوث الرئيس الأمريكي إلى المناطق الكردية السورية في مطلع فبراير 2016 عهداً جديداً من الانفتاح الأمريكي والغربي عموماً على أكراد سوريا، في وقت فيه يبحث الأكراد عن اعتراف إقليمي ودولي بهم، وتمكينهم من المشاركة في الجهود الدولية لتسوية الأزمة السورية، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة من قِبل أنقرة، وصلت إلى حد مخاطبة الرئيس "رجب طيب أردوغان" الإدارة الأمريكية على الهواء مباشرة، ومطالبتها بالاختيار بين التحالف التاريخي مع بلاده أو أكراد سوريا.

لاشك أن الأكراد السوريون يطمحون إلى نوع من الحماية الدولية في ظل مخاوفهم الدفينة بسبب ما تعرضوا له من هجمات من قِبل الجماعات المسلحة، لاسيما "داعش" و"جبهة النصرة"، حيث مناطقهم الغنية بالنفط والغاز والمياه في شمال سوريا وشرقها. كما يتطلعون إلى الحصول على أسلحة متطورة في إطار الصراعات والحروب الجارية في المنطقة، فضلاً عن طموح قديم في الحصول على اعتراف دولي بحقوقهم القومية.

في المقابل، تدرك واشنطن أهمية الأكراد كلاعب إقليمي مهم من الضروري الاستفادة بدوره في الحرب ضد "داعش". وبالتالي فإن الانفتاح الأمريكي على أكراد سوريا يحمل معه طابع الحاجة الأمنية لدورهم أكثر من الانطلاق من موقف داعم لحقوق الشعب الكردي وتطلعاته.

لكن الثابت أن هدف الأكراد من التحالف مع واشنطن يتجاوز التنسيق والتعاون العسكري ضد "داعش" إلى دعم  قضيتهم سياسياً، فمشروع الإدارة الذاتية التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي قبل أكثر من سنة يحتاج إلى الدعم والاعتراف، كما أن الحزب ينشد من الانفتاح عليه الاعتراف به مُمثلاً للحركة الكردية في سوريا في ظل الانقسام والخلافات بينه وبين أحزاب المجلس الوطني الكردستاني المنضوية في الائتلاف الوطني السوري.

وبغض النظر عن هذه الإشكالية، فإن الانفتاح الأمريكي على حزب الاتحاد الديمقراطي ودعمه بالسلاح سيؤدي إلى تداعيات محلية وإقليمية، خاصةً أن الحزب له امتدادات قوية مع حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا الذي نجح في دخول البرلمان التركي عقب تجاوز عتبة العشرة بالمائة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في أغسطس الماضي.

تأثير الأكراد على العلاقات الأمريكية مع تركيا

إذا كان الهدف الأمريكي من وراء الانفتاح والعلاقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي هو محاربة "داعش"، فهذا يعني اعترافاً أمريكياً بالحزب كتجربة ناجحة قادرة على تحقيق المكاسب، والبحث عن تحالفات مع القوى المعتدلة التي يمكن البناء عليها لترتيب مستقبل سوريا. بيد أن الانفتاح الأمريكي على أكراد سوريا ودعمهم بالسلاح لم يكن يحصل لولا وصول الخلافات التركية – الأمريكية بشأن محاربة "داعش" إلى تضارب في الاستراتيجيات العامة تجاه الأزمة السورية.

وبينما تؤكد واشنطن على أولوية محاربة "داعش" والانتقال إلى الحل السياسي للأزمة السورية، تصر أنقرة على ربط الموضوع بإسقاط النظام السوري، ولهذه الغاية تدعم الجماعات المسلحة وتعمل من أجل تدخل بري على الرغم من المخاطر الشديدة لمثل هذا التدخل واحتمال تحوله إلى حرب إقليمية ودولية ستكون لها تداعيات مدمرة على المنطقة.

وفي ظل هذا التباين، فإن الخلاف الأمريكي - التركي بشأن وضع أكراد سوريا وصل إلى مرحلة متقدمة، خاصةً أن إمداد الولايات المتحدة للأكراد بالسلاح يلقى رفضاً من قِبل تركيا التي تصر على وصف حزب الاتحاد الديمقراطي بالإرهابي، فيما ترفض واشنطن مثل هذا التصنيف للحزب.

وعليه فإن قضية تسليح أكراد سوريا تركت وستترك تداعيات كبيرة على العلاقات التركية – الأمريكية، إلى درجة يمكن معها القول إن السياسية التركية تعيش حالة من الهستيريا، دفعت أردوغان إلى رفع الصوت عالياً في وجه الإدارة الأمريكية ومطالبتها بوقف العلاقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي واعتباره حزباً إرهابياً. غير أن الرد الأمريكي الذي يصر على العلاقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي، كان دوماً يصعق "أردوغان" ويدفعه إلى إطلاق المزيد من التهديدات وصلت إلى حد التحذير من إغلاق قاعدة "انجرليك" أمام القوات الأمريكية.

التنافس الأمريكي - الروسي على التحالف مع أكراد سوريا

لعل ما زاد من معاناة تركيا، هو أنه بالتزامن مع الانفتاح الأمريكي على أكراد سوريا، باتت روسيا تسابقها إلى التحالف معهم، بل أن موسكو ذهبت أبعد من ذلك عندما فتحت مؤخراً باب التعاون السياسي المباشر مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بزعامة "صالح مسلم". فبعد سلسلة لقاءات بين الجانبين، فتحت روسيا ممثلية للإدارة الذاتية الكردية في موسكو، وكثفت تعاونها العسكري مع وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، وبات الطيران الحربي الروسي يؤمن الحماية الجوية لهذه القوات في التقدم غرب الفرات عقب سيطرتها على سد تشرين في محافظة الرقة، وعزمها على تحرير المدن الحدودية مع تركيا، لاسيما أعزاز ومنبج وجرابلس ومارع من سيطرة تنظمي "داعش" و"النصرة".

وتعتبر تركيا هذه المناطق والمدن خطاً أحمر لن تسمح بوقوعها تحت سيطرة القوات الكردية، إذ إنها تخشى من تؤدي سيطرة هذه القوات على المناطق المذكورة إلى ربط المناطق الكردية في أقصى الشرق أي الحسكة والقامشلي بمنطقة عفرين في أقصى الشمال الغربي، وهو ما يعني أن الحدود التركية ستصبح بالكامل مع كيان كردي سيشكل في المستقبل سنداً لحركة الأكراد في تركيا ولمطالبهم بإقامة حكم ذاتي في المناطق الكردية بتركيا، حيث ترى أنقرة أن هذا المشروع هو مشروع حزب العمال الكردستاني الذي حذر مراراً من اندلاع انتفاضة كردية شاملة داخل تركيا ما لم توقف الحكومة التركية حربها ضد المدن والبلدات الكردية في الداخل، وتدخل في عملية سلام حقيقية تؤدي إلى الإقرار الدستوري بالحقوق القومية الكردية في تركيا.  

وفي ظل التنافس الأمريكي – الروسي على التحالف مع أكراد سوريا، اكتسبت المناطق الكردية في سوريا أهمية عسكرية واستراتيجية، ولعل هذا ما يظهر من أمرين هما:

1- التقارير التي تتحدث عن تنسيق عسكري روسي- أمريكي مع وحدات حماية الشعب الكردية، والحديث عن غرف عمليات مشتركة في الحرب ضد "داعش" و"النصرة"، وبفضل هذا التنسيق والتغطية الجوية وإمدادات السلاح نجح الأكراد في إلحاق ضربات عسكرية قوية بتنظيم "داعش".

2- التقارير التي تتحدث عن إقامة روسيا مطار عسكري في مدينة القامشلي السورية على الحدود مع تركيا، على شكل قاعدة جوية يمكن أن تشكل قوة ردع لأنقرة إذا ما قررت التدخل العسكري في المناطق الكردية السورية. ومقابل هذا السعي الروسي، توجهت الولايات المتحدة إلى بناء مطار عسكري جنوب مدينة رميلان النفطية، حيث تقول التقارير إنه أصبح جاهزاً لاستقبال الطائرات. وإذا ما صحت هذه التقارير، فإن التهديدات التركية بإغلاق قاعدة انجرليك لم تعد لها قيمة عسكرية في الحرب ضد "داعش"، خاصةً أن قاعدة "رميلان" هي أقرب لجهة لرصد تحركات "داعش" وجمع المعلومات والقيام بعمليات عسكرية ضده.

في جميع الأحوال، وبعيداً عن صعوبة جمع الأكراد بين الحليفين الأمريكي والروسي، فإن تركيا باتت تجد نفسها وكأنها بين حدي سكين، فهي من جهة ترى في الصعود الكردي على حدودها الجنوبية ضربة قوية لمشروعها في سوريا. ومن جهة ثانية ترى في الانفتاح الأمريكي- الروسي عليهم من بوابة محاربة "داعش" انهياراً لتحالفها التاريخي مع واشنطن من ناحية، وورقة قوية بيد روسيا من ناحية أخرى. وفي الحالتين تجد أنقرة نفسها أمام قضية تزحف إلى بيتها الداخلي الذي يكاد ينفجر على وقع الانقسامات والخلافية المزمنة وتداعيات الأزمة السورية والحرب مع حزب العمال الكردستاني.