أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

العرب:

الوسيط الرابح: لماذا يسعى العراق لتعزيز دوره في التهدئة الإقليمية

15 أغسطس، 2023


يقدم العراق نفسه وسيطاً لتسوية عدد من الأزمات الإقليمية، بدءا بالمساهمة في عودة العلاقات بين الرياض وطهران، مروراً بالحديث عن وساطة عراقية بين مصر وإيران، وصولاً إلى إبداء العراق استعداده لأداء دور الوساطة في ملف اليمن. وهو ما سينعكس إيجابا على أوضاعه الداخلية ويقدمه كطرف محايد في كل الصراعات الإقليمية، لكنه في سبيل تحقيق ذلك يواجه العديد من العقبات.

بغداد – طرح إعلان العراق في شهر يوليو الماضي استعداده للوساطة في الأزمة اليمنية، الحديث عن الدور الدبلوماسي الإيجابي المتصاعد لبغداد إقليميا، ومحاولتها التدخل للتهدئة في عدد من الأزمات بالمنطقة.

ولا يخفى أن العراق مر بأزمات وصراعات داخلية وخارجية وحروب وعزلة إقليمية ودولية خلال العقود الأخيرة، وصارت الصورة المُعتادة للعراق أنه ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، لكن ذلك ربما اختلف في السنوات الثلاث الماضية، ولم يكن هذا الاختلاف ليحدث لولا قيام بغداد بالوساطة في بعض الأزمات الإقليمية ومنها التمهيد لعودة العلاقات السعودية – الإيرانية، برعاية صينية، في مارس 2023.

ولم تكن دبلوماسية الوساطة التي تبنتها بغداد متصورة طيلة المرحلة التي أعقبت عام 2003 عندما احتلت الولايات المتحدة وحلفاؤها العراق وغيروا النظام السياسي فيه؛ نظراً لتعقد المشهد وتأزم الأوضاع أمنياً وسياسياً واجتماعياً واقتصاديا، وكذلك انعكاس الأزمات والنزاعات الإقليمية والدولية بشكل سلبي على الساحة العراقية.

ومن هنا كان الوعي العراقي بعد عام 2014 بضرورة تخلص البلاد أو على أقل تقدير التخفيف من تداعيات الصراعات بين بعض الأطراف الإقليمية والقوى الدولية عن ساحتها الداخلية، فبقدر ما يتم تخفيف التوتر الخارجي يتحقق الاستقرار الداخلي؛ لأن العراق تربطه صلات متعددة مع مختلف دول المحيط الإقليمي.

مثنى العبيدي: مستقبل دبلوماسية الوساطة يعززه استقرار الأوضاع الداخلية

ويشير الكاتب العراقي مثنى العبيدي إلى أن دور الوساطة ودبلوماسيتها بالنسبة إلى العراق ليس رهنا بالمرحلة الحالية، بل كانت للعراق تجارب عديدة خلال مسيرة دولته الحديثة بعد عام 1921، حينما كان يتمتع بعلاقات وطيدة مع جيرانه من جهة، ومع القوى الدولية من جهة أخرى، الأمر الذي أهله لدور الوسيط المقبول آنذاك في أزمات المنطقة. ولكن ما يُلاحظ هو عودة العراق إلى القيام بهذا الدور في العديد من الأزمات الإقليمية خلال الفترة الأخيرة.

ويوضح الكاتب والأكاديمي العراقي في تقرير لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن من مؤشرات ذلك: أولا، التمهيد لعودة العلاقات السعودية – الإيرانية، حيث دخل العراق وسيطاً لاستئناف العلاقات السعودية – الإيرانية بنقل رسائل الرغبة في الحوار، ثم استضافة المحادثات المباشرة بين ممثلي الدولتين ومناقشة أهم الملفات محل الخلاف ومنها الأمن الإقليمي، والتي تكللت بالاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، برعاية صينية، في مارس 2023. وأعلن العراق ترحيبه بهذا الاتفاق، وعده نجاحاً لجهوده في هذا الشأن.

كما حاولت بغداد التوسط بين مصر وإيران، حيث أخذت الحكومة العراقية، برئاسة محمد شياع السوداني، على عاتقها تكرار وساطتها بين السعودية وإيران بعد نجاحها، لكن هذه المرة بين مصر وإيران. وتشير تقارير إلى أن أجندة زيارات السوداني للقاهرة في مارس ويونيو الماضيين تضمنت التوسط لاستئناف العلاقات مع طهران. وتهدف الحكومة العراقية، من استمرار وساطتها، إلى تحقيق اختراق في المفاوضات بين الدولتين، بحيث يفضي إلى عودة العلاقات الثنائية بينهما.

والملف الثالث الذي أبدى العراق استعداده للتوسط في التوصل إلى حل له هو الأزمة اليمنية المُستمرة منذ حوالي 9 سنوات بعد الانقلاب الحوثي على الحكومة الشرعية. كما حاولت بغداد أداء دور الوساطة بين واشنطن وطهران منذ عام 2019، بعد انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي الإيراني.

ويرى الكاتب العبيدي أن هناك عدة مُحفزات ربما دفعت العراق إلى محاولة القيام بدور الوساطة والإسهام بشكل إيجابي في تهدئة النزاعات الإقليمية، ومنها الرغبة في عودة العراق كفاعل إقليمي مؤثر، حيث تسعى الحكومات العراقية المتعاقبة، منذ حكومة حيدر العبادي، إلى إثبات أن بغداد فاعل إقليمي يمكن دمجه في الخارطة السياسية والاقتصادية للمنطقة.

وتحاول بغداد الابتعاد عن سياسة المحاور والصراعات سواء فيما بين بعض دول المنطقة أو بينها وبين القوى الدولية، وذلك من خلال محاولة العراق بناء شبكة علاقات متوازنة مع شركاء إقليميين ودوليين. ويُدرك صناع القرار في بغداد خطورة الانضواء إلى جانب محور إقليمي أو دولي معين ضد آخر، ولهذا جاءت دبلوماسية الوساطة التي تبناها العراق من أجل خفض التوترات في الأزمات الإقليمية، والعمل على إقامة علاقات متوازنة مع مختلف الدول. كما تحاول بغداد إعطاء انطباع مختلف عما هو سائد بعدم قدرتها على الخروج من دائرة التأثير الإيراني التي تفرضها قوى حليفة لطهران موجودة في مفاصل الدولة العراقية.

ولا شك أن نجاح العراق في خفض التوتر داخل الإقليم سيسهم في تحرير سياسته الخارجية من الضغوط التي تُمارس عليه في حالة تعارض مصالح الأطراف المتصارعة، والتي تجر العراق إلى حالة الاستقطاب في المنطقة. كما أن نجاح مثل هذه الوساطات يُسهم أيضاً في دفع دور العراق الإقليمي إلى الأمام وإظهاره كدولة مسؤولة تحرص على إرساء الاستقرار الإقليمي.

ويخشى العراق أن يكون ساحة لأي تصعيد مُحتمل بين الولايات المتحدة وإيران أو بين الأخيرة ودول أخرى في المنطقة، وهو ما يعني أن خفض مثل هذه التوترات أو النجاح في تهدئتها سينعكس إيجاباً على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في العراق.

كما يرى العراق أن الاعتماد عليه كوسيط إقليمي سينعكس إيجابياً على أوضاعه الداخلية، وستسعى الأطراف الإقليمية، بعد تفاهماتها، إلى الحفاظ على عراق مقبول إقليمياً، وهو ما من شأنه جذب الاستثمارات الخارجية إلى الاقتصاد العراقي، وزيادة حجم التبادل التجاري مع الدول الأخرى.

لكن الباحث العراقي يؤكد أن هناك عوامل يتعين توافرها حتى تُحقق دبلوماسية الوساطة العراقية أهدافها في التهدئة الإقليمية ومحاولة حل أزمات المنطقة، ومنها التحلي بعلاقات جيدة مع مختلف الأطراف، وهو ما ينطبق على بغداد ولاسيما في السنوات الأخيرة، إذ باتت تتمتع بعلاقات إيجابية مع الدول العربية والإقليمية. فالعراق له تواصل وعلاقات جيدة مع السعودية وباقي دول الخليج، ومع مصر والأردن، وغيرها من الدول العربية، فضلا عن علاقته مع إيران. وهذا يعني أنه وسيط مقبول من تلك الدول، ويمكنه أن يُسهم في حل أزماتها أو على أقل تقدير خفض التوترات بينها.

وتحاول بغداد في هذا السياق إثبات أنها طرف محايد إزاء خلافات الأطراف الإقليمية، ولا تميل إلى أي منها على حساب الآخر، ولاسيما أن هناك قوى سياسية عراقية لها ارتباطات وثيقة مع إيران. وكلما تم تعزيز دور العراق الحيادي استطاع إثبات دوره كوسيط موثوق به وبقدرته على الإسهام في التهدئة الإقليمية.

الحكومة العراقية، برئاسة السوداني، أخذت على عاتقها تكرار وساطتها بين السعودية وإيران، هذه المرة بين مصر وإيران

والعامل الثالث لنجاح مساعي العراق هو رغبة أطراف الأزمات في الحوار، وهو ما تحقق في الأزمات الإقليمية التي سعى العراق لتأدية دور إيجابي في محاولة حلها. فقد أبدت طهران رغبتها في توسّط بغداد بينها وبين الرياض والقاهرة وعواصم عربية أخرى؛ إذ رحب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، أثناء وجوده في بغداد خلال فبراير الماضي، بما تبذله الحكومة العراقية من جهود في تعزيز الحوار والتعاون بين السعودية وإيران، كما رحب بعودة العلاقات مع المملكة مثلما رحب بوساطة العراق للحوار بين مصر وإيران. وفي المقابل، ثمة رغبة عربية في التهدئة الإقليمية ومعالجة العديد من الملفات العالقة ومنها الملف الإيراني.

أما العامل الرابع فهو استمرار توجهات الحكومات العراقية في الوساطة، وهذا ما يمكن تلمسه بدءا بحكومة حيدر العبادي عام 2014، ثم حكومة عادل عبدالمهدي (2018 – 2019)، ومن بعدها حكومة مصطفى الكاظمي بشكل أكبر، والتي نجحت في عقد عدة مؤتمرات جمعت أطرافاً إقليمية متنافسة أو بينها توترات، وصولاً إلى نجاح الوساطة بين السعودية وإيران. وسارت الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني على نفس النهج بسعيها للوساطة بين مصر وإيران، وإبداء استعدادها للمساهمة في حلحلة الأزمة اليمنية.

في حين يتمثل العامل الخامس، الذي سيساعد العراق على تعزيز دوره الإقليمي، في تعزيز الاستقرار الداخلي؛ ذلك أن استمرار سياسة العراق الخارجية الإيجابية ودبلوماسية التسوية الفاعلة التي يتبناها، يحتاج إلى بيئة داخلية مستقرة. فالسياسة الخارجية هي مرآة للوضع الداخلي، وإذا لم تستطع الحكومات العراقية معالجة أزماتها وتحقيق الاستقرار الداخلي، فإنها لن تكون أهلا للقيام بدور فاعل في المحيط الإقليمي، ولن تكتسب ثقة الآخرين.

لكن الكاتب العراقي يقول إن دبلوماسية الوساطة العراقية تواجه كوابح عديدة قد تعرقلها، وهي تحديات نابعة من بيئة العراق الداخلية، وكذلك البيئتين الإقليمية والدولية. فالساحة العراقية تعاني من أزمات سياسية تبرز بين الحين والآخر، وكذلك تتقاسم سياسته تيارات لها ارتباطات وتوجهات متناقضة في مجال سياستها الخارجية، وتحتاج العملية السياسية إلى إصلاح شامل يصحح مسارها بشكل يخدم العراق ومصالحه في المنطقة.

كما أن السياسة الخارجية العراقية ليست بمنأى عن تأثير العامل الأميركي، وأي دور للوساطة الإقليمية لن يتم من دون ضوء أخضر أميركي. يُضاف إلى ذلك أن الطرف الأساسي في التوترات الإقليمية، وهو إيران، له تاريخ طويل من الأزمات مع دول عديدة، وقد جاء توجه طهران نحو التهدئة الإقليمية في الوقت الراهن مدفوعاً بضغوط داخلية وعزلة إقليمية ودولية، على خلفية ملفها النووي وتدخلاتها في شؤون الدول الأخرى

*لينك المقال في العرب*