أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

المعارض الوحيد:

تأثيرات عملية عاصفة الحزم على حسابات إيران

27 مارس، 2015


تصاعدت وتيرة الأحداث سريعاً في اليمن عقب إقدام "الحوثيين" وحليفهم الرئيس السابق "علي عبدالله صالح" المدعومين من إيران، على تطوير حركتهم والسيطرة على عدد من المناطق والمدن والتقدم نحو "عدن" التي اتخذ منها الرئيس الشرعي المعترف به دولياً "عبد ربه منصور هادي" مقراً للحكم بعد الانقلاب الحوثي الذي سيطر على العاصمة "صنعاء".

وقد رفضت جماعة الحوثي كافة المبادرات الداعية للحوار، وآخرها المبادرة الخليجية، وعمدوا إلى الاستقواء بـ "طهران" التي قدمت دعماً مباشراً، سواء بإمدادات السلاح أو الخبراء العسكريين من "الحرس الثورى" أو "حزب الله" اللبناني؛ الأمر الذي بات معه التأخر عن اتخاذ موقف حازم لتفادي هذا الوضع المعقد يرتب مزيداً من التداعيات السلبية على الأمن القومي العربي بشكل عام، والأمن القومي لعدد من الدول العربية، وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، مما استوجب التدخل عسكرياً لاستعادة زمام المبادرة والسيطرة على الموقف، وتحجيم التطلعات الإيرانية لمد نفوذها نحو منطقة "باب المندب" الاستراتيجية، والعمل على "كسر إرادة" الأطراف المتمردة لدفعها نحو الاستجابة لمقتضيات المبادرة الخليجية المطروحة والتفاعل معها بإيجابية على نحو يؤدي لتسوية دائمة للأزمة اليمنية.

المواقف الإقليمية والدولية.. إيران المعارض الوحيد

باستعراض مواقف الأطراف غير العربية، فقد تفاوتت ما بين مؤيد ومتحفظ على عملية "عاصفة الحزم"، حيث اتسم الموقف الأمريكي بشكل عام بالتأييد للإجراءات التي اتخذتها السعودية ودول الخليج دعماً للشرعية في اليمن، حيث أكد الرئيس "باراك أوباما" على اتفاق "واشنطن" مع "الرياض" على ضرورة العمل على استقرار الأوضاع في اليمن عبر حل سياسي تفاوضي يجمع كافة الأطراف اليمنية برعاية الأمم المتحدة ووفق المبادرة الخليجية. كما أكدت مفوضة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي "فيدريكا موجيريني" في ذات الوقت أن التحرك العسكري في اليمن ليس حلا للأزمة، وحثت القوى الإقليمية الفاعلة على التصرف بمسؤولية، كما طالب الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" جميع الأطراف بالقيام بالتزاماتهم نحو ضمان حماية المدنيين، وأن المفاوضات مازالت الخيار الوحيد للأزمة اليمنية رغم التصعيد.

على صعيد آخر، شدد وزير الدفاع الباكستاني "خواجه آصف" على أن بلاده لم تتخذ بعد قراراً بشأن ما إذا كانت ستقدم دعماً عسكرياً للتحالف الذي يشن غارات جوية ضد الحوثيين في اليمن، لكنه تعهد في ذات الوقت بالدفاع عن المملكة العربية السعودية في مواجهة أي تهديد لسلامتها، كما أكد على المعنى نفسه رئيس الوزراء "نواز شريف"، والذي أشار إلى أن أي تهديد للسعودية "سيثير رداً قوياً من جانب إسلام أباد". ومن جانبه أبدى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" استعداد تركيا لتوفير الدعم اللوجيستى للعمليات العسكرية، معرباً عن ضرورة انسحاب إيران من اليمن ووقف تدخلها في قضايا المنطقة.

وفي مقابل كافة هذه المواقف المؤيدة، صراحة أو ضمناً، للعمل العسكري العربي ضد المتمردين في اليمن، أبدت إيران منذ اللحظة الأولى لبدء العمليات العسكرية في اليمن انتقادات شديدة لهذا الإجراء، حيث طالب وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" بوقف العمليات باعتبارها انتهاكاً لسلامة اليمن، واصفاً غارات "عاصفة الحزم" بالعدوان، فيما شدد "علاء الدين بروجردي" رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، على أن نيران الحرب سترتد على السعودية.

أما "حسن نصر الله" أمين عام "حزب الله" اللبناني، وذراع إيران الرئيسية في العديد من ملفات المنطقة، فقد أدان العمليات في اليمن، واصفاً إياها كذلك بـ "العدوان"، معرباً عن استغرابه لاستنفار قوى عربية وإسلامية على خلفية الأحداث في اليمن بشكل سريع، في الوقت الذي لم يتوافر هذا العزم بشأن القضية الفلسطينية التي هي في الأساس القضية المركزية للعرب والمسلمين.

أبعاد ودلالات عاصفة الحزم بالنسبة لإيران

توضح مجمل المواقف الدولية والإقليمية السابقة أن إيران تبدو هي المنتقد الوحيد لعملية عاصفة الحزم، ذلك أنها الطرف المتضرر جراء هذه العملية التي لم تكن في حسبان قادة إيران، ويمكن في هذا السياق الإشارة بإيجاز إلى ما يلي:

1 ـ سيناريو لم تتحسب له إيران

ارتبطت حالة التوتر التي انتابت إيران، والتي بدت في تصريحات مسؤوليها كرد فعل للعمليات الجارية ضد الحوثيين باليمن والموالين لإيران، بعنصر المفاجأة الذي اتسمت به عملية "عاصفة الحزم" وإعداد الدول المشاركة فيها، لاسيما أن هذا التوافق والتوقيت الذي بدأت فيه العمليات لم يكن ضمن السيناريوهات المقدرة من جانب "طهران"؛ الأمر الذي أدى لحالة الارتباك تلك، وتركيز طهران على وقف العمليات نظراً لإدراكها أن حلفائها سيرغمون في النهاية وتحت وطأة الضربات المتلاحقة وإمكانية التدخل برياً للخضوع للشروط التي ستطرح عليهم لتسوية الأزمة، وهو السيناريو الذي لم تتحسب له إيران التي أسهمت بفعالية في تعطيل المفاوضات ورفض المبادرة الخليجية بغرض توفير الظروف الضاغطة على طارحي المبادرة الخليجية للخضوع لشروط الحوثيين وحليفهم "صالح" من خلال كسب مزيد من الوقت لتثبيت الموقف على الأرض، بل والسيطرة على "عدن"، وهو ما لم يكتمل بسبب سرعة اتخاذ القرار بتوجية ضربات إجهاضية تحول دون تنفيذ هذا المخطط الموضوع من جانب الإيرانيين.

2 ـ إجهاض طموحات إيران التوسعية عند باب المندب

السبب الأبرز لهذا الارتباك الإيراني هو أن إدراك إيران لمحدودية قدرتها على التحرك عسكرياً لدعم حلفائها في اليمن، بخلاف الوضع الجاري في سوريا والعراق، وإدراكها كذلك لضعف "الحوثيين" وعدم قدرتهم على المقاومة بمفردهم بالمقارنة بـ"حزب الله" في لبنان؛ قد يخرجان الإيرانيين واقعياً من الحسابات التفاوضية في المراحل اللاحقة، وهو ما سيؤدي بالتبعية لإجهاض الطموحات الإيرانية بالاحتفاظ بالنفوذ والقدرة التأثيرية في اليمن، خاصة مع تدخل قوة إقليمية رئيسية مثل مصر طرفاً في العملية العسكرية بإمكاناتها المعروفة، وفرضها حظراً بحرياً شديداً على منطقة "باب المندب" والموانئ اليمنية، وتأثير ذلك على إمدادات السلاح الإيرانى للحوثيين.

3 ـ إمكانية التدخل العربي في مناطق الأزمات

علاوة على ذلك، فإن التحسب الإيراني من تبعات الرد العربي في اليمن لمساندة النظام الشرعي هناك، وما تبع ذلك من قرب التوافق على إنشاء قوة عربية مشتركة، ربما يفتح المجال أمام الشروع في تدخلات عربية في الدول الأخرى التي تشهد صراعات قائمة، وهي الدول التي تنشط فيها إيران وتفرض نفوذها فيها، مستثمرة حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني القائمة، بما يتضمنه ذلك من طرح إمكانية إقصاء النفوذ الإيراني تباعاً وانكماشه، وملأ الفراغ الذي انتزعته إيران التي استثمرت جراء حالة التراجع العربي في السنوات الأخيرة.

4 ـ تحول الموقف التركي

لم يكن في حسابات إيران كذلك هذا القدر من التحول في الموقف التركي تجاهها، إذ على الرغم من تفاوت الرؤى بين الجانبين بشأن الملف السوري، خصوصاً بشأن الإبقاء على النظام السوري برئاسة "الأسد"، وهو ما تتبناه إيران وسعت منذ اللحظة الأولى للثورة في سوريا لمساندة النظام القائم، فإن طهران ربما لم تتوقع هذا التوافق التركي مع السعودية، فضلاً عن قلق "أنقرة" من تمدد النفوذ الإيراني في العراق بدعوى محاربة "داعش" (بتوافق إيراني واضح مع الولايات المتحدة)، وصولاً للتحسب من سيطرة القوات الموالية لإيران على "الموصل"، وما قد ينتج عنه من إمكانية إقدام "واشنطن" على منح الإيرانيين مزيداً من النفوذ بالمنطقة على حساب الدور التركي.

5 ـ الملف النووي ورد الفعل الأمريكي

جاء ارتباك إيران كذلك من رد الفعل الأمريكي الداعم لعملية "عاصفة الحزم"، والذي أحبط الطرف الإيراني الذي سعى لاستثمار رغبة "واشنطن" في الإسراع للتوصل لاتفاق طارئ – على أقل تقدير - بشأن البرنامج النووي الإيراني مع اقتراب المهلة المحددة لذلك يوم 31 مارس الجاري، في تعزيز وضعية الحوثيين بشكل فعلي على الأرض للضغط على السعودية للقبول بتسويات ما كانت لتقبل بها، وأبرزها التسليم بالوضعية الإقليمية الجديدة لإيران باعتبارها القوة الأكثر تأثيراً على مجريات الأحداث بالشرق الأوسط، والطرف الواجب تواجده على مائدة المفاوضات في تسوية أي من ملفات المنطقة، وصولاً للمساومة لاحقاً على ملفات العراق وسوريا ولبنان التي تتنافس الدولتان، السعودية والإيرانية، على فرض رؤيتهما السياسية ونفوذهما على الساحة الداخلية في هذه الملفات، خاصة الملف السوري الذي طالما سعت إيران لدفع "الرياض" للتسليم بقبول مبدأ كون "بشار الأسد" طرفاً أساسياً في أي تسوية مستقبلية ترتبط بسوريا.

من هنا، تخشى إيران من تأثر موقف القوى المفاوضة لها فيما يتعلق بملفها النووي من إبطاء وتيرة المفاوضات وعدم التوصل لتفاهمات تؤدي لرفع العقوبات كما كانت ترغب "طهران"، وذلك تأثراً بظهور عامل جديد على الساحة، متمثلا في القدرة التأثيرية للقرار العربي، وترقب القوى الدولية، لاسيما الولايات المتحدة التي تمثل الطرف الضاغط على باقي الدول المفاوضة للتوصل لاتفاق إطار، حيث تتحسب "واشنطن" من تأثر علاقاتها خلال المرحلة القادمة مع حلفائها التقليديين بالشرق الأوسط، خاصة أن قرار العمل العسكري جاء خارج التنسيق مع "واشنطن"، حتى وإن كانت قد أُعلِمَت به. ولذلك فإن إيران التي طالما سعت لطرح نفسها خلال المفاوضات باعتبارها الطرف المؤثر، والذي يمكن الاعتماد عليه في الشرق الأوسط أصبح محل إعادة تقييم، وبما يضعف من الوضعية التفاوضية لإيران أو على الأقل سيؤدي لإعادة تقييم قدراتها.

إيران ستحاول خلط الأوراق

ارتباطا بما تقدم، فإن إيران ستسعى بكل السبل لإظهار الوضع في اليمن باعتباره حرباً طائفية لتبرير سعيها للتدخل في الشأن اليمني، والاضطلاع بدور ترويجي لهذا المنهج في المجتمع الدولي للحشد لضغوط دولية على الأطراف الفاعلة المشاركة في الحملة العسكرية ضد الحوثيين وطرح صورة ذهنية مفادها التداعيات المترتبة على استقرار المنطقة، فضلا عن إمكانية اللجوء لاستثمار الوضع الراهن لوضع شروط خلال المفاوضات النووية الجارية تقضي بربط المسار التفاوضي واستمراريته بإقدام الأطراف المفاوضة، لاسيما الولايات المتحدة بالضغط على السعودية ومصر لوقف العمليات والقبول بالمفاوضات، تحسباً من انهيار الحوثيين بشكل كامل جراء الضغط العسكرى عليهم وانحسار فرص إشراكهم كطرف فاعل في المفاوضات مستقبلا، بالتوازي مع الترويج لأطروحات تتعلق بمبادرات من جانب قوى دولية رئيسية في إطار إستراتيجية خلط الأوراق التي تجيدها إيران؛ الأمر الذي يستلزم سرعة التحرك لحسم الموقف في اليمن على الصعيدين السياسي والعسكري للحيلولة دون حدوث ضغوط دولية، خاصة وأن أغلب الرؤى تسعى للعودة للتفاوض مع أطراف الصراع باليمن، مما قد يقلل سياسياً من التقدم الذي حدث على الأرض عسكرياً.