أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

موازنة المصالح:

حدود الموقف التركي من الصراع الروسي – الأوكراني

13 مارس، 2022


أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مطلع مارس الجاري، أن بلاده لا يمكنها التخلي عن علاقاتها مع روسيا أو أوكرانيا، في إشارة منه إلى استمرار أنقرة في مساعيها لتبني مواقف متوازنة في الصراع الروسي – الأوكراني، غير أن سياساته في الواقع العلني مالت إلى الدول الغربية، وهو ما يتضح من بعض المواقف، مثل اتهام أردوغان الناتو بالتقاعس عن إنقاذ كييف، فضلاً عن منع أنقرة مرور السفن الحربية عبر مضائقها؛ وتأكيدها، في 3 مارس الجاري، أن شحنات الطائرات المسيرة التركية إلى أوكرانيا جاءت في إطار اتفاقات سابقة.

موقف تركي متوازن:

سعت أنقرة للعب دور الوساطة بين موسكو وكييف، منذ تصاعد التوتر بينهما، أواخر العام الماضي. وحتى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، تسعى إدارة أردوغان لتحقيق التوازن في مصالحها مع الغرب وروسيا، وتظهر حدود الموقف التركي من تلك الأزمة فيما يلي:

1- انتقاد رد فعل الدول الغربية: أعلن أردوغان أن رد الناتو والغرب على الغزو الروسي يفتقر للحسم، في إشارة إلى قبوله بالتدخل العسكري للناتو ضد روسيا، كما أعلن أردوغان، رفضه الغزو الروسي لأوكرانيا، معتبراً أنه ضربة قاسية للسلام والاستقرار الإقليميين، فيما أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في 28 فبراير، أن تركيا ستواصل مساعدتها الإنسانية لأوكرانيا. 

2- عدم إغلاق المجال الجوي التركي: أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، في 4 مارس 2022، أن إبقاء مجال تركيا الجوي مفتوحاً مهم استراتيجياً وإنسانياً، بما يكشف عن عدم انضمام تركيا إلى الدول الأوروبية والأمريكية، التي أغلقت مجالها الجوي أمام الطيران الروسي.

3- رفض تعليق عضوية روسيا: امتنعت أنقرة عن التصويت على تعليق عضوية موسكو في مجلس أوروبا، بحجة ضرورة إبقاء قناة حوار مفتوحة مع موسكو، لتصبح الدولة الوحيدة التي امتنعت عن ذلك التصويت، كما امتنعت أنقرة عن فرض عقوبات على روسيا، حتى الآن، بما يعزز من تصورات المحللين بأن أردوغان يتطلع لعدم خسارة علاقاته مع موسكو، فقد أعلن أردوغان أن بلاده ستدعم كييف بكل ما أوتيت من قوة، لكنها لن تضحي بعلاقات التعاون القوية والمستقرة مع روسيا. 

4- إغلاق المضائق التركية في وجه السفن العسكرية: طلبت أوكرانيا من أنقرة، إغلاق مضيقي الدردنيل والبوسفور أمام السفن الحربية الروسية، الأمر الذي رفضته إدارة أردوغان في البداية، فقد أعلن وزير الخارجية التركي، في 25 فبراير الماضي، أن تركيا ليس بإمكانها منع السفن الحربية الروسية من الوصول إلى البحر الأسود عبر مضائقها، بسبب اتفاقية مونترو التي تقيد من قدرة أنقرة على منع السفن العسكرية من المرور إلا في حالة واحدة، وهي كون تركيا في حالة حرب مباشرة. ونظراً لأن تركيا ليست في حالة حرب مباشرة مع روسيا، فإنه ليس بمقدورها إغلاق المضائق التركية في وجه الملاحة الروسية.  

ونتيجة للضغوط الأمريكية، على ما يبدو، أعلن وزير الخارجية التركي، في 28 فبراير 2022، منع بلاده السفن الحربية للدول المشاطئة وغير المشاطئة للبحر الأسود من عبور المضيقين التركيين، ولكن من المرجح ألا يكون لعمليات الإغلاق تأثير يذكر على العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، فقد نشرت موسكو بالفعل معظم الأصول البحرية التي تحتاجها لغزو أوكرانيا قبل قرار تركيا. 

كما أن إغلاق المضائق التركية في وجه السفن الحربية كافة يعني أن تركيا لن تسمح للولايات المتحدة، أو أي من الدول الغربية، بعبور سفنها العسكرية كذلك، وهو ما يصب في صالح روسيا، وإن كان من الملحوظ أن أياً من الدول الغربية لن تكون قادرة على إرسال سفن عسكرية لدعم أوكرانيا بأي حال من الأحوال. 

5- دعم أوكرانيا بالطائرات المسيرة: أكد وزير الدفاع الأوكراني، في 2 مارس الجاري، وصول شحنة جديدة من المسيرات التركية إلى كييف، وهي جاهزة للقتال، فقد أعلنت كييف استخدامها، المسيرات التركية في حربها ضد موسكو، فيما أظهرت مقاطع تم تداولها إعلامياً، لضربات نفذتها تلك المسيرات، ضد عربات ومدرعات ونقاط تمركز للقوات الروسية في أوكرانيا. وفي المقابل، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في مطلع مارس الجاري، عن إسقاط حوالي 52 طائرة مسيرة في أوكرانيا، في حين أن التقديرات كانت تشير إلى امتلاك أوكرانيا حوالي 50 طائرة مسيرة قبل الحرب، وهو ما يعني أن تركيا واصلت إمداد أوكرانيا بالطائرات المسيرة بعد اندلاع الحرب. 

وأكد نائب وزير الخارجية التركي، في 5 مارس الجاري، أن كييف حصلت على تلك الطائرات بصفقة خاصة، مشدداً على أنه لا يمكن اعتبار ذلك دعماً عسكرياً تركياً لكييف، فيما أعلن الخبير التركي للأمن والإرهاب، عبد الله آغار، في 2 مارس الجاري، أثناء حديثه لصحيفة "الصباح" المقربة من الحكومة، أن هناك جهداً منظماً لوضع تركيا وروسيا وجهاً لوجه، فيما وصفه بالتلاعب الخطير للغاية، من جانب وسائل الإعلام الغربية والجانب الأوكراني للدور الذي تلعبه الطائرات المسيرة، بما يؤكد استمرار بقاء أنقرة على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وهو ما يؤشر على حرص أنقرة عدم إغضاب موسكو. 

وعلى الجانب الآخر، فإن التقديرات العسكرية الغربية الرصينة قللت من فاعلية الطائرات المسيرة التركية ضد الجيش الروسي، وهو ما يضفي مصداقية على التصريحات العسكرية الروسية السابقة، والتي أكدت أن نظم الدفاع الجوي الروسية، قادرة على رؤية الطائرة المسيرة التركية "بيرقدار" منذ لحظة إقلاعها، وحتى لحظة إسقاطها. 

فهم موقف أنقرة:

يتطلع أردوغان وحكومته، من اتباع سياسة الحياد حيال الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى تحقيق أكبر قدر من المصالح التركية، وتفادي التداعيات السلبية، التي قد تتمخض عن الانحياز لأحد أطراف النزاع، ويمكن تناول أهم التداعيات المحتملة، كما يلي:

1- تقليص التداعيات الاقتصادية: تعاني أنقرة أزمة اقتصادية منذ أواخر العام الماضي، فقد خسرت العملة التركية نحو 50% من قيمتها مقابل الدولار، كما تراجعت بأكثر من 5%، عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، في 24 فبراير، إذ أقبل المستثمرون على الملاذات الآمنة، الأمر الذي أثار مخاوف من ضغوط تضخمية جديدة في أنقرة، حيث أعلن معهد الإحصاء التركي، في 3 مارس الجاري، أن التضخم قد سجل نحو 54.4% على أساس سنوي في فبراير 2022، مسجلاً أعلى معدل له منذ مارس 2002، ومتجاوزاً توقعات وكالة بلومبرج التي بلغت 52.5%. 

ولذا ترى أنقرة في استمرار علاقاتها مع طرفي الصراع على الحياد، تحقيقاً لمصالحها الاقتصادية، لا سيما أن حجم التجارة السنوية بين أنقرة وكل من موسكو وكييف يبلغ 34.7 و7.4 مليار دولار، لكل منهما على التوالي، كما تعتمد أنقرة على روسيا في توفير نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي. كما تستورد أنقرة البترول والفحم وبعض الحبوب، خاصة القمح ودوار الشمس من روسيا. وحققت تركيا نحو 24.5 مليار دولار العام الماضي فقط من السياحة الروسية.

وعلى الجانب الآخر، أعلنت هيئة الإحصاء التركية، في نهاية فبراير 2022، عن ارتفاع صادرات تركيا خلال يناير الماضي بنسبة 17.2% مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي 2021، محققةً نحو 17.6 مليار دولار، حيث تصدرت ألمانيا قائمة الدول الأكثر استيراداً للمنتجات التركية، تلتها الولايات المتحدة، وإيطاليا، على التوالي.

2- الحفاظ على الصناعات العسكرية: تسعى أنقرة إلى زيادة إنتاجها من الصناعات الدفاعية، فقد أعلن وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي مصطفى ورانك، في 21 يناير الماضي، أن المسيرات التركية سوف تحلق في جميع الأجواء الأوروبية قريباً، غير أنه من المرجح، أن تواجه صناعة المسيرات التركية، أزمة، حيث تمثل أوكرانيا مورد محركات مهماً للمسيرات التركية، لا سيما بعد أن حظرت كندا تصدير المحركات وأجهزة الاستشعار ذات التقنية العالية، والمستخدمة في تصنيع تلك المسيرات، إلى أنقرة منذ 5 ديسمبر الماضي. كما كانت تركيا تسعى إلى التعاون مع موسكو في إنتاج نظم الدفاع الجوي "أس – 400"، وإن لم تتبلور في خطط واضحة بعد. 

3- التعاون في الملف السوري: تشير بعض التقديرات إلى أن قرار تعليق مرور السفن العسكرية الروسية عبر المضائق التركية قد تكون له انعكاسات سلبية على الجبهة السورية، وعلى الوجود العسكري الروسي في سوريا، بما قد يعزز من موقف تركيا هناك، خاصة أن القاعدة العسكرية الروسية الوحيدة على البحر المتوسط، تقع في مدينة طرطوس، والتي تعمل كمركز عملياتي رئيسي للأنشطة العسكرية الروسية في البحر المتوسط. ويعد هذا أمراً مستبعداً، نظراً لأن الصراع العسكري في سوريا يمر حالياً بمرحلة جمود، ومن غير المتوقع أن تقدم تركيا على استغلال الوضع، خوفاً من تداعيات ذلك على التعاون بين روسيا وتركيا حول الملف السوري. 

وفي الختام، تكشف المعطيات السابقة أن أردوغان يسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع كل أطراف الأزمة، للإبقاء على تركيا وسيطاً محتملاً، ولتلافي الضغوط الغربية بفرض عقوبات على روسيا، خاصة في ضوء ارتباط تركيا بمصالح اقتصادية قوية مع روسيا، وعسكرية مع أوكرانيا.