أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

مشروع "نيوم":

كيف تُسهم "رؤية 2030" في تحديث الاقتصاد السعودي؟

26 نوفمبر، 2017


كشف إعلان الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، عن مشروع "نيوم"، في أكتوبر 2017، عن تصاعد اتجاهات تحديث وتنمية الاقتصاد السعودي في مراحل ما بعد النفط؛ إذ يُعد المشروع مؤشرًا على استمرار نهج المملكة في تبني المشروعات التنموية الضخمة التي تستغل مقومات الموقع السعودي وفرص التعاون مع دول الجوار في التحول باتجاه اقتصاد متنوع وحديث وأكثر انفتاحًا على العالم الخارجي.

دعائم الاقتصاد السعودي:

شملت الرؤية السعودية لعام 2030 خططًا واسعة، من بينها برامج اقتصادية واجتماعية وتنموية تستهدف إعداد الاقتصاد السعودي لمرحلة ما بعد النفط، وتكونت من ثلاثة محاور رئيسية: "اقتصاد مزدهر"، و"مجتمع حيوي"، و"وطن طموح".

وقد ركزت الرؤية على استثمار الموارد الكبرى التي تمتلكها السعودية؛ حيث إنها تمتلك أكبر احتياطي نفطي في المنطقة، وثاني أكبر الاحتياطيات في العالم، بما يُقدر بحوالي 267 مليار برميل من النفط، وحوالي 8.5 تريليونات متر مكعب من الغاز الطبيعي، إلى جانب ثروات كبيرة من الذهب، والفوسفات، واليورانيوم، وكذلك مصادر الطاقة المتجددة وغيرها.

وبالنسبة للعنصر البشري، تمتلك السعودية 33.2 مليون نسمة، ويتمتع هؤلاء السكان بمعدل سِني منخفض، بجانب معدل نمو مرتفع نسبيًّا، ويعيش ما يزيد عن 78% منهم في المناطق الحضرية، وهو ما يُعد أمرًا إيجابيًّا بالنسبة لحجم السوق والطلب المحلي.

كما تتمتع السعودية كذلك بمساحة كبيرة، وبموقع جغرافي متميز؛ إذ أنها تحتل المرتبة الأولى من حيث المساحة، على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمرتبة 13 عالمياً، بمساحة تصل إلى  2.250.000 كلم مربع، وبالنسبة للموقع فهي تقع في أقصى غرب آسيا، مقتربة بذلك من إفريقيا وأوروبا، ولديها سواحل طويلة على الخليج العربي في الشرق وعلى البحر الأحمر وخليج العقبة في الغرب، بإجمالي سواحل تبلغ 2640 كلم، وتمنحها المساحة الكبيرة والموقع الجغرافي ميزات نسبية تتيح لها أن تكون مركزًا للأعمال والتجارة على المستوى الإقليمي والعالمي.

مرحلة ما بعد النفط:

من أجل نقل الاقتصاد السعودي إلى مرحلة ما بعد النفط، ركزت رؤية المملكة على استثمارات تلك الإمكانات بشكل أمثل، ووضعت لها أهدافًا وثيقة الصلة بذلك، وعلى رأسها تحفيز النمو الحقيقي لزيادة حجم اقتصاد المملكة ليتقدم إلى المرتبة 15 بدلًا من المرتبة 19 في الترتيب العالمي، ورفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي.

بالإضافة إلى زيادة نسبة المحتوى المحلي في قطاعي النفط والغاز من 40% إلى 75%، ورفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة من 20% إلى 35% في الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي عبر مضاعفة أعداد ضيوف الرحمن من عمرة وحج.

كما تسعى الرؤية إلى استثمار الموقع الجغرافي للمملكة من خلال جعلها مركزًا للخدمات اللوجستية، بما يسمح لها بالتقدم في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية من المرتبة 49 إلى 25 عالميًّا؛ وتهدف أيضًا إلى الانتقال من المركز 25 في مؤشر التنافسية العالمية لتصبح واحدة من الدول العشر الأولى في هذا المؤشر.

يُضاف إلى هذا، السعي لتحقيق مجموعة من الأهداف التنموية ذات الأبعاد الاجتماعية، مثل: رفع نسبة تملك السعوديين للمنازل، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وتخفيض معدل البطالة إلى النصف، والعمل على رفع كلٍّ من نسبتي ممارسة الرياضة وإنفاق الأسر على الثقافة والترفيه، وتحسين متوسط العمر المتوقع عند الميلاد، وغيرها من الأهداف.

وبطبيعة الحال يحتاج تنفيذ هذه الرؤية تمويلًا ضخمًا، قدّره "معهد ماكنزي" بنحو 4 تريليونات دولار. ولتأمين هذا التمويل تسعى المملكة إلى تأمين مصادر إضافية بجانب الاحتياطيات النقدية الكبيرة التي تمتلكها، والمتمثلة في 516 مليار دولار هي قيمة احتياطيات مؤسسة النقد السعودي، والأصول التي يديرها صندوق الاستثمارات العامة التي تبلغ قيمتها نحو 230 مليار دولار.

ويُعد المجال متاحًا لمشاركة القطاع الخاص لتمويل المرافق والخدمات وإدارتها؛ كما أنها تستهدف رفع قيمة أصول "صندوق الاستثمارات العامة" إلى نحو 1.9 تريليون دولار، وهناك العديد من الآليات التي تعتمدها الرؤية في هذا الإطار، ومنها طرح 5% من أصول شركة "أرامكو" النفطية إلى الاكتتاب العام. بجانب ذلك، تسعى رؤية المملكة إلى زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 43.5 مليار دولار إلى 267 مليار دولار سنويًّا، وتستهدف كذلك اجتذاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بما يُساعد في رفع نسبة هذه الاستثمارات من الناتج المحلي الإجمالي من 3.8% إلى المعدل العالمي البالغ 5.7%.

أركان مشروع "نيوم":

تتبنى السعودية عددًا من المشروعات التنموية الكبرى، وقد أعلنت خلال الفترة الماضية عددًا منها، جاء على رأسها مشروع "نيوم"، وهو الأضخم في هذا الإطار حتى الآن؛ إذ إنه يقع على مساحة تبلغ نحو 26.5 ألف كلم مربع، ويقع في منطقة تسمح للمملكة بالتعاون مع كلٍّ من مصر والأردن، ويشرف على سواحل تبلغ 460 كلم على خليج العقبة والبحر الأحمر، حيث يمر 10% من التجارة العالمية بها، ويمكن لنحو 70% من سكان العالم أن يصلوا إلى المشروع خلال 8 ساعات فقط.

ويضم هذا المشروع الضخم عددًا من المشروعات الفرعية الموزعة على مختلف القطاعات الاقتصادية، لا سيما قطاعات الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والسياحة، والصناعة، والأمن الغذائي، والنقل، والخدمات اللوجستية.

وبهذه الخصائص يُعد مشروع "نيوم" عنوانًا لرؤية المملكة 2030 والطموحات الكبيرة التي تسعى إلى إدراكها، والتي جاءت في وقت يشوبه العديد من التحديات على المستوى الإقليمي في الجوانب الجيوسياسية، إلى جانب التحديات الاقتصادية العديدة التي يمر بها العالم الآن، وعلى رأسها التراجع الاستثنائي في أسعار النفط، والذي يعبر عن أن تغيرًا جوهريًّا يحدث في أسواق النفط العالمية، وهو التغير الذي سيترك الأسواق بوجه مختلف تمامًا عما كانت عليه فيما مضى، ويضع الاقتصادات النفطية، بما فيها الاقتصاد السعودي، أمام مستقبل جديد.

يضاف إلى هذا أن الاقتصاد السعودي كان يعتمد على الموارد النفطية كمصدر رئيسي للدخل بالسنوات الماضية، حيث مثلت الإيرادات النفطية أكثر من أربعة أخماس إيراداته العامة. 

ختامًا، فإن المشروعات التنموية الكبرى التي تتبناها المملكة العربية السعودية الآن، في إطار رؤيتها المستقبلية لعام 2030، برغم أنها تحتاج تمويلًا ضخمًا، وقد تواجه بعض التحديات، إلا أنها تحديات تبدو في متناول المملكة في ظل ما تتمتع به من إمكانات اقتصادية كبيرة، بجانب الرغبة الشديدة لديها في نقل اقتصادها إلى مرحلة ما بعد النفط، ودفع الاقتصاد السعودي إلى مرحلة جديدة يكون فيها أكثر توازنًا، بما يُمكِّنه من تجنب التداعيات السلبية لأية مشكلات أو أزمات في المستقبل، بما في ذلك الأزمات المرتبطة بأسواق النفط والطاقة بشكل عام.