أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

اللحظة الروسية:

دوافع تحرك موسكو العسكري غير المتوقع في سوريا

15 نوفمبر، 2015


إعداد: عزة هاشم


مثل القرار الذي اتخذته روسيا بالتدخل عسكرياً في سوريا تطوراً شديد الأهمية في مسار الصراع هناك. ومما لا شك فيه أنه سوف يحمل تداعيات عديدة على المستويين الدولي والإقليمي.

ولتحليل الآثار المترتبة على ذلك التدخل الروسي، نشر "مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية بمعهد هارفارد كنيدي" تقريراً في أكتوبر 2015 تضمن عرضاً لوجهات نظر سبعة خبراء ينتمون لمؤسسات بحثية من مختلف أنحاء العالم (روسيا، وإيران، وسوريا، ولبنان، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة)، حيث طرح التقرير آرائهم المتباينة حول أهداف القرار الروسي الأخير بالتدخل العسكري في سوريا، وانعكاسات ذلك إقليمياً ودولياً.

التدخل الروسي في سوريا.. فرصة لإيران

تطرق Kayhan Barzegar - مدير معهد الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط في طهران – إلى التدخل العسكري الروسي في سوريا وانعكاساته على طهران، معتبراً أن الوجود العسكري الروسي في سوريا سيوازن من معادلات الأمن السياسي داخل الساحة الداخلية السورية، ما قد يؤدي إلى تسريع الحل السياسي في البلاد. ويؤكد الباحث أن هذه الظروف ستمنح أيضاً الفرصة لإيران للمساهمة في إيجاد حل وسط وسريع للأزمة السورية.

وعلى الرغم من التقارب الإيراني - الروسي الملحوظ في الأزمة السورية، فإن الباحث لا يعتبره تحالفاً استراتيجياً بين البلدين، ولكنه مجرد تقارب سياسي قائم على الحاجة المشتركة للتصدي لما يمثله الموقف الراهن من تهديد للأمن القومي لهما، في وقت تعاني فيه موسكو وطهران من انعدام الأمن.

ونظراً لأن اهتمام إيران الأكبر ينصب على موازنة علاقاتها مع القوى الكبرى وزيادة التعاون الإقليمي مع المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر، فإن طهران تعطي الأولوية لتعزيز التعاون متعدد الأطراف في القضايا الإقليمية.

ويوضح الكاتب أن المنطق الاستراتيجي وراء هذه السياسة الإيرانية هو تجنب التنافس مع القوى العظمى، وعدم تبني تحركات تقليدية أُحادية الجانب لا تصب في صالح طهران.

"اللحظة" الروسية عبر سوريا

في إطار طرح رؤيته لدوافع التدخل الروسي في سوريا، يرى Bassam Haddad  - الأستاذ بكلية السياسة والحكومة والشؤون الدولية بجامعة جورج ماسون الأمريكية – أنه إلى جانب الأسباب المُعلنة بشأن مكافحة تنظيم "داعش"، ثمة دوافع أخرى كامنة وراء التحرك الأخير لموسكو في سوريا؛ ومنها الرغبة الأساسية لروسيا في الحفاظ على بقاء نظام "الأسد" وتقويته من أجل تعزيز موقفه التفاوضي المحتمل بعد الانتكاسات الأخيرة التي تعرض لها، فضلاً عن مساعي روسيا إلى تحويل الانتباه عما يحدث في جوارها المباشر، والتأكيد على إثبات ولائها لحلفائها.

ويرى الباحث أن هذه التحليلات تتقاطع مع ما يمكن أن يُطلق عليه "اللحظة الروسية القسرية أو الاضطرارية"  The forced Russian moment، والتي تحاول روسيا من خلالها استغلال تدخلها في سوريا كتتويج لصعودها كقوة عالمية، سواء كان ذلك يؤدي إلى مواجهات خطيرة وتصعيد للمواقف، أو يضع شروطاً جديدة لخريطة بديلة لتوزان القوى في المنطقة. ومن ثم، فإن سوريا تعد بمثابة وسيلة وليست هدفاً بالنسبة لروسيا.

ومن وجهة نظر الكاتب، فإن الوقت لايزال مبكراً لتقييم تداعيات التدخل العسكري الروسي في سوريا. ومع ذلك، فإنها تعتمد بصورة أقل على كثافة المشاركة، وبشكل أكبر على من يتم استهدافهم. ولأن تنظيم "داعش" ليس هو المستهدف من القصف الروسي، فمن المتوقع أن تتعقد الأمور، خاصةً إذا مكَّنت العمليات الروسية قوات "الأسد" والموالين له من استعادة الأراضي التي فقدها النظام في الأشهر الأخيرة.

وفي ظل هذه الأجواء، فإن الولايات المتحدة سوف تنتظر قبل أن تتخذ أي موقف، حيث ستظل تصرفاتها رهناً بالظروف المتغيرة على الأرض، وهو ما يمكن أن  ينطبق على الصين أيضاً.

التحرك غير المتوقع لبوتين في سوريا

يشير Marwan Kabalan  - وهو أكاديمي سوري، ومدير التحليل السياسي والدراسات السورية المعاصرة بالمركز العربي للبحوث والدراسات السياسية- إلى أن روسيا اختارت لحظة إقليمية ودولية ملائمة للتدخل في سوريا؛ فقد أدى فشل استراتيجية إدارة "أوباما" في احتواء تنظيم "داعش" عبر الضربات الجوية التي تشنها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وكذلك ترددها في تدريب وتجهيز قوى المعارضة السورية لمواجهة "داعش" على الأرض، إلى منح موسكو "الشرعية السياسية" للتدخل في سوريا.

كما اغتنمت روسيا فرصة أزمة اللاجئين في أوروبا، والذين وصلت أعدادهم إلى مئات الآلاف (معظمهم سوريون)، حيث أدت الزيادة في عدد هؤلاء اللاجئين الذين يبحثون عن المأوى في أوروبا إلى خلق موقف أوروبي جديد تجاه الأزمة السورية، وهو ما دفع كلاً من ألمانيا والنمسا وإسبانيا وبريطانيا والمجر إلى الدعوة للتعاون مع روسيا بهدف إيجاد حل سريع للنزاع السوري.

وعن نتائج التدخل الروسي، يتوقع الكاتب عدم حدوث تغيير يُذكر في الوضع الراهن للصراع السوري، لأن الهدف من التدخل على الأرجح يقتصر على دعم نظام "بشار للأسد" ومنع انهياره. وقد تحاول روسيا أيضاً مساعدة النظام الحالي على استعادة بعض المواقع الاستراتيجية في شمال غرب العاصمة وحولها، ولكنها على الرغم من ذلك لا يمكنها – وقد لا تنوي - مساعدته في استعادة جميع الأراضي التي فقدها "الأسد"، واستولت عليها المعارضة على مدار السنوات الثلاث الماضية، فالنظام ليس لديه القوى البشرية الكافية للقيام بذلك، وموسكو لا تملك الموارد اللازمة لخوض حرب استنزاف في سوريا.

وفي الواقع، إذا لم يستخدم الروس نفوذهم الحالي في سوريا لجعل "بشار الأسد" يقبل بحل سياسي للأزمة، فإن ذلك سيؤدي إلى إطالة أمد النزاع هناك، وزيادة معاناة السوريين من جميع الأطراف.

محاولة لفهم الغموض الاستراتيجي الروسي في سوريا

شدد كل من Christopher Sage - كبير المساعدين العسكريين لنائب رئيس اللجنة العسكرية في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وMichael Davis - المساعد العسكري لرئيس اللجنة العسكرية في الحلف - على أهمية التعرف على النوايا الحقيقية للرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، والتأكد من أن روسيا والولايات المتحدة لن ينتهي بهما المطاف في سوريا على طرفي نقيض في "حرب عالمية موسعة".

وقد أثبتت الجهود الرامية إلى ضمان عدم التعارض بين العمليات العسكرية التي تقوم بها كل من الولايات المتحدة وروسيا في سوريا، أن احتمالات المواجهة بينهما تعد بعيدة الحدوث حتى الآن.

روسيا وضمان الوصول إلى شرق البحر المتوسط

يرى Jamal Wakim - الأستاذ المساعد بالجامعة اللبنانية - أن روسيا تتبنى موقفاً داعماً وثابتاً تجاه نظام "الأسد" منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، وذلك نظراً لخوف موسكو من قيام الأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين بشن حرب بالوكالة في سوريا ضد الروس وحلفائهم من الإيرانيين والصينيين.

بالنسبة للروس، يتمثل الهدف الأمريكي في منعهم من الوصول إلى طرق التجارة البحرية، وزعزعة النظام القائم في آسيا الوسطى، والإضرار بالأمن القومي لروسيا والصين وإيران. وقد انزعج الروس والصينيون بشدة من المشاركة المتزايدة للشيشانيين والقوقازيين والقادمين من آسيا الوسطى، للقتال في سوريا.

وبالتالي، فإن التحرك الروسي يهدف إلى تأكيد وإثبات الوجود الموازي للوجود الأمريكي والأوروبي في سوريا، وإجبار حكومات الولايات المتحدة وأوروبا الغربية على القبول بنظام متعدد الأقطاب تمارس فيه روسيا والصين دوراً حاسماً إلى جانب الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.

الضربات الروسية.. خطر جديد أم فرصة؟

في هذا الجزء من التقرير، تناولت Irina Zvyagelskaya - الأستاذ بمعهد موسكو للعلاقات الدولية- دوافع التدخل الروسي في سوريا، وفقاً لعددِ من الأبعاد:

أ- البُعد الدولي، حيث لم تُخفِ روسيا تقديمها المساعدات العسكرية لدمشق، وكانت تدعو لتشكيل ائتلاف دولي موسع بمشاركة القوى العالمية والإقليمية لمكافحة الإرهاب في سوريا، وهو الاقتراح الذي أفسده التدخل العسكري الأمريكي - حسب وصف الباحثة - والذي دفع روسيا إلى عدم الانضمام لهذا التحالف الدولي لأسباب مختلفة، ثم قررت روسيا بعد ذلك المُضي قُدماً بمفردها في عملياتها العسكرية بسوريا.

ب- البُعد السوري، إذ تحول التدخل الروسي في سوريا إلى ضرورة بعدما أصبحت الأوضاع هناك أكثر تأزماً ومأساوية في ظل سيطرة الجماعات المتطرفة حالياً على نحو 80% من الأراضي السورية.

ج- البُعد الداخلي الروسي، ويتمثل في المخاوف الروسية الداخلية عقب فرار الآلاف من المواطنين الروس للقتال في صفوف تنظيم "داعش" بالعراق والشام، وما يترتب على عودتهم من تهديدات أمنية للداخل الروسي.

ومن وجهة نظر الكاتبة، فإن العمليات العسكرية الروسية في سوريا تعد محفوفة ببعض المخاطر، منها أن الكثير من القوى الإقليمية والدولية ضد دعم روسيا لنظام "بشار الأسد"؛ ففكرة أن يظل "الأسد" في الحكم ولبعض الوقت لاتزال غير مقبولة من تركيا والسعودية وقطر وبعض الدول العربية الأخرى. ومن ناحية أخرى، فإن مشاركة إيران في العمل العسكري مع روسيا ستسهم في تعزيز قوة طهران.

وفي سياق الحديث عن تبعات التدخل العسكري الروسي، ثمة تحذيرات من تداعيات عدم وجود تنسيق من الجانب الروسي مع قوات التحالف الدولي التي تقودها الولايات المتحدة، حيث قد يؤدي ذلك إلى حدوث "صدامات جوية".

حاصل القول، تراوحت رؤى مختلف الخبراء الواردة في هذا التقرير حول دوافع التدخل العسكري الروسي في سوريا، ما بين الرغبة الروسية في الحفاظ على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وتأكيد وجودها على الساحة العالمية كقوة عالمية، فضلاً عن مساعيهاالترجمة من الإنجليزية للرد على التهديدات الموجهة ضد أمنها القومي في المستقبل.


* عرض مُوجز لتقرير بعنوان: "وجهات نظر حول التدخل الروسي في سوريا"، والصادر عن "مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية بمعهد هارفارد كنيدي" في أكتوبر 2015.

 المصدر:

Payam Mohseni (ed), Disrupting the Chessboard: Perspectives on the Russian Intervention in Syria (Cambridge: Belfer Center for Science and International Affairs, Harvard Kennedy School, October 2015).