أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

المورد السوري:

البدائل المالية المحتملة لـ"داعش" حال خسارة "الموصل"

21 أكتوبر، 2016


سبق عملية تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، التي تُعتبر آخر مراكز الثقل المالي والعسكري للتنظيم بالعراق، تراجع مصادر تمويله، بعد تدمير البنية الاقتصادية الرئيسية له، والتي تمثلت في: الحقول النفطية، وبعض المصارف التي يُهيمن عليها، الأمر الذي سبب خسائر مالية فادحة للتنظيم.

ومع نجاح عملية الموصل التي ربما تستغرق بضعة أسابيع في تحقيق غايتها بطرد تنظيم "داعش" نهائيًّا من الأراضي العراقية؛ فإن القدرات المالية للتنظيم ستكون عند حدودها الدنيا متمثلة في بعض الأصول المتبقية في سوريا، وهو الأمر الذي سيكون حافزًا للتنظيم لإعادة بناء هياكله الإدارية والمالية مجددًا داخل الأراضي التي يُسيطر عليها بسوريا، وبما سيدفعه -في أغلب الظن- إلى السعي نحو أمرين؛ أولهما انتزاع السيطرة على الحقول النفطية المسيطر عليها من الجماعات المنافسة بسوريا، وثانيهما تنويع مصادر تمويله.

تقويض التمويل:

قبل انطلاق معركة الموصل بأشهر، بدأت قوات التحالف الدولي بالتنسيق مع القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية، شن العديد من الضربات العسكرية ضد مواقع تنظيم داعش بمدينة الموصل التي تعد مركز الثقل الاقتصادي والمالي للتنظيم منذ سيطرته عليها في أغسطس 2014.

وفي هذا الإطار، بدأت القوات الدولية والعراقية في استهداف المنشآت الاقتصادية للتنظيم بالموصل. ففي غضون فبراير 2016، دمرت قوات التحالف الدولي مبنى فرع البنك المركزي العراقي بالمدينة، بجانب مصرفين آخرين، هما: مبنى فرع المصرف العقاري، ومبنى لأحد فروع مصرف الرشيد، وديوان الزكاة التابع للتنظيم هناك. وقد تسببت هذه العملية العسكرية الدقيقة في خسارة التنظيم أموالا سائلة بقيمة 800 مليون دولار، على حد قول الجنرال بيتر جيرستين، نائب قائد العمليات والاستخبارات ضد داعش بالعراق.

ومع تقدم قوات البيشمركة والحشد الشعبي نحو استعادة المدن الشمالية بالعراق، فَقَدَ التنظيم أغلب الحقول النفطية التي كان يسيطر عليها بشمال العراق، وهي أربعة حقول رئيسية، هي: القيارة، والنجمة، وبلد، وحميرين، وهذه الحقول معًا كانت تُنتج حتى وقت قريب ما يقارب 10 آلاف برميل نفط يوميًّا.

شكل (1): الموارد المالية لتنظيم داعش في عامي 2014 و2015 (بالمليون دولار)

 

Source: ISIS Financing in 2015, Center for the Analysis of Terrorism, Paris, May 2016 

في أعقاب طرد تنظيم داعش من مناطق الشرقاط والقيارة بشمال العراق خلال الأسابيع الماضية، أصبح التنظيم تقريبًا بلا قدرات فعلية للإنتاج أو تهريب النفط في العراق بشكل نهائي، ويُستثنى من ذلك بعض القدرات الإنتاجية النفطية المحدودة من آبار النفط الخاصة بحقل النجمة حسبما أعلنت وزارة النفط العراقية في نهاية سبتمبر الماضي. وبذلك لم يعد بإمكان التنظيم جني مزيدٍ من الإيردات النفطية الوفيرة كما كان عليه الحال سابقًا، إلا من خلال بعض الحقول التي يسيطر عليها بسوريا.

تداعيات خسارة الموصل:

لا يمكن بأي حال من الأحوال التكهن حتى الآن بنتيجة المعركة أو مدتها الزمنية، ولكن في ضوء المؤشرات الأولية باستعادة القوات العراقية القرى المجاورة للموصل حتى الآن، ربما تقود خسارة التنظيم لمعركة الموصل للنتائج التالية:

1- تجفيف قدرات النفط: يبقى تحرير مدينة الموصل وغيرها من المدن الشمالية العراقية من داعش فرصة قوية لزعزعة الثقة في النموذج المالي للتنظيم القائم على النفط منذ عامي 2014 و2015؛ حيث كان يولد عائدات نفطية تتراوح بين 1-3 ملايين دولار يوميًّا. وبهزيمة داعش في هذه المعركة، ستتمكن القوات العراقية من انتزاع بقية الآبار النفطية الأخرى التي يُسيطر عليها التنظيم والقريبة من الموصل.

وبحسب مؤشرات أولية خاصة بالمعركة، فقد نجحت الشرطة الاتحادية العراقية حتى الآن في تحرير 56 بئرًا نفطية من سيطرة التنظيم، بجانب معمل كبريت المشراق جنوب مدينة الموصل.

وستكون المحصلة النهائية في حالة فقدان تنظيم "داعش" هذه الموارد، أن تضعف القاعدة المالية للتنظيم بشكل كبير. وبغض النظر عن تداعيات الجوانب المالية، ففي أعقاب تحرير الموصل، سيبدو تعزيز الحكومة العراقية لتأمين الحقول النفطية الشمالية بشكل كامل أمرًا ملحًّا للغاية منعًا لوصول داعش إليها لاحقًا.

2- فقدان الموارد الأخرى: بخلاف النفط، يبدو أن معركة الموصل ستعمل على استهداف باقي منشآت تنظيم "داعش" الاقتصادية الأخرى، كالمصارف وبيت الزكاة وغيرها، والتي تحوي أصولا مالية ونقدية كبيرة حصل عليها التنظيم من فرع البنك المركزي والمصارف بمحافظة نينوى في أعقاب سيطرة داعش عليها في عام 2014.

ويُضاف إلى السابق، أن المناطق العراقية التي كان يُسيطر عليها التنظيم في المحافظات العراقية الثلاث نينوى وصلاح الدين والأنبار كانت تؤمّن ما نسبته 40% و53.3% من الإنتاج الكلي للتنظيم من الشعير والقمح على التوالي. وقد أدر إجمالي كميات المحاصيل الزراعية عوائد كبيرة على "داعش" قُدرت بنحو 140 مليون دولار، من بينها 20 مليون دولار إتاوات أخرى على الأنشطة الزراعية. فمع فقدان التنظيم كافة مناطق نفوذه بالعراق، سيفقد بالتبعية مصادر تمويل إضافية بعد أن تضاءلت مصادر الدخل الاستراتيجية الأخرى، كالنفط والسرقة والفدية.

3- فقدان سلاح المياه: بتحرير الموصل يبدو أن التنظيم فَقَدَ أحدَ أبرز أسلحته غير النمطية، وهي تهديده المستمر باستخدام سد الموصل في معاركه العسكرية ضد القوات العراقية عبر إغراق المدن والقرى المحيطة بالمدينة. وقد تصاعدت هذه التهديدات بعد سيطرة التنظيم على سد الموصل في أغسطس عام 2014 قبل أن تستعيده قوات البيشمركة الكردية في نفس الشهر. ومن دون شك فإن أي تهديد فعلي لهذا السد كان من الممكن أن يتسبب في أزمات إنسانية أخرى؛ حيث إن سد الموصل يوفر -بحسب بعض التقديرات- 45% من إمدادات الكهرباء في العراق، وجزءًا كبيرًا من إمدادات المياه لإقليم كردستان وجنوب العراق.

استراتيجيات بديلة:

مع نجاح القوات العراقية والدولية في هزيمة تنظيم "داعش" وطرده من العراق ومن ثم القضاء على مصادر تمويله هناك، من المتوقع أن يتبنى التنظيم استراتيجيات بديلة لجني مزيد من الأموال، وقد تأتي في إطار التحركات التالية.

1- إعادة تمركز: من المرجّح أن تقود عملية الموصل إلى انسحاب عناصر التنظيم صوب سوريا، بما يمثل نقطة تحول في مناطق تمركز التنظيم بمنطقة الشرق الأوسط. هذا التمركز الجغرافي الجديد قد يعني نقل "داعش" إلى مراكز الثقل الإداري والعسكري والمالي للتنظيم في مناطق الرقة والحسكة السورية وغيرها. بالتوازي مع ذلك، ربما يتحول مقاتلو داعش إلى استخدام استراتيجية عسكرية مختلفة تمزج بين الهجمات الخاطفة المتكررة بجانب العمليات العسكرية الممتدة لتوسيع أو استعادة مناطق نفوذه بالأراضي العراقية والسورية. ولكن في مقابل ذلك، قد تسنح الفرصة للقوى الدولية لشن هجمات عسكرية أكثر دقة ضد مواقعه بسوريا.

2- البحث عن موارد إضافية: على ما يبدو فإن الضغوط المالية التي سيتعرض لها التنظيم خلال الفترة المقبلة، ستضطره للبحث عن موارد إضافية أخرى بخلاف النفط. وعلى الأرجح، سيتخذ التنظيم خطوات سريعة نحو فرض ضرائب جديدة بالمناطق التي يُسيطر عليها بسوريا تعويضًا لهذه الخسائر المالية. ويؤكد هذا الاتجاه بعض التقديرات السابقة التي أشارت إلى نمو العوائد الإجمالية للإتاوات والضرائب التي يجنيها داعش سنويًّا من نحو 360 مليون دولار في عام 2014 إلى 800 مليون دولار في عام 2015، وذلك في أعقاب تراجع عائدات النفط، ليمثل الإتاوات والضرائب في عام 2015 أكثر من ثلث موارد التنظيم مقابل 10% سابقًا.

3- منافسة الخصوم: تحت ضغط خسارة الأصول الاقتصادية، قد يتجه التنظيم إلى تنسيق هجمات ضد منافسيه بالأراضي السورية من أجل إضعافهم، وإحكام السيطرة على الموارد الاقتصادية بالأراضي السورية. وبذلك، ستتزايد محاولات الهيمنة من قبل داعش للموارد الاقتصادية التي تُسيطر عليها الجماعات الأخرى من النفط والغاز والأراضي الزراعية وغيرها. 

أبرز الأهداف المحتملة لتنظيم داعش في إطار استراتيجيته التوسعية ربما تتمثل في بعض الحقول النفطية التي تُسيطر عليها قوات حماية الشعب الكردية بمحافظة الحسكة (وهي: الرميلة، والسويداء، وكراتشوك) والتي تنتج 15 ألف برميل نفط يوميًّا. علاوةً على الموارد النفطية الأخرى التي يسيطر عليها النظام السوري بحقول النفط والغاز الواقعة في محافظات حمص وحماة، وبعض آبار النفط في دير الزور، وتنتج هذه الحقول حاليًّا قرابة 10 آلاف برميل نفط يوميًّا.

وختامًا، يمكن القول إن تحرير الموصل ربما لن يقدم نتائج حاسمة لتقويض مصادر تمويل داعش بالأراضي العراقية والسورية، وإنما سيبقى تحقيق غاية القضاء على موارده رهنًا بنتائج المواجهة المحتملة بين داعش من ناحية ومختلف الأطراف المسلحة الأخرى في سوريا من ناحية أخرى.