أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

ضَبْط التنافس؟

العقبات الكبرى أمام إدارة الخلافات الاستراتيجية بين واشنطن وبكين

02 نوفمبر، 2023


اختتم وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، زيارته الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية، في الفترة من 26 إلى 28 أكتوبر 2023، حيث التقى يي، الرئيس جو بايدن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان. ومع أن الطرفين توصلا إلى تفاهمات مُشترَكَة أبرزها مواصلة الحوار الدبلوماسي وضرورة استئناف الاتصالات العسكرية والتخفيف من القيود التجارية المتبادلة واستعادة زخم التعاون الاقتصادي، لكن يبقى خَفْض حدة التوتُر وضَبْط التنافس الاستراتيجي وحلحلة القضايا الخلافية الجوهرية بين الدولتين أمر يصعب تحقيقه في المدى القصير.

دلالات الزيارة

تكمن أهمية زيارة وانغ يي، للولايات المتحدة في عدة اعتبارات، يتمثل أولها في أنها أول زيارة لأعلى مسؤول صيني في إدارة الرئيس شي، للولايات المتحدة، منذ عام 2018، وهو ما ينطبق كذلك على الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى بكين، في يونيو الماضي.

كما أنها تأتي عَقِبَ زيارات قام بها مسؤولون أمريكيون للصين خلال الفترة الماضية، من أبرزهم وزيرة الخزانة، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، ووزيرة التجارة، ومبعوث المناخ، وزعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، وحاكم ولاية كاليفورنيا، هذا علاوة على لقاء مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، مع وانغ يي، في مالطا في منتصف سبتمبر الماضي، ثم إجراء مناقشات بين بلينكن ونائب الرئيس الصيني، هان تشنغ، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

ويتمثل الاعتبار الآخر في أن هذه الزيارات الأخيرة تشير إلى مساعي الدولتين نحو عودة المحادثات واللقاءات بين كبار المسؤولين وسط تصاعُد التوتُر بينهما بشأن عدة قضايا خلافية أبرزها ضوابط التصدير الأمريكية على التكنولوجيا المتقدمة، وقضية تايوان، والتحركات الصينية في بحر الصين الجنوبي، والأزمة الأوكرانية، واندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط بين إسرائيل وحركة حماس.

ولهذا، فقد تُمهِّد زيارة وانغ يي، على الأقل لاستعادة مسار النقاش المباشر عن المخاوف ذات الصلة، واستمرار الجهود القائمة للمحافظة على خطوط تواصل مفتوحة، وإدارة التنافس بشكل مسؤول بين الدولتين حتى لا يتحول إلى صراع، من خلال مواصلة استخدام الدبلوماسية، لبحث المخاوف ومجالات التعاون المحتملة، هذا إلى إمكانية عقد قمة بين الرئيسين شي وبايدن، خلال اجتماعات قمة التعاون الاقتصادي لمنطقة المحيط الهادئ "أبيك" في سان فرانسيسكو في شهر نوفمبر الجاري.

تفاهمات مُشترَكَة

بناءً على الاعتبارات السابقة، فقد تم خلال زيارة يي، النقاش بشأن العديد من القضايا، وتم التوصل إلى تفاهمات مُشترَكَة مبدئية، يتمثل أبرزها في التالي:

1 - مواصلة المحادثات السياسية: أكد وزير الخارجية الصيني أثناء الزيارة أن "الصين والولايات المتحدة بحاجة إلى إجراء حوار معمق وشامل يسهم في تقليل مساحات سوء الفهم ويساعد على دَفْع العلاقات للاستقرار وإعادتها لمسارها الصحيح"، وأنه "رغم الخلافات القائمة بين الدولتين، فإنهما تتشاركان في مصالح مهمة وتحديات تحتاجان لحلها معاً"، وهو ما يتوافق مع تصريحات الرئيس شي، في مطلع شهر أكتوبر، لدى اجتماعه مع وفد من مجلس الشيوخ الأمريكي برئاسة زعيم الأغلبية الديمقراطية، تشاك شومر، في بكين، حيث دعا إلى تعاون أوثق وعلاقات أكثر استقراراً بين الصين والولايات المتحدة على أساس الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين، قائلاً: "العلاقات الصينية الأمريكية ستكون حاسمة لمستقبل البشرية".

ويُمكِن القول إن الدولتين تدركان جيداً أنه رغم المحادثات التي جرت بين المسؤولين الأمريكيين والوفد الصيني حول قضايا الحرب في غزة، والحرب في أوكرانيا، والنزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، وتايوان، والخلافات التجارية، فإن تلك القضايا سوف تبقى قضايا خلافية كبرى بينهما، ويصعب تحقيق رغبة إدارة بايدن بأن تُسفِر هذه اللقاءات في إقناع الصين باتخاذ نهج بناءٍ أكثر بشأن حربي غزة وأوكرانيا، إلا أن ثمة قضايا أخرى تحتاج التعاون بين الدولتين، ولاسيما مواجهة التحديات العابرة للحدود الوطنية مثل تغيُر المناخ واستقرار الاقتصاد العالمي والأمن الغذائي والصحة العامة، والتي يصعب على أي قوة عظمى مواجهتها منفردة، بل يجري اتخاذ إجراءات منسقة بشأنها في إطار ما يُسمَّى "المنافسة السلمية المسؤولة".

2 – إدارة الخلافات التجارية وتعزيز التعاون الاقتصادي: تسعى بكين وواشنطن إلى محاولة التخفيف من الحرب التجارية الجارية بينهما، فالصين تشهد تراجعاً اقتصادياً نسبياً، والولايات المتحدة تحتاج إلى ضمان سلاسل إمدادات الموارد والمعادن النادرة. لهذا ناقش وانغ يي، إمكانيات التعاون التجاري والاستثماري، بما قد يخفف من المخاوف الأمريكية بشأن الإجراءات الصينية ضد الشركات الأمريكية في الصين، بل إنه دعا مجتمع الأعمال الأمريكي إلى إفساح المجال كاملاً لدور التعاون الاقتصادي والتجاري باعتباره "قوة توازن" في علاقات الدولتين.

وتهدف الصين إلى جذب المستثمرين الأجانب، والحصول على بعض التنازلات التجارية من واشنطن، بما في ذلك تعريفاتها الجمركية على المنتجات الصينية، وتخفيف العقوبات والقيود على ضوابط تصدير الرقائق، وكذلك رفع القيود المفروضة على الشركات الصينية. ولذا شكَّل الجانبان في الأسابيع الأخيرة فريقي عمل لمناقشة القضايا الاقتصادية والمالية، واتفقا على عقد اجتماعات دورية تختص بمناقشة ضوابط التصدير. ويعني ذلك عودة استئناف الحوار الاقتصادي المنتظم بين الدولتين بعد توقفه منذ عام 2018 عندما تخلت إدارة ترامب عن تلك الاجتماعات المنتظمة؛ حيث عُقِدَت أولى تلك الاجتماعات المخصصة لمناقشة الموضوعات الاقتصادية عبر الإنترنت يوم 24 أكتوبر، ثم تمت مناقشة الموضوعات المالية في اليوم التالي.

ويُلاحَظ كذلك أن الزيارات الأمريكية ذات الطابع التجاري لم تقتصر على المسؤولين الأمريكيين، بل امتدت لتشمل كبار رجال التكنولوجيا والاقتصاد، حيث قام كلُ من إيلون ماسك، وبيل غيتس، وتيم كوك، بزيارة الصين خلال العام الجاري، وأكدوا ضرورة استمرار الروابط الاقتصادية والتجارية الضخمة بين الولايات المتحدة والصين، باعتبارهما أكبر اقتصادين في العالم.

3 - ضرورة استئناف الاتصالات العسكرية: أثار المسؤولون الأمريكيون خلال زيارة وانغ يي، الحديث مجدداً عن ضرورة استعادة الاتصالات العسكرية المباشرة مع الصين، والتي توقفت منذ زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة، نانسي بيلوسي، تايوان، في أغسطس 2022. وبينما لم تَصدُر تفاصيل مؤكدة في هذا الشأن، إلا أن هناك عدة مؤشرات على احتمال البدء في استعادة هذه الاتصالات، ففي الأسبوع الماضي أقال الرئيس شي، وزير الدفاع، لي شانغ فو، من منصبه، وكان يخضع لعقوبات أمريكية منذ عام 2018، وهو ما يفتح الباب أمام وزير الدفاع الجديد لإجراء محادثات مع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن. 

أيضاً، فقد أُجرِيَت في أغسطس الماضي محادثات عسكرية بين إيلي راتنر، مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويانغ تاو، مدير إدارة شؤون أمريكا الشمالية وأوقيانوسيا في وزارة الخارجية الصينية، كما عقد مسؤولو الدفاع في الدولتين اجتماعاً افتراضياً في أواخر شهر سبتمبر الماضي. وعلى الرغم من رَفْض وزير الدفاع الصيني لقاء نظيره الأمريكي في مؤتمر شانغريلا الأمني في سنغافورة في شهر مايو الماضي، فإن وزارة الدفاع الأمريكية صرحت بأنها قبلت دعوة الصين للمشاركة في "منتدى شيانغشان" الأمني، الذي بدأ أعماله يوم 30 أكتوبر المنصرم، وهي المرة الأولى التي تستضيف فيها الصين هذا المنتدى منذ عام 2019؛ حيث سوف تشارك سينثيا كاراس، المدير الرئيسي لشؤون الصين وتايوان ومنغوليا ممثلة عن وزارة الدفاع الأمريكية في المنتدى.

تحديات رئيسية

مما لا شك فيه، سوف تبقى أوجُه الخلاف الاستراتيجي قائمة بين واشنطن وبكين، وما تزال إمكانية حدوث انفراجة في العلاقات وبلوغها مستويات متقدمة، تواجه العديد من العقبات، في ظل التنافس المُحتدِم بين الدولتين. ومن أبرز هذه العقبات ما يلي:

1 - مواصلة الدعم الأمريكي لتايوان: كانت لهجة بكين بشأن تايوان حاسمة خلال زيارة وانغ، إذ أعاد تأكيد مبدأ "صين واحدة" والبيانات الثلاثة المُشترَكَة التي أسَّست موقف الولايات المتحدة من قضية تايوان منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي. وترفض الصين أي تدخل أمريكي في ملف تايوان، وتعده استفزازاً؛ فتايوان والمطالبة باستقلالها خط أحمر لا يجب تجاوزه بالنسبة للصين، التي ترى أن التأكيدات الأمريكية الرسمية لمبدأ "صين واحدة" لا تتناسب مع دَعْم واشنطن العسكري لتايوان، والذي كان من آخر مظاهره إعلان واشنطن في يوليو الماضي عن تقديم أسلحة بقيمة 345 مليون دولار لتايوان.

2 – إعادة صياغة التحالفات الأمريكية في منطقة المحيطين: تَعتبِر الوثائق الأمريكية الرسمية الصين هي التحدي الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة على المدى الطويل، وترى واشنطن أن بكين تنفذ طموحاتها التوسعية بكافة الوسائل. ورداً على ذلك، تُعزِّز واشنطن تحالفاتها الأمنية مع الهند واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وفيتنام وجزر المحيط الهادئ، فيما يُطلَق عليه "تطويق الصين".

وقَبْل يوم واحد من زيارة وانغ يي، حذَّر الرئيس بايدن من أن "أي هجوم على طائرات أو سفن أو قوات مسلحة فلبينية سيستدعي تفعيل معاهدة الدفاع المُشترَك مع الفلبين، وذلك بعد اصطدام سفينتين صينيتين بمركبين فلبينيين قُرْب جزيرة "سيكند توماس شول" في جزر سبراتلي. كما قال بايدن خلال لقائه رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، الذي سيزور بكين قريباً: "سنخوض منافسة مع الصين بكل الطرق الممكنة مع احترام القواعد الدولية السياسية والاقتصادية وغيرها، لكننا لا نسعى إلى النزاع"، وطلب بايدن من الكونغرس ميزانية إضافية قدرها 7,4 مليارات دولار لمنافسة الصين عسكرياً واقتصادياً.

3 - استمرار الخلافات التجارية والاستفزازات العسكرية: شددت إدارة بايدن في الأشهر الأخيرة قيود التصدير على الرقائق الإلكترونية إلى الصين، وضغطت بقوة على حلفائها، اليابان وألمانيا وهولندا، لمنع تزويد الصين بوسائل صُنْع تلك الرقائق. كما أصدرت عقوبات تستهدف الشركات التكنولوجية الصينية والأفراد الصينيين بسبب دعم برنامج الطائرات من دون طيار الإيراني، والإفراط في إنتاج المواد الكيميائية التي تصنع الفنتانيل، وهو مسكن للألم لمن يعانون الإدمان في الولايات المتحدة.

أيضاً، شهدت الفترة الأخيرة توترات عسكرية، مِثْل إسقاط الولايات المتحدة منطاد تجسُس صيني، بل إن زيارة وانغ يي، جاءت في وقت نشرت فيه الولايات المتحدة مزيداً من اللقطات لحادث كان يبدو وشيكاً فوق بحر الصين الجنوبي، بين طائرة مقاتلة صينية وقاذفة أمريكية من طراز (B-52) مما كاد أن يُعرِّض كلتا الطائرتين لخطر الاصطدام، وهو الأمر الذي نفته وأدانته بكين. ويُعد هذا الحادث هو الأكثر حدة من بين 180 حادثة من هذا القبيل منذ عام 2021. 

4 - المواقف المتعارضة حيال الأزمات الدولية: تتخذ واشنطن وبكين مواقف متعارضة في غالبية القضايا والأزمات الدولية الراهنة، بما في ذلك الحربين الجاريتين في أوروبا والشرق الأوسط، وهو ما يُقوِّض جزئياً التعاون المُحتمَل؛ فبينما تُرسل واشنطن مساعدات عسكرية إلى إسرائيل وأوكرانيا، وتُمثِّل الداعم الأول لهما، فقد تعززت علاقات الصين وروسيا منذ بدء الحرب الأوكرانية في فبراير 2022، ودعت الصين إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وأدانت أعمال العنف والهجمات على المدنيين في الصراع. وفي حين طلب وزير الخارجية الأمريكي من بكين في منتصف شهر أكتوبر المنصرم استخدام نفوذها في الشرق الأوسط لمنع توسُع الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، دعا وزير الخارجية الصيني واشنطن للقيام بدور بنَّاءٍ لوقف الصراع.

وفقاً لما سبق من نتائج زيارة وانغ يي، وفي ظل هذه التحديات والعقبات الكبرى، فإنه يُمكِن القول إن رأب الصدع وحلحلة الخلافات الجذرية بين الدولتين يحتاج إلى وقت طويل نسبياً. وإذا كان صحيحاً أن هناك نية من الطرفين لخفض التوتر وتجنُب الصدام المباشر بفعل ترابط مصالحهما وتداخلها، وهو ما سوف يظهر إذا التقى الرئيسان، بايدن وشي، على هامش قمة "أبيك"، في شهر نوفمبر الجاري، فإن ذلك لا ينفي وجود العديد القضايا الخلافية، سواءً أكانت على صعيد العلاقات الثنائية، أم على الصعيدين الإقليمي والعالمي، والتي لا يُمكِن التوصل لحلول وسط بين الدولتين بشأنها. كما أنه يُتوقَّع أن ينتهي هذا التحسن النسبي بين الطرفين سريعاً مع بدء الحملات الرئاسية الأمريكية، والتي ستكون الصين موضعاً للتنافس فيها من حيث حدة مواقف المرشحين تجاه بكين.