أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ثغرات أمنية:

هل أخفق جهاز الخدمة السرية في حماية ترامب؟

19 يوليو، 2024


سلّطت مُحاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب أثناء إلقائه كلمة أمام تجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، في 14 يوليو 2024، الضوء على دور عناصر جهاز الخدمة السرية، المُكلّف بحمايته واستجابتهم في أعقاب إطلاق النار، وخاصة مع إعلان لجنة الرقابة والمساءلة في مجلس النواب الأمريكي عن استدعاء مديرة جهاز الخدمة السرية الأمريكي كيمبرلي تشيتل، للإدلاء بشهادتها في جلسة استماع يوم 22 يوليو 2024، لمعرفة أسباب ومُلابسات الحادث، الذي أثار العديد من التساؤلات بشأن الثغرات الأمنية في التجمع الجماهيري الذي حضره ترامب.

ولا شك في أن مُحاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وضعت ضغوطاً جسيمة على جهاز الخدمة السرية (USSS) المُكلف بحماية الرؤساء والمرشحين الرئاسيين، وكذلك ضغوطاً أخرى على مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، المُكلف حالياً بإجراء تحقيقات بشأن تلك الحادثة، ولاسيما مع كونه يختص بمكافحة جرائم العنف الخطرة وحماية الولايات المتحدة من الهجمات الإرهابية. 

وفيما يلي، يمكن التعرف على المهام الوظيفية/ الأمنية الدقيقة لجهاز الخدمة السرية، ودوره في حماية الشخصيات العامة الأمريكية، وعلى رأسها رئيس البلاد ونائبه، وكذلك تسليط الضوء على الثغرات الأمنية التي أدت إلى محاولة اغتيال ترامب، وأسفرت عن جعل جهاز الخدمة السرية في مرمى نيران المساءلة والانتقادات. 

مهام مُعقّدة: 

يُعد جهاز الخدمة السرية في الولايات المتحدة من أقدم وكالات إنفاذ القانون الفدرالية، ويتبع حالياً وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، بعد أن كان جزءاً من وزارة الخزانة حتى عام 2003، نظراً لولايته الأولية المتمثلة في مكافحة تزوير العملة الأمريكية، إلّا أن مُهمته المُعقّدة والمُتشعبة جعلته يخضع لوزارة الأمن الداخلي الأمريكي، فهو مُكلّف من قبل الكونغرس الأمريكي بمهمتين مُتميزتين وحاسمتين للأمن القومي، وهما: حماية قادة الأمّة الأمريكية وحماية البنية التحتية المالية والحيوية للولايات المتحدة.

واللافت للانتباه هو أن مهام الجهاز تُختزل دائماً في كونه المسؤول عن "أخذ الرصاصة بدلاً من الرئيس"، إلّا أن هذا التصور خطأ في ظل المهام المعقدة والمزدوجة التي يتولاها الجهاز، والتي تتلخص فيما يلي: 

1. مُهمّة وقائية: إن الجهاز مُكلف بضمان سلامة الشخصيات العامة، فقد بدأ مهام الحماية في أعقاب اغتيال الرئيس ويليام ماكينلي عام 1901، ومنذ ذلك العام، يتولى الجهاز حماية رئيس الولايات المتحدة ونائبه، وعائلاتهم المباشرة؛ والرؤساء السابقين وأزواجهم وأطفالهم تحت سن الـ16 عاماً، وأولئك الذين هم في خط الخلافة الرئاسية، وكذلك المرشحين للرئاسة الأمريكية ونوابهم المُختارين، علاوة على كبار الزوار الأجانب، والممثلين الرسميين للولايات المتحدة الذين يؤدون مهام خاصة في الخارج. وإلى جانب ذلك، تقع على عاتق الجهاز حراسة البيت الأبيض ومبنى وزارة الخزانة الأمريكية المجاور، والمساكن الخاصة الرئيسية للرئيس ونائب الرئيس والرؤساء السابقين، علاوة على حماية البعثات الدبلوماسية الأجنبية. 

إن مُهمّة الجهاز الرئيسية هي الحماية الوقائية عبر إجراء تقييمات الموقع والمكان للمحميين لما يمتلكه الجهاز من معلومات استخباراتية وقائية من المفترض أن تمكنه من منع وقوع أية هجمات. ونظراً لأهميته الوقائية أسُندت إلى الجهاز بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 مهمات جديدة مثل الإشراف على الأمن في الأحداث غير السياسية التي يمكن أن تكون هدفاً للإرهابيين، مثل بطولة "السوبر بول" في دوري كرة القدم الأمريكية.

2. مُهمّة التحقيق: تشمل التحقيق في الجرائم المالية والإلكترونية، بما في ذلك التحقيقات المالية المرتبطة بالعملة الأمريكية المُزيّفة، والاحتيال على البنوك والمؤسسات المالية، والاحتيال عبر البريد، والاحتيال الإلكتروني، وعمليات التمويل غير المشروعة، كما يقوم الجهاز بالتحقيق في الجرائم السيبرانية، والتي ترتبط بسرقة الهُوية والتجسس على الشبكات والاحتيال على بطاقات الائتمان، وجرائم الملكية الفكرية.

وهكذا، تُوصف مهمة جهاز الخدمة السرية بأنها ذات أهداف مزدوجة، تجمع ما بين أهداف حماية القيادات العليا وكبار الزوار إلى جانب حماية المواقع السيادية والأحداث الأمنية الوطنية الخاصة التي تحددها وزارة الأمن الداخلي من ناحية، وأهداف التحقيق لحماية الأنظمة المالية في الولايات المتحدة من الجرائم المالية والإلكترونية من ناحية أخرى. 

ثغرات واضحة: 

ثمّة ثغرات أمنية أثارت حيرة وتساؤلات الخبراء الأمنيين في الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب إطلاق النار على دونالد ترامب أثناء تجمعه الانتخابي في ولاية بنسلفانيا، وتتلخص فيما يلي: 

1- غياب التأمين عن سطح المبنى القريب من التجمع: لا يزال من غير الواضح كيف تمكن المسلح توماس ماثيو كروكس، من الوصول إلى سطح مبنى بالقرب من التجمع الانتخابي الذي كان على بعد ما يزيد قليلاً عن 130 متراً (430 قدماً) من ترامب، وخاصة مع تأكيد مصادر أمنية لشبكة "أن بي سي نيوز" أن جهاز الخدمة السرية حدد سطح هذا المبنى قبل أيام من الحادث باعتباره ثغرة أمنية تتعين السيطرة عليها في وقت فعالية التجمع. وفي هذا الصدد، يتفق خبراء الأمن على أنه كان ينبغي أن يكون شخص ما على السطح ليقوم بتأمين المبنى حتى لا يتمكن أحد من الصعود إلى السطح، أو على أقل تقدير، كان لا بد وأن يكون خط الرؤية من السطح إلى منطقة منصة ترامب محجوباً.

2- عدم الالتفات للتحذيرات: قال شهود عيان للشبكة الإخبارية "بي بي سي" إنهم رصدوا "بوضوح" كروكس قبل أربع دقائق من الحادث، وكان يزحف على السطح حاملاً بندقية، وبالفعل قاموا بإبلاغ الشرطة لكن المشتبه به استمر في التحرك حتى أطلق النار تجاه المنصة ثم قُتل هو بالرصاص بعد أن تسبب في إصابة أذن ترامب ومقتل أحد الحاضرين وإصابة اثنين آخرين. ولم يلاحظ كروكس من قبل شهود العيان فحسب، ولكنه لُوحظ من قبل قوات الأمن. فعلى سبيل المثال، قال عمدة مقاطعة بتلر في ولاية بنسلفانيا بعد الحادث: "إن ضابط شرطة محلي رصد كروكس، ولم يتمكن من إيقافه في الوقت المناسب"، وبالمثل، أفاد أحد كبار المسؤولين في قوات إنفاذ القانون لشبكة "سي أن أن" الإخبارية، دون أن يكشف عن هويته، بأن كروكس ظهر على رادار مسؤولي قوات إنفاذ القانون، والتي اعتقدت أنه يتصرف بشكل مريب بالقرب من موقع التجمع، زاعماً أن تلك المعلومات تم نقلها إلى جهاز الخدمة السرية. إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه المعلومات قد وصلت بالفعل إلى العملاء المحيطين بترامب أم لا. 

3- إلقاء اللوم على الشرطة المحلية: ألقت مديرة جهاز الخدمة السرية في مقابلة لها مع شبكة "إيه بي سي" الإخبارية بعض اللوم على الشرطة المحلية؛ إذ أشارت إلى أن تأمين السطح كان يقع ضمن نطاق مسؤولية الشرطة المحلية، وتابعت قائلةً: "إن جهاز الخدمة السرية تم تكليفه بتأمين المحيط الداخلي للحدث، في حين تم تكليف الشرطة المحلية بحماية المنطقة التي تشمل المبنى". وعلى الرغم من أن هذا التصريح قد يرفع الحرج عن جهاز الخدمة السرية؛ فإنه يُثير تساؤلات حول مدى صحة اعتماد الجهاز على الشرطة المحلية في المقاطعات بشكل كبير، كما أن ذلك لا ينفي مسؤولية الجهاز عن تنسيق الخطة الأمنية الشاملة للمناسبات التي يحضرها الرئيس والرؤساء السابقون وغيرهم من كبار المسؤولين الذين يحميهم. 

4- نقص عناصر الخدمة والموارد المتاحة: أشار جيسون شافيتز، وهو رئيس سابق للجنة الرقابة بمجلس النواب، إلى أن انتشار عناصر الخدمة السرية كان ضئيلاً بشكل ملحوظ، مرجحاً أن قلة عدد عناصر جهاز الخدمة السرية أدى إلى عدم تمكين الشرطة المحلية من تأمين التجمع على نحو فعّال؛ إذ زاد الضغوط على الأخيرة لتأمين التجمع، مشدداً في تصريحات له لصحيفة "واشنطن بوست" على أنه لا يوجد "ملف تهديد" أكبر وأخطر من حماية المرشحين الرئاسيين ترامب وبايدن، إلا أن هذا لم ينعكس في الوجود الأمني في بنسلفانيا.

انتقادات للجهاز: 

وضعت هذه الثغرات جهاز الخدمة السرية في مرمى الانتقادات والهجوم على أدائه ومسؤوليه، وجاءت تلك الانتقادات على النحو التالي: 

1. مطالب باستقالة مديرة جهاز الحماية السرية: تتعدد الدعوات التي تطالب باستقالة مديرة جهاز الخدمة السرية الأمريكي كيمبرلي تشيتل، وذلك في أعقاب الخرق الأمني الخطر الذي أدى إلى خسارة مأساوية لحياة أحد الأمريكيين، وكاد يودي بحياة الرئيس السابق دونالد ترامب، فعلى سبيل المثال، وُجدت على الموقع الإلكتروني "change. org" عريضة تطالب باستقالة تشيتل من منصبها بشكل عاجل، وتطلب من المواطنين الأمريكيين سرعة التوقيع عليها لاستخدامها كورقة ضغط لاستقالة تشيتل؛ إذ إن استمرار تقلدها لهذا المنصب يزيد من المخاوف على الأمن القومي الأمريكي، ومن شأنه أن يهدد المبادئ الديمقراطية. وفي سياق آخر، طالب الملياردير الأمريكي إيلون ماسك باستقالة تشيتل، وسخر منها عبر حسابه على منصة "إكس" قائلاً: "إذن، قبل أن تكلف بمسؤولية حماية الرئيس كانت تحرس أكياس (شيبس) الشيتوس"، في إشارة إلى عملها السابق في شركة "بيبسي كو".

2. فتح تحقيق شامل في حادثة إطلاق النار: طلب مايك جونسون رئيس مجلس النواب، في أول رد فعل له على الحادثة، بفتح تحقيق شامل يتضمن شهادات من الخدمة السرية ومكتب التحقيقات الفدرالي وجهاز الأمن الداخلي، في حين قال النائب مايك تيرنر، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، إن الكونغرس سيدقق ويراجع المسؤولين، مشيراً إلى أن الحادث يعبر عن "فشل في مظلة الحماية الأمريكية".

3. الاستدعاء لحضور جلسة استماع بمجلس النواب: تنفيذاً لتوصيات رئيس مجلس النواب الأمريكي، دعت لجنة الرقابة والمساءلة بمجلس النواب الأمريكي، في 14 يوليو 2024، مديرة الخدمة السرية الأمريكية للإدلاء بشهادتها يوم 22 يوليو بشأن محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق ترامب، وعلى هامش ذلك، أوضح المتحدث باسم مجلس النواب أنه سيتم إجراء تحقيق كامل في الأحداث المأساوية التي مرت في الساعات القليلة الماضية، وأضاف أن الشعب الأمريكي يستحق أن يعرف الحقيقة، وسيَمثل مدير الخدمة السرية ومسؤولون آخرون من وزارة الأمن الوطني ومكتب التحقيقات الفدرالي أمام لجاننا في أسرع وقت ممكن.

4. انتقادات من قبل المتخصصين: صرَّح بيل باكل، المساعد السابق لمدير الخدمة السرية، أنه لا يوجد أي عذر لعدم تمكن جهاز الخدمة السرية من توفير الموارد الكافية لتأمين سطح مبنى يبعد أقل من 100 متر من موقع منصة ترامب، مضيفاً أن موقع مطلق النار كان خارج السياج الأمني الذي أنشأه جهاز الخدمة السرية؛ وهو ما يثير تساؤلات جديدة عن مساحة هذا السياج وجهود مسح وتأمين المبنى الذي اعتلاه مطلق النار. وفي سياق آخر، انتقد أندرو ماكابي، وهو نائب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق، سوء تأمين الجهاز للتجمع الانتخابي؛ إذ أشار إلى أن واحداً من أهم عوامل تأمين الموقع؛ خاصة لو كان مكان مفتوحاً، هو تأمين الأماكن التي تطل بشكل مباشر على مكان المتحدث. وعندما يتم النظر إلى خريطة الموقع، فإنه من المستحيل أن يتم إهمال هذا المبنى ويكون خارج نطاق الحماية نظراً لقربه من المنصة.

مسؤولية مُشتركة: 

للوهلة الأولى يبدو أن مهمة تأمين الرئيس السابق ترامب كغيره من كبار المسؤولين تقع على عاتق جهاز الحماية السرية فحسب، وإن كان ذلك صحيحاً من الناحية الأمنية التشغيلية، فإن مكتب التحقيقات الفدرالي لا يمكن أن يخلي مسؤوليته عن الحادث، فهو وكالة حكومية تابعة لوزارة العدل الأمريكية وتعمل كوكالة استخبارات داخلية، وتختص بحماية الولايات المتحدة من الهجمات الإرهابية؛ ومكافحة التجسس وأنشطة أجهزة المخابرات الأجنبية، وحماية الولايات المتحدة من الهجمات الإلكترونية والجرائم الإلكترونية عالية المستوى، ومكافحة الفساد على كافة المستويات، ومُكافحة المنظمات الإجرامية الوطنية والعابرة للحدود، ومكافحة جرائم "ذوي الياقات البيضاء" (كالرشوة والاحتيال وغسيل الأموال)، وأخيراً مكافحة جرائم العنف الخطرة، والتي يمكن أن تدخل في إطارها جريمة محاولة اغتيال ترامب.

إن محاولة اغتيال ترامب لم تضع ضغوطاً فقط على جهاز الخدمة السرية فحسب، ولكنها أثارت تساؤلات حول إخفاق دور مكتب التحقيقات الفدرالي في الحصول على المعلومات الاستخباراتية باعتباره وكالة استخبارات داخلية، وكذلك إخفاقه في مهمة مكافحة جرائم العنف الخطرة أو مهمة حماية الولايات المتحدة من الهجمات الإرهابية، خاصة أن المدير التنفيذي المساعد لفرع الأمن القومي بمكتب التحقيقات الفدرالي روبرت ويلز، صرح بعد الحادث مباشرة أن محاولة الاغتيال قد تكون عملاً إرهابياً محلياً. 

ويتولى حالياً مكتب التحقيقات الفدرالي مسؤولية تحديد الدافع من وراء محاولة الاغتيال، وما إذا كان هناك متآمرون آخرون مرتبطون بذلك الهجوم أم لا، وعليه، فإن هناك حالة ترقب لتصريحات مسؤولي مكتب التحقيقات الفدرالي؛ ومن ثم، فهو أمام مهمة دقيقة لتهدئة الرأي العام الأمريكي، والإفصاح بحكمة عن المعلومات التي تتعين معرفتها في الوقت الحالي أو إخفاؤها حتى تُستكمل التحقيقات. 

وفي التقدير، ستلقي محاولة اغتيال ترامب بظلالها على دور وأداء جهاز الخدمة السرية الأمريكي، وقد تؤدي إلى تغيير ليس فقط في مسؤوليه، لكن أيضاً قد يطال هذا التغيير بعض سياسات الجهاز، ولاسيما سياسة التنوع الجندري، كما أنه من المرجح أن يضغط الجهاز في سبيل الحصول على مزيد من الموارد التي تمكنه من أداء دوره بمزيد من الفاعلية، وفي نفس السياق، من المتوقع أن يعيد هذا الحادث مسألة التنسيق بين الأجهزة الأمنية الأمريكية إلى الواجهة، ولاسيما التنسيق الميداني بين جهاز الخدمة السرية والشرطة المحلية والمباحث الفدرالية.