أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

اختراق الفضاء:

استكشافات الفضاء بين العلم والعسكرة والسياسة

20 أكتوبر، 2014



إعداد: محمد أحمد عبد النبي

لم تعد قضية استكشاف الفضاء حكراً على القوى العظمى كما كان الوضع مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي خلال فترة الحرب الباردة، ولم يعد يقتصر مسعى الدول لاستخدام وتطوير الأنشطة الفضائية يهدف فقط لتحقيق مزايا عسكرية وعلمية، ولكن بات اكتساب المزيد من المكانة والنفوذ والتأثير السياسي من أهم أهداف الدول لاختراق الفضاء.

لقد كانت هناك قوتان فضائيتان منذ حقبة الخمسينيات من القرن الماضي هما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، أما الآن فثمة العديد من الدول التي أصبح لها وجود في الفضاء، وثمة عدة دول تخطط للحاق بهذا الركب، وذلك بعد أن أصبح مجال الفضاء ضروري للأعمال التجارية وللبحوث، وكذلك للعمليات العسكرية.

في هذا الاطار، هناك تساؤل رئيسي مفاده: ما مستقبل الاستكشافات الفضائية في ظل ظهور العديد من القوى الدولية المهتمة بمجال الفضاء؟ وهو التساؤل الذي يحاول الإجابة عليه الكاتب "جيمس أندرو لويس "James Andrew Lewis مدير برنامج التكنولوجيا الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS))، وذلك من خلال دراسة نشرت للكاتب تحت عنوان: "استكشاف الفضاء في بيئة دولية متغيرة" "Space Exploration in a Changing International Environment".

1- النشاط العالمي في مجال الفضاء:

ظهرت العديد من الدول المعنية ببرامج الفضاء وتشغيل الأقمار الصناعية خلال العقد الأخير، ومع ذلك هناك عدد قليل من الدول التي تمتلك قدرات كبرى ويمكنها أن تنفق على هذا المجال. فهناك ثمانية دول تطلق برامج فضاء نشطة، وهي (الصين، فرنسا، الهند، إيران، إسرائيل، اليابان، روسيا، والولايات المتحدة)، بالإضافة إلى أنشطة كوريا الشمالية في تطوير "الصواريخ الباليستية"، وجهود تركيا والبرازيل وكوريا الجنوبية لتطوير برامج للانطلاق للفضاء.

وتشير الدراسة إلى أنه على الرغم من هذا الاهتمام الدولي بمجال الفضاء والاستثمار فيه، إلا أن الولايات المتحدة واليابان والصين والاتحاد الاوربي فقط هم من يمتلكون برامج استكشاف فضاء. ويعد البرنامج الأمريكي هو الأكثر تمويلاً وتقدماً تكنولوجياً، ويليه من حيث التقدم وكثافة النشاط برامج اليابان وأوروبا لاستكشاف الفضاء، فيما تمتلك الصين برامج علمية تركز على اكتشاف القمر.

أما على صعيد البلدان التي لديها برامج عسكرية في مجال الفضاء، فثمة ثلاثة دول فقط (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين) تمتلك برامج فضاء عسكرية كاملة، توفر لها خدمات اتصالات واستخبارات إليكتروينة.

ويرى Lewis أن هناك "عسكرة للفضاء"، ولكنه مع ذلك يبقى "غير مسلح"، حيث إنه لا يُعد ساحة لعمليات قتالية، وذلك باستثناء السباق العسكري الفضائي الوحيد الموجود بين واشنطن وبكين، إذ تمتلك القوتان أسلحة مضادة للأقمار الصناعية.

2- أنشطة الصين الفضائية:

ترجع المصالح والاستثمارات الصينية في مجال الفضاء إلى أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، عندما أطلقت الصين برامج الصواريخ الباليستية بشكل مبدئي، ثم بدأت بعدها التخطيط لرحلات الفضاء المأهولة في بداية الستينيات، وتلا ذلك الإعلان عن تأسيس محطة فضائية في أواخر السبعينيات.

وفي الحقيقة، فإن جهود الصين الفضائية سعت إلى تحقيق عدة أهداف سياسية وعسكرية واقتصادية، منها إظهار البراعة التكنولوجية وقوة الدولة، وإثبات صحة ما يُثار بشأن مكانة الصين ليس فقط على مستوى القيادة الإقليمية، بل كونها أضحت قوة عالمية. كما استخدم قادة الصين رحلات الفضاء بهدف تعزيز شرعية الحزب الشيوعي الحاكم، والتوضيح للشعب الصيني التقدم الذي حققه الحزب في هذا المجال الذي يحظى باهتمام السياسيين في بكين أكثر من غيرها من العواصم الأخرى.

وتلفت الدراسة الانتباه إلى أن الاستراتيجيات العسكرية الصينية تُظهر إمكانية استخدام الفضاء كعنصر أساسي في الحروب الحديثة، حيث يدمج "جيش التحرير الشعبي الصيني" بين القدرات العسكرية التقليدية والإلكترونية مدعومةً بخدمات الفضاء العسكرية التي تشمل الأقمار الصناعية والأسلحة المضادة لها، وذلك لهزيمة الأعداء في أي حرب جوية أو بحرية محتملة.

وفي هذا الصدد أيضاً، فقد طورت الصين نظاماً لتحديد المواقع بالأقمار الصناعية "بيدو" سيجلب لها منافع اقتصادية واجتماعية وعسكرية عديدة، منها توجيه الصواريخ والسفن والطائرات المهاجمة، مما يعطي بكين فرصة لأن تصبح قوة عظمى.

وقد اعتمدت بكين على الشركاء الأجانب في تسريع جهودها الفضائية من خلال التعلم من خبرة البرامج الأخرى، وذلك بالتوازي مع الجهود الذاتية التي تقوم بها.

3- النشاط الهندي الفضائي:

على نفس النهج الصيني، تستخدم الهند برنامجها الفضائي لإظهار نفسها كقوة عظمى، كما أن البرنامج الفضائي الهندي ينطلق في جزء منه من المنافسة مع الصين، وإن كانت الأخيرة سيكون لها الغلبة في مجال التنافس الفضائي في آسيا.

وبشكل عام، فإن الدوافع الهندية تشبه مثيلتها الصينية، سواءً من حيث الرغبة في تحقيق الفخر القومي والشعور بالاستقلال والاعتماد على الذات وتطوير القاعدة التكنولوجية الهندية والقدرات العسكرية والتأكيد على المكانة الاقليمية، بيد أنها تختلف عن الصين في أن تأثير البرنامج الفضائي على المستوى السياسي داخلياً في الهند أقل من نظيره الصيني، حيث تتيح الديمقراطية الهندية إثارة انتقادات حول إنفاق المزيد من الموراد المالية في مجال الفضاء في الوقت الذي تحتاجها الدولة على الأرض.

ويشير Lewis إلى أن الهند لديها برامج تعاون فضائية مع كافة القوى الأخرى بما فيها الولايات المتحدة، كما عقدت الهند محادثات هذا العام مع روسيا لتوسيع التعاون الفضائي.

وكانت الهند قد أطلقت أقماراً صناعية لاستكشاف القمر والمريخ في عامي 2008 و2013 على التوالي، كما تخطط لبرنامج رحلات الفضاء البشرية، والتي من المقرر لها أن تبدأ بصفة مبدئية عام 2020 في حال ما إذا توفرت الموارد المالية لها.

4- أوروبا في الفضاء..­ القدرات والطموحات:

تركز أوروبا في مجالات استكشاف الفضاء على الأغراض العلمية. وقد وجهت كل من وكالة الفضاء الأوروبية واللجان الأوروبية جهودهما من أجل الشراكة ودعم السياسة الفضائية الأوروبية. وتهدف كلاهما إلى أن يأخذ الاتحاد الأوروبي زمام المبادرة، لاسيما فيما يتعلق بالمناقشات الدولية الخاصة بالفضاء، وإظهار الاستقلال الأوروبي في هذا المجال.

وكما يذكرLewis، فإن الأهداف الاستراتيجية الأوروبية في مجال الفضاء تدور حول الملاحة والاستشعار عن بعد، والأنشطة العلمية.

وتنقسم برامج الفضاء المدنية والعسكرية في أوروبا بين المؤسسات الداخلية والأوروبية المشتركة، حيث إن الأنشطة العسكرية في الفضاء تتم على المستوى الداخلي، وهو ما يُعرض الاتحاد الأوروبي لضغوط من الدول الأعضاء.

وتبرز الدراسة التعاون الفرنسي مع ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، ورغبة هذه الدول في تطوير قدراتها الفضائية، بما يمثل نموذجاً جيداً للتعاون البيني داخل القارة الأوروبية، كما أن التوجه الأوروبي للتعاون مع الصين يأتي بدافع الرغبة الأوروبية للوصول للسوق الصينية، وترقب احتمالية نشوب صراع عسكري.

5- العودة الروسية غير المؤكدة:

تشير الدراسة إلى أن برنامج الفضاء الروسي في حالة تدنٍ مستمرٍ منذ سنوات، إلا أن الرئيس الروسي بوتين أعلن خططاً لاستعادته لسابق عهده. وبالتوازي مع جهود بوتين، فإن وكالة الفضاء الروسية أعلنت عن جهود استكشافية فضائية جديدة، كما لجأت موسكو إلى التعاون مع الصين في مجال الفضاء رداً على العقوبات الأمريكية المعلنة ضد روسيا على خلفية أزمة شبه جزيرة القرم.

ويتوقف عودة روسيا لمكانتها وقدراتها الفضائية السابقة – من وجهة نظر Lewis - على عدة عوامل، من بينها توافر الموارد المالية، حيث يعتمد الاقتصاد الروسي على صادرات النفط، وهذا يعني أن أي تغير في أسعار النفط سيؤثر بالتبعية على الإنفاق الروسي على البرنامج الفضائي.

وثمة عامل آخر يتعلق بضرورة القضاء على الفساد في روسيا، فضلاً عن حل مشاكل صاروخ "بروتون" الذي يعاني خلال السنوات الأخيرة من مشكلات تقنية ساهمت في هز الثقة بقطاع الفضاء الروسي. ومعلوم أن قطاع الفضاء الروسي يعول بشكل كبير على هذا النوع من الصواريخ، وهو يدر ملايين الدولارات سنوياً مقابل إرسال أقمار آسيوية أو غربية إلى المدار.

6- مستقبل الاستكشافات الفضائية

منذ عام 1958، بلغت ميزانية وكالة "ناسا" حوالي 15 مليار دولار (لا يشمل هذا المبلغ النفقات العسكرية الأمريكية في الفضاء)، ولا تعاني "ناسا" من نقص الموارد المالية، بقدر ما تعاني من قصور التوجه الاستراتيجي من قبل القادة الأمريكيين، من وجهة نظر الكاتب.

ويشير  Lewis إلى أن ثمة مشاكل عدة عند محاولة استكشاف المريخ، ومنها طول الرحلة، ما يعني أن طاقم الرحلة لن يصل في الموعد الاستكشافي المحدد، كما أن بيئة المريخ غير صالحة، بالإضافة إلى التكلفة العالية.

وعلى الرغم من صعوبة استكشافات المريخ، فإن الولايات المتحدة تتجه للتركيز عليه، وهو ما أكد عليه أحد كبار مسؤولي الفضاء الأمريكيين حينما قال إن وكالة "ناسا" تتبع خطة طموحة للبشرية من أجل استكشاف المريخ.

وفي المقابل، فإن ثمة مزايا عديدة لاستكشاف القمر، أهمها أن اقترابه مقارنةً بالمريخ يقلل المخاطر على طاقم الرحلة، كما أن التكلفة أقل، والتكنولوجيا الراهنة أكثر صلاحية لهذه المهمة. ويمكن القول إن التواجد الصيني على القمر قد يشعر القادة الأمريكيين بعدم الارتياح، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى لفت انتباههم أكثر نحو مجال الفضاء.

وتعد المحطة الفضائية الدولية (ISS) هي الأداة الأكثر فعالية لتحقيق التعاون بين القوى الغربية في مجال الفضاء، وجدير بالذكر أن المحطة الفضائية الدولية أُطلقت لتأخذ محل ومهام المحطة الفضائية الروسية "مير"، ويتم الإشراف عليها بتعاون دولي.

وغني عن البيان أن إجراء بحث على المحطة الفضائية الدولية مرتفع التكاليف مقارنةً بإجراء الأبحاث الأخرى، حيث إن الهدف هو تحديد وحل المشاكل للرحلات الفضائية التي تستغرق فترة طويلة، وترى "ناسا" أن المحطة الفضائية الدولية هي تكنولوجيا لا تُقدر بثمن وتقدم حلول محتملة للتحديات الخاصة بالاكتشافات البشرية للفضاء.

7- التحديات والفرص المتاحة في الاستكشافات الفضائية:

فيما يلي عدد من النقاط التي ترى الدراسة أنها تساعد في التعرف على التحديات والفرص المتاحة في الفضاء، وهي:

أ- تطوير خطة مرحلية للمحطة الفضائية الدولية وأنشطة ما بعد "المدار الأرضي المنخفض Low Earth Orbit"، حيث إن التواجد البشري الدائم الوحيد في الفضاء حالياً هو للمحطة الفضائية الدولية.

ب- إعادة الاعتبار لاستكشافات القمر: ينبغي أن يصبح الهدف النهائي من استكتشاف القمر هو عودة الإنسان عليه.

ج- جعل استكشاف المريخ ضمن الأولويات: لقد آن الأوان لإيجاد هدف جديد، فكل جيل في مجال استكشاف الفضاء له نقطة محورية أو سمة مميزة، مثل الوصول إلى القمر وتأسيس المحطة الفضائية الدولية، ويتعين صياغة سياسة موحدة تربط بينهما وبين استكشاف المريخ، وهذه السياسة ستكون مناسبة للولايات المتحدة.

د- التأكيد على اكتشافات "الروبوت" في القريب العاجل: إن التحدي الاستراتيجي لاكتشافات الفضاء هو الذهاب أبعد من "المدار الأرضي المنخفض" خلال السنوات القليلة القادمة، ومن ثم فإن استكشافات "الروبوت" سيكون لها فوائد علمية وسياسية كبيرة، كما أنها ستبني قاعدة معرفية سنكون بحاجة إليها في الاكتشافات البشرية اللاحقة.

هـ- إنهاء الاعتماد على روسيا: فتقييم برنامج الفضاء الروسي أمر ضروري من أجل الحكم على مستقبل التعاون في الفضاء، وفي كل الأحول فإن موسكو لا تعد شريكاً يُعتمد عليه في هذا الصدد حتى مع إعلانها أنها ستستثمر مليار دولار سنوياً في مجال الفضاء.

و- بناء الثقة وضبط النفس مع الصين: فلا يمكن أن تبقى بكين معزولة، وينبغي مكافأتها حتى تتغير سلوكياتها وتلجأ إلى التعاون مع القوى الأخرى بصرف النظر عن الاختلافات السياسية، وهذا التعاون من الممكن أن يتحقق خلال السنوات القادمة. ومن ثم تؤكد الدراسة على ضرورة تطوير مؤشرات للثقة بين القوى الدولية الفضائية لأنها ستكون بمثابة آليات للتعامل مع حالة الشكوك وعدم اليقين بشأن الأنشطة في مجال الفضاء.

وترى الدراسة أن مواجهة التحديات المتعلقة باستكشاف الفضاء تتطلب وضع استراتيجيات وقرارات جديدة، حول كيفية تعاون قوى الفضاء الغربية معاً، مع التأكيد أن هذا التعاون هو في نهاية المطاف قرار سياسي.

* عرض موجز لدراسة تحت عنوان: "استكشاف الفضاء في بيئة دولية متغيرة"، المنشورة في يوليو 2014 عن برنامج التكنولوجيا الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS)).

المصدر:

James A. Lewis, Space Exploration in a Changing International Environment (Washington: The CSIS Strategic Technologies Program, July 2014).